عدد الزوار

تزوير المنتدى الصوفي القبوري: الحوار الإسلامي
للستر على فضيحتهم وطعنهم بشيخهم عبدالله الحداد / صور
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞ -][
فضيحة منتدى الحوار الإسلامي الصوفي
يتهمون شيخهم عبدالله الحداد بشرك الإلوهية وانه ضال مضل / صور
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞ -][
عبد الله بن علوي الحداد
وهابي يقر بتقسيم التوحيد صفعة في وجوه صوفية حضرموت
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞

الأحد، 30 مايو 2010

إفك الصوفية في توبة الشيخ السديس إمام وخطيب الحرم المكي من التوحيد علنا / فيديو

بسم الله

من دلائل فساد عقيدة المبتدعة هو استخدامهم
الكذب والتقية و التدليس والاساليب الباطنية في نشر مذهبهم الباطني الباطل. وهذا ظاهر في فرقة عبادة الاموات الصوفية لمن عرفهم عن قرب.

نقدم لكم هذا الفيديو ليكشف لكم
استحلال الكذب على خصومهم في هذه الفرقة الشركية الخبيثة
التي تستتر خلف قناع الاحسان لتمرر من خلاله
جرائمها من افساد فطر الناس و الافتراء على عباد الله إلى رميهم بالبهتان

قام أحد المبتدعة بنشر فيديو عنوانه
توبة الشيخ السديس إمام وخطيب الحرم المكي من مذهب الوهابية



فقمنا بتحرير الفيديو ورده في نحورهم بعنوان:
RE: توبة الشيخ السديس إمام وخطيب الحرم المكي من التوحيد





http://www.youtube.com/watch?v=ZCQt_HQsPEQ
----




هذا الفيديو مثال ناصع علــى


عقيدة الصوفية في الكذب على الاحياء

فماذا نقول في افترائهم على الاموات !!! 
وهذا يفضح عقيدة الدس عندهم ايضا

للعبرة
التقية الاشعرية
التقية الصوفية

 
المهم :


طهروا بيوت الله من جثث الصوفية


صوفية الشيخ الشعراوي: من دعاء الموتى و ذبح العجول الى زيارة السيدة نفيسة والبدوي وابن الفارض مع الردود / مجموعة فيديوهات
طهروا بيوت الله من جثث الصوفية


للمزيـــــــد








نقد حديثي لكتاب البيان لما يشغل الأذهان للصوفي القبوري علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم




نقد حديثي لكتاب
البيان لما يشغل الأذهان
لفضيلة الدكتور علي جمعة




كَتبه
أبو عبد الله خيري بن سعيد





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد،
فهذه تعليقات حديثية على بعض ما ورد في كتاب (البيان لما يشغل الأذهان)،والله الموفق للصواب.
**********
قال في سؤال بناء المساجد على القبور (ص 252): ومن السنة حديث أبي بصير الذي رواه عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا:: ((إن أبا بصير انفلت من المشركين بعد صلح الحديبية... _ إلى أن قال: _ فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جندل وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرأه، فدفنه أبو جندل مكانه، وبنى على قبره مسجداً)).
قال في الحاشية: ذكره ابن عبد البر في (الاستيعاب) (4/1614) وصاحب (الروض الأنف) (4/59) وابن سعد في (الطبقات) (4/134) وصاحب (السيرة الحلبية) (2/720)، ورواه أيضاً موسى بن عقبة في (المغازي) وابن إسحاق في (السيرة)، ومغازي موسى بن عقبة من أصح كتب السيرة... إلى آخر كلامه.
قلت: هذا الكلام باطل من وجوه:
الأول: أن قصة بناء القبر على المسجد لم ترد بهذا السند الموصول عن المسور ومروان لا في المصادر التي ذكرها الشيخ ولا في غيرها من كتب السنة التي وقفت عليها، وتفصيل هذا:
أما ابن عبد البر فذكر في (الاستيعاب) (4/1612-1613) قصة الحديبية عن الزهري مرسلاً، ثم قال: وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظ وأكمل سياقه قال: وكان أبو بصير يصلي لأصحابه... إلى أن ذكر قصة القبر. وأما ابن سعد فرواها في (الطبقات) (4/133-134) عن كل من عروة وجعفر بن محمد الأنصاري مرسلاً بسند ضعيف جداً كما يأتي. وأما (الروض الأنف) و(السيرة الحلبية) فليسا من كتب تخريج الحديث، وقد ذكره في (الروض الأنف) بدون سند. وأما موسى بن عقبة فهو يرويها عن الزهري مرسلاً كما في (تاريخ ابن عساكر) (25/299-300)، وسيأتي تحقيقه. وأما ابن اسحاق فليست قصة القبر عنده أصلاً.
فتبين من ذلك أن قصة القبر بهذا السند الموصول الذي ذكره المؤلف لا توجد في شيء من كتب السنة التي بين أيدينا، ولا ذكرها من ذكرها من أهل العلم بهذا السند الموصول، فلا ندري من أي كتاب أتى المؤلف بهذا السند؟.
الثاني: أنها قصة ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها في الأحكام الشرعية: فقد أخرجها موسى بن عقبة كما في (تاريخ دمشق) لابن عساكر (25/299-300) عن الزهري مرسلاً أو معضلاً بلفظ: (وجعل عند قبره مسجداً).
ورواها ابن سعد في (الطبقات) (4/133-134) عن محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة. ثم قال: قال محمد بن عمر وأخبرنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه، بلفظ: (وبنوا على قبره مسجداً). والطريقان مرسلان، ومدارهما على محمد بن عمر، وهو الواقدي، وهو متروك، قال الذهبي في (المغني في الضعفاء) (5861): مجمع على تركه، وقال ابن عدي يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه، وقال النسائي: كان يضع الحديث. اهـ. فإسناده ضعيف جداً، ولا يصلح في الشواهد ولا المتابعات، بل هو منكر سنداً ومتناً؛ أما نكارة السند فذكره عروة في سنده، وقد خالفه موسى بن عقبة وهو أوثق منه فجعله عن الزهري مرسلاً أو معضلاً. وأما نكارة المتن فقوله: (على قبره)، خالفه موسى بن عقبة فقال: (عند قبره).
وعلى ذلك فالحديث بلفظ: (وجعل عند قبره مسجداً) ضعيف، لأنه مرسل أو معضل.
وبلفظ: (على قبره) ضعيف جداً، بل منكر.
الثالث: أن لفظ الزهري (وجعل عند قبره مسجداً) لا يلزم منه أن يكون عليه، بل جعله قريباً منه ليُعرف مكانه، وهذا على فرض صحة القصة، وإلا فهي ضعيفة كما تقدم.
وقد ردَّ الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد) (105/طبعة مكتبة المعارف) هذه الشبهة رداً قوياً، قال في مقدمته: (وأما بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فشبهة لا تساوي حكايتها، ولولا أن بعض ذوي الأهواء من المعاصرين اتكأ عليها في رد تلك الأحاديث المحكمة(1) لما سمحت لنفسي أن أسود الصفحات في سبيل الجواب عنها، وبيان بطلانها.
ثم بين ضعف القصة ونكارتها، وأنها لو صحت لا تدل على جواز اتخاذ القبور مساجد، فانظره إن شئت.
**********
قال في جواز التعامل المحرم بين المسلم والكافر في غير دار الإسلام (ص 102-103): ولأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ناحب مشركي قريش قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى {ألم غلبت الروم...}، فقالت قريش له: ترون أن الروم تغلب؟! قال: نعم. فقالوا: هل لك أن تخاطرنا. فقال: نعم _ الحديث وفيه: _ فأخذ أبو بكر خطره فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم. وهو القمار بعينه بين أبي بكر ومشركي مكة، وكانت مكة دار شرك. انتهى كلامه في الاستدلال بذلك على جواز مثل هذا التعامل مع المشركين وإن كان محرماً بين المسلمين.
وعزى الحديث في الحاشية لفتح القدير والسير الكبير والمبسوط.
قلت: أولاً: عزو الحديث لهذه الكتب ليس تخريجاً، لأن هذه الكتب كما هو معلوم كتب فقه، وليست كتب تخريج للحديث.
ثانياً: الحديث بهذا السياق رواه الطبري في (تاريخه) (1/468/طبعة الكتب العلمية) قال الطبري: حدثني القاسم بن الحسن قال: حدثني الحسين قال: حدثني حجاج عن أبي بكر بن عبدالله عن عكرمة: أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض _ فذكر الحديث إلى أن قال: _ ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ((ما هكذا ذكرت، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر وماده في الأجل)). فخرج أبو بكر فلقي أبياً فقال: لعلك ندمت. قال: لا، تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين. قال: قد فعلت.
وهذا مرسل، ووصفه الحافظ ابن كثير في (تفسيره) (3/424) بأنه أغرب سياق للقصة.
ولكن أصل الحديث ثابت في (سنن الترمذي) وغيره من حديث ابن عباس ونيار بن مكرم رضي الله عنهم، وفي حديث نيار: (قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم؛ زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارساً في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى. وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسم بيننا وبينك وسطاً تنتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين. قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله تعالى قال {في بضع سنين} قال: وأسلم عند ذلك ناس كثير)، رواه البخاري في (تاريخه) (2481)، والترمذي (3194)، وعبد الله بن الإمام أحمد في (السنة) (116، 1210) والبيهقي في (الاعتقاد) (1/102)، وابن قانع في (معجم الصحابة) (3/172) وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (1/369 - 370)، من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن عروة بن الزبير عن نيار. وقال الترمذي: صحيح حسن غريب.
قلت: رجاله ثقات عدا عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال الحافظ ابن حجر في (التقريب): صدوق. والحديث حسنه الشيخ الألبانيّ في (صحيح سنن الترمذي).
فهذا الحديث يدل على أن هذا كان قبل تحريم الرهان، فهو يعكس القضية، ويدل على أن الرهان قد حُرِّم بعد هذه القصة حتى مع المشركين، والحمد لله الموفق إلى الصواب.
**********
وذكر في السؤال نفسه قبل حديث الرهان حديث عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ربا بين المسلم والحربي)).
ولم يعلق عليه بشيء، وهو مرسل، ضعيف الإسناد، لا حجة فيه، وإليك أقوال أهل العلم في هذا الحديث:
قال الزيلعي في (نصب الراية) (4/44): الحديث الثامن: قال عليه السلام: ((لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب)). قلت: غريب(2)، وأسند البيهقي في (المعرفة) في كتاب السير عن الشافعي قال: قال أبو يوسف: إنما قال أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا ربا بين أهل الحرب - أظنه قال - وأهل الإسلام)). قال الشافعي: وهذا ليس بثابت، ولا حجة فيه. انتهى كلامه.
وقال الحافظ ابن حجر في (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) (798): حديث: ((لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب)). لم أجده، لكن ذكره الشافعي ومن طريقه البيهقي قال: (فذكره كما تقدم).
وقال ابن قدامة في (المغني) (4/47): مرسل، لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، ولا يجوز ترك ماورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة وانعقد الإجماع بخبر مجهول لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به، وهو مع ذلك مرسل محتمل، ويحتمل أن المراد بقوله ((لا ربا)) كقوله {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197]. اهـ.
قال الإمام الشافعي في (الأم) (7/358-359): بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب، قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: لو أن مسلماً دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس، لأن أحكام المسلمين لا تجري عليهم، فبأي وجه أخذ أموالهم برضا منهم فهو جائز.
قال الأوزاعي: الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك، وكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب، فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله تعالى عليه دماءهم وأموالهم، وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستحل ذلك.
وقال أبو يوسف: القول ما قال الأوزاعي، لا يحل هذا ولا يجوز، وقد بلغتنا الآثار التي ذكر الأوزاعي في الربا، وإنما أحل أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا ربا بين أهل الحرب - وقال أبو يوسف - وأهل الإسلام)). في قولهم أنهم لم يتقابضوا ذلك حتى يخرجوا إلى دار الإسلام أبطله ولكنه كان يقول إذا تقابضوا في دار الحرب قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام فهو مستقيم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف، والحجة كما احتج الأوزاعي، وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه. انتهى كلام الشافعي رحمه الله.
فأنت ترى أئمة أهل العلم ردوا على أبي حنيفة رحمه الله قوله وضعفوا دليله وأولهم صاحبه أبو يوسف، فكيف يحل الإعراض عن كل هذا والأخذ بقوله مع العلم بضعف دليله، هذا مع ما ثبت عن أبي حنيفة نفسه أنه قال: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه(3). وقال: حرام على من لا يعرف دليلي أن يفتي بكلامي(4).
**********
قال في (ص 149-150) بعد أن ذكر عدة أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نوراً قال: إلى غير ذلك من آثار وأحاديث تبين أنه صلى الله عليه وسلم كان نوراً، ولا ينبغي أن ننفي أن ذلك النور كان حسياً، فليس هناك ما يتعارض وكونه صلى الله عليه وسلم كان منيراً، أو له نور حسي.
قلت: أولاً: كون هذا النور حسي أو معنوي لا ينزل من عظمة النبي صلى الله عليه وسلم التي وصفها بقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة...)). الحديث(5). وأيضاً فليس هذا ببعيد عن قدرة الله عز وجل، ولكن القضية هلى هذا وقع أم لا.
ثانياً: أنه ورد ما دل على أن هذا النور لم يكن حسياً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر لا يضيء جسده، وهو ما استدل به الشيخ الألباني رحمه الله تعالى فيما رواه مسلم (486) عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: ((اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك...)). الحديث.
ورواه النسائي بلفظ: طلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في فراشي فلم أصبه، فضربت بيدي على رأس الفراش فوقعت يدي على أخمص قدميه، فإذا هو ساجد... الحديث.
وهذا ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن جسده يضيء.
**********
قال في (ص 154) بعد أن ذكر قصة العتبي في قوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} الآية. وعزاها لابن كثير والبيهقي.
قال: (وهذا لا يعني أننا نستدل بالرؤيا، ولكننا نستدل بعدم اعتراض الإمام ابن كثير على القصة التي ساقها في تعرضه لتفسير تلك الآية).
قلت: القصة رواها البيهقي في (الشعب) (4178) فقال: أخبرنا أبو علي الروذباري نا عمرو بن محمد بن عمرو بن الحسين بن بقية إملاء نا سكر الهروي نا أبو زيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء الى باب مسجد رسول الله ص أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله ثم سلم على أبي بكر وعمر ثم أقبل على رسول الله فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا مستشفعاً بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي وأن تشفع في. ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول يا خير من دفنت في الأرض أعظمه فطاب من طيبه الأبقاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم.
قال الشيخ الألباني في (الصحيحة) تحت الحديث (2928): هذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه، وأبو يزيد الرقاشي أورده الذهبي في (المقتنى في سرد الكنى) (2/155) ولم يسمه، وأشار إلى أنه لا يُعرف بقوله: (حكى شيئاً). وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية.
قال الشيخ: وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية! وقد ذكرها - مع الأسف - الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم...} وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء والمبتدعة، مثل الشيخ الصابوني، فذكرها برمتها في (مختصره)! (1/410) وفيها زيادة في آخرها: ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: يا عتبي! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له. وهي في ابن كثير غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث، بل علقها على العتبي، وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي. وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة، لمخالفتها الكتاب والسنة، ولذلك يلهج بها المبتدعة، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل، كما هو معلوم، وقد تولى بيان ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وبخاصة في التوسل والوسيلة، وقد تعرض لحكاية العتبي هذه بالإنكار، فليراجعه من شاء المزيد من المعرفة والعلم. انتهى كلامه.
**********
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((إن لله ملائكة فضلاً سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة في سفر فليناد: أعينوا عباد الله رحمكم الله)).
فقد اختلف في رفعه ووقفه، ورجح الشيخ الألباني في (الضعيفة) تحت الحديث (656) الموقوف، وعلى فرض ثبوته مرفوعاً فأين فيه التوسل بالغائب أو الميت أنما هو استعانة بالملائكة الحاضرين.
قال الشيخ الألباني في المصدر السابق: فهذا الحديث - إذا صح - يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول(6) (يا عباد الله) إنما هم الملائكة، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بين لأنهم لا يسمعون الدعاء، ولو سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة، وهذا صريح في آيات كثيرة، منها قوله تبارك وتعالى: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ولا ينبئك مثل خبير}. اهـ.
وقال الشيخ سليمان بن سحمان (1266-1349هـ) في (الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق) (ص 579-580) بعد أن ذكر هذه الشبهة: والجواب أن نقول:
كل أسانيد هذه الروايات لا تخلو من مقال، وعلى تقدير صحتها فليس فيه إلا نداء الأحياء، والطلب منهم، ما يقدر هؤلاء الأحياء عليه، وذلك مما لا يجحده أحد، وأين هذا من الاستغاثة بأصحاب القبور الأولياء والصالحين، وكون المراد بعباد الله رجال الغيب كما يزعم بعض المتصوفة فهو مردود، بل هو من الخرافات، ومثله زعم وجود الأوتاد والأقطاب، والأربعين، وما أشبه ذلك.
ثم قال رداً على الاستدلال بالحديث على نداء الغائب: هذا مرود أيضاً بما سبق، بأن هؤلاء العباد ليسوا بغائبين، وعدم رؤيتهم لا يستلزم غيبتهم، فإنا لا نرى الحفظة، ومع ذلك فهو حاضرون، ولا نرى الجن، ومع ذلك فهم حاضرون، وكذلك الشياطين، والهواء، ونحو ذلك، فإن علة الرؤية ليس هو الوجود فقط . اهـ.
قلت : وإعانة الملائكة لمسلمي الإنس أشهر من أن يحتاج إلى بيان ، كإعانتهم لهم في غزوة بدر ، وقوله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : ((هاجهم وجبريل معك))، رواه الشيخان ، وحديث الطائف الذي رواه الشيخان ، وفيه : ((فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني ، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال : يا محمد؛ فقال ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)).
فهذا فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم الملك الحاضر بما شاء مباشرةً .
وأصرح من هذا كله ما رواه أحمد في (مسنده) (9143) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن للمساجد أوتاداً ، الملائكة جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدونهم ، وإن مرضوا عادوهم ، وإن كانوا في حاجة أعانوهم)). صححه الشيخ الألباني في ( الصحيحة ) (3401) ، وله شاهد عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه من قوله، رواه الحاكم في (مستدركه) ( 3507 ) ، وقال : صحيح على شرط الشيخين موقوف و لم يخرجاه. ووافقه الذهبي ، وهو وإن كان موقوفاً فهو في حكم الرفع كما هو ظاهر.
فحديث ابن عباس إن ثبت مرفوعاً، ليس فيه أكثر من طلب هذه المعونة التي أمكنهم الله عز وجل منها في هذه الحالة الخاصة الواردة في الحديث ، والله تعالى أعلم.
**********
قال (ص 161): فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رآني في المنام فسيراني في اليقظة...)) الحديث.
قلت: زاد مسلم في روايته لهذا الحديث زيادة تدل على أن راويه كان يشك في هذه اللفظة، قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (12/383): قَوْله ((مَنْ رَآنِي فِي المَنَام فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَة)) زَادَ مُسْلم مِنْ هَذَا الوَجْه ((أَوْ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي اليَقَظَة)), هَكَذَا بِالشَّكِّ وَوَقَعَ عِنْد الإِسْمَاعِيليّ فِي الطَّرِيق المَذْكُورَة: ((فَقَدْ رَآنِي فِي اليَقَظَة)) بَدَل قَوْله: ((فَسَيَرَانِي)) وَمِثْله فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد اِبْن مَاجَهْ. وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو عَوَانَة وَوَقَعَ عِنْد اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي جُحَيْفَةَ: ((فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي اليَقَظَة)) فَهَذِهِ ثَلاثَة أَلفَاظ: ((فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَة)), ((فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي اليَقَظَة))، ((فَقَدْ رَآنِي فِي اليَقَظَة))، وَجُل أَحَادِيث البَاب كَالثَّالثَةِ إِلا قَوْله ((فِي اليَقَظَة)). انتهى.
قلت: الحديث بلفظ: ((من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي)) رواه البخاري (6993) من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال: (فذكره).
ويونس هو ابن يزيد، قال عنه الحافظ ابن حجر في (التقريب) (7919): ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً وفي غير الزهري خطأ. اهـ.
وقد اضطرب في لفظ الحديث، فرواه عنه ابن المبارك وحده هكذا، ورواه ابن وهب عنه بلفظ: ((فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة)) على الشك. أخرجه مسلم (2266) وأبو داود (5023) والبيهقي في (الدلائل) (2970) من طرق عنه.
وتابعه أنس بن عياض عن يونس بالشك، رواه ابن حبان في (صحيحه) (6051) من طريق هشام بن عمار أنس بن عياض، وسنده صحيح.
وهذا يدل على أن المحفوظ في رواية يونس بالشك، بل هو المحفوظ أيضاً في رواية غيره عن الزهري، مما يدل على أن الشك في الحديث من الزهري نفسه.
فقد رواه ابن أخي ابن شهاب عن الزهري بالشك. أخرجه أحمد في (مسنده) (22100).
وابن أخي الزهري هذا هو محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب، قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (6049): صدوق له أوهام.
وتابعه على رواية الشك: عقيل عن الزهري، أخرجه ابن المقرئ في (معجمه) (964) ومن طريقه الخطيب في (تاريخ بغداد) (10/284)، لكن في سنده من لم أجد له ترجمة.
فإذا تبين لك أن المحفوظ في رواية الزهري إنما هو بلفظ: ((فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة))، على الشك، فلا حجة في الشك إلا بمعرفة الراجح من المرجوح، وذلك بتتبع طرق الحديث عن غير الزهري لمعرفة أي اللفظين هو الصواب وأيهما الوهم، وإليك بقية طرق الحديث:
فرواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رآني في المنام فقد رأى الحق إن الشيطان لا يتشبه بي)). أخرجه أحمد في (مسنده) (7500، 9204) وابن حبان في (صحيحه) (6052). وسنده حسن من أجل محمد بن عمرو، حسن الحديث، وهو يرجح أن المحفوظ عن أبي سلمة إنما هو اللفظ الثاني: ((لكأنما رآني في اليقظة))، لأنه الموافق لقوله: ((فقد رأى الحق)).
وهذا هو المحفوظ عن أبي هريرة رضي الله عنه من الطرق الأخرى، فقد رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ: ((من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي)). أخرجه مسلم (2266) وأحمد في (مسنده) (9069، 9759) والطبراني في (الأوسط) (954، 8005).
ورواه الترمذي (2280) من هذا الطريق بلفظ: ((من رآني فإني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي)). وقال: حديث حسن صحيح. وقال الشيخ الألباني في (صحيح سنن الترمذي): صحيح. وهو كما قالا، رجاله كلهم ثقات. وهو صريح في أن المقصود بيان أنها رؤيا حق.
ورواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ: ((من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي))، أخرجه ابن ماجه (3901)، وسنده حسن.
ورواه عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي)). أخرجه أحمد في (مسنده) (7128، 8303) وإسحاق بن راهويه في (مسنده) (261) والحاكم في (مستدركه) (8186)، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. قلت: بل حسن الإسناد من أجل عاصم هذا، قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (3075): صدوق.
فهذه ثلاث طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه تبين أن المحفوظ في روايته إنما هو بلفظ ((فقد رآني)). أي إثبات أنها رؤيا حق.
ورواه أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: ((رآني في المنام فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)).
أخرجه الطيالسي في (مسنده) (2420) عن شعبة وأبي عوانة عن أبي حصين.
وأخرجه أحمد في (مسنده) (3788) حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حصين.
فهذه ثلاثة طرق عن أبي الحصين بهذا اللفظ، والجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أن هؤلاء الثلاثة الذين ورد عنهم هذه اللفظة ورد عنهم الحديث بدونها، أما شعبة فقد رواه أحمد في (مسنده) (9061، 9713) من طريقه بلفظ: ((من رآني في المنام فقد رآني إن الشيطان لا يتصور بي)). بدون ((في اليقظة)).
وأما أبو عوانة فرواه البخاري (110، 6197) من طريقه بدونها أيضاً.
وأما وكيع فرواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) (30467) عنه بدونها.
بل رواه عن سفيان من هو أحفظ من وكيع بدونها، وهو عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد (9650) واللالكائي في (الاعتقاد) (616، 617).
ولعل هذا الاضطراب من أبي الحصين نفسه، وعلى كلٍ فالاضطراب في هذه اللفظة يشعر بأنها غير محفوظة، لا سيما والطرق الأخرى عن أبي هريرة ليس فيها هذه اللفظة.
والثاني: أنه على فرض ثبوت هذه اللفظة في الحديث فالحديث يفسر بعضه بعضاً، فالواجب تفسير الحديث بباقي رواياته، فيكون المقصود بقوله: ((فقد رآني في اليقظة)) أي ((فقد رأى الحق)) أو: ((لكأنما رآني في اليقظة)). ويدل على هذا التعقيب بقوله: ((فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)).
وهذا الجواب هو الجواب عما رواه البزار في (مسنده) (2773) من طريق خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه مرفوعاً: ((من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة إن الشيطان لا يتكون في صورتي)). وقال البزار: هذا الحديث لا نعلم أحداً حدث به عن أبي مالك إلا خلف بن خليفة. اهـ. قلت: وهذا قال عنه الحافظ ابن حجر في (التقريب) (1731): صدوق اختلظ في الآخر. اهـ. فإن لم يكن هذا من اختلاطه فالجواب عنه ما تقدم.
وأما ما رواه الطبراني في (الكبير) (19/296) من حديث عبد الرحمن بن شريح بن عبد الرحمن بن عقبة المعافري عن أبيه عن مالك بن عبد الله الخثعمي فذكر الحديث، وفيه: ((فسيراني في اليقظة)). فقد قال الهيثمي في (المجمع) (7/182): رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه.
**********
حديث: ((اللهم إني أسألك بحق السائلين)). ص 180-181
رواه ابن ماجه (778) وأحمد في (مسنده) (10772) من طريق فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
وعطية هو ابن سعد العوفي، قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (4616): صدوق يخطئ كثيراً، وكان شيعياً مدلساً. اهـ. وقد عنعن، فالإسناد ضعيف.
وقال الشيخ الألباني في (الضعيفة) (24): هذا سند ضعيف من وجهين: الأول: فضيل بن مرزوق وثقه جماعة وضعفه آخرون.
الوجه الثاني في تضعيف الحديث: أنه من رواية عطية العوفي، وهو ضعيف أيضاً.
قال الحافظ في (التقريب): صدوق يخطيء كثيراً كان شيعياً مدلساً. فهذا جرح مفسر يقدم على قول من وثقه مع أنهم قلة، وقد خالفوا جمهور الأئمة الذين ضعفوه وتجد أقوالهم في (تهذيب التهذيب) وعبارة الحافظ التي نقلتها عن (التقريب) هي خلاصة هذه الأقوال كما لا يخفى على البصير بهذا العلم فلا نطيل الكلام بذكرها، ولهذا جزم الذهبي في (الميزان) بأنه ضعيف.
أما تدليسه فلابد من بيانه ها هنا لأن به تزول شبهة يأتي حكايتها، فقال ابن حبان في (الضعفاء) ما نصه: سمع من أبي سعيد أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبي يحضر بصفته، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك هذا? فيقول: حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي! قال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
قال الشيخ الألباني: ثم بدا لي وجه ثالث في تضعيف الحديث وهو اضطراب عطية أو ابن مرزوق في روايته حيث أنه رواه تارة مرفوعا كما تقدم، وأخرى موقوفاً على أبي سعيد كما رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (12/110/1) عن ابن مرزوق به موقوفاً، وفي رواية البغوي من طريق فضيل قال: أحسبه قد رفعه، وقال ابن أبي حاتم في (العلل) (2/184): موقوف أشبه.
وجملة القول: أن هذا الحديث ضعيف من طريقيه وأحدهما أشد ضعفاً من الآخر، وقد ضعفه البوصيرى والمنذري وغيرهما من الأئمة، ومن حسنه فقد وهم أو تساهل. اهـ. باختصار.
**********
حديث الأعمى، والقصة الواردة في الحديث:
رواها الطبراني في (الكبير) (8311) وفي (الصغير) (508) وفي (الدعاء) (971) وأبو نعيم في (معرفة الصحابة) (4395) من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف.
شبيب بن سعيد، قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (2739): لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب. اهـ. أي رواية ابن وهب عنه ضعيفة.
وسبب هذا ما ذكره الحافظ نفسه في (التهذيب) (4/269) حيث قال: وقال ابن عدي: ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة، وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير. ونقل عنه قال: ولعل شبيباً لما قدم مصر في تجارته كتب عنه ابن وهب من حفظه فغلط ووهم وأرجو أن لا يتعمد الكذب.
وقال الشيخ الألباني في كتابه (التوسل) (ص 85-90): قصة الرجل مع عثمان بن عفان وتوسله به صلى الله عليه وسلم حتى قضى له حاجته أخرجها الطبراني في (المعجم الصغير) وفي (الكبير) من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف... (فذكره).
ثم قال بعد أن نقل كلام الطبراني:لا شك في صحة الحديث وإنما البحث الآن في هذه القصة التي تفرد بها شبيب بن سعيد كما قال الطبراني، وشبيب هذا متكلم فيه وخاصة في رواية ابن وهب عنه لكن تابعه عنه إسماعيل وأحمد ابنا شبيب بن سعيد هذا أما إسماعيل فلا أعرفه ولم أجد من ذكره ولقد أغفلوه حتى لم يذكروه في الرواة عن أبيه بخلاف أخيه أحمد فإنه صدوق وأما أبوه شبيب فملخص كلامهم فيه أنه ثقة في حفظه ضعف إلا في رواية ابنه أحمد هذا عنه عن يونس خاصة فهو حجة فقال الذهبي في (الميزان): (صدوق يغرب ذكره ابن عدي في (كامله) فقال... له نسخة عن يونس بن زيد مستقيمة حدث عنه ابن وهب بمناكير قال ابن المديني: كان يختلف في تجارة إلى مصر وكتابه صحيح قد كتبه عن ابنه أحمد. قال ابن عدي: كان شبيب لعله يغلط ويهم إذا حدث من حفظه وأرجو أنه لا يعتمد فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس فكأنه يونس آخر. يعني يجود) فهذا الكلام يفيد أن شبيباً هذا لا بأس بحديثه بشرطين اثنين: الأول: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه. والثاني: أن يكون من رواية شبيب عن يونس.
والسبب في ذلك أنه كان عنده كتب يونس بن يزيد كما قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) عن أبيه فهو إذا حدث من كتبه هذه أجاد وإذا حدث من حفظه وهم كما قال ابن عدي، وعلى هذا فقول الحافظ في ترجمته من (التقريب): (لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب) فيه نظر لأنه أوهم أنه لا بأس بحديثه من رواية أحمد عنه مطلقاً، وليس كذلك بل هذا مقيد بأن يكون من روايته هو عن يونس لما سبق، ويؤيده أن الحافظ نفسه أشار لهذا القيد فإنه أورد شبيبا هذا في (من طعن فيه من رجال البخاري) من (مقدمة فتح الباري) ثم دفع الطعن عنه - بعد أن ذكر من وثقه وقول ابن عدي فيه - بقوله: (قلت: أخرج البخاري من رواية ابنه عنه عن يونس أحاديث ولم يخرج من روايته عن غير يونس ولا من رواية ابن وهب عنه شيئا). فقد أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى أن الطعن قائم في شبيب إذا كانت روايته عن غير يونس ولو من رواية ابنه أحمد عنه وهذا هو الصواب كما بينته آنفا وعليه يجب أن يحمل كلامه في (التقريب) توفيقا بين كلاميه ورفعا للتعارض بينهما إذا تبين هذا يظهر لك ضعف هذه القصة وعدم صلاحية الاحتجاج بها. ثم ظهر لي فيها علة أخرى وهي الاختلاف على أحمد فيها، فقد أخرج الحديث ابن السني في (عمل اليوم والليلة) والحاكم من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب بدون القصة، وكذلك رواه عون بن عمارة البصري ثنا روح بن القاسم به، أخرجه الحاكم، وعون هذا وإن كان ضعيفا فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي.
وخلاصة القول: إن هذه القصة ضعيفة منكرة لأمور ثلاث: ضعف حفظ المتفرد بها. والاختلاف عليه فيها. ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث. وأمر واحد من هذه الأمور كافٍ لإسقاط هذه القصة فكيف بها مجتمعة؟
قال: ومن عجائب التعصب واتباع الهوى أن الشيخ الغماري أورد روايات هذه القصة في (المصباح) من طريق البيهقي في (الدلائل) والطبراني ثم لم يتكلم عليها مطلقا لا تصحيحا ولا تضعيفا والسبب واضح أما التصحيح فغير ممكن صناعة، وأما التضعيف فهو الحق ولكن... ونحو ذلك فعل من لم يوفق في (الإصابة) فإنهم أوردوا الحديث بهذه القصة ثم قالوا: (وهذا الحديث صححه الطبراني في (الصغير) و(الكبير).
وفي هذا القول على صغره جهالات:
أولاً: أن الطبراني لم يصحح الحديث في (الكبير) بل في (الصغير) فقط وأنا نقلت الحديث عنه للقارئين مباشرة لا بالواسطة كما يفعل أولئك لقصر باعهم في هذا العلم الشريف (ومن ورد البحر استقل السواقيا).
ثانياً: أن الطبراني إنما صحح الحديث فقط دون القصة بدليل قوله. وقد سبق: (قد روى الحديث شعبة.. والحديث صحيح) فهذا نص على أنه أراد حديث شعبة، وشعبة لم يرو هذه القصة فلم يصححها إذن الطبراني فلا حجة لهم في كلامه.
ثالثاً: أن عثمان بن حنيف لو ثبتت عنه القصة لم يعلم ذلك الرجل فيها دعاء الضرير بتمامه فإنه أسقط منه جملة (اللهم فشفعه في وشفعني فيه) لأنه يفهم بسليقته العربية أن هذا القول يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعيا لذلك الرجل كما كان داعيا للأعمى ولما كان هذا منفيا بالنسبة للرجل لم يذكر هذه الجملة ؟ قال شيخ الإسلام: (ومعلوم أن الواحد بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه - مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع له - كان هذا كلاما باطلا مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ولا أن يقول: (فشفعه في) ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه وإنما أمره ببعضه وليس هناك من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة ولا ما يظن أنه شفاعة فلو قال بعد موته: (فشفعه في) لكان كلاما لا معنى له ولهذا لم يأمر به عثمان والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به والذي أمر به ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم ومثل هذا لا تثبت به شريعة كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في حسن العبادات أو الإباحات أو الإيجابيات أو التحريمات إذ لم يوافقه غيره من الصحابة عليه وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه ولا يوافقه لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد ومما تنازعت فيه الأمة فيجب رده إلى والرسول)
ثم ذكر أمثلة كثيرة مما تفرد به بعض الصحابة ولم يتبع عليه مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء ونحو ذلك فراجعه. ثم قال: وإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستسقاء في حياته صلى الله عليه وسلم يتوسلون فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر: لا يأكل سمينا حتى يخصب الناس ثم لما استسقى بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون. وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة ولم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله؟ فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته).
هذا وفي القصة جملة إذا تأمل فيها العاقل العارف بفضائل الصحابة وجدها من الأدلة الأخرى على نكارتها وضعفها وهي أن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه كان لا ينظر في حاجة ذلك الرجل ولا يلتفت إليه فكيف يتفق هذا مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تستحي من عثمان ومع ما عرف به رضي الله عنه من رفقه بالناس وبره بهم ولينه معهم؟ هذا كله يجعلنا نستبعد وقوع ذلك منه لأنه ظلم يتنافى مع كماله رضي الله عنه وأرضاه. اهـ.
**********
حديث: ((لما اقترف آدم الخطيئة...)). ص (182).
قال الشيخ الألباني في (الضعيفة) (25): موضوع: أخرجه الحاكم في المستدرك (2/615) وعنه ابن عساكر (2/323/2) وكذا البيهقي في باب ما جاء فيما تحدث به صلى الله عليه وسلم بنعمة ربه من دلائل النبوة (5/488) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة، نبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب مرفوعاً، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. فتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، وعبد الرحمن واه، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو.
قال الشيخ الألباني: والفهري هذا أورده في (ميزان الاعتدال) لهذا الحديث وقال: خبر باطل، رواه البيهقي في (دلائل النبوة) وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.
و أقره ابن كثير في (تاريخه) (2/323) ووافقه الحافظ ابن حجر في (اللسان) أصله (الميزان) على قوله: خبر باطل. وزاد عليه قوله في هذا الفهري: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته. قلت: والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد، ذكره ابن حبان فقال: متهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة لا يحل كتب حديثه، وهو الذي روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة.
والحديث أخرجه الطبراني في (المعجم الصغير) (207) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد ثم قال: لا يروي عن عمر إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع (8/253): رواه الطبراني في (الأوسط) و(الصغير) وفيه من لم أعرفهم. قال الشيخ الألباني: وهذا إعلال قاصر ما دام فيه عبد الرحمن بن زيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة (ص 69): ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه.
قال الشيخ الألباني: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً.
و صدق شيخ الإسلام في نقله اتفاقهم على ضعفه وقد سبقه إلى ذلك ابن الجوزي، فإنك إذا فتشت كتب الرجال، فإنك لن تجد إلا مضعفا له، بل ضعفه جدا علي بن المديني وابن سعد، وقال الطحاوى: حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف.
و قال ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك. وقال أبو نعيم نحو ما سبق عن الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة.
إلى أن قال: وجملة القول: أن الحديث لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم فلا جرم أن حكم عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي والعسقلاني كما تقدم النقل عنهما.
قال: هذا وإن من الآثار السيئة التي تركتها هذه الأحاديث الضعيفة في التوسل أنها صرفت كثيراً من الأمة عن التوسل المشروع إلى التوسل المبتدع، ذلك لأن العلماء متفقون - فيما أعلم - على استحباب التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة من صفاته تعالى، وعلى توسل المتوسل إليه تعالى بعمل صالح قدمه إليه عز وجل. ومهما قيل في التوسل المبتدع فإنه لا يخرج عن كونه أمرا مختلفا فيه، فلو أن الناس أنصفوا لانصرفوا عنه احتياطاً وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) إلى العمل بما أشرنا إليه من التوسل المشروع، ولكنهم مع الأسف أعرضوا عن هذا وتمسكوا بالتوسل المختلف فيه كأنه من الأمور اللازمة التي لابد منها ولازموها ملازمتهم للفرائض! فإنك لا تكاد تسمع شيخاً أو عالماً يدعو بدعاء يوم الجمعة وغيره إلا ضمنه التوسل المبتدع، وعلى العكس من ذلك فإنك لا تكاد تسمع أحدهم يتوسل بالتوسل المستحب كأن يقول مثلاً: اللهم إنى أسألك بأن لك الحمد لا إله ألا أنت وحدك لا شريك لك المنان، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك... مع أن فيه الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى كما قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، فهل سمعت أيها القارئ الكريم أحداً يتوسل بهذا أو بغيره مما في معناه? أما أنا فأقول آسفاً: إننى لم أسمع ذلك، وأظن أن جوابك سيكون كذلك، فما السبب في هذا? ذلك هو من آثار انتشار الأحاديث الضعيفة بين الناس، وجهلهم بالسنة الصحيحة، فعليكم بها أيها المسلمون علماً وعملاً تهتدوا وتعزوا. انتهى باختصار.
**********
قال في (ص 245-246) في الاستدالا على الذكر المفرد: (قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله، فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا، فقال: ((ما كنتم تقولون؟)) قلنا: نذكر الله الله...) الحديث.
واكتفى في الحاشية بقوله: أخرجه أحمد في (الزهد) عن ثابت. اهـ.
قلت: ولم يذكر رقماً، ولم أجد الحديث في كتاب (الزهد) للإمام أحمد، باب: زهد سلمان رضي الله عنه، ولا في المواضع الأخرى التي ذكر فيها سلمان رضي الله عنه.
وإنما رواه أبو نعيم في (الحلية) (1/342-343)حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا سيار _ في الأصل يسار، وهو خطأ_ ثنا جعفر يعني ابن سليمان ثنا ثابت البناني قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله عز وجل قال فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا فقال ما كنتم تقولون فقلنا نذكر الله يا رسول الله قال قولوا فاني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها ثم قال الحمد لله جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم.
وهذا أولاً: ضعيف الإسناد لإرساله ، ووصله الحاكم في (مستدركه) (419) من طريق الخضر بن أبان الهاشمي ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أبي عثمان . قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه وقد احتجا بجعفر بن سليمان فأما أبو سلمة سيار بن حاتم الزاهد فإنه عابد عصره وقد أكثر أحمد بن حنبل الرواية عنه. اهـ. ووافقه الذهبي.
كذا، وقد ذكر الذهبي نفسه الخضر هذا في (المغني في الضعفاء) (1913)، وقال: ضعفه أبو عبد الله الحاكم وغيره. وقد خالفه أحمد في روايته عن سيار فجعله مرسلاً، فتكون رواية الخضر هذه شاذة بل منكرة، والمحفوظ رواية أحمد على الإرسال.
وثانياً: أن ناقل الحديث حذف منه : (يا رسول) فأصبحت: (نذكر الله الله) لتوهم أنه ذكر مفرد.
**********
قوله في (ص 251) في تفسير قوله تعالى {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً}.
قال: (والسياق يدل على أن الأول: قول المشركين. والثاني: قول الموحدين، والآية طرحت القولين دون استنكار...) إلى آخر كلامه.
قلت: قال الشيخ الألباني في (تحذير الساجد) (ص 55-59) في الرد على هذه الشبهة: الجواب عنها من ثلاثة وجوه: الأول: أن الصحيح المتقرر في علم الأصول أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لأدلة كثيرة.
الثاني: هب أن الصواب قول من قال: (شريعة من قبلنا شريعة لنا) فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه وهذا الشرط معدوم هنا لأن الأحاديث تواترت في النهي عن البناء المذكور كما سبق فذلك دليل على أن ما في الآية ليس شريعة لنا.
الثالث: لا نسلم أن الآية تفيد أن ذلك كان شريعة لمن قبلنا غاية ما فيها أن جماعة من الناس قالوا: {لنتخذن عليهم مسجدا} فليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين، وعلى التسليم فليس فيها أنهم كانوا مؤمنين صالحين متمسكين بشريعة نبي مرسل، بل الظاهر خلاف ذلك قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري في شرح البخاري (65/280) من الكواكب الدراري: حديث ((لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)): وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول الله عزوجل في قصة أصحاب الكهف: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى.
وقال الشيخ علي بن عروة في مختصر الكوكب (10/207/2) تبعاً للحافظ ابن كثير في تفسيره (3/78): حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين: أحدهما: أنهم المسلمون منهم. والثاني: أهل الشرك منهم. فالله أعلم، والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هم محمودون أم لا؟ فيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما فعلوا، وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدها عنده فيها شئ من الملاحم وغيرها.
قال الشيخ الألباني: إذا عرفت هذا فلا يصح الاحتجاج بالآية على وجه من الوجوه، وقال العلامة المحقق الآلوسي في روح المعاني (5/31): واستدل بالآية على جواز البناء على قبور العلماء واتخاذ مسجد عليها وجواز الصلاة في ذلك، وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في (حواشيه على البيضاوي) وهو قول باطل عاطل فاسد كاسد فقد روي...) ثم ذكر بعض الأحاديث المتقدمة(7).
قال: ثم قال الإمام الآلوسي: لا يُقال: إن الآية ظاهرة في كون ما ذكر من شرائع من قبلنا وقد استدل بها فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من نام عن صلاة أو نسيها)). الحديث ثم تلا قوله تعالى {وأقم الصلاة لذكري}، وهو مقول لموسى عليه السلام وسياقه الاستدلال واحتج أبو يوسف على جري القود بين الذكر والأثنى بآية {وكتبنا عليهم} والكرخي على جريه بين الحر والعبد والمسلم والذمي بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل إلى غير ذلك لأنا نقول: مذهبنا في شرع من قبلنا وإن كان أنه يلزمنا على أنه شريعتنا لكن لا مطلقاً بل إن قص الله تعالى علينا بلا إنكار [فإنكار] رسوله صلى الله عليه وسلم كإنكاره عز وجل. وقد سمعت أنه عليه الصلاة والسلام لعن الذين يتخذون المساجد على القبور على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أبنيائهم مساجد والآية ليست كالآيات التي ذكرنا آنفا احتجاج الأئمة بها وليس فيها أكثر من حكاية قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك وليست خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم فمتى لم يثبت أن فيهم معصوماً لا يدل على فعلهم عن عزمهم على مشروعية ما كانوا بصدده ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم الأمراء والسلاطين كما روي عن قتادة، وعلى هذا لقائل أن يقول: إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده وكف التعرض لأصحابه فلم يقبل الأمراء منهم وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد، وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول: إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ المساجد على القبور المنهي عنه الملعون فاعله، وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريباً من كهفهم، وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب، ومثل هذا الاتخاذ ليس محذورا، إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي فهم فيه كنسبة النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على من فيه وسلم ويكون قوله {لنتخذن عليهم} على هذا الشاكلة قول الطائفة {ابنوا عليهم}.
وإن شئت قلت: إن ذلك الاتخاذ كان على كهف فوق الجبل الذي هو فيه، وفيه خبر مجاهد: أن الملك تركهم في كهفهم وبنى علي كهفهم مسجدا. وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أولا فلا يحتاج إليه على ما قيل.
وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة معولاً على الاستدلال بهذه الآية، فإن ذلك في الغواية غاية، وفي قلة النهى نهاية، ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها وبنائها بالجص والآجر وتعليق القناديل عليها والصلاة إليها والطواف بها واستلامها والاجتماع عندها في أوقات مخصوصة إلى غير ذلك محتجاً بهذه الآية الكريمة، وبما جاء في بعض روايات القصة من جعل الملك لهم في كل سنة عيداً، وجعله إياهم في توابيت من ساج ومقيساً لبعض على بعض، وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وابتداع دين لم يأذن به الله عز وجل، ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه السلاة والسلام، وهو أفضل قبر على وجه الأرض، والوقوف على أفعالهم في زيارتهم له والسلام عليه فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك والله سبحانه يتولى هداك. انتهى باختصار.
**********
قوله (ص 253): وأما فعل الصحابة فيتضح من موقف دفن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافهم فيه، وهو ما حكاه الإمام مالك عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقال: فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: بدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه)). فحفر له فيه. انتهى.
قلت: ساقه المؤلف محتجاً به، وعزاه في الحاشية لموطأ مالك، ولا أدري أجهل أم تجاهل أن مالكاً ساقه بلاغاً منقطعاً، ففي (الموطأ) (545): عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد، فقال ناس: يدفن عند المنبر. وقال آخرون: يدفن بالبقيع. فجاء أبو بكر الصديق... الحديث.
فهذا معضل، وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر في (التمهيد) (24/394): هذا الحديث لا أعلمه يروي على هذا النسق بوجه من بلاغ مالك هذا، ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك والله أعلم، فأما وفاته يوم الاثنين....
ثم شرع ابن عبد البر في (التمهيد) (24/398-399) يذكر لفقراته كلها شواهد عدا فقرة الدفن عند المنبر لم يذكر لها شاهداً.
وأخرج ابن سعد في (الطبقات) (2/292) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قال أبو بكر أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: عند المنبر. وقال قائل منهم: حيث كان يصلي يؤم الناس. فقال أبو بكر: بل يدفن حيث توفى الله نفسه فأخر بالحق ثم حفر له تحته.
وهذا سند ضعيف لإرساله، وقد روى موصولاً لكن بسند ضعيف أيضاً، رواه ابن إسحاق كما في (سيرة ابن هشام) (2/662-663) و(البداية) (5/287) قال: حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أرادوا أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم – الحديث وفيه: - وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه. فقال قائل: ندفنه في مسجده. وقال قائل: ندفنه مع أصحابه. فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض))... إلى آخره. وسنده ضعيف، حسين بن عبد الله ضعيف كما في (التقريب) (1326).
وتابعه من هو أوهى منه، فرواه ابن سعد في (الطبقات) (2/292) فقال: أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. وهذا سند ضعيف جداً، إبراهيم بن إسماعيل ضعيف كما في (التقريب) (146)، ومحمد بن عمر هو الواقدي، متروك الحديث، فلا يصلح هذا الطريق في المتابعات ولا الشواهد.
وللواقدي فيه إسناد آخر، يرويه عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع مرسلاً، ذكره الحافظ ابن كثير في (البداية) (5/288). وهذا مع إرساله لا يغني شيئاً لحال الواقدي.
ولعل لظهور ضعف هذه الأحاديث ختمها الحافظ ابن كثير في (البداية) (5/289) بحديث البخاري عن عائشة مرفوعاً: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً.
هذا وعلى فرض صحة الأثر المذكور عن الصحابة فلا يعارض الأدلة الصحيحة الصريحة في تحريم بناء المساجد على القبور، لأن أدلة التحريم مرفوعة صراحةً ، وهذا موقوف على صحابي لا يُعرف فلعله لم يبلغه التحريم خاصةً وأن أحاديث التحريم كما تقدم في بعضها كانت قبيل الوفاة بعدة أيام. وأما سكوت الصحابة هنا لا يلزم الإقرار والموافقة، لأن المقام قد لا يحتمل المناظرة في المسألة وفي الباب نصٌ يقطع الخلاف، والله أعلم.
**********
ذكر في مسألة القنوت في صلاة الصبح حديث أنس رضي الله عنه: (مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا).
ذكر تحقيق الحديث:
قال الشيخ الألباني في (الضعيفة) (1238): منكر: أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (3/110/4964) وابن أبي شيبة (2/312) - مختصراً - والطحاوي في (شرح المعاني) (1/143) والدارقطني (ص 178) والحاكم في (الأربعين) وعنه البيهقي (2/201) وكذا البغوي في (شرح السنة) (3/123/639) وابن الجوزي في (الواهية) (1/444 - 445) وأحمد (3/162) من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: كنت جالساً عند أنس بن مالك، فقيل له: إنما قنت رسول الله شهراً، فقال: (فذكره).
وقال البغوي: قال الحاكم: إسناده حسن. وقال البيهقي: قال أبو عبد الله: هذا إسناد صحيح سنده، ثقة رواته، والربيع بن أنس تابعي معروف.. وأقره!
وتعقبه ابن التركماني بقوله: كيف يكون سنده صحيحاً وراويه عن الربيع أبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي متكلم فيه، قال ابن حنبل والنسائي: ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: يهم كثيراً، وقال أبو زرعة: يهم كثيراً، وقال الفلاس: سيئ الحفظ، وقال ابن حبان: يحدث بالمناكير عن المشاهير.
و قال ابن القيم في (زاد المعاد) (1/99): فأبو جعفر قد ضعفه أحمد وغيره، وقال ابن المديني: كان يخلط. وقال أبو زرعة: كان يهم كثيراً.. وقال لي شيخنا ابن تيمية قدس الله روحه: وهذا الإسناد نفسه هو إسناد حديث: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم} حديث أبي بن كعب الطويل، وفيه: وكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق في زمن آدم، فأرسل تلك الروح إلى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فأرسله الله في صورة بشر فتمثل لها بشراً سوياً، قال: فحملت الذي يخاطبها فدخل من فيها. وهذا غلط محض، فإن الذي أرسل إليها الملك الذي قال لها: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}. ولم يكن الذي خاطبها بهذا هو عيسى ابن مريم، هذا محال. والمقصود أن أبا جعفر صاحب مناكير لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث البتة.
و قال الحافظ ابن حجر في (التقريب): صدوق سيئ الحفظ الحفظ خصوصاً عن مغيرة.
و قال الزيلعي في (نصب الراية) (2/132) بعد أن خرج الحديث: وضعفه ابن الجوزي في (التحقيق)، وفي (العلل المتناهية) وقال: هذا حديث لا يصح، فإن أبا جعفر الرازي واسمه عيسى بن ماهان قال ابن المديني: كان يخلط.... لكن قال البيهقي في (المعرفة) كما في الزيلعي: وله شواهد عن أنس ذكرناها في (السنن).
قال الشيخ الألباني: فوجب النظر في الشواهد المشار إليها هل هي صالحة للاستشهاد بها أم لا? و هما شاهدان:
الأول: يرويه إسماعيل بن مسلم المكي وعمرو بن عبيد عن الحسن عن أنس قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم - وأحسبه قال: رابع - حتى فارقتهم)، أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال: لا نحتج بإسماعيل المكي ولا بعمرو بن عبيد.
قال الشيخ الألباني: إسماعيل ضعيف الحديث، وقال الخطيب في (الكفاية) (372): متروك الحديث. وكذلك قال النسائي، وتركه جماعة. وعمرو متهم بالكذب مع كونه من المعتزلة، ثم إن الحسن البصري مع جلالته، فهو مدلس وقد عنعنه. فلو صح السند إليه فلا يحتج به، فكيف وقد رواه عنه متروكان?
الثاني: يرويه خليد بن دعلج عن قتادة عن أنس بن مالك قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقنت، وخلف عمر فقنت، وخلف عثمان فقنت)، أخرجه البيهقي شاهداً، وتعقبه ابن التركماني بقوله: قلت: يحتاج أن ينظر في أمر خليد هل يصلح أن يستشهد به أم لا? فإن ابن حنبل وابن معين والدارقطني ضعفوه. وقال ابن معين مرة: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة. وفي (الميزان): عده الدارقطني من المتروكين. ثم إن المستغرب من حديث الترجمة قوله: ما زال يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا، وليس ذلك في حديث خليد، وإنما فيه أنه عليه السلام قنت، وذلك معروف، وإنما المستغرب دوامه حتى فارق الدنيا. فعلى تقدير صلاحية خليد للاستشهاد به كيف يشهد حديثه لحديث أنس?.
قال الشيخ الألباني: وللحديث شاهد آخر، يرويه دينار بن عبد الله خادم أنس عن أنس قال: (ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى مات)، أخرجه الخطيب في (كتاب القنوت) له، وشنع عليه ابن الجوزي بسببه لأن ديناراً.
هذا قال ابن حبان فيه: يروي عن أنس آثاراً موضوعة لا يحل في الكتب إلا على سبيل القدح فيه.
ثم رد الشيخ على دعوى تصحيحه بطرقه بقوله: قد استقصينا في هذا التحقيق جميع الوجوه المشار إليها وهي كلها واهية جداً، سوى الوجه الأول، فإنه ضعيف فقط، ولكنه منكر لما سيأتي بيانه.
والوجه الثاني: فيه إسماعيل بن مسلم المكي وعمرو بن عبيد المعتزلي وهما متروكان.
والوجه الثالث: فيه خليد بن دعلج، وهو ضعيف على أن حديثه شاهد قاصر لأنه لم يقل فيه: قنت في الفجر حتى فارق الدنيا!
والوجه الرابع: فيه دينار بن عبد الله، وهو متهم كما عرفت ذلك من عبارة ابن حبان السابقة، وقد أقره الشيخ المعلمي رحمه الله، فمع هذا الضعف الشديد في كل هؤلاء الرواة على التفصيل المذكور كيف يصح أن يقال: وبمجموع ذلك يقوى الحديث?!
وأما أن الحديث منكر، فلأنه معارض لحديثين ثابتين: أحدهما: عن أنس نفسه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعى لقوم أو دعى على قوم)، أخرجه الخطيب نفسه في كتابه (القنوت) من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عنه.
والآخر: عن أبي هريرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم، أو على قوم)، قال الزيلعي (2/130): أخرجه ابن حبان عن إبراهيم بن سعد عن سعيد وأبي سلمة عنه. قال صاحب (التنقيح): وسند هذين الحديثين صحيح، وهما نص في أن القنوت مختص بالنازلة.
وحديث أنس عزاه الحافظ في (التلخيص) (1/245) لابن خزيمة في (صحيحه) من طريق سعيد به. وحديث ابن حبان لم يورده الهيثمي في (موارد الظمآن). وقال الحافظ في (الدراية) (ص 117) عقب الحديثين: وإسناد كل منهما صحيح. وقال في (التلخيص) عقب ما سبق ذكره من الأحاديث عن أنس: فاختلفت الأحاديث عن أنس، واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة. يعني حديث أبي جعفر الرازي هذا.
(فائدة): جاء في ترجمة أبي الحسن الكرجي الشافعي المتوفى سنة (532) أنه كان لا يقنت في الفجر، ويقول: لم يصح في ذلك حديث.وهذا مما يدل على علمه وإنصافه رحمه الله تعالى، وأنه ممن عافاهم الله عز وجل من آفة التعصب المذهبي، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه. انتهى كلام الشيخ رحمه الله، وفيه الكفاية بحمد الله.
**********
وقوله في المسألة السابقة: ويترجح مذهب الشافعية في القنوت لقوة أدلتهم وهي فيما يلي:
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من صلاة الصبح في الركعة الثانية فيدعو بهذا الدعاء: ((اللهم اهدني فيمن هديت...)) الحديث.
ثم قال في الحاشية: أخرجه الحاكم في (المستدرك) (4/298)، والبيهقي في (سننه الصغرى) (1/276)، والطبراني في (الأوسط) (7/232)، و(وذكره صاحب (سبل السلام) (1/186-187). انتهى.
قلت: الحديث بهذا السياق ضعيف جداً، عزاه المؤلف لصاحب (سبل السلام) وهو الصنعاني، وكتم تضعيف الصنعاني له، ونص كلام الصنعاني: وأما حديث أبي هريرة الذي أخرجه الحاكم وصححه بأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح الركعة الثانية يرفع يديه فيدعو بهذا الدعاء: ((اللهم اهدني فيمن هديت...)) إلى آخره، ففيه عبد الله بن سعيد المقبري ولا تقوم به حجة. انتهى.
وكذلك ضعفه الزين العراقي كما في (فيض القدير) (5/139) فقال: وفيه المقبري ضعيف. وأقره المناوي.
قلت: وعبد الله بن سعيد المقبري هذا ليس فقط ضعيف بل متروك، وإليك ترجمته من (التهذيب) (5/209): عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري أبو عباد الليثي مولاهم. قال عمرو بن علي: كان عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد لا يحدثان عنه. وقال أبو قدامة عن يحيى بن سعيد: جلست إليه مجلساً فعرفت فيه يعني الكذب. قال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث متروك الحديث. وكذا قال عمرو بن علي، وقال عباس الدوري عن ابن معين: ضعيف. وقال الدارمي عن ابن معين: ليس بشيء. وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى: لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث لا يوقف منه على شيء. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال البخاري: تركوه. وقال النسائي: ليس بثقة، تركه يحيى وعبد الرحمن. وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث. وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه الضعف عليه بين. وضعفه ابن البرقي ويعقوب بن سفيان وأبو داود والساجي وقال الدارقطني: متروك ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: كان يقلب الأخبار حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها. وقال البزار: فيه لين. انتهى.
ولذلك قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (3356): متروك. أي لا يصلح حتى في الشواهد.
ولا يفوتني أن أنبه على التخبط الواقع في تخريج الحديث مما يشعر بأنه عهد بالكتاب إلى من لا يحسن تخريج الحديث، فالرقم المشار إليه في (المستدرك) (4/298) إنما هو لحديث الحسن بن علي في دعاء القنوت وليس حديث أبي هريرة. وكذلك رقم البيهقي في (سننه الصغرى) إنما هو لحديث الحسن بن علي. والرقم المشار إليه في (أوسط الطبراني) إنما هو لحديث بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ((اللهم اهدني فيمن هديت...)) الحديث. وليس في الحديثين ذكر لصلاة الصبح.
وإنما الحديث عزاه المناوي في (فيض القدير) المصدر السابق للمروزي في (الصلاة) والحاكم في (كتاب القنوت)، وعزاه في (مغني المحتاج) (2/353) لمستدرك الحاكم، ونقل عن الحاكم قال: صحيح. وتقدم ما في تصحيحه، وأما رواية المروزي فقد ذكرها الشيخ الألباني في (الصحيحة) (2071) بلفظ: (كان إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في آخر ركعة قنت)، وصححها، ثم قال: (تنبيه): القنوت الوارد في هذا الحديث هو قنوت النازلة، بدليل قوله في حديث الشيخين: (فيدعوا للمؤمنين ويلعن الكفار). وانظر الإرواء (2/160 - 164). وأصرح منه رواية ابن خزيمة بلفظ: (كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد، أو على أحد). وسنده صحيح.
**********
ثم ذكر (ص 258-259) حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح... الحديث.
قلت: رواه البيهقي في (السنن الكبرى) (2960) من طريق ابن جريج عن ابن هرمز عن بريد بن أبي مريم عن ابن عباس. وهذا سند ضعيف ، ابن جريج مدلس كما في (التقريب) (4193)، وقد عنعنه.
**********
قال في سؤال حكم قراءة على القبر: لما روى أنس مرفوعاً قال: ((من دخل المقابر فقرأ فيها (يس) خفف عنهم يومئذٍ، وكان له بعددهم حسنات)).
قال في الحاشية: أخرجه صاحب الخلال بسنده، ذكر ذلك ابن قدامة في (المغني) (2/225)، وصاحب (تحفة الأحوذي) (3/275).
أولاً: نص كلام ابن قدامة في (المغني) (5/78): وَقَال الخَلال: حَدَّثَنِي أَبُو عَليٍّ الحَسَنُ بْنُ الهَيْثَمِ البَزَّارُ، شَيْخُنَا الثِّقَةُ المَأْمُونُ، قَال: رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل يُصَلي خَلفَ ضَرِيرٍ يَقْرَأُ عَلى القُبُورِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ قَال: ((مَنْ دَخَل المَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خُفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ)). اهـ.
فالظاهر أن قوله (وقد روي...) كلام ابن قدامة، وذكره بصيغة التمريض الدالة على ضعفه.
ثانياً: الحديث موضوع، قال الشيخ الألباني في (الضعيفة) (1246): موضوع: أخرجه الثعلبي في (تفسيره) (3/161/2) من طريق محمد بن أحمد الرياحي: حدثنا أبي: حدثنا أيوب بن مدرك عن أبي عبيدة عن الحسن عن أنس بن مالك مرفوعاً، وهذا إسناد مظلم هالك مسلسل بالعلل:
الأولى: أبو عبيدة، قال ابن معين: مجهول.
الثانية: أيوب بن مدرك متفق على ضعفه وتركه، بل قال ابن معين: كذاب. وفي رواية: كان يكذب. وقال ابن حبان: روى عن مكحول نسخة موضوعة، ولم يره!. قال الشيخ: فهو آفة هذا الحديث.
الثالثة: أحمد الرياحي، وهو أحمد بن يزيد بن دينار أبو العوام، قال البيهقي: مجهول. كما في (اللسان). وأما ابنه محمد، فصدوق له ترجمة في تاريخ بغداد (1/372).
**********
قال (ص 274): ولما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها.
قال في الحاشية: أخرجه صاحب الخلال بسنده، ذكر ذلك ابن قدامة في (المغني) (2/225)، وصاحب (تحفة الأحوذي) (3/275).
قلت: قال ابن قدامة (5/78): فَرَوَى جَمَاعَةٌ أَنَّ أَحْمَدَ نَهَى ضَرِيرًا أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ القَبْرِ، وَقَال لهُ: إنَّ القِرَاءَةَ عِنْدَ القَبْرِ بِدْعَةٌ. فَقَال لهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الجَوْهَرِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: مَا تَقُول فِي مُبَشِّرٍ الحَلبِيِّ؟ قَال: ثِقَةٌ. قَال: فَأَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ يُقْرَأُ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ البَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، وَقَال: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلكَ. قَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: فَارْجِعْ فَقُل للرَّجُل يَقْرَأُ. اهـ.
وذكر سنده الشيخ الألباني في (أحكام الجنائز) (ص 192-193) حيث قال: وأما جاء في (كتاب الروح) لابن القيم (ص 13): قال الخلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوارق: ثنا علي بن موسى الحداد - وكان صدوقاً - قال: كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة! فلما خرجت من المقابر، قال محمد بن قدامة لاحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، قال: كتبت عنه شيئاً؟ قال: نعم، قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، (الأصل: الحلاج وهو خطأ) عن أبيه أنه أوصي إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك. فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل: يقراء).
قال الألباني: فالجواب عنه من وجوه:
الأول: إن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر، لأن شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد ترجمة فيما عندي الآن من كتب الرجال، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه، وإن قيل في هذا السند أنه كان صدوقاً، فإن الظاهر أن القائل هو الوارق هذا، وقد عرفت حاله.
الثاني، إنه إن ثبت ذلك عنه فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه(8)، وينتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إلا عند الدفن.
الثالث: أن السند بهذا الأثر لا يصح عن ابن عمر، ولو فرض ثبوته عن أحمد، وذلك لأن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج معدود في المجهولين، كما يشعر بذلك قول الذهبي في ترجمته من (الميزان): (ما روي عنه سوى مبشر هذا)، ومن طريقه رواه ابن عساكر (13/399/2)، وأما توثيق ابن حبان إياه فمما لا يعتد به لما اشتهر به من التساهل في التوثيق، ولذلك لم يعرج عليه الحافظ في (التقريب) حين قال في المترجم: (مقبول). يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة، ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في التحسين لما أخرج له حديثاً آخر (2/128) وليس له عنده سكت عليه ولم يحسنه!
الرابع: أنه لو ثبت سنده كل عن ابن عمر، فهو موقوف لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه أصلاً.
**********
قال في (ص 319) عن مشهد الحسين بالقاهرة: وقد أيد وجود الرأس الشريف بعسقلان ونقله منها إلى مصر جمهور كبير من المؤرخين والرواد، منهم: ابن ميسر والقلقشندي وعلي بن أبي بكر الشهير بالسايح الهروي وابن إياس وسبط ابن الجوزي والحافظ السخاوي. إلى آخر كلامه.
قلت: قوله (جمهور كبير) مجازفة، فقد قال الحافظ ابن كثير _ وهو الإمام الناقد المؤرخ المشهور _ في (البداية والنهاية) (8/222) بعد أن ذكر الخلاف في موضع دفن الرأس هل هو في البقيع أم في دمشق؟ قال: وادعت الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة، أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر، الذي يقال له (تاج الحسين)، بعد سنة خمسمائة.
وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف، وهم في ذلك كذبة خونة، وقد نص على ذلك القاضي الباقلاني وغير واحد من أئمة العلماء، في دولتهم في حدود سنة أربعمائة، كما سنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
قال الحافظ ابن كثير: والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا، فإنهم جاؤوا برأس فوضعوه في مكان هذا المسجد المذكور، وقالوا: هذا رأس الحسين، فراج ذلك عليهم واعتقدوا ذلك، والله أعلم. اهـ.
فهذا الحافظ ابن كثير من أفضل من صنف في تاريخ الإسلام ينكر ذلك، وينقله عن غير واحد من أئمة العلماء الذين عاصروا الدولة الفاطمية، فهم أعلم بحقيقة هذا الأمر ممن جاءوا بعدهم. بل نقل غيره الإجماع على بطلان هذا المشهد القاهري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة له عن (رأس الحسين) (ص 210): ما زال أهل العلم في كل وقت وزمان يذكرون في هذا المشهد القاهري المنسوب إلى الحسين: أنه كذب ومَين، كما يذكرون ذلك في أمثاله من المشاهد المكذوبة، مثل المشاهد المنسوبة بدمشق إلى أبي بن كعب وأويس القرني، أو هود أو نوح أو غير هما، والمشهد المنسوب بحران إلى جابر بن عبد الله، وبالجزيرة إلى عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر ونحوهما، وبالعراق إلى علي رضي الله عنه ونحوه، وكذلك ما يضاف إلى الأنبياء غير قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم الخليل عليه السلام، فإنه لما كان كثير من المشاهد مكذوبا مختلقا، كان أهل العلم في كل وقت يعلمون أن ذلك كذب مختلق، والكتب والمنصفات المعروفة عن أهل العلم بذلك مملوءة من مثل هذا، يعرف ذلك من تتبعه وطلبه، وما زال الناس في مصنفاتهم ومخاطباتهم يعلمون أن هذا المشهد القاهري من المكذوبات المختلقات، ويذكرون ذلك في المنصفات، حتى من سكن هذا البلد من العلماء بذلك، فقد ذكر أبو الخطاب بن دحية(9) في كتابه (العلم المشهور) في هذا المشهد فصلا مع ما ذكره في مقتل الحسين من أخبار ثابتة وغير ثابتة، ومع هذا فقد ذكر أن المشهد كذب بالإجماع(10)، وبين أنه نُقل من عسقلان في آخر الدولة العبيدية،وأنه وضع لأغراض فاسدة، وأنه بعد ذلك بقليل أزال الله تلك الدولة وعاقبها بنقيض قصدها. وما زال ذلك مشهورا بين أهل العلم حتى أهل عصرنا من ساكني الديار المصرية: القاهرة، وما حولها. فقد حدثني طائفة من الثقات، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد، وطائفة عن الشيخ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، وطائفة عن الشيخ أبي محمد بن القسطلاني، وطائفة عن الشيخ أبي عبد الله محمد القرطبي، صاحب (التفسير) و(شرح أسماء الله الحسني)، وطائفة عن الشيخ عبد العزيز الديريني، كل من هؤلاء حدثني عنه من لا أتهمه، وحدثني عن بعضهم عدد كثير، كل يحدثني عمن حدثه من هؤلاء: أنه كان ينكر أمر هذا المشهد ويقول: إنه كذب، وأنه ليس فيه الحسين ولا رأسه. وحدثني من حدثني من الثقات: أن من هؤلاء من كان يوصي أصحابه بأن لا يظهروا ذلك عنه، خوفا من شر العامة بهذه البلاد، لما فيهم من الظلم والفساد، إذ كانوا في الأصل رعية للقرامطة الباطنيين، واستولوا عليها مائتي سنة، فزرعوا فيهم من أخلاق الزنادقة المنافقين، وأهل الجهل المبتدعين، وأهل الكذب الظالمين: ما لم يمكن أن ينقلع إلا بعد حين، فإنه قد فتحها أهل الإيمان والسنة في الدولة النورية والصلاحية، وسكنها من أهل الإسلام والسنة من سكنها، وظهرت بها كلمة الإيمان والسنة نوعا من الظهور، ولكن النفاق والبدعة فيها كثير متور، وفي كل وقت يظهر الله فيها من الإيمان والسنة ما لم يكن مذكورا، ويطغي فيها من النفاق والجهل ما كان مستوراً.
**********
ذكر في (ص 351) عن عمر قال: الغناء من زاد الراكب.
قلت: مراده غناء النصب والحداء بالإبل، فالأثر ذكره ابن عبد البر في (التمهيد) (22/197)، فقال: وهذا الباب من الغناء قد أجازه العلماء ووردت الآثار عن السلف بإجازته وهو يسمى غناء الركبان وغناء النصب والحداء، هذه الأوجه من الغناء لا خلاف في جوازها بين العلماء روى ابن وهب عن أسامة وعبد الله ابني زيد بن أسلم عن أبيهما زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: الغناء من زاد الراكب أو قال زاد المسافر. أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال عمر: نعم زاد الراكب الغناء نصباً. اهـ.
فقيده في الرواية الثانية بالنصب، وهو ضرب من الغناء يشبه الحداء.
**********
قال في (ص 351): وهناك من ذهب إلى حرمة الغناء بدون آلات العزف، ولكن الدليل لا يسعفهم بهذا فقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب (الأحكام) لم يصح في التحريم شيء. وكذا قال الغزالي وابن النحوي في (العمدة) وقال ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد. وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل وموضوع. اهـ.
قلت: أما أحاديث الباب التي تدل على التحريم فقد ذكرها محدث الأمة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه القيم (تحريم آلات الطرب)، منها ما هو صحيح لذاته ومنها ما هو صحيح لغيره، فانظره إن شئت.
وأما استشهاد المؤلف بكلام الغزالي ومن معه فليس من الإنصاف في الكلام على الأحاديث أن يعرض عن كلام المحدثين والحفاظ إلى كلام من دونهم، فالغزالي معروف برقته في الحديث، قال الذهبي في ترجمته من (السير) (19/339): أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة وفيه خير أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة وفيه خير.
ثم قال (19/342): قال أبو الفرج ابن الجوزي: صنف أبو حامد (الإحياء) وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حجب الله عز وجل ولم يرد هذه المعروفات وهذا من جنس كلام الباطنية. وقد رد ابن الجوزي على أبي حامد في كتاب الإحياء وبين خطأه في مجلدات سماه كتاب الإحياء. اهـ.
فكيف يعتمد على كلامه في الحديث ؟!!
وأما ابن حزم فهو أحسن حالاً من الغزالي، ولا يخفى على المطلع على كتب الرجال رقته في الجرح والتعديل، ومن أشهر الأدلة على ذلك تجهيله الإمام الترمذي، قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الترمذي من (التهذيب) (9/344): وأما أبو محمد بن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الاطلاع فقال في كتاب الفرائض من الاتصال: محمد بن عيسى بن سورة مجهول. ولا يقولن قائل لعله ما عرف الترمذي ولا يتحقق على حفظه ولا على تصانيفه فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين من الثقات الحفاظ كأبي القاسم البغوي وإسماعيل بن محمد بن الصفار وأبي العباس الصم وغيرهم والعجب أن الحافظ بن الفرضي ذكره في كتابه المؤتلف والمختلف ونبه على قدره فكيف فات بن حزم الوقوف عليه فيه. اهـ.
فكيف نحيد عن كلام الحفاظ والمحدثين في هذا الشأن إلى من هذا علمه في الجرح والتعديل؟
**********
قال في مسألة الموسيقى (ص 353): خاصة وأنه لم يرد نص في الشرع صحيح صريح في تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلاف بشأنها. اهـ.
أي أن الخلاف في المسألة دليل على ضعف الأحاديث الصريحة الواردة فيها، وهو كلام بطلانه ظاهر، فليس كل أهل العلم على رتبة واحدة من جهة الاطلاع على الأحاديث ولا من جهة التصحيح والتضعيف... إلى آخر أسباب الاختلاف.
وأما ما ورد صحيحاً صريحاً في هذا الباب فمن أشهر ذلك ما علقه البخاري (5268) فقال: وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليه بسارحة لهم يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولوا ارجع إلينا غداً فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)).
ووصله ابن حبان (6754) والطبراني في (الكبير) (3417) وفي (مسند الشاميين) (588) والبيهقي (10/221) وأبو القاسم الدمشقي في (مسند المقلين) (8) وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (67/188 - 189) من طرق عن هشام بن عمار به. وصححه الشيخ الألباني في (الصحيحة) (91).
وقال في رسالته (تحريم آلات الطرب) (ص 40): علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم محتجاً به.
قال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاستقامة (1/294): والآلات الملهية قد صح فيها ما رواه البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به داخلا في شرطه
قال الألباني: وهذا النوع من التعليق صورته صورة التعليق كما قال الحافظ العراقي في تخريجه لهذا الحديث في المغني عن حمل الأسفار (2/271) وذلك لأن الغالب على الأحاديث المعلقة أنها منقطعة بينها وبين معلقها ولها صور عديدة معروفة وهذا ليس منها لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري الذين احتج بهم في صحيحه في غير ما حديث كما بينه الحافظ في ترجمته من مقدمة الفتح ولما كان البخاري غير معروف بالتدليس كان قوله في هذا الحديث: (قال) في حكم قوله: (عن) أو: (حدثني) أو: (قال لي) خلافا لما قاله مضعف الأحاديث الصحيحة (ابن عبد المنان)، ويشبه قول العراقي المذكور قول ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث (ص 72): صورته صورة انقطاع وليس حكمه حكمه وليس خارجاً من الصحيح إلى الضعيف. ثم رد على ابن حزم إعلاله إياه بالانقطاع.
قال: والمقصود أن الحديث ليس منقطعاً بين البخاري وشيخه هشام كما زعم ابن حزم ومن قلده من المعاصرين، على أنه لو فرض أنه منقطع فهي علة نسبية لا يجوز التمسك بها لأنه قد جاء موصولاً من طرق جماعة من الثقات الحفاظ سمعوه من هشام بن عمار، فالمتشبث والحالة هذه بالانقطاع يكابر مكابرة ظاهرة كالذي يضعف حديثاً بإسناد صحيح متشبثاً بإسناد له ضعيف.
ثم ذكر طرقه الموصولة التي أشرت إليها. وذكر غيره من الأحاديث الصحيحة الدالة على التحريم أيضاً.
**********
قال (ص 360): وجاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه السيدة آمنة في ألفي مقنع، فما رؤي أكثر باكياً من ذلك اليوم. اهـ. ثم عزاه في الحاشية للحاكم.
قلت: أولاً: ليس في الحديث قوله: (السيدة آمنة).
ثانياً: الحديث سنده ضعيف، رواه ابن عدي في (الكامل) (7/236) والحاكم في (مستدركه) (1389، 4192) والبيهقي في (الشعب) (9290) من طريق يحيى بن يمان عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه.
ويحيى بن يمان قال عنه الحافظ ابن حجر في (التقريب) (7679): صدوق عابد يخطئ كثيراً وقد تغير. اهـ.
وله طريق آخر أشد ضعفاً، رواه ابن حبان في (المجروحين) (2/313-314) من طريق محمد بن يونس قال حدثنا روح بن عبادة وروى عن قبيصة بن ذؤيب عن سفيان به. ومحمد بن يونس هو الكديمي، قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) (6419): ضعيف.
قلت: ورماه غير واحد بالكذب كما في (التهذيب). وذكر ابن حبان في المصدر السابق بعد رواية الحديث عن سفيان الثوري قال: وهذا شيء أخطأ فيه يحيى بن اليمان وحده فسرقه وحدث به عن قبيصة.
هذا والله الهادي إلى الصواب
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه
أبو عبد الله خيري بن سعيد
الثلاثاء
7 من ربيع الثاني 1428 هـ.
**********