عدد الزوار

تزوير المنتدى الصوفي القبوري: الحوار الإسلامي
للستر على فضيحتهم وطعنهم بشيخهم عبدالله الحداد / صور
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞ -][
فضيحة منتدى الحوار الإسلامي الصوفي
يتهمون شيخهم عبدالله الحداد بشرك الإلوهية وانه ضال مضل / صور
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞ -][
عبد الله بن علوي الحداد
وهابي يقر بتقسيم التوحيد صفعة في وجوه صوفية حضرموت
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞

الاثنين، 23 أغسطس 2010

الرهـص والـوقص لمُسْتَحِل الرقص

بسم الله الرحمن الرحيم
الرهـص والـوقص  لمُسْتَحِل الرقص

تأليف
الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي

تحقيق
الدكتور
جميل عبد الله عويضة

1430هـ / 2009م


نبذة عن المؤلف[1] :

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي ثم القسطنطيني ، الحنفي.

فقيه ، أصولي ، مُقرئ ، عالم بالعلوم العربية ، والتفسير ، والحديث ، والقراءات .

قرأ بحلب على علماء عصره ، ثم رحل إلى مصر ، وقرأ على علمائها الحديث ، والتفسير ، والاصول ، والفروع ، ثم انتقل إلى القسطنطينية، وقطن فيها ، ووُلِّي بها إمامة جامع السلطان محمد خان ، والخطابة فيه ، ودرّس بدار القرّاء ، وانتفع به كثيرون.

كان كثير الانتقاد لابن عربي ، وقد صنّف في الردّ عليه كتاباً سمّـاه : تنبيه الغبي في الرد على ابن عربي .

    قال ابن الحنبلي: كان سعدي جلبي مفتي الديار الرومية يعوّل عليه في مشكلات الفتاوي.

له من المؤلفات : ملتقي الأبحر، في الفقه ، وهو  أشهرها وعليه شروح كثيرة، وهو (مطبوع)  ، تحفة الأخيار على الدر المختار شرح تنويرالأبصار ، غنية المُتملِّي في شرح (منية المُصلَّى ) للكاشغري (مطبوع)، ، الرهص والوقص لمُستحِل الرقص ، تلخيص الفتاوى التاتارخانية ، تلخيص الجواهر المضية في طبقات الحنفية ، بلغة الأريب في مصطلح آثار الحبيب ، قفو الأثر في صفوة علوم الأثر ، منتهى الكفاية ، وواقعات المفتيين ، وغيرها .

توفّـي سنة ست وخمسين وتسعمائة ، وقد جاوز التسعين.











بسم الله الرحمن الرحيم



       الحمد لله الملك العلي الكبير ، الحكم العدل اللطيف الخبير ، العالِم الذي لا يَعْزُب عن علمه كبير ولا صغير ، المطَّلع على ما يفوه به اللسان ، وما يكنه الضمير ، له الخلق والأمر ، وبيده النفع والضّر ، وله الحكم في خلقه والتدبير ، أحمده على ما هدانا إليه من اتِّباع الشرع المنير ، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله الذي حمانا ووقانا من ابتداع كل شيطان مبير ، وأشهد أنّ سيدنا محمدا عبده الداعي إلى كلِّ ما فيه الرشد والجزألة الناهي عن كل بدعة وضلالة ، المبجّل بالتعظيم والتوقير ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه التابعين لسنته ، المتمسكين بمحاسن شرعته ، المتحامين عن زيغ الشيطان وبدعته ، المتحلين بكل أمر خطير ، وبعد...

 فهذه رسالة مسماة بالرهص[2] والوقص[3] لِمُسْتَحِلِّ الرقص ، وذلك أنّ طائفة ممن يدعي التصوّف ، وهو فيه دعيّ بالتصلف قد اتخذوا الرقص واللعب ديدنا ، واعتقدوه تديّنا ، وخلطوا العبادة باللعب ، وافتروا على الله الكذب ، يأخذ بعضهم بيد بعض ، ويتحلّقون حلقة، ويدورون محركين أيديهم إلى وراء وقدَّام ، ورؤوسهم بالتصعيد / والتسفيل ، والتلوي كالهيئة التي يفعلها بعض2 ب النصارى في لعبٍ لهم يسمونه بركض الديك ، ساء ما يصنعون .

فصـــل :

              الفعل الاختباري القصدي إنْ لم يتعلق به غرض صحيح بأن لم يتوقف عليه فائدة دينية ، ولا دنيوية ، فهو دائر بين العبث واللعب واللهو ، ولم يفرَّق بينها في كتب اللغة ، ولا بدّ من الفرق لعطف اللهو على اللعب وعكسه في القرآن ، واختلف فيه ، قال الحدادي[4] : العبث كلّ لعب لا لذة فيه ، فأمَّـا الذي فيه لذة فهو لعب ، وفي الكفاية نقلا عن الكردري[5] ، العبث : الفعل الذي فيه غرض لكنْ ليس بشرعي ، وما قاله الحدادي أنسب ، فإن العبث إنما يقال لما لا فائدة فيه أصلا ، قال الإمام أبو زيد الدَّبُوْسي[6] في التقويم في تقسيم قبح المنهي عنه : أمَّـا الأول فكالسفه والعبث ، فواضع اللغة وضع الاسمين لفعلين قبيحين لذاتهما عقلا ، وقال شمس الأئمة السرخسي[7] في أصوله بيان القسم الأول ، يعني ما هو قبيح لعينه في العبث والسفه ، فإنهما قبيحان شرعا ؛ لأن واضع اللغة وضع هذين الاسمين لما يكون خاليا عن الفائدة ، ومبنى الشرع على ما هو حكمه ناتج عن فائدة ، فما يخلو من ذلك قطعا يكون قبيحا شرعا ، انتهى .

       واللعب قد يقصد منه فائدة نفسانية ، لا نفع لها ، واللهو مثله ، إلاّ أنّ فيه زيادة حظ للنفس ، بحيث تشتغل به عما يهتمها ، والكلّ حرام ، إلاّ ما استثنى الشارع لخاصية فيه ، تميّزه عن نوعه ، على ما نذكره  إنْ شاء الله تعالى ، وذلك أنّ هذه الأشياء الثلاثة لم تذكر في القرآن إلاّ على سبيل الذم ، سوى موضعٍ واحد، هو من المستثنى من اللعب في قوله صلى الله عليه وسلم : ( كلّ شيء من لهو الدنيا باطل إلاّ ثلاثة : انتضاء لك بقوسك ، وتأديبك فرسك ، وملاعبتك أهلك فإنهن من الحقّ ) رواه الحاكم من حديث أبي هريرة ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، وفي رواية جابر ، أخرجه النسائي : (كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب إلاّ أربعة : ملاعبة / الرجل امرأته ، وتأديب 3 أ الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الفرضين ، وتعلّم الرجل السباحة ) وكذلك رواه إسحاق ابن راهويه ، والموضع المستثنى في القرآن قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف : [أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ][8] على قراءة النون ، فإن المراد باللعب أحد ما استُثني في هذا الحديث ، فإن المفسرين أجمعوا على أنّ المراد به الاستباق بالرمي والصيد ، ولقد بالغوا في تقبيح العبث حتى إنّ الإمام فخر الإسلام البزوري وغيره قرنه مع اللعب في القبح ، حيث قال في أصوله : والنهي في صفة القبح ينقسم انقسام الأمر ، ما قبُح لعينه وضعا ، مثل الكفر والكذب والعبث ، انتهى .

       وتقدّم كلام الشيخ أبي زيد الدبوسي في التقديم ، وكلام شمس الأئمة ، وصرح الإمام جواهر زاده[9] في حواشي القدوري بحرمته ، حيث قال : المحرمات أربعة : العبث والسفه والجهل والظلم ، انتهى .

       وهذا كله ظاهر عند مَن له أدنى عقل .

فصـــل :

  وحيث عًلِم حرمة اللعب واللهو والعبث ، عُلم حرمة الرقص والدوران الذي تفعله هذه الطائفة بلا شك ، فإنه داخل في العبث واللعب ، وهو بالعبث أنسب ، بخلوه عن اللذة التي في اللعب ، اللهم إلاّ أن تكون نفوسهم تستلذه بتسويل الشيطان ، فليدخل حينئذ في حدِّ اللعب ، وقد قررنا حرمته ما لم يكن مما استثناه الشرع ، والتصريح بحرمة الرقص مشهورة في كتب أئمتنا رحمهم الله وغيرها ، قال البزازي[10] والقرطبي على أنّ هذا الغناء ، وضرب القضيب والرقص حرام بالإجماع عند مالك والشافعي وأحمد في مواضع من كتابه ، وسيد الطائفة شيخ أحمد النسوي صرح بحرمته ، ورأيت فتوى شيخ الإسلام ، جلال الملة والدين الكيلاني أنّ مُستحل هذا الرقص كافر ، ولما علم أنّ حرمته بالإجماع لزم أنْ يُكفِّر مُستحله ، وللشيخ الزمخشري في كشافه كلمات فيهم تقوم بها عليهم الطامة ، ولصاحب النهاية ، والإمام المحبوبي أيضا  أشدّ من ذلك ، وقال في شرح الكنز بعدما ذكر / قوله عليه الصلاة والسلام ( كلّ 3ب لعب ابن آدم حرام إلاّ ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله ، وتأديبه لفرسه ، ومناضلته بقوسه ) ، وهذا نص صريح في تحريم الرقص الذي يسميه المتصوفة الوقت وسماع الطيب ، وإنما هو سماع فيه أنواع الفسق ، وأنواع العذاب في الآخرة ، وقال في اليتيمة سئل الحلواني عن مَنْ يُسمون[11] أنفسهم بالصوفية ، واختصوا بنوع لِبسة ، واشتغلوا باللهو والرقص ، وادّعوا لأنفسهم المنزلة ، فقال : افتروا على الله كذبا أم بهم جنة ، فليس النبي صلى الله عليه وسلم من الدد ، ولا الدَد[12] منه ، ونهى عليه الصلاة والسلام عن لبس الشهرتين ، فقال ليس[13]  بشيء ، ألا ساء ما يزرون ، وسُئل إنْ كانوا زائغين عن الطريق المستقيم ، هل يُنفون من البلاد لقطع فتنتهم عن العامة ، فقال : إماطة الأذى أبلغ في الصيانة ، وأمثل في الديانة ، وتمييز الخبيث من الطيب أزكى وأولى ، وذكر في التاتار خانية عن النصاب ،  هل يجوز الرقص والسماع ؟ الجواب لا يجوز ، وذكر في الذخيرة أنه كبيرة ، ومن أباحه من المشايخ فذلك للذي حركاته كحركات المرتعش ، انتهى .

فصـــل :

            وما ذكره البزازي من الإجماع عن تحريم الرقص محمول على ما إذا اقترن بشيء من اللهو كالدفِّ والشبَّابة ، ونحو ذلك  ، أو بالتكسر والتمايل ، وأمَّـا مجرد الرقص فمختلف في حرمته ، مذهبنا ومذهب الجمهور أنه حرام لما تقدم من الأدلة ، فأنه داخل في اللهو والعبث واللعب غير مستثنى ، وعن بعض الشافعية أباحته بشرط أن لا يكون فيه تكسر و بشرط أنْ لا يعتاده ، واستدلوا عليه بحديث رقص الحبشة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ينظر إليهم ، وبقصة عليّ وجعفر وزيد ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد أنت أخونا  ومولانا ، فحجلَ ، وقال لجعفر : أشبهت خَلقي وخُلقي ، وقال لعلي : أنت منِّي وأنا منك ، فحجل ، والحجل أن يرفع رِجلا ، ويقفز على الأخرى ، فهو رقص بلا تكسّر ، والجواب من وجوه : الأول أنّ المُحرّم مرجح / على 4 أ المبيح عند التعارض ، والثاني أن القول مرجح على الفعل عند التعارض أيضا ، الثالث أنَّ رقص الحبشة لم يكن مجرد رقص بل كان لعبا بالدَّرَق والحِراب ، قال البخاري رحمه الله ، باب الحِراب : والدرق يوم العيد ، ثم ذكر الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، إلى أن قالت : وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدَّرق والحِراب ، فإمَّا سألتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وإمَّـا قال تشتهين تنظرين ، فقلتُ نعم ، فأقامني وراءه ، خدِّي على خدِّه ، وهو يقول : دونكمم يا بُني أرْفَدة ، حتى إذا مللت قال : حسبُك ، قلت : نعم ، قال : فاذهبي ، انتهى .

فحينئذ هو من جنس ما استُثني في الحديث ، فإنه من الاستعداد للحرب والجهاد ، وكالرمي ، والقوس ، وتأديب الفرس ، وإليه أشار الشيخ الإمام العلامة شرف الدين إسماعيل ابن المقري اليمني الشافعي في قصيدته في ذمّ الرقص بقوله :

قالوا رقصنا كما الأحبوش قد رقصوا بمسجد المصطفى قلنا بلا كذب

قلنا بلا كذب فالحبش ما رقصوا لكنهم       لعِبوا من آلة الحرب بالآلات واليلب

       وذلك اللعب  منــدوب تعلّمـــه       في الشرع للحرب تدريبا لكلِّ غبي

الرابع : أنّ كلا من الحديثين حكاية حال ، محل للاحتمال ، فلا يصلح للاستدلال ، كما تقرر في الأصول ، فسلمت دلائل الجمهور النقلية والعقلية عن المعارض ، على أنّ هيئة الرقص التي تفعلها الطائفة المذكورة خالية عن الشرطين اللذين شرطهما القائل بالإباحة ، فإنها مشتملة على التكسُّر والتخلع والتمايل ، وكانوا اتخذوا ذلك عادة ، كما لا يخفى ، فكانت مُجمعا على تحريمها ، ولقد كان اللائق على تقدير أنّ الجمهور هم القائلون بالإباحة ، وبعض الأئمة قال بالتحريم أو الكراهة أن يتحرّز مَنْ يدعي التصوف عنه أشدّ التحرز، ويكون أبعد الناس عنه، فكيف والإجماع على تحريمه بالصفة المذكورة ، ولكنّ التوفيق من الله تعالى وحده .

فصـــل :

ومن جملة الحماقة استدلال بعض من يدّعي العِلم منهم على إباحة الرقص والدوران المذكور بقوله تعالى : [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ /اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا 4 ب وَعَلَى جُنُوبِهِمْ][14] وهذا الاستدلال منه أبعد شيء عن العِلم ، فإن مفهوم الآية تعميم الأحوال التي اعتوارها على الإنسان ضروري بالذكر ، وأين هي من حالة زائدة ذمها الشرع ، والعقل ، يجب تنزيه الذكر عنها ، كما يجب تنزيهه عن حالة التغوط ، ومخالطة النجاسات ، وسائر أنواع الفسق ، فإن الرقص المذكور من جملة الفسق ، على ما تقرر ، ومن جملتها أنه يزول عن ذلك بقوله تعالى : [وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ][15] ، ويقيس دورانهم الشنيع على طواف الملائكة بالعرش ، وعلى الطواف بالكعبة ، فانظر إلى هذه الحماقة ، كيف يقيس المعصية على الطاعة ، ويُشبّه القبيح بالحسن ، ولا يدري أنّ هذا الفعل لو فرض أنه غير قبيح في ذاته لما جاز قياسه على الطواف؛ لأن الطواف أمر تعبدي ، ليس للرأي فيه مدخل ، قال الشيخ حافظ الدين في منع التشبيه بالواقفين بعرفة : هذه عبارة مخصوصة بمكان ، ولا تتصور عبادة في غيره ، فإن من طاف حول مسجد ينوي الكعبة يُخشى عليه الكفر ، انتهى .

وكذلك يُستدل أيضا بما هو كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وباطل بإجماع أهل العلم ، وهو الحديث الذي ذكره صاحب العوارف أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنشد بين يديه :

قد لسعت حيّة الهوى كبدي        فلا طبيب لها ولا راق

إلاّ الحبيب الذي شُغفت به         فعنده رقيتي وترياقي

فتواجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتواجد الأصحاب حتى سقط رِداءه عن منكبه إلى آخره [16] ، مع أنّ صاحب العوارف قد تبرأ من عهدته ، ونبّه على ما يجب التنبيه عليه ، فقال بعدما رواه : فهذا الحديث أوردناه مسندا كما سمعناه ووجدناه ، وقد تكلّم في صحته أصحاب الحديث ، وما وجدنا شيئا نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشاكل وَجْد أهل الزمان ، وسماعهم ، واجتماعهم ، وهيئتهم إلاّ هذا / وما أحسنه حجة للصوفية ، وأهل الزمان في سماعهم5 أ       وتمزيقهم الخِرّق ، وقسمتها أن لوصح ، والله أعلم ، ويخالج سرّي أنه غير صحيح ، ولم أجد فيه ذوق اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ، وما كانوا يعتمدونه على ما بلغنا في هذا الحديث ، ويأبى القلب قبوله ، والله أعلم وأحكم ، انتهى .

       فانظر إلى هذا الذي يدّعي العلم والتصوف والتدين ، كيف يستدل بهذا الحديث على رؤوس المسلمين ، ويذكر إيراد صاحب العوارف له ، ويسكت عما ذكره صاحب العوارف من الطعن فيه ، وعدم قبوله له ، وهذا عين الخيانة ، والغشّ للأمّة بالتلبيس عليهم ، فيا للعجب [أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ  لِيَوْمٍ عَظِيمٍ  يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ][17] قال السروجي في شرح الهداية : ومن الموضوعات حديث تمزيق الرداء ، والطرب للغناء ، وقال ابن أبي حجلة في كتابه غيث العارض : وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنشده منشد :

قد لسعت حية الهوى كبدي ، الى آخره .

 فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث ، وقال الدميري من الشافعية في شرح المنهاج : ومَنْ نسب السماع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤدَّبُ أدبا شديدا ، ويُعزَّر تعزيرا بليغا ، ويدخل في زمرة الكذّابين عليه ، صلى الله عليه وسلم ، فليتبوأ مقعده من النار .



فصـــل :

              واعلم أنّ صنيعهم هذا قد اشتمل على جملة من القبائح منها : عدم المروءة ، والتشبّه بالنساء والصبيان ، قال سلطان العلماء الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام : الرقص لا يتعاطاه إلاّ ناقص العقل ، ولا يصلح إلاّ للنساء ، ومنها التشبّه بالبهائم كالقردة والدَّباب[18] ، والتشبيه بالنصارى كما تقدم ، ومنها خلط المعصية بالعبادة ، ومنها اعتقاد ذلك عبادة وقُربة ، فكان من هذه الحيثية أشدّ من الفسق الذي يعتقده فاعله فِسقا ، ولقد بلغني عن من أنكرت ذلك عليه أنه قال بعدما غبت عنه : لا ينكرون / على مَنْ يشرب الخمر ، ويُنكرون علينا  5ب أو كما قال ، فأقول لو تأمّل هذا المسكين تأمل المصنفين لوجد هذا الفعل أشدّ ضررا عليه من شرب الخمر ، فإنّ شارب الخمر يعتقد حرمة فعله ، فربما يستغفر منه ، ويندم عليه ، ويحصل له الذلّة والانكسار ، ويُقابل من الخلق باللوم والاحتقار ، بخلاف هؤلاء ، فإنهم باعتقادهم أنه عبادة لا يستغفرون منه ، ولا يندمون ، بل يتباهون به ، ويتطاولون ، وينالون عند الناس المنزلة والاعتبار ، والتعظيم ، وهذا ما يُذكر عن إبليس أنه قال : قصمت ظهور بني آدم بالمعاصي ، فقصموا ظهري بالاستغفار ، فأحدثت لهم ذنوبا لا يستغفرون منها ، وهي البدع ، ومنها إظهارهم الوجد من غير وجد ، وهو رياء وشرك ، حتى قال في العوارف[19] : إنه عين النفاق ، وذُكر عن النصر اباذي أنه كان كثير الولع بالسماع ، فعوتب في ذلك ، فقال : نعم ، هو خير من أن تقعد وتغتاب ، فقال له أبو عمرو بن نجيد وغيره من إخوانه : هيهات يا أبا القاسم ، زلة في السماع شرمن كذا وكذا سنة تغتاب الناس ، وذلك أنّ زلة السماع إشارة إلى الله تعالى ، وتدبج حال بصريح المحال ، وفي ذلك ذنوب متعددة ، منها أنه يكذب على الله أنه وهب له شيئا ، وما وهب له ، والكذب على الله تعالى من أقبح الزلات ، ومنها أنْ يغرّ بعض الحاضرين ، فيحسُن به الظن ، والغرور جناية ، قال عليه الصلاة والسلام : مَنْ غشّنا فليس منا ، إلى آخر ما ذكر صاحب العوارف .

       أقول إذا كان هذا بالسماع المباح ، فكيف بمن هو متلبس بفعل حرام ، وهو الرقص المذكور ، ومن جملة القبائح ، وأقبحها الافتراء على الله في أنّ مثل هذا الرقص مباح ، أو قربة ، فإنّ واضع الإحكام هو الله تعالى وحده ، لا حكم لغيره فيها ، فإباحة ما حرّمه ، أو العكس افتراء عليه ، وإسناد إليه ما لم يفعله [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا][20] ونحن قد أغنى الدليل من الكتاب والسنة ، والإجماع على حرمته متى كان بالصفة المذكورة ، فإنه لهو ولعب/ 6أ وعبث ، وقد ذم ذلك سبحانه في كتابه ، ورسوله في سنته ، وأولوا العلم والعقل في كلامهم ، [  وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ] [21].

فصـــل :

              وكثير من هؤلاء الجهال يظنون أن الرقص من السماع ، ويستدلون عليه بورود السماع عن المشايخ المعتبرين ، كونه في الكتب المعتمدة ، وهذا جهل منهم لاللغة والاصطلاح ، فإنّ السماع في اللغة هو إدراك القوة السامعة للأصوات ، وكذلك هو في اصطلاح الصوفية ، ولهذا تراهم يفتحون الكلام فيه بقوله تعالى : [الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ][22] وذلك بأن يُنشد بعضهم من الأشعار المباحة ، ويستمع الباقون ، فيحصل لكل منهم ما يقتضيه حاله ، وإنما حركات الأعضاء مسببة عن الوجد ، الذي يثيره السماع ، ولا يُسمّى سماعا أصلاً ، ولا يحلّ إلاّ إذا صارت الحركات كحركات المرتعش ، بحيث لا يتعداه ، يمسك نفسه عنها على ما صرح به في العوارف وغيره ، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مختصر القواعد : وقد يصيح بعضهم لغلبة الحال عليه ، وإلجائها إياه إلى الصياح ، ومَنْ صاح لغير ذلك فمتصنع ، ليس من القوم في شيء ، وكذا مَنْ أظهر شيئا من الأحوال رياءً وتسميعاً فإنه مُلحق بالفجّار دون الأبرار .

فصــل :

              البدعة ، قال في القاموس : الحَدِث في الدين بعد الإكمال ، أو ما استُحدِث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال زين العرب : البدعة ما أُحدِث على غير قياس ، أصل من أصول الدين ، وقال الهروي : البدعة الرأي الذي لم يكن له من الكتاب ، ولا من السنّة سند ظاهر أو خفي مستنبط .

       أقول : مرادهما البدعة المكروهة ، أو المحرّمة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )، فأراد إخراج البدعة الحسنة ، فإنها لا بدّ أن تكون على أصل وسند ظاهر أو خفي أو مستنبط على ما سنذكر إنْ شاء الله تعالى .

       اعلم أنَّ المعصية إذا عملها صاحبها مع اعتقاد أنها معصية / يُسمَّى 6ب فاسقا ، ولا يُسمى مبتدعا ، فإن اعتقد مع ذلك كونها مشروعة في الدين جوازا أو ندبا أو وجوبا فهو مبتدع ، فالفسق أعمّ من البدعة ، فكل بدعة فسق ، ولا عكس ، فيكون هؤلاء بفعلهم هذا فُساقا مبتدعين ؛ لعملهم المعصية معتقدين أنها طاعة ، ومن بدعهم الجهر بالذكر قدَّام الجنازة ، وقدَّام العروس ، وشبه ذلك في الطرقات ، أمَّـا الذكر جهرا قدّام الجنازة فمنصوص عليه في مذاهب الأئمة الأربعة ، قال قاضي خان في الفتاوى : ويُكره رفع الصوت بالذكر ، فإنْ أراد أنْ يذكر الله تعالى يذكره في نفسه ، وعن إبراهيم : كانوا يكرهون أنْ يقول الرجل  وهو يمشي معها : استغفروا له ، غفر الله لكم ، ونحوه في الفتاوى الظهيرية ، وذكر في النهاية والكفاية عن الإمام التمرتاشي : ويُكره لمشيِّعها رفع الصوت بالذكر ، والقراءة ؛ لأنه فعل الكتابي ، ويُركز في نفسه ، والتشبه بالكافر فيما لنا منه بُدّ مكروه ، وقال في المنهاج للشافعية : ويُكره اللفظ في الجنازة ، قال شارح الدميري : وهو ارتفاع الأصوات ، لِما روى البيهقي أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون رفع الصوت عند الجنازة ، وعند القتال ، وعند الذكر ، قال : وقال المصنف : المختار ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير بالجنازة بغير رفع صوت بقراءة ولا بذكر ، وقال في الكتاب المسمى بالفروع للحنابلة : ويُستن الذكر والقراءة سرّا ، وإلاّ فالصمت ، ويُكره رفع الصوت ولو بالقراءة اتّفاقا ، قاله شيخنا ، وحرّمه جماعة من الحنفية ، وغيرهم ، انتهى .

       وقال في الكتاب المسمى بالمدخل للمالكية : وليُحذر من هذه البدعة الأخرى ، التي يفعلها أكثرهم ، وهي أنهم يأتون بجماعة يسمونهم بالفقراء الذاكرين ، يذكرون أمام الجنازة جماعة على صوت واحد، يتصنعون في ذكرهم ، وينطقون به على طرق مختلفة ، إلى آخر ما ذكر ، وإذا تقرر كراهة رفع الصوت بالذكر مع الجنازة في مذاهب الأئمة الأربعة ، ففي نحو الذكر قدّام العروس بالطريق الأوْلَى ، وبالجملة فالذكر بالصوت الشديد في الطرقات بدعة ، لكونه غير معهود / في زمنه عليه الصلاة والسلام ، ولا في القرون 7 أ المشهود بخيريتها دَلالة سَند ظاهر ، ولا خفي ، ولا يجوز قياسه على التلبية والتكبير في طريق العيد لعدم شرط القياس ، على أنّ التلبية والتكبير لم يُشرع الجهر بهما إلاّ لكل فرد بنفسه ، لا بهيئة الاجتماع والاتفاق في الصوت بالرفع والخفض، ومراعاة الأنغام ، والزيادة والنقص ، والتمطيط، والإبدال في الحروف، لأجل ذلك فإن ذلك كله حرام في الذكر ، كما يحرم في قراءة القرآن .

فصـــل :

              وقد اعتاد هؤلاء وأمثالهم الجواب لمن قال لهم : إنّ هذه بدعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، بأن يقولوا : هذه بدعة حسنة ، وذلك لجهلهم بالبدعة الحسنة ، وعدم فرقهم بينها وبين السيئة ، فيظنون أنّ كل ما استحسنه نفرٌ منهم ، فهو حسن ، وربما استدلوا بحديث ( ما رآه المسلمون حسنا فهوعندالله حسن )، وقد تقدم أنّ البدعة الحسنة ما كان على قياس أصل من أصول الشرع ، والحديث المذكور موقوف من قول ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أخرجه أحمد في كتاب السنة ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود، قال : ( إنّ الله نظر في قلوب العباد ، فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم ، فبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد ، فاختار له أصحابا ، فجعلهم أنصار دينه ، ووزراء نبيه ، فما رآه المسلمون حسنا  فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون قبيحا ، فهوعند الله قبيح )  وكذا أخرجه الفراري ، والطيالسي ، والطبراني، وأبو نعيم ، ولا شكّ أنَّ ليس اللام في( المسلمون ) لمطلق الجنس ، ولا للاستغراق الحقيقي ، بل إمَّـا للعهدالمذكور في قوله : فاختار له أصحابا ، فيكون المراد الصحابة فقط ، وإمَّـا لاستغراق خصائص الجنس ، وهي التي تخلفها كلٌّ مجازاً ، نحو زيد الرجل علما ، أي الكامل في هذه الصفة ، ومنه قوله :

وإنّ الذي حانت بفبج دماؤهم       همالقوم كلُّ القوم يا أمَّ مالك [23]

فيراد أهل الاجتهاد والعلماء العاملون في كل زمان ، فهم الكاملون في صفة الإسلام ، ومثل قوله عليه الصلاةوالسلام : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة) ، كان المراد به أهل الاجماع ، على أنَّ هذا يصح أنْ يراد به جميع الأمة / أي لا 7ب تجتمع جميع أمتي في زمان من الأزمنة على ضلالة ، كما اجتمع اليهود والنصارى على الضلالة في بعض الأزمنة ، ليكون موافقا لقوله عليه الصلاةوالسلام : ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمـر الله ، لا يضرهم مَنْ خذلهم ، ولا مَنْ خالفهم حتى يلأتي أمر الله )، فعلم أن المراد ما رآه الصحابة ، أو أهل الإجماع في كل عصر حسنا ، فهو عند الله حسن ، وما رآه قبيحا فهوعند الله قبيح ، وقد قررنا أنهم أجمعوا على كراهة رفع الصوت بالذكر مع الجنازة ، فيكون عند الله مكروها .



فصـــل :

              البدعة غير السيئة تنقسم إلى فرض كفاية كتعلم علم الكلام للرد على أهل البدع والإلحاد ، وإلى مُستحب كتصنيف كتب العلم ، وبناء المدارس والرُّبط ونحو ذلك ، وإلى مُباح كالتوسع في الأطعمة ونحوها من المباحات ، وعند الاستقراء لا يوجد ذلك في العبادات الخالصة البدنية ، كالصلاة والصوم ، وقراءة القرآن ، والذكر ، وأوصافها ، وذلك لأن البدع الغير السيئة إنما تكون فيما حدث سببه بعد الصدر الأول ، أو زال المانع منه ، والعبادات الخالصة البدنية ليست كذلك ، فلا تكون البدعة فيها إلاّ سيئة ؛ لأنها كالاستدراك على أهل الصدر الأول ، إذ ترك الفعل لا يكون إلاّ لعدم الحاجة إليه ، أولمانع يمنع عنه ، أو لعدم التنبيه له ، أو للتكاسل ، أولكراهته ، والأولان منتفيان في العبادات المحضة ؛ لأن الحاجة إلى التقرب بها إلى الله لا تنقطع ، ولم يكن منها مانع بعد ظهور الإسلام ، وغلبة أهله ، وكذا الاستدراك بعدم التنبه أو التكاسل ، إذ لا يجوز ظن ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وجميع أصحابه ، فلم يبق إلاّ الكراهة ، وذلك [ ما ][24] أراد عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لمَّـا أُخبِر بالجماعة الذين ذُكروا له أنهم يجلسون في المسجد بعد المغرب ، فيهم رجل يقول : كبروا الله كذا وكذا ، وسبحوا الله كذا وكذا ، واحمدوا الله كذا وكذا ، فيفعلون ، فحضرهم ، فلمَّـا سمع ما يقولون قام ، فقال لهم : أنا عبد الله بن مسعود ، والله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلما ، أولقد فقتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما .. إلى آخره ، فكأنه قال : إمَّـا أنْ يكون ما جئتم به بدعة / وإمَّـا أنكم استدركتم على الصحابة ما فاتهم ؛ لعدم تنبههـم ، أو 8أ لتكاسلهم ، ففقتموهم  من حيث العلم بطرق العبادة ، والثاني منتفٍ ، فتقرر الأول ، وهو أنه بدعة ، فهكذا يقال : كلُّ مَنْ أتى في العبادات بصفة لم تكن في زمن الصحابة ، كالجهر بالذكر قدّام الجنازة ، ونحوها ، ومنه عدّ حكم العلماء على ذلك بكونه بدعة مكروهة ، مع أنه في ذاته عبادة ، فلو كان وصف العبادة في الفعل المبتدع يقتضي كونه بدعة حسنة لم يوجد في العبادة ما هو بدعة مكروهة ، وقد وجد البدعة المكروهة فيها إجماعا ، ولم يوجد عبادة خالصة هي بدعة حسنة إجماعا، فعلم أنّ كل بدعة في العبادات الخالصة ، فهي مكروهة ، وإلاّ لما فاتت أهل الصدرالأول، والقرون التي شهد الصادق المصدوق بخيريتها ، ولأنها لا بدّ أن تدافع سنة ، وكل بدعة دافعت سنة فهي سيئة ، فالخبر المذكور يدافع السنة الثابتة بالحديث المتقدم ذكره الذي خرّجه البيهقي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون رفع الصوت عندالجنازة ، وعند القتال ، وعند الذكر ، وإذا استقرئت[25] البدع التي في العبادات المحضة فلا بدّ من أن يوجد فيها مزاحمة لسنة ، ولو لم تكن تلك السنة إلاّ متابعة الصحابة لكان فيها كفاية لأمره صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم ، بخلاف غير العبادات المحضة فإنها قد تكون لسببٍ تجدَّد بعدهم ، أو كان تركهم لها لمانع ، ثم زال على ما تقدم.

فصـــل :

              ثم إنَّ بعض هؤلاء المبتدعة قد زاد في شططه ، وتجاوز حدود نمطه  حيث اعترض على مثل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، بسبب ما تقدم عنه من القصة ، وفي بعض رواياتها أنه قال لهم : ما عهدنا ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أراكم إلاّ مبتدعين ، فما زال يكرر ذلك حتى أخرجهم من المسجد ، فطعن فيه هذا المبتدع ، وقال في حقه : إنه كان مُتعصبا ، وهذا من غاية الجرأة على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذين قال عليه الصلاة والسلام في حقهم: ( الله الله في أصحابي/لا تتخذوهم8ب غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومَن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومَنْ آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، يوشك أن يأخذه ) ، وخصوصا مثل عبد الله بن مسعود الذي هو من أكابر الصحابة ، وفقهائهم ، ومن أهل بدر ، وخادم النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحب سرّه ، وقال في حقّه ما حدثكموه ابن مسعود فصدقوه ،ولمَّـا أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، فصعد شجرة ضحكوا مِن حموشة ساقيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هما في الميزان يوم القيامة أثقل من أُحُد ) ، وقال علقمة : كان عبد الله يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودَلّه وسمته ،وقال أبو موسى الأشعري : مكثت حِينا وما أحسب ابن مسعود وأمّه إلاّ من أهل البيت ، إلى غير ذلك من فضائله ، التي يطول ذكرها ، فكيف يجوز التكلم في حقّ مثله بما فيه شَيْن ما ، بل يجب أنْ يُعدّ من جملة مناقبه الحميّة لإقامة السنّة ، وإزالة البدعة ، وأمَّـا الاعتراض بأنّ فعله ذلك يدخله تحت قوله تعالى : [ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ  ][26] فناشيء عن عدم التأمل في معنى الآية باعتبار تركيبها ، فإنّ محل [أنْ يُذكر] النصب ، على أنه ثاني مفعولي منع ، وحينئذ يُفهم من السلب الكلي ، وهو ينتقض بالإيجاب الجزئي ، فإن مَنْ قـال : منعت فلانا عطائي ، لا يصدق إذا أعطاه نوعا من العطاء ، وإنما يصدق بمنع جميع أنواع العطاء ، فعلى هذا لا يصدق عليه أنه مانع مساجدَ اللهِ ذكرَ اسم الله  إلاّ بمنع جميع أنواع الذكر ، لا بمنع نوع واحد من الذكر ، وهي البدعة المخالفة لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم ، وطريقة أصحابه ، مع عدم منع ما سواه من أنواعه ، وكذا إنْ كان نصبه بنزع الخافض ، أي مِنْ أن يذكر ، فهو بمنزلة قولك منعته من عطائي ، وإنْ نصب على أنه مفعول له ، وكراهة أنْ يذكر فيها اسمه ، فأظهر ، فإنّ فعله رضي الله عنه ليس لأجل كراهة ذكر اسم الله ، بل إنما هو لكراهة البدعة ، التي ينبغي تطهير/المساجد منها ، وإذا وجب صون9 المساجد عن الأمور المباحة كالبيع والشراء ، وإنشاد الضالّة ، فصونها عن فعل البدع المكروهة أوجب وأوجب .

       وبالله التوفيق ، عصمنا الله من أفعال المبتدعين ، وحشرنا في زمرة الذين لم يزالوا للسنة متّبعين بمنِّه وكرمه ، إنه أرحم الراحمين .

       تمت الرسالة ولله الحمد على يد محررها الفقير إلى رحمة ربه الغني ، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي إمام الجامع المحمدي بقسطنطينية المحروسة وقت الضحوة الكبرى ، يوم الأحد خامس ربيع الآخر ، سنة أربع وثلاثين وتسعمائة ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وسلم .



[1] الشقائق النعمانية 295، الكواكب السائرة 2|77، كشف الظنون 2|1814، شذرات الذهب 8|308، إيضاح المكنون 1|461، هدية العارفين 1|27، إعلام النبلاء 5|534 برقم 845، الاَعلام 1|66، معجم الموَلفين 1/80



[2] الرهص : العصر الشديد / الحاشية اليمنى

[3]  الوقص : دقّ العنق .

[4] محمد بن موسى الحدادي البلخي النحوي الشاعر، يقال أخرجت بلخ أربعة من الأفراد، أبا القاسم الكعبي في علم الكلام، وأبا زيد البلخي في البلاغة والتأليف، وسهل بن الحسن في الشعر الفارس، ومحمد بن موسى الحدادي في العربية والشعر العرب، وكان الحدادي يكتب للحسين بن علي، وشعره سائر مدون أكثره أمثال وحكم . معجم الأدباء 19/ 62 ـ 63

[5] هو محمد بن عبد الستار بن محمد العمادي الكردري البراتقيني، وبراتقين قصبة من قصبات كردر من أعمال ججانية خوارزم، الإمام العلامة شمس الدين أبو الوحدة، كان أستاذ الأيمة على الأطلاق برع في المذهب وأصوله، توفي سنة اثنتين وأربعين وست ماية.الوافي بالوفيات ، ص 2167 / الموسوعة الشعرية .

[6] هو عبد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدَّبوسي الفقيه الحنفي. كان ممن يضرب به المثل في النظر واستخرج الحجج، وهو أول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود. صنف كتاب الأسرار وتقويم الأدلة والأمر الأقصى وناظر بعض الفقهاء ، وتوفي سنة ثلاثين وأربعمائة. الوافي بالوفيات ، ص 13998 / الموسوعة الشعرية .

[7] هو أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل .

[8] يوسف 12 ، يرتع ونلعب : قرأ ابن كثير نرتع ونلعب بفتح النون فيهما وكسر العين فى نرتع من غير ياء من ارتعيت حدثنى عبيد الله قال حدثنا نصر ابن على عن أبى بكر البكراوى عن إسماعيل المكى قال سمعت ابن كثير يقرأ نرتع بالنون وكسر العين ويلعب بالياء وجزم الباء وقرأ نافع يرتع مثل ابن كثير فى كسر العين وهى بياء ويلعب بالياء وجزم الباء وقرأ أبو عمرو وابن عامر نرتع ونلعب بالنون فيهما وتسكين العين والباء وقرأ عاصم وحمزة والكسائى يرتع ويلعب بالياء وجزم العين والباء . السبعة في القراءات ، ص 346

[9] الإمام جٌواهر زاده، العالم العلاّمة بدر الدين محمد بن محمود بن عبد الكريم الكّرديّ المعروف بجواهر زاده، ابن أخت الشيخ شمس الدين الكرَدرى شمس الأئمة. تفقه على خاله شمس الأئمة الكردى، وتوفى سلخ ذي القعدة من سنة إحدى وخمسين وستمائة . عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ، ص 98 / الموسوعة الشعرية .

[10] هو الحسين بن محمد بن عبد الله الحجَّاجيّ البزَّازيّ، أبو عبد الله بن أبي بكر، الفقيه الشّافعيّ من أهل طبرستان. قدم بغداد في صباه، وأقام بها، وقرأ الفقه على القاضي أبي الطيّب الطبري. ولازم بعده أبا إسحق الشّيرازيَّ حتى برع في المذهب والأصول والخلاف. وصار من جلَّة أصحابه. وتعيَّن بعده للتدريس، وتولَّى تدريس النّظامية بعد الشريف أبي القاسم الدبوسي، سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة، إلى أن قدم أبو محمد عبد الوهاب بن محمد الشيرازي، فأشركوا بينه وبين الطبري يوماً ويوماً، ثم صرفا بأبي حامد الغزالي. فلما توجه إلى القدس، أعيد الطبري ثانياً، وخرج من بغداد سنة اثنتين وتسعين إلى أصبهان، وبقي هناك إلى أن توفي سنة خمس وتسعين وأربع مائة. الوافي بالوفيات ، ص 10180 ـ 10181 / الموسوعة الشعرية .



[11] كتبت : عن من يستموا أنفسهم .

[12]  الدد : اللعب والضرب بالأصابع . أساس البلاغة ( ددد )

[13] كتبت : فليس أعلى شيء

[14] آل عمران 191

[15]  الزمر 75

[16]   عن أنس " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزل جبريل عليه السلام فقال يا رسول الله إن فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام " وهو نصف يوم ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفيكم من ينشدنا فقال بدوي نعم يا رسول الله فقال هات هات فأنشد البدوي :

       قد لسعت حية الهوى كبدي      * فلا طبيب لها ولا راقي

   إلا الحبيب الذي قد شغفت به        * فعنده رقيتي وترياقي

 فتواجد صلى الله عليه وسلم وتواجد الأصحاب حتى سقط رداؤه عن منكبه فلما فرغوا آوى كل واحد إلى مكانه قال معاوية بن أبي سفيان ما أحسن لعبكم يا رسول الله فقال مه يا معاوية ليس بكريم من لا يهتز عند ذكر سماع الحبيب ثم اقتسم رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم من حاضرهم بأربعمائة قطعة " قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي تفرد به أبو بكر عمار بن إسحاق عن سعيد بن عامر ، وقال أبو موسى المديني لا أصل لهذا الحديث بهذا السياق والظاهر أنه موضوع وقد سمعت غير واحد من أهل العلم عاب المقدسي بإيراد هذا الحديث في كتابه وأورده السهروردي في العوارف وقال يخالج سري أنه غير صحيح وقد تكلم فيه أصحاب الحديث والقلب يأبى قبوله ، وقال سيف الدين لا تعصب أبلغ من إيراد الحديث الذي لا يخفى وضعه على الجهال فلو خبت يداه عن كتابته لكان خيرا له وقد وقفت على استفتاء فيه أفتى الإمام عبد الرحمن المقدسي بأن هذا الحديث غير صحيح لأن محمد بن طاهر وإن كان حافظا لكنهم تكلموا فيه ونسبوه إلى الإباحة وله كتاب في صفة التصوف روى فيه عن أئمة الدين حكايات باطلة مع أن هذا لا يناسب شعر العرب وإنما يليق بالمولدين وكذلك ألفاظ متن الحديث لا يليق بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا بكلام أصحابه وكذلك معناه لا يليق بأحوالهم من الجد والاجتهاد وكذلك تمزيق أربعمائة قطعة لا يليق بهم ، وأفتى النووي فيه بأنه باطل لا يحل روايته ويعزر من رواه عالما بحاله. تذكرة الموضوعات 1/ 198

[17] المطففين 4 ـ 6

[18] جمع دُبّ ، وهو الحيوان المعروف . اللسان ( دبب )

[19]  العوارف كتاب للسهروردي، واسمه الكامل : عوارف المعارف .

[20]  الأنعام 21 ، 93 ، هود 18 ، العنكبوت 68

[21] النور 40

[22]  الزمر 18

[23] من الطويل ، للأشهب بن رميلة ، ديوانه / الموسوعةالشعرية .

[24] زيادة يقتضيها السياق .

[25] كتبت : استقرئ

[26] البقرة 114
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق