شبهة في كلام ابن حبان حول الدعاء عند القبر
إجابة الشيخ خالد الرفاعي - مراجعة الشيخ سعد الحميد
تاريخ الإضافة: 2/11/2008 ميلادي - 3/11/1429 هجري زيارة: 547
تاريخ الإضافة: 2/11/2008 ميلادي - 3/11/1429 هجري زيارة: 547
السؤال
السلام عليكم ورحْمة الله وبركاته،،
ألقى أحد الرَّوافض شبهةً في أنَّ أحد أئمَّة أهل السُّنَّة كان يدعو عند القُبور وهو ابن حِبَّان؛ حيث قال في كتابه "الثقات" في ترجمة عليّ الرضا (ج8 / 456) ط دائرة المعارف العثمانيَّة: "وقبره بسنا باذ خارجَ النوقان مشهورٌ يُزار بِجنب قبْرِ الرَّشيد، قد زُرْتُه مِرارًا كثيرةً وما حلَّتْ بي شدَّة وقت مقامي بطوس فزُرْتُ قبْرَ عليّ بن موسى الرّضا - صلوات الله على جدّه وعليه - ودعوتُ الله إزالتَها عني إلا استُجِيبَ لي وزالتْ عنّي تلك الشّدَّة، وهذا الشَّيءُ جرَّبتُه مرارًا فوجدتُه كذلك".
الجواب
أمَّا ما قاله ابن حِبَّان في كتابه "الثقات" فمذهب لبعض أهل العلم، لكنه ضعيفٌ مرجوحٌ؛ حيثُ زعموا أنَّ الدّعاء عند قبور الصَّالحين مُجابٌ كما يُستجاب الدُّعاء في السَّحَر ودُبُر الصَّلوات المكتوبات وفي عرفةَ ومُزدلفة وفي السَّفر وغير ذلك.
ومن المعلوم أنَّ دعوى استجابةِ الدُّعاء في موضعٍ ما مفتقرةٌ إلى دليلٍ من الكتاب أو السُّنَّة.
أمَّا الثابت المأثور عن أئمة أهل السنة الكبار والقُرون الخيريَّة من الصَّحابة والتَّابعين وتابِعيهم، فهو منعُ الدّعاء عند القبور والمَشاهد، والمنعُ من شدّ الرَّحل إليها مُحافظةً منهم على التَّوحيد؛ لأنَّ الغلوَّ في القبور وأصحابها من أصول الشّرك بالله، والمنقول عن الصَّحابة يُبيّن أنَّهم لم يقصِدوا القَبرَ إلا للسَّلام على النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن ثَمَّ كرِه الإمام مالكٌ إطالةَ القيام عند القبر، كما كرِه أن يفعله أهلُ المدينة كلَّما دخلوا المسجد النَّبوي وخرجوا منه.
ففي الصحيحَيْنِ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - عنِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تُشَدّ الرّحال إلا إلى ثلاثةِ مَساجدَ: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسجد الأقصى))، والحديث بفحواه يدل على حرمة السفر للقبور والمشاهد؛ لأن النَّهي في الحديث يقتضي التَّحريم كما هو مقرر في الأصول.
وأخرج ابن أبي شيبة وابنُ عساكر وعبد الرزَّاق في المصنَّف عن حسنِ بن حسنِ بن عليٍّ أنَّه رأى رجلاً وقف على البيت الذي فيه قبْرُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - يدعو له ويُصَلّي عليه، فقال للرَّجل: "لا تفعل؛ فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تتَّخِذوا بيتي عيدًا، ولا تَجعلوا بُيوتَكم قبورًا، وصلّوا عليَّ حيثُما كنتم؛ فإنَّ صلاتَكم تبلغُني)).
وروى سعيد بن منصور أنَّ عبدالله بن حسن بن حسين بن عليّ بن أبي طالب رأى رجلاً يَختلف إلى قبْرِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - ويدعو عنده؛ فقال: "يا هذا! إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تتَّخِذوا قبري عيدًا، وصلّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتَكم حيثُما كنتم تبلغني)) فما أنت ورجلٌ بالأندَلُس منه إلا سواءٌ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "السَّفر إلى زيارة قُبور الأنبِياء والصَّالِحين بدعة لم يفعلْها أحدٌ منَ الصَّحابة ولا التَّابعين، ولا أَمَرَ بِها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - ولا استحبَّ ذلك أحدٌ من أئمَّة المسلمين، فمَنِ اعتقد ذلك عبادةً وفعله، فهو مُخالفٌ للسّنَّة ولإجماع الأئمَّة. وهذا مِمَّا ذكره أبو عبدالله بن بطة في الإبانة الصغرى".
وقال: "... ما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - فكلّها ضعيفةٌ باتّفاق أهل العلم بالأحاديث؛ بل هي موضوعةٌ لم يروِ أحدٌ من أهل السّنَن المعتمدة شيئًا منها، ولم يحتجَّ أحدٌ من الأئمَّة بشيءٍ منها، بل مالك - إمام أهل المدينة النبوية، الَّذين هم أعلمُ النَّاس بِحُكم هذه المسألة - كرِه أن يقول الرَّجُل: زُرْتُ قبرَه - صلى الله عليه وسلَّم - ولو كان هذا اللَّفظ معروفًا عندهم أو مشروعًا أو مأثورًا عنِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - لم يكرهه عالمُ أهل المدينة.
والإمام أحمدُ - أعلَمُ النَّاس في زمانه بالسُّنَّة - لمَّا سُئِلَ عن ذلك، لم يكن عنده ما يَعْتَمد عليه في ذلك من الأحاديث إلا حديث أبي هُريْرة أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من رجلٍ يُسلّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتَّى أردَّ عليه السلام))، وعلى هذا اعتمد أبو داود في "سننه".
وكذلك مالكٌ في "الموطَّأ" روى عن عبدالله بن عمر: أنَّه كان إذا دخل المسجد قال: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ" ثُمَّ ينصرف.
وفي "سنن أبي داود" عن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((لا تتَّخذوا قبري عيدًا، وصلّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتَكم تبلُغُني حيثُما كنتم)).
وفي "الصحيحَيْنِ" عن عائشة: عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال في مرض موته: ((لعن الله اليهودَ والنَّصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجد!)) يُحَذِّر ما فعلوا، ولولا ذلك لأُبرِزَ قبرُه، ولكن كره أن يُتَّخذ مسجدًا.
وهم دفنوه - صلى الله عليه وسلَّم - في حُجْرة عائشةَ - رضي الله عنها - خلاف ما اعتادوه من الدَّفن في الصحراء؛ لئلاَّ يصلّي أحدٌ عند قبرِه ويتَّخذه مسجدًا، فيتَّخذ قبره وثنًا.
وكان الصَّحابة والتابعون - لما كانتِ الحجرة النبوية منفصلةً عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبدالملك - لا يدخل أحدٌ إليه لا لصلاةٍ هناك ولا لتمسُّحٍ بالقبر ولا دعاء هناك، بل هذا جَميعه إنَّما كانوا يفعلونه في المسجد، وكان السلف من الصَّحابة والتَّابعين إذا سلَّموا على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - وأرادوا الدّعاء: دعَوْا؛ مُستقبِلي القِبْلةِ، ولم يَستقْبِلوا القبر".
وأمَّا الوقوف للسلام عليه - صلوات الله عليه وسلامُه - فقال أبو حنيفة: يَستقبل القِبلة أيضًا ولا يستقبل القبر. وقال أكثر الأئمَّة: بل يستقبل القَبر عند السَّلام خاصَّة، ولم يَقُلْ أحدٌ من الأئمَّة: إنه يستقْبل القبر عند الدّعاء. وليس في ذلك إلا حكايةٌ مكذوبة تُرْوَى عن مالك، ومذهبُه بِخلافها.
واتَّفق الأئمَّة على أنَّه لا يتمسَّح بقبر النبي - صلى الله عليه وسلَّم - ولا يُقَبِّلُه.
وقال: "وأمَّا دعاءُ الرَّسول، وطلَبُ الحوائج منه، وطلَبُ شفاعتِه عند قبره أو بعد موتِه -: فهذا لم يفعلْه أحدٌ من السَّلف، ومعلومٌ أنَّه لو كان قصدُ الدّعاء عند القبر مشروعًا لفعله الصَّحابة والتَّابعون، وكذلك السّؤال به؛ فكيف بِدُعائه وسؤاله بعد موته؟!".
وقال: "ليس الدّعاء عند القبور بأفضلَ من الدّعاء في المساجد وغيرها من الأماكن، ولا قال أحدٌ من السَّلف والأئمَّة: إنَّه مستحبّ أن يقصد القبورَ لأجْل الدُّعاء عندها؛ لا قبور الأنبياء ولا غيرِهم؛ بل قد ثبتَ في "صحيح البخاري" أنَّ عمر بن الخطَّاب استسقى بالعبَّاس - عمّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - وقال: "اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نستسقي إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمّ نبيّنا فاسْقِنا" فيُسْقَون. فاستَسْقَوا بالعبَّاس كما كانوا يستسقُون بالنَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - لأنَّه عمّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - وما كانوا يستسقُون عند قبره ولا يدْعون عنده... فإذا كان قد حرَّم اتّخاذَها مساجد، والإيقادَ عليها؛ عُلِمَ أنَّه لم يَجعلها محلاّ للعبادة لله والدّعاء، وإنَّما سنَّ لمَنْ زار القبور أن يسلّم على الميّت ويدعو له، كما سنَّ أن يصلّي عليه قبل دفنِه ويدعو له. فالمقصود بِما سنَّه - صلى الله عليه وسلَّم - الدّعاء للميّت، لا دعاؤه".
ومِمَّا سبق؛ يتبيَّن أنَّه لم ينقَلْ عن أحدٍ من الأئمَّة أنه رخَّصَ في قصد القَبْرِ للدّعاء، ولا نُقل عن أحدٍ من الصَّحابة أنَّه فعل ذلك عند القبْرِ، بل ولا أطالَ الوقوفَ عنده؛ فإن أراد الدعاء استقبل القبلة في المسجِدِ ودعا،، والله أعلم.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ هذه الشّبهة ليستْ بِشيْءٍ إلاَّ على قوْل الرَّوافض الذين يَجعلون من أئمَّتهم حُججًا على العِباد، ويدعون لَهم العصمة، أمَّا نَحنُ معاشِرَ أهل السُّنَّة والجَماعة فالحجَّة عندنا في كتاب الله تعالى وسُنَّة رسولِه وإجْماع الأُمَّة التي عصمها الله أن تَجتَمِع على ضلالة.
أمَّا ما قاله ابن حِبَّان في كتابه "الثقات" فمذهب لبعض أهل العلم، لكنه ضعيفٌ مرجوحٌ؛ حيثُ زعموا أنَّ الدّعاء عند قبور الصَّالحين مُجابٌ كما يُستجاب الدُّعاء في السَّحَر ودُبُر الصَّلوات المكتوبات وفي عرفةَ ومُزدلفة وفي السَّفر وغير ذلك.
ومن المعلوم أنَّ دعوى استجابةِ الدُّعاء في موضعٍ ما مفتقرةٌ إلى دليلٍ من الكتاب أو السُّنَّة.
أمَّا الثابت المأثور عن أئمة أهل السنة الكبار والقُرون الخيريَّة من الصَّحابة والتَّابعين وتابِعيهم، فهو منعُ الدّعاء عند القبور والمَشاهد، والمنعُ من شدّ الرَّحل إليها مُحافظةً منهم على التَّوحيد؛ لأنَّ الغلوَّ في القبور وأصحابها من أصول الشّرك بالله، والمنقول عن الصَّحابة يُبيّن أنَّهم لم يقصِدوا القَبرَ إلا للسَّلام على النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن ثَمَّ كرِه الإمام مالكٌ إطالةَ القيام عند القبر، كما كرِه أن يفعله أهلُ المدينة كلَّما دخلوا المسجد النَّبوي وخرجوا منه.
ففي الصحيحَيْنِ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - عنِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تُشَدّ الرّحال إلا إلى ثلاثةِ مَساجدَ: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسجد الأقصى))، والحديث بفحواه يدل على حرمة السفر للقبور والمشاهد؛ لأن النَّهي في الحديث يقتضي التَّحريم كما هو مقرر في الأصول.
وأخرج ابن أبي شيبة وابنُ عساكر وعبد الرزَّاق في المصنَّف عن حسنِ بن حسنِ بن عليٍّ أنَّه رأى رجلاً وقف على البيت الذي فيه قبْرُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - يدعو له ويُصَلّي عليه، فقال للرَّجل: "لا تفعل؛ فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تتَّخِذوا بيتي عيدًا، ولا تَجعلوا بُيوتَكم قبورًا، وصلّوا عليَّ حيثُما كنتم؛ فإنَّ صلاتَكم تبلغُني)).
وروى سعيد بن منصور أنَّ عبدالله بن حسن بن حسين بن عليّ بن أبي طالب رأى رجلاً يَختلف إلى قبْرِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - ويدعو عنده؛ فقال: "يا هذا! إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تتَّخِذوا قبري عيدًا، وصلّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتَكم حيثُما كنتم تبلغني)) فما أنت ورجلٌ بالأندَلُس منه إلا سواءٌ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "السَّفر إلى زيارة قُبور الأنبِياء والصَّالِحين بدعة لم يفعلْها أحدٌ منَ الصَّحابة ولا التَّابعين، ولا أَمَرَ بِها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - ولا استحبَّ ذلك أحدٌ من أئمَّة المسلمين، فمَنِ اعتقد ذلك عبادةً وفعله، فهو مُخالفٌ للسّنَّة ولإجماع الأئمَّة. وهذا مِمَّا ذكره أبو عبدالله بن بطة في الإبانة الصغرى".
وقال: "... ما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - فكلّها ضعيفةٌ باتّفاق أهل العلم بالأحاديث؛ بل هي موضوعةٌ لم يروِ أحدٌ من أهل السّنَن المعتمدة شيئًا منها، ولم يحتجَّ أحدٌ من الأئمَّة بشيءٍ منها، بل مالك - إمام أهل المدينة النبوية، الَّذين هم أعلمُ النَّاس بِحُكم هذه المسألة - كرِه أن يقول الرَّجُل: زُرْتُ قبرَه - صلى الله عليه وسلَّم - ولو كان هذا اللَّفظ معروفًا عندهم أو مشروعًا أو مأثورًا عنِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - لم يكرهه عالمُ أهل المدينة.
والإمام أحمدُ - أعلَمُ النَّاس في زمانه بالسُّنَّة - لمَّا سُئِلَ عن ذلك، لم يكن عنده ما يَعْتَمد عليه في ذلك من الأحاديث إلا حديث أبي هُريْرة أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من رجلٍ يُسلّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتَّى أردَّ عليه السلام))، وعلى هذا اعتمد أبو داود في "سننه".
وكذلك مالكٌ في "الموطَّأ" روى عن عبدالله بن عمر: أنَّه كان إذا دخل المسجد قال: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ" ثُمَّ ينصرف.
وفي "سنن أبي داود" عن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((لا تتَّخذوا قبري عيدًا، وصلّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتَكم تبلُغُني حيثُما كنتم)).
وفي "الصحيحَيْنِ" عن عائشة: عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال في مرض موته: ((لعن الله اليهودَ والنَّصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجد!)) يُحَذِّر ما فعلوا، ولولا ذلك لأُبرِزَ قبرُه، ولكن كره أن يُتَّخذ مسجدًا.
وهم دفنوه - صلى الله عليه وسلَّم - في حُجْرة عائشةَ - رضي الله عنها - خلاف ما اعتادوه من الدَّفن في الصحراء؛ لئلاَّ يصلّي أحدٌ عند قبرِه ويتَّخذه مسجدًا، فيتَّخذ قبره وثنًا.
وكان الصَّحابة والتابعون - لما كانتِ الحجرة النبوية منفصلةً عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبدالملك - لا يدخل أحدٌ إليه لا لصلاةٍ هناك ولا لتمسُّحٍ بالقبر ولا دعاء هناك، بل هذا جَميعه إنَّما كانوا يفعلونه في المسجد، وكان السلف من الصَّحابة والتَّابعين إذا سلَّموا على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - وأرادوا الدّعاء: دعَوْا؛ مُستقبِلي القِبْلةِ، ولم يَستقْبِلوا القبر".
وأمَّا الوقوف للسلام عليه - صلوات الله عليه وسلامُه - فقال أبو حنيفة: يَستقبل القِبلة أيضًا ولا يستقبل القبر. وقال أكثر الأئمَّة: بل يستقبل القَبر عند السَّلام خاصَّة، ولم يَقُلْ أحدٌ من الأئمَّة: إنه يستقْبل القبر عند الدّعاء. وليس في ذلك إلا حكايةٌ مكذوبة تُرْوَى عن مالك، ومذهبُه بِخلافها.
واتَّفق الأئمَّة على أنَّه لا يتمسَّح بقبر النبي - صلى الله عليه وسلَّم - ولا يُقَبِّلُه.
وقال: "وأمَّا دعاءُ الرَّسول، وطلَبُ الحوائج منه، وطلَبُ شفاعتِه عند قبره أو بعد موتِه -: فهذا لم يفعلْه أحدٌ من السَّلف، ومعلومٌ أنَّه لو كان قصدُ الدّعاء عند القبر مشروعًا لفعله الصَّحابة والتَّابعون، وكذلك السّؤال به؛ فكيف بِدُعائه وسؤاله بعد موته؟!".
وقال: "ليس الدّعاء عند القبور بأفضلَ من الدّعاء في المساجد وغيرها من الأماكن، ولا قال أحدٌ من السَّلف والأئمَّة: إنَّه مستحبّ أن يقصد القبورَ لأجْل الدُّعاء عندها؛ لا قبور الأنبياء ولا غيرِهم؛ بل قد ثبتَ في "صحيح البخاري" أنَّ عمر بن الخطَّاب استسقى بالعبَّاس - عمّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - وقال: "اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نستسقي إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمّ نبيّنا فاسْقِنا" فيُسْقَون. فاستَسْقَوا بالعبَّاس كما كانوا يستسقُون بالنَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - لأنَّه عمّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - وما كانوا يستسقُون عند قبره ولا يدْعون عنده... فإذا كان قد حرَّم اتّخاذَها مساجد، والإيقادَ عليها؛ عُلِمَ أنَّه لم يَجعلها محلاّ للعبادة لله والدّعاء، وإنَّما سنَّ لمَنْ زار القبور أن يسلّم على الميّت ويدعو له، كما سنَّ أن يصلّي عليه قبل دفنِه ويدعو له. فالمقصود بِما سنَّه - صلى الله عليه وسلَّم - الدّعاء للميّت، لا دعاؤه".
ومِمَّا سبق؛ يتبيَّن أنَّه لم ينقَلْ عن أحدٍ من الأئمَّة أنه رخَّصَ في قصد القَبْرِ للدّعاء، ولا نُقل عن أحدٍ من الصَّحابة أنَّه فعل ذلك عند القبْرِ، بل ولا أطالَ الوقوفَ عنده؛ فإن أراد الدعاء استقبل القبلة في المسجِدِ ودعا،، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق