تنبيه: نقلت هذا الموضوع بشيء من التصرف من كتاب دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لفضيلة الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله [ص137-153]
شبه خصوم الإمام محمد حول شرعية قتاله لأهل الضلال مع بيان القتال المشروع والقتال الممنوع بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
يدعي المالكي أن الإمام محمداً بن عبد الوهاب قاتل مسلمين موحدين أبرياء.
وأنَّ قتاله يشبه قتال الخوارج في قتلهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الأوثان، وأنه الوحيد في هذا القتل والقتال منهجاً وعملاً.
لقد علم القارئ الفطن منهج الإمام محمد الإسلامي الصحيح في التكفير، وأنه لم يخرج عن المنهج الإسلامي الحق منهج أهل السنة والجماعة.
وأن أعلام الأمة الإسلامية يشاركونه في هذا المنهج سواء من سبقه في الأعصر السابقة قبله أو عاصره أو جاء بعده.
وعرف سقوط دعاوى المالكي وتلبيساته وإيهامه البسطاء أن الإمام محمداً قد شذّ عن علماء هذه الأمة في منهجه ودعوته.
والآن نريد أن نبين من سبق الإمام محمداً بقتال من يستحق القتال من المسلمين بل ومن قاتل المسلمين بغير حق لأغراض سياسية وغير سياسية ممن أسدل المالكي الستار على قتالهم سواء المحقين منهم أو المبطلين.
وسأذكر الأمور المشهورة دون تكلف في سرد الأحداث وملابساتها لأن شهرتها تغني عن تكلف ذلك.
أولها- قتال الصحابة الكرام لأهل الردة ومن بينهم بعض المسلمين الذين كانوا يصلون ويصومون ويزكون ولكنهم امتنعوا عن أداء الزكاة لخليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- الصديــق- رضي الله عنه-.
فقال: " والله لو منعوني عقالا أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ".
وقد قرر علماء الإسلام أن أي قوم امتنعوا عن القيام بأي شعيرة من شعائر الإسلام فإنه يجب على المسلمين قتالهم حتى يقوموا بأداء هذه الشعيرة.
وثانيها- قتال الخليفة الراشد علي -رضي الله عنه- أهل الجمل وأهل صفين وهم مسلمون وفيهم من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ومنهم من هو معدود من العشرة المبشرين بالجنة مثل طلحة والزبير -رضي الله عنهما- وهذا قتال فتنة بين أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلّم-.
وكلهم مجتهدون المصيب منهم والمخطيء وكلهم مأجورون ومن أهل الجنة- رضي الله عنهم- أجمعين ويجب على المسلمين احترامهم والسكوت عما جرى بينهم.
وثالثها- قتال علي والصحابة معه للخوارج وبأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- وتحريضه على قتلهم ووصفهم بأنهم شر الخلق وبأن لمن قتلهم أجراً عند الله.
رابعها- قتال العباسيين للأمويين وهو قتال للمسلمين وكم ذهب فيها من الألوف المؤلفة على يد أبي مسلم الرافضي الباطني.
خامسها- تفرق المسلمين إلى دويلات يقاتل بعضهم بعضاً في مشارق الأرض الإسلامية ومغاربها وكم ذهب في هذا القتال من ألوف مؤلفة.
سادسها- خروج القرامطة وهم نوع من غلاة الروافض وزنادقتهم على المسلمين فكم لهم من المذابح في المسلمين بما في ذلك حجاج بيت الله الحرام واقتلاع الحجر الأسود فلم يعيدوه إلا بعد سنين.
سابعها- قتال الزنادقة من الروافض للمسلمين وقتلهم الذريع في بلاد المغرب ومصر والشام.
ثامنها- قتال البويهيين وقتلهم للمسلمين وتسلطهم على خلفاء المسلمين ونشرهم للشرك والبدع الرافضية في بلاد الإسلام وتشييد القبور والغلو في أهل البيت إلى درجة التأليه.
تاسعها- قتال الصفويين الروافض للمسلمين وإجبارهم على اعتناق الرفض.
عاشرها- قتال أئمة الزيدية في اليمن الذي استمر قروناً من حدود سنة ثمانين ومائتين إلى آخر إمام منهم في حدود سنة (1340هـ) وكان قتالهم كله في هذه القرون إنما هو على الملك وقد يكون لنشر البدع والضلال.
الحادي عشر- قتال الروافض وعلى رأسهم الخميني للشعب العراقي الذي امتد سنوات ذهب ضحيته ألوف أو ملايين لا من أجل الإسلام بل من أجل أهداف رافضية وطموحات ظالمة لا علاقة لها بالإسلام.
وقد عايشها – المالكي – الذي لعله ممن يؤيد هذه الحرب ولا ينكرها.
كل هذه الفتن العريضة ما عدا قتال الصحابة يسدل عليها الستار هذا- المالكي- الحاقد ويصور الإمام محمداً كأنه هو الوحيد الذي قاتل المسلمين.
والحق أن الإمام محمداً ما قاتل إلا من يستحق القتال من عباد القبور وأعداء التوحيد ممن ضرب الشرك فيهم أطنابه فدعاهم الإمام محمد إلى إخلاص الدين لله ونبذ هذا الشرك وأقام عليهم الحجج والبراهين بدعوته الواضحة ومؤلفاته العظيمة النافعة التي وضحت قضايا التوحيد والشرك بطريقة جلية يعرفها العالم والمتعلم والجاهل.
ولكن هؤلاء القبوريين عاندوا وكابروا وشمروا عن ساعد الجد لقتال أئمة التوحيد ودعاته وعلى رأسهم الإمام محمد -رحمه الله- والإمام محمد بن سعود وأنصاره.
فما وسع هذا الإمام وأنصاره إلا أن يقاتل هذه الأصناف المستكبرة المعاندة والمصممين على عبادة القبور والأشجار والأحجار وعلى سائر الشركيات والضلالات.
فلسان حال الشيخ محمد ومن معه:
إذا لم تكن إلا الأسنة مركب ** فما حيلة المضطر إلا ركوبها
فلم يسع أهل الضلال والبدع الشركية إلا محاربة هذا الإمام ودعوته بالأكاذيب والافتراءات الشنيعة.
بمثل قولهم الوهابية يبغضون النبي ويبغضون الأولياء، وينكرون كراماتهم ويقاتلون المسلمين إلى آخر الدعاوى الأثيمة التي أشاعها أهل الضلال في العالم من مثل ابن سحيم والقباني والحداد ودحلان والنبهاني وأسلافهم وأتباعهم.
وقد تصدى أعلام التوحيد والسنة لنقد هذه الافتراءات فبينوا أكاذيب هؤلاء الأفاكين المحاربين لتوحيد المرسلين ورسالات النبيين.
ومن تلك الردود ردود أعلام التوحيد من أبناء وأحفاد الإمام محمد وتلاميذه في عدد من الكتب والرسائل ومنها ما دون في الكتاب الجامع " الدرر السنية " وهو متوفر فمن شاء فليرجع إليه ليعرف حقيقة دعوة الإمام محمد وأنها قائمة على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح،وهذه الأمور هي منطلقات هؤلاء الأئمة في بيان أحقية هذه الدعوة وبيان ضلال وأباطيل خصومها (1).
ومن أعجب العجب أن المالكي يعرف كذب هؤلاء على الإمام محمد وأنصاره ثم يدافع عنهم بأكاذيبهم ويحارب الإمام محمد بن عبد الوهاب وأنصاره بهذه الأكاذيب ويزيد عليها من خيالاته الفاسدة ووساوسه الكاسدة ومن يهن الله فماله من مكرم.
هذا وقد بين علماء الإسلام القتال المشروع من الممنوع في الإسلام
ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية حيث سئل عن قتال التتار الذين يدعون التمسك بالشهادتين وقد فعلوا الأفاعيل بالمسلمين من قتل ونهب للأموال ويدعي مع ذلك بعض الناس تحريم قتالهم.
فأجاب بقوله:
" الحمد لله كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة- رضي الله عنهم- ما نعى الزكاة وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر - رضي الله عنهما- فاتفق الصحابة - رضي الله عنهم- على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة وكذلك ثبت عن النبي من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء (2). وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر، والأذان والإقامة عند من لا يقول بوجوبها ونحو ذلك من الشعائر، هل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا ؟
1- فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها (3)".
2- قال الإمام البخاري - رحمه الله- في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة "6924 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفى النبي - صلى الله عليه وسلم- واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر:" يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله).
قال أبو بكر:" والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة،فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها"، قال عمر:" فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
قال الحافظ:قوله: (باب قتل من أبى قبول الفرائض) أي جواز قتل من امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها.
قال المهلب: من امتنع من قبول الفرائض نظر فان أقر بوجوب الزكاة مثلا أخذت منه قهراً ولا يقتل، فإن أضاف إلى امتناعه نصب القتال قوتل إلى أن يرجع.
قال مالك في الموطأ: الأمر عندنا فيمن منع فريضة من فرائض الله تعالى،فلم يستطع المسلمون أخذها منه كان حقاً عليهم جهاده، قال ابن بطال: مراده إذا أقر بوجوبها لا خلاف في ذلك. قوله: (وما نسبوا إلى الردة) أي أطلق عليهم اسم المرتدين، قال الكرماني: "ما" في قوله (وما نسبوا) نافية كذا قال، والذي يظهر لي أنها مصدرية أي ونسبتهم إلى الردة وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي أورده كما سأبينه، قال القاضي عياض وغيره: كان أهل الردة ثلاثة أصناف: صنف عادوا إلى عبادة الأوثان، وصنف تبعوا مسيلمة والأسود العنسي وكان كل منهما ادعى النبوة قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة غيرهم، وصدق الأسود أهل صنعاء وجماعة غيرهم، فقتل الأسود قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- بقليل وبقي بعض من آمن به فقاتلهم عمال النبي - صلى الله عليه وسلم- في خلافة أبي بكر،وأما مسيلمة فجهز إليه أبو بكر الجيش وعليهم خالد بن الوليد فقتلوه. وصنف ثالث استمروا على الإسلام، لكنهم جحدوا الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم- وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم كما وقع في حديث الباب.
وقال البخاري - رحمه الله- باب لا يعذب بعذاب الله ثم روى بإسناده إلى أبي هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في بعث فقال: إن وجدتم فلاناً وفلانً فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما " ثم روى بإسناده عن أيوب عن عكرمة " أن علياً رضي الله عنه حرق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي –صلى الله عليه وسلّم- قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي –صلى الله عليه وسلّم-: من بدل دينه فاقتلوه ".
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذين الحديثين:" قوله عن أيوب صرح الحميدي عن سفيان بتحديث أيوب له به، قوله أن علياً حرق قوما في رواية الحميدي المذكورة أن علياً أحرق المرتدين يعني الزنادقة وفي رواية بن أبي عمر ومحمد بن عباد عند الإسماعيلي جميعاً عن سفيان قال رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمار الدهني اجتمعوا فتذاكروا الذين حرقهم علي فقال أيوب فذكر الحديث فقال عمار لم يحرقهم، ولكن حفر لهم حفائر وخرق بعضها إلى بعض ثم دخن عليهم فقال عمرو بن دينار قال الشاعر:
يدعي المالكي أن الإمام محمداً بن عبد الوهاب قاتل مسلمين موحدين أبرياء.
وأنَّ قتاله يشبه قتال الخوارج في قتلهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الأوثان، وأنه الوحيد في هذا القتل والقتال منهجاً وعملاً.
لقد علم القارئ الفطن منهج الإمام محمد الإسلامي الصحيح في التكفير، وأنه لم يخرج عن المنهج الإسلامي الحق منهج أهل السنة والجماعة.
وأن أعلام الأمة الإسلامية يشاركونه في هذا المنهج سواء من سبقه في الأعصر السابقة قبله أو عاصره أو جاء بعده.
وعرف سقوط دعاوى المالكي وتلبيساته وإيهامه البسطاء أن الإمام محمداً قد شذّ عن علماء هذه الأمة في منهجه ودعوته.
والآن نريد أن نبين من سبق الإمام محمداً بقتال من يستحق القتال من المسلمين بل ومن قاتل المسلمين بغير حق لأغراض سياسية وغير سياسية ممن أسدل المالكي الستار على قتالهم سواء المحقين منهم أو المبطلين.
وسأذكر الأمور المشهورة دون تكلف في سرد الأحداث وملابساتها لأن شهرتها تغني عن تكلف ذلك.
أولها- قتال الصحابة الكرام لأهل الردة ومن بينهم بعض المسلمين الذين كانوا يصلون ويصومون ويزكون ولكنهم امتنعوا عن أداء الزكاة لخليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- الصديــق- رضي الله عنه-.
فقال: " والله لو منعوني عقالا أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ".
وقد قرر علماء الإسلام أن أي قوم امتنعوا عن القيام بأي شعيرة من شعائر الإسلام فإنه يجب على المسلمين قتالهم حتى يقوموا بأداء هذه الشعيرة.
وثانيها- قتال الخليفة الراشد علي -رضي الله عنه- أهل الجمل وأهل صفين وهم مسلمون وفيهم من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- ومنهم من هو معدود من العشرة المبشرين بالجنة مثل طلحة والزبير -رضي الله عنهما- وهذا قتال فتنة بين أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلّم-.
وكلهم مجتهدون المصيب منهم والمخطيء وكلهم مأجورون ومن أهل الجنة- رضي الله عنهم- أجمعين ويجب على المسلمين احترامهم والسكوت عما جرى بينهم.
وثالثها- قتال علي والصحابة معه للخوارج وبأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- وتحريضه على قتلهم ووصفهم بأنهم شر الخلق وبأن لمن قتلهم أجراً عند الله.
رابعها- قتال العباسيين للأمويين وهو قتال للمسلمين وكم ذهب فيها من الألوف المؤلفة على يد أبي مسلم الرافضي الباطني.
خامسها- تفرق المسلمين إلى دويلات يقاتل بعضهم بعضاً في مشارق الأرض الإسلامية ومغاربها وكم ذهب في هذا القتال من ألوف مؤلفة.
سادسها- خروج القرامطة وهم نوع من غلاة الروافض وزنادقتهم على المسلمين فكم لهم من المذابح في المسلمين بما في ذلك حجاج بيت الله الحرام واقتلاع الحجر الأسود فلم يعيدوه إلا بعد سنين.
سابعها- قتال الزنادقة من الروافض للمسلمين وقتلهم الذريع في بلاد المغرب ومصر والشام.
ثامنها- قتال البويهيين وقتلهم للمسلمين وتسلطهم على خلفاء المسلمين ونشرهم للشرك والبدع الرافضية في بلاد الإسلام وتشييد القبور والغلو في أهل البيت إلى درجة التأليه.
تاسعها- قتال الصفويين الروافض للمسلمين وإجبارهم على اعتناق الرفض.
عاشرها- قتال أئمة الزيدية في اليمن الذي استمر قروناً من حدود سنة ثمانين ومائتين إلى آخر إمام منهم في حدود سنة (1340هـ) وكان قتالهم كله في هذه القرون إنما هو على الملك وقد يكون لنشر البدع والضلال.
الحادي عشر- قتال الروافض وعلى رأسهم الخميني للشعب العراقي الذي امتد سنوات ذهب ضحيته ألوف أو ملايين لا من أجل الإسلام بل من أجل أهداف رافضية وطموحات ظالمة لا علاقة لها بالإسلام.
وقد عايشها – المالكي – الذي لعله ممن يؤيد هذه الحرب ولا ينكرها.
كل هذه الفتن العريضة ما عدا قتال الصحابة يسدل عليها الستار هذا- المالكي- الحاقد ويصور الإمام محمداً كأنه هو الوحيد الذي قاتل المسلمين.
والحق أن الإمام محمداً ما قاتل إلا من يستحق القتال من عباد القبور وأعداء التوحيد ممن ضرب الشرك فيهم أطنابه فدعاهم الإمام محمد إلى إخلاص الدين لله ونبذ هذا الشرك وأقام عليهم الحجج والبراهين بدعوته الواضحة ومؤلفاته العظيمة النافعة التي وضحت قضايا التوحيد والشرك بطريقة جلية يعرفها العالم والمتعلم والجاهل.
ولكن هؤلاء القبوريين عاندوا وكابروا وشمروا عن ساعد الجد لقتال أئمة التوحيد ودعاته وعلى رأسهم الإمام محمد -رحمه الله- والإمام محمد بن سعود وأنصاره.
فما وسع هذا الإمام وأنصاره إلا أن يقاتل هذه الأصناف المستكبرة المعاندة والمصممين على عبادة القبور والأشجار والأحجار وعلى سائر الشركيات والضلالات.
فلسان حال الشيخ محمد ومن معه:
إذا لم تكن إلا الأسنة مركب ** فما حيلة المضطر إلا ركوبها
فلم يسع أهل الضلال والبدع الشركية إلا محاربة هذا الإمام ودعوته بالأكاذيب والافتراءات الشنيعة.
بمثل قولهم الوهابية يبغضون النبي ويبغضون الأولياء، وينكرون كراماتهم ويقاتلون المسلمين إلى آخر الدعاوى الأثيمة التي أشاعها أهل الضلال في العالم من مثل ابن سحيم والقباني والحداد ودحلان والنبهاني وأسلافهم وأتباعهم.
وقد تصدى أعلام التوحيد والسنة لنقد هذه الافتراءات فبينوا أكاذيب هؤلاء الأفاكين المحاربين لتوحيد المرسلين ورسالات النبيين.
ومن تلك الردود ردود أعلام التوحيد من أبناء وأحفاد الإمام محمد وتلاميذه في عدد من الكتب والرسائل ومنها ما دون في الكتاب الجامع " الدرر السنية " وهو متوفر فمن شاء فليرجع إليه ليعرف حقيقة دعوة الإمام محمد وأنها قائمة على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح،وهذه الأمور هي منطلقات هؤلاء الأئمة في بيان أحقية هذه الدعوة وبيان ضلال وأباطيل خصومها (1).
ومن أعجب العجب أن المالكي يعرف كذب هؤلاء على الإمام محمد وأنصاره ثم يدافع عنهم بأكاذيبهم ويحارب الإمام محمد بن عبد الوهاب وأنصاره بهذه الأكاذيب ويزيد عليها من خيالاته الفاسدة ووساوسه الكاسدة ومن يهن الله فماله من مكرم.
هذا وقد بين علماء الإسلام القتال المشروع من الممنوع في الإسلام
ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية حيث سئل عن قتال التتار الذين يدعون التمسك بالشهادتين وقد فعلوا الأفاعيل بالمسلمين من قتل ونهب للأموال ويدعي مع ذلك بعض الناس تحريم قتالهم.
فأجاب بقوله:
" الحمد لله كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة- رضي الله عنهم- ما نعى الزكاة وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر - رضي الله عنهما- فاتفق الصحابة - رضي الله عنهم- على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة وكذلك ثبت عن النبي من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء (2). وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر، والأذان والإقامة عند من لا يقول بوجوبها ونحو ذلك من الشعائر، هل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا ؟
1- فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها (3)".
2- قال الإمام البخاري - رحمه الله- في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة "6924 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفى النبي - صلى الله عليه وسلم- واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر:" يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله).
قال أبو بكر:" والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة،فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها"، قال عمر:" فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
قال الحافظ:قوله: (باب قتل من أبى قبول الفرائض) أي جواز قتل من امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها.
قال المهلب: من امتنع من قبول الفرائض نظر فان أقر بوجوب الزكاة مثلا أخذت منه قهراً ولا يقتل، فإن أضاف إلى امتناعه نصب القتال قوتل إلى أن يرجع.
قال مالك في الموطأ: الأمر عندنا فيمن منع فريضة من فرائض الله تعالى،فلم يستطع المسلمون أخذها منه كان حقاً عليهم جهاده، قال ابن بطال: مراده إذا أقر بوجوبها لا خلاف في ذلك. قوله: (وما نسبوا إلى الردة) أي أطلق عليهم اسم المرتدين، قال الكرماني: "ما" في قوله (وما نسبوا) نافية كذا قال، والذي يظهر لي أنها مصدرية أي ونسبتهم إلى الردة وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي أورده كما سأبينه، قال القاضي عياض وغيره: كان أهل الردة ثلاثة أصناف: صنف عادوا إلى عبادة الأوثان، وصنف تبعوا مسيلمة والأسود العنسي وكان كل منهما ادعى النبوة قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة غيرهم، وصدق الأسود أهل صنعاء وجماعة غيرهم، فقتل الأسود قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- بقليل وبقي بعض من آمن به فقاتلهم عمال النبي - صلى الله عليه وسلم- في خلافة أبي بكر،وأما مسيلمة فجهز إليه أبو بكر الجيش وعليهم خالد بن الوليد فقتلوه. وصنف ثالث استمروا على الإسلام، لكنهم جحدوا الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم- وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم كما وقع في حديث الباب.
وقال البخاري - رحمه الله- باب لا يعذب بعذاب الله ثم روى بإسناده إلى أبي هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في بعث فقال: إن وجدتم فلاناً وفلانً فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما " ثم روى بإسناده عن أيوب عن عكرمة " أن علياً رضي الله عنه حرق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي –صلى الله عليه وسلّم- قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي –صلى الله عليه وسلّم-: من بدل دينه فاقتلوه ".
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذين الحديثين:" قوله عن أيوب صرح الحميدي عن سفيان بتحديث أيوب له به، قوله أن علياً حرق قوما في رواية الحميدي المذكورة أن علياً أحرق المرتدين يعني الزنادقة وفي رواية بن أبي عمر ومحمد بن عباد عند الإسماعيلي جميعاً عن سفيان قال رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمار الدهني اجتمعوا فتذاكروا الذين حرقهم علي فقال أيوب فذكر الحديث فقال عمار لم يحرقهم، ولكن حفر لهم حفائر وخرق بعضها إلى بعض ثم دخن عليهم فقال عمرو بن دينار قال الشاعر:
لترم بي المنايا حيث شاءت ** إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا حطبا ونـارا **هناك الموت نقداً غير دين
إذا ما أججوا حطبا ونـارا **هناك الموت نقداً غير دين
انتهى، وكأن عمرو بن دينار أراد بذلك الرد على عمار الدهني في إنكاره أصل التحريق، ثم وجدت في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص حدثنا لوين حدثنا سفيان بن عيينة، فذكره عن أيوب وحده، ثم أورده عن عمار وحده قال ابن عيينة فذكرته لعمرو بن دينار، فأنكره وقال فأين قوله:
"......................... أوقدت ناري ودعوت قنبرا "
فظهر بهذا صحة ما كنت ظننته، وسيأتي للمصنف في استتابة المرتدين في آخر الحدود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: أتي علي بزنادقة فأحرقهم، ولأحمد من هذا الوجه أن علياً أتي بقوم من هؤلاء الزنادقة، ومعهم كتب فأمر بنار فأججت، ثم أحرقهم وكتبهم، وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال كان ناس يعبدون الأصنام في السر ويأخذون العطاء فأتي بهم عليّ فوضعهم في السجن واستشار الناس، فقالوا اقتلهم فقال لا بل أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار.
قوله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لا تعذبوا بعذاب الله هذا أصرح في النهي من الذي قبله، وزاد أحمد وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن أيوب في آخره فبلغ ذلك علياً فقال ويح ابن عباس وسيأتي الكلام على قوله من بدل دينه فاقتلوه في استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى"(4).
وقال الحافظ أيضاً في كتاب "استتابة المرتدين والمعاندين وقتلهم": "قوله(أتي علي) هو ابن أبي طالب تقدم في باب "لا يعذب بعذاب الله" من كتاب الجهاد من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند أن علياً حرق قوماً، وذكرت هناك أن الحميدي رواه عن سفيان بلفظ "حرق المرتدين" ومن وجه آخر عند ابن أبي شيبة "كان أناس يعبدون الأصنام في السر" وعند الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة "أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فحفر حفيرة ثم أتي بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: "صدق الله ورسوله ".
وزعم أبو المظفر الاسفرايني في "الملل والنحل" أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبائية وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهودياً ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة، وهذا يمكن أن يكون أصله ما رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: إن هنا قوماً على باب المسجد يدّعون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم: "ويلكم ما تقولون؟ قالوا:أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر، فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال يا قنبر: ائتني بفعلة معهم مرورهم، فخد لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر، وقال: "احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود" وقال: "إني طارحكم فيها أو ترجعوا"، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال:
إني إذا رأيت أمراً منكراً أوقدت ناري ودعوت قنبراً
وهذا سند حسن. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة "أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم" فسنده منقطع فإن ثبت حمل على قصة أخرى" (5).
وقال أيضاً في نفس الكتاب – باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة-:
قوله: (وكفر من كفر من العرب) في حديث أنس عند ابن خزيمة لما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ارتد عامة العرب. قوله: (يا أبا بكر كيف تقاتل الناس) في حديث أنس: "أتريد أن تقاتل العرب". قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) كذا ساقه الأكثر، وفي رواية طارق عند مسلم: "من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه حرم دمه وماله"، وأخرجه الطبراني من حديثه كرواية الجمهور، وفي حديث ابن عمر "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" ونحوه في حديث أبي العنبس وفي حديث أنس عند أبي داود: "حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا ويصلوا صلاتنا " وفي رواية العلاء ابن عبد الرحمن: "حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويؤمنوا بي وبما جئت به " قال الخطابي: زعم الروافض أن حديث الباب متناقض لأن في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة، فان كانوا مسلمين فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم وإن كانوا كفاراً فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين الصلاة والزكاة فإن في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مقرين بالصلاة قال والجواب عن ذلك أن الذين نسبوا إلى الردة كانوا صنفين: صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان، وصنف منعوا الزكاة وتأولوا قوله تعالى: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم( فزعموا أن دفع الزكاة خاص به - صلى الله عليه وسلم- لأن غيره لا يطهرهم ولا يصلي عليهم فكيف تكون صلاته سكنا لهم، وإنما أراد عمر بقوله: " تقاتل الناس " الصنف الثاني لأنه لا يتردد في جواز قتل الصنف الأول كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عباد الأوثان والنيران واليهود والنصارى، قال: وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيره في الصلاة والزكاة معاً،وقد رواه عبد الرحمن بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة حيث قال فيها: "ويؤمنوا بي وبما جئت به " فان مقتضى ذلك أن من جحد شيئا مما جاء به - صلى الله عليه وسلم- ودعي إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقتله إذا أصر، قال: وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار، وكأن راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث انتهى ملخصا.
قلت: وفي هذا الجواب نظر، لأنه لو كان عند عمر في الحديث: " حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ما استشكل قتالهم للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من التلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. قال عياض: حديث ابن عمر نص في قتال من لم يصل و لم يزك كمن لم يقر بالشهادتين، واحتجاج عمر على أبي بكر وجواب أبي بكر دل على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة، إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله: " إلا بحقه".
قلت:إن كان الضمير في قوله: "بحقه" للإسلام فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة.
قوله: (لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) يجوز تشديد فرق وتخفيفه والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحداً أو مانعاً مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين، فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليباً وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصروا قاتلهم.
قال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والسنة مورداً واحداً.
قوله: (فإن الزكاة حق المال) يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة، فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهراً، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" لما احتاج إلى هذا الاستنباط لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري" (6).
3- قال العلامة الصنعاني:"فإن قلت: فإن كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم مسلك رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في المشركين.
قلت: إلى هذا ذهب طائفة من أئمة العلم فقالوا يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه لا ينفع ولا يضر ولا يغني عنهم من الله شيئاً... وأن هذا الاعتقاد منهم فيهم شرك لا يتم الإيمان بما جاءت به الرسل إلا بتركه والتوبة منه وإفراد التوحيد اعتقاداً وعملاً لله وحده، وهذا واجب على العلماء أي بيان ذلك الاعتقاد الذي تفرعت منه النذور والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم، وأنه عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك وجب على الأئمة والملوك بعث الدعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله –صلى الله عليه وسلّم- من المشركين" تطهير الاعتقاد (ص31 – 32).
4- وقال العلامة صديق حسن في كتابه قطف الثمر (ص106):
"وأما إثبات التصرف في العالم للأولياء، وسقوط التكليف عنهم، وإثبات ما يختص بالله، فإسقاط لحق الربوبية والألوهية، ودعوى مجردة عن الدليل، بل من العقائد الفاسدة الضعيفة، والأباطيل الشركية السخيفة(7).والاستدلال بأمثال قوله تعالى: (لهم ما يشاءون) (الزمر: 34)، حجة فاسدة فإن ذلك وعد لهم، والله لا يخلف الميعاد، وهذا لهم في الآخرة، كما صرحت به الآيات والأحاديث. ودعوى العموم، بعيدة محالة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله المستعان. وكفى بالله شهيداً على الضمائر، وحكماً بين العادل والجائر، وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، ما أكثر هذا اليوم في الأحزاب المتحزبة، والجموع المجتمعة من فرق الشيعة، والمتصوفة، وطوائف المبتدعة، يسيرون قواعد لم تتأسس على علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، ثم يبنون عليها قناطير علمهم وما لم يشهد له دليل من الافتراء. والشبهة التي نشأت عن الهوى والإلف والتقليد، ساقطة في البين فتبقى الدعوى مجردة، وحجج الله سبحانه أكبر وأكثر وفي قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (آل عمران: 31) أوضح دليل على المدعى لأن الخير مقصور على اتباعه فيا حسرة الجهلة البطلة الزاعمين بأن اتباعهم لمن قلدوه ينجيهم من دون اقتصاص واقتصار على الآثار النبوية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه).(آل عمران: 85).
والإسلام ما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين –صلى الله عليه وسلّم- (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) آل عمران: 101. فمن لم يخص الله بالاعتصام وهو أغنى الشركاء عن الشرك، لم يعتصم عن الضلالة، ومن أخلص لله سلم من الضلالة، ومثله قوله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون).(الأعراف: 3).
ولقد أربى ضلال المتصوفة، واتبعهم الرعاع والجهلة، واستحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، فلا تسمع إلا يا سيدي أحمد البدوي، ويا سيدي الزيلعي، ويا عيدروس، ويا جيلاني، ولا تسمع من يذكر الله، ويلجأ إليه في البحر والبر إلا قليلاً، ولفقوا كذبات لا أصل لها فقد عمت جهالاتهم اليوم عامة أهل وقتنا وخاصتهم (8)، إلا ما شاء الله فيضيفون إليهم من القدرة والعلم بالمغيبات، والتصرف في الكائنات، ما يختص بالله سبحانه، حتى قالوا فلان يتصرف في العالم، وكل عبارة أخبث من أختها.اللهم إنا نبرأ إليك من صنيع هؤلاء، ونسألك أن تكتبنا من الناهين لضلالاتهم، والمنادين لهم، ونستغفرك في التقصير وقد علمت عجزنا عن السيف والقنا (9)، أن نفضي به إليهم، وعن اللسان أن ننصحهم، أو ننادي به عليهم، إلا في الصحف والكتابة، والحمد لله على كل حال ". انتهى.
-------------------------------
(1) وبعد كل هذا يأتي حسن المالكي الذي نشأ في قلب بلاد التوحيد ودرس مناهج الدعوة السلفية يأتي ليرفع راية أعداء دعوة التوحيد والسنة ويرفع راية النبهاني ودحلان وابن جرجيس وأمثالهم من عتاة الضلال وخصوم التوحيد.
ثم لا يخجل من الدعاوى الكاذبة من أنه سلفي وأنه يريد الحق ويريد الدفاع عن هذه الدعوة ويمجد نفسه ويظن- المسكين -أنه من فرسان النقد والتصحيح والتوجيه فلم يعرف قدر نفسه ولا مقدار ضلاله وجهله.
ومن هنا يرفع نفسه إلى مقام المصلحين ويرى نفسه من أنداد الإمام محمد وأمثاله.
(2) هذا هو فقه علماء الأمة وهذه هي أحكامهم وهذا هو إجماعهم على قتال من يمتنع من الناس عن أداء شعيرة من شعائر الإسلام أو يرتكب محرماً معلوماً من الدين بالضرورة مستحلاً له كشرب الخمر أو الزنا والميسر فكيف بمن يرتكب نواقض لا إله إلا الله من الشركيات ويحارب من نهى عنها ويدعو إلى إخلاص العبادة لله رب العالمين.
(3) مجموع الفتاوى (28/502) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(4) الفتح(6/151) كتاب الجهاد حديث رقم (3017).
(5) الفتح (12/270) حديث رقم (6923).
(6) فتح الباري(12/275-278)، وانظر في المصادر التالية في إثبات تحريق علي –رضي الله عنه- للخوارج: التنبيه والرد على أهل البدع والأهواء للإمام أبي الحسين محمد بن أحمد الملطي(ص18) الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي (ص232)، التبصر في الدين للإسفراييني(ص108)، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي(ص57) بواسطة كتاب: (عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام) لسليمان بن حمد العودة (ص217).
(7) هذا كلام حق موافق لما دل عليه القرآن والسنة وما عليه علماء الأمة.
(8) في موقف هذا الإمام ما يؤيد موقف الإمام محمد من هذه الشركيات وتأكيد منه أن هذا البلاء الماحق منتشر في بلاد الإسلام وشمل الخاص والعام إلا من سلم الله.
(9) فيه أنه يرى قتال هؤلاء الذين بدلوا دين الله – واستعاضوا من توحيد الله بهذا الشرك والإلحاد ولا أدري هل يشترط قيام الحجة أو لا ؟! وأما أئمة الدعوة فقد علمت أنهم يشترطون قيام الحجة.
"......................... أوقدت ناري ودعوت قنبرا "
فظهر بهذا صحة ما كنت ظننته، وسيأتي للمصنف في استتابة المرتدين في آخر الحدود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: أتي علي بزنادقة فأحرقهم، ولأحمد من هذا الوجه أن علياً أتي بقوم من هؤلاء الزنادقة، ومعهم كتب فأمر بنار فأججت، ثم أحرقهم وكتبهم، وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال كان ناس يعبدون الأصنام في السر ويأخذون العطاء فأتي بهم عليّ فوضعهم في السجن واستشار الناس، فقالوا اقتلهم فقال لا بل أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار.
قوله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لا تعذبوا بعذاب الله هذا أصرح في النهي من الذي قبله، وزاد أحمد وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن أيوب في آخره فبلغ ذلك علياً فقال ويح ابن عباس وسيأتي الكلام على قوله من بدل دينه فاقتلوه في استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى"(4).
وقال الحافظ أيضاً في كتاب "استتابة المرتدين والمعاندين وقتلهم": "قوله(أتي علي) هو ابن أبي طالب تقدم في باب "لا يعذب بعذاب الله" من كتاب الجهاد من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند أن علياً حرق قوماً، وذكرت هناك أن الحميدي رواه عن سفيان بلفظ "حرق المرتدين" ومن وجه آخر عند ابن أبي شيبة "كان أناس يعبدون الأصنام في السر" وعند الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة "أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فحفر حفيرة ثم أتي بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: "صدق الله ورسوله ".
وزعم أبو المظفر الاسفرايني في "الملل والنحل" أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبائية وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهودياً ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة، وهذا يمكن أن يكون أصله ما رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: إن هنا قوماً على باب المسجد يدّعون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم: "ويلكم ما تقولون؟ قالوا:أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر، فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال يا قنبر: ائتني بفعلة معهم مرورهم، فخد لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر، وقال: "احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود" وقال: "إني طارحكم فيها أو ترجعوا"، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال:
إني إذا رأيت أمراً منكراً أوقدت ناري ودعوت قنبراً
وهذا سند حسن. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة "أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم" فسنده منقطع فإن ثبت حمل على قصة أخرى" (5).
وقال أيضاً في نفس الكتاب – باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة-:
قوله: (وكفر من كفر من العرب) في حديث أنس عند ابن خزيمة لما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ارتد عامة العرب. قوله: (يا أبا بكر كيف تقاتل الناس) في حديث أنس: "أتريد أن تقاتل العرب". قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) كذا ساقه الأكثر، وفي رواية طارق عند مسلم: "من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه حرم دمه وماله"، وأخرجه الطبراني من حديثه كرواية الجمهور، وفي حديث ابن عمر "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" ونحوه في حديث أبي العنبس وفي حديث أنس عند أبي داود: "حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا ويصلوا صلاتنا " وفي رواية العلاء ابن عبد الرحمن: "حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويؤمنوا بي وبما جئت به " قال الخطابي: زعم الروافض أن حديث الباب متناقض لأن في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة، فان كانوا مسلمين فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم وإن كانوا كفاراً فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين الصلاة والزكاة فإن في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مقرين بالصلاة قال والجواب عن ذلك أن الذين نسبوا إلى الردة كانوا صنفين: صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان، وصنف منعوا الزكاة وتأولوا قوله تعالى: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم( فزعموا أن دفع الزكاة خاص به - صلى الله عليه وسلم- لأن غيره لا يطهرهم ولا يصلي عليهم فكيف تكون صلاته سكنا لهم، وإنما أراد عمر بقوله: " تقاتل الناس " الصنف الثاني لأنه لا يتردد في جواز قتل الصنف الأول كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عباد الأوثان والنيران واليهود والنصارى، قال: وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيره في الصلاة والزكاة معاً،وقد رواه عبد الرحمن بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة حيث قال فيها: "ويؤمنوا بي وبما جئت به " فان مقتضى ذلك أن من جحد شيئا مما جاء به - صلى الله عليه وسلم- ودعي إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقتله إذا أصر، قال: وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار، وكأن راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث انتهى ملخصا.
قلت: وفي هذا الجواب نظر، لأنه لو كان عند عمر في الحديث: " حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ما استشكل قتالهم للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من التلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. قال عياض: حديث ابن عمر نص في قتال من لم يصل و لم يزك كمن لم يقر بالشهادتين، واحتجاج عمر على أبي بكر وجواب أبي بكر دل على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة، إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله: " إلا بحقه".
قلت:إن كان الضمير في قوله: "بحقه" للإسلام فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة.
قوله: (لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) يجوز تشديد فرق وتخفيفه والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحداً أو مانعاً مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين، فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليباً وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصروا قاتلهم.
قال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والسنة مورداً واحداً.
قوله: (فإن الزكاة حق المال) يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة، فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهراً، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" لما احتاج إلى هذا الاستنباط لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري" (6).
3- قال العلامة الصنعاني:"فإن قلت: فإن كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم مسلك رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في المشركين.
قلت: إلى هذا ذهب طائفة من أئمة العلم فقالوا يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه لا ينفع ولا يضر ولا يغني عنهم من الله شيئاً... وأن هذا الاعتقاد منهم فيهم شرك لا يتم الإيمان بما جاءت به الرسل إلا بتركه والتوبة منه وإفراد التوحيد اعتقاداً وعملاً لله وحده، وهذا واجب على العلماء أي بيان ذلك الاعتقاد الذي تفرعت منه النذور والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم، وأنه عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك وجب على الأئمة والملوك بعث الدعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله –صلى الله عليه وسلّم- من المشركين" تطهير الاعتقاد (ص31 – 32).
4- وقال العلامة صديق حسن في كتابه قطف الثمر (ص106):
"وأما إثبات التصرف في العالم للأولياء، وسقوط التكليف عنهم، وإثبات ما يختص بالله، فإسقاط لحق الربوبية والألوهية، ودعوى مجردة عن الدليل، بل من العقائد الفاسدة الضعيفة، والأباطيل الشركية السخيفة(7).والاستدلال بأمثال قوله تعالى: (لهم ما يشاءون) (الزمر: 34)، حجة فاسدة فإن ذلك وعد لهم، والله لا يخلف الميعاد، وهذا لهم في الآخرة، كما صرحت به الآيات والأحاديث. ودعوى العموم، بعيدة محالة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله المستعان. وكفى بالله شهيداً على الضمائر، وحكماً بين العادل والجائر، وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، ما أكثر هذا اليوم في الأحزاب المتحزبة، والجموع المجتمعة من فرق الشيعة، والمتصوفة، وطوائف المبتدعة، يسيرون قواعد لم تتأسس على علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، ثم يبنون عليها قناطير علمهم وما لم يشهد له دليل من الافتراء. والشبهة التي نشأت عن الهوى والإلف والتقليد، ساقطة في البين فتبقى الدعوى مجردة، وحجج الله سبحانه أكبر وأكثر وفي قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (آل عمران: 31) أوضح دليل على المدعى لأن الخير مقصور على اتباعه فيا حسرة الجهلة البطلة الزاعمين بأن اتباعهم لمن قلدوه ينجيهم من دون اقتصاص واقتصار على الآثار النبوية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه).(آل عمران: 85).
والإسلام ما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين –صلى الله عليه وسلّم- (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) آل عمران: 101. فمن لم يخص الله بالاعتصام وهو أغنى الشركاء عن الشرك، لم يعتصم عن الضلالة، ومن أخلص لله سلم من الضلالة، ومثله قوله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون).(الأعراف: 3).
ولقد أربى ضلال المتصوفة، واتبعهم الرعاع والجهلة، واستحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، فلا تسمع إلا يا سيدي أحمد البدوي، ويا سيدي الزيلعي، ويا عيدروس، ويا جيلاني، ولا تسمع من يذكر الله، ويلجأ إليه في البحر والبر إلا قليلاً، ولفقوا كذبات لا أصل لها فقد عمت جهالاتهم اليوم عامة أهل وقتنا وخاصتهم (8)، إلا ما شاء الله فيضيفون إليهم من القدرة والعلم بالمغيبات، والتصرف في الكائنات، ما يختص بالله سبحانه، حتى قالوا فلان يتصرف في العالم، وكل عبارة أخبث من أختها.اللهم إنا نبرأ إليك من صنيع هؤلاء، ونسألك أن تكتبنا من الناهين لضلالاتهم، والمنادين لهم، ونستغفرك في التقصير وقد علمت عجزنا عن السيف والقنا (9)، أن نفضي به إليهم، وعن اللسان أن ننصحهم، أو ننادي به عليهم، إلا في الصحف والكتابة، والحمد لله على كل حال ". انتهى.
-------------------------------
(1) وبعد كل هذا يأتي حسن المالكي الذي نشأ في قلب بلاد التوحيد ودرس مناهج الدعوة السلفية يأتي ليرفع راية أعداء دعوة التوحيد والسنة ويرفع راية النبهاني ودحلان وابن جرجيس وأمثالهم من عتاة الضلال وخصوم التوحيد.
ثم لا يخجل من الدعاوى الكاذبة من أنه سلفي وأنه يريد الحق ويريد الدفاع عن هذه الدعوة ويمجد نفسه ويظن- المسكين -أنه من فرسان النقد والتصحيح والتوجيه فلم يعرف قدر نفسه ولا مقدار ضلاله وجهله.
ومن هنا يرفع نفسه إلى مقام المصلحين ويرى نفسه من أنداد الإمام محمد وأمثاله.
(2) هذا هو فقه علماء الأمة وهذه هي أحكامهم وهذا هو إجماعهم على قتال من يمتنع من الناس عن أداء شعيرة من شعائر الإسلام أو يرتكب محرماً معلوماً من الدين بالضرورة مستحلاً له كشرب الخمر أو الزنا والميسر فكيف بمن يرتكب نواقض لا إله إلا الله من الشركيات ويحارب من نهى عنها ويدعو إلى إخلاص العبادة لله رب العالمين.
(3) مجموع الفتاوى (28/502) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(4) الفتح(6/151) كتاب الجهاد حديث رقم (3017).
(5) الفتح (12/270) حديث رقم (6923).
(6) فتح الباري(12/275-278)، وانظر في المصادر التالية في إثبات تحريق علي –رضي الله عنه- للخوارج: التنبيه والرد على أهل البدع والأهواء للإمام أبي الحسين محمد بن أحمد الملطي(ص18) الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي (ص232)، التبصر في الدين للإسفراييني(ص108)، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي(ص57) بواسطة كتاب: (عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام) لسليمان بن حمد العودة (ص217).
(7) هذا كلام حق موافق لما دل عليه القرآن والسنة وما عليه علماء الأمة.
(8) في موقف هذا الإمام ما يؤيد موقف الإمام محمد من هذه الشركيات وتأكيد منه أن هذا البلاء الماحق منتشر في بلاد الإسلام وشمل الخاص والعام إلا من سلم الله.
(9) فيه أنه يرى قتال هؤلاء الذين بدلوا دين الله – واستعاضوا من توحيد الله بهذا الشرك والإلحاد ولا أدري هل يشترط قيام الحجة أو لا ؟! وأما أئمة الدعوة فقد علمت أنهم يشترطون قيام الحجة.
شبه خصوم الإمام محمد بن عبد الوهاب حول شرعية قتاله لأهل الضلال |
أبوحميد الفلاسي |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق