جلاء العينين فى شبهات دعاء الانبياءوالصالحين
1- جلاء العينين فى شبهات دعاء الانبياء والصالحين-اقرءالاتى:---1فقرات من اقوال المالكى- فى جواز دعاء الاموات من دون الله!
2- صفات اهل الباطل وتعلقهم بالمتشابه
3- نصوص فىتحريم دعاء المخلوقين واجابة المالكى عنها
4- لماذا لم تذكرعبادة القبور فى عقائد السلف ؟
5- معنى التوحيدبين الاشاعرة واهل السنة
6-تصحيح المفاههيم فى قياس الطلب من الاحياء على الطلب من الاموات
7-شبهات المالكى فى الشفاعة
8-تصحيح المفاهيم فى الحياة البرزخية
9- ماهى سنن الصحابة العملية بعدوفاة النبى – ص-؟ و سؤال للشيعة والصوفية اذا كان لافرق بين الحى والميت عندهم:فلماذايعتقدون بوجوب الوصية من بعد النبى –ص-؟ الم يكن من الاولى ان يكون النبى هو حاكم المسلمين الى يوم القيامة؟
10- تصحيح المفاهيم فى التوحيد الصحيح
11- بشرى لأبى جهل بتوحيد الصوفية والاشاعرة! –معنى الشرك والتوحيد عند – الخمينى-
12-شبهة اسناد الفعل للمخلوق على سبيل المجاز اللغوى
13-معنى الاله فى اللغة والشرع
14-منهج الخوارج فى تطبيق الايات التى نزلت فى المشركين وانزالها على المسلمين
15-هل الصوفية فعلا ينكرون تكفير المسلمين؟
المقدمة
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ... وبعــد ،،
فقد أهدى إلى أحد الأخوة الأفاضل كتاباً بعنوان ( مفاهيم يجب أن تصحح ) تأليف شيخ سعودي يدعى ( محمد بن علوي المالكي ) وبعد الاطلاع على هذا المؤلف ظهر لي بجلاء أن المفاهيم التى يرى أنها مخالفة ويجب تصحيحها هي نفس المفاهيم التى يدعو إليها علماء الإسلام وكنت قد سميت هذا الرد ( فتح العزيز العليم في الرد على كتاب المفاهيم ) ولكن نزولاعلى نصيحة احد الفضلاء قررت تغييره باسم – جلاء العينين فى حكم دعاء الانبياء والصالحين-
وأنا لا أنكر أن كتاب المالكي قد نال إعجاب مجموعة من المشهورين بالعلم في كثير من الدول العربية والإسلامية في الوقت الذي لم يحظ بمباركة أو تأييد أي عالم من علماء أهل السنة والجماعة لا داخل المملكة ولا خارجها ومن حق المسلم أن يطلع على ما عند المالكي وأنصاره وما نقلناه عن علماء السلف ثم يختار لنفسه ما يقابل به ربه عز وجل وليعلم القارئ أن موقفه من هذا الخلاف ليس موقف متفرج على مباراة رياضية لينتهي دوره عند التصفيق للفريق الفائز ولكنه يقارن بين الحق والباطل فإذا عرف الباطل كرهه ومقته وأبغضه وابتعد عنه وحذر الناس منه وإذا عرف الحق نصره وأحبه ونصر أنصاره وأحبهم ودعا الناس إليه وإلى العمل به .
ومن المعروف والمألوف جداً أن كل صاحب اتجاه يزعم أنه على الحق المبين فلا تعجب إذا وجدت ذلك أثناء عرض أقوال المالكي وأنصاره أو الردود التى نرد بها ، وقد أعجبني ما كتبه الشيخ / عبد الرحمن الوكيل – رحمه الله – في كتابه المسمى ( هذه هي الصوفية ) حيث قال [ إنك لا تستطيع أن تمنع إنساناً يريد أن يدعي ما يشاء ولكن تستطيع أن تبتلي دعواه وتزنها بميزان الحق من الكتاب والسنة ) أ هـ ص 149 .
فاللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم . ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
عثمان القطعاني
الفصـــل الأول
فقرات من أقوال المالكي
الفقرة الأولى
جاء في ص 181 – من كتاب ( مفاهيم يجب أن تصحح ) قال المالكي :
من جملة الدعاوي الباطلة التى يتمسك بها هؤلاء المكفرون لمن يتوسل بالنبي أو يطلب منه هو قولهم : ( إن الناس يطلبون من الأنبياء والصالحين الميتين ما لا يقدر عليه إلا الله وذلك الطلب شرك . وجوابه أن هذا سوء فهم لما عليه المسلمون في قديم الدهر وحديثه فإن الناس إنما يطلبون منهم أن يتسببوا عند ربهم في قضاء حوائجهم من الله بسبب تشفعهم ودعائهم وتوجههم كما صح في حديث الضرير وغيره ممن جاء طالباً مستغيثاً بالنبي متوسلاً إلى الله وقد أجابهم إلى طلبهم وحقق مرادهم بإذن الله ولم يقل لواحد منهم : أشركت أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد وبما يخرج عن التوحيد من رسول الله وأصحابه !! هذا ما لا يتصوره جاهل فضلاً عن عالم ) – أ هـ باختصار قليل .
الفقرة الثانية
وفي ص 178 قال المالكي :
( إن الاستغاثة والتوسل إن كان المصحح لطلبها هو الحياة – كما يقولون – فالأنبياء أحياء في قبورهم وغيرهم من عباد الله المرضيين .
ولو لم يكن للفقيه من دليل على صحة التوسل والاستغاثة به بعد وفاته إلا قياسه على التوسل والاستغاثة به في حياته الدنيا لكفى فإنه حي في الدارين دائم العناية بأمته ويبلغه سلامهم على كثرتهم – أ هـ .)
الفقرة الثالثة
وقال في ص 190 :
( لأن الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أن الله تعالى هو الخالق للعباد وأفعالهم لا تاثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت فهذا الاعتقاد هو التوحيد )
وقال في ص 193 :
( لا يكفر المستغيث إلا إذا اعتقد الخلق والايجاد لغير الله والتفرقة بين الأحياء والأموات لا معنى لها -1- لأن من اعتقد الايجاد لغير الله كفر على خلاف للمعتزلة في خلق أفعال العباد أ هـ )
1-اذا كانت التفرقه بين الاحياء والاموات لامعنى لها فمامعنى قوله تعالى –وما يستوى الاحياء ولا الأموات-؟ فاطر-22-
الفصـــل الثاني
بعض صفات أهل الباطل
بعض صفات أهل الباطل
وقبل الشروع في الرد على ما جاء في هذه الفقرات التى اختصرناها لضيق المقام رأينا من المهم لطالب الحق أن يعرف بعض صفات أهل التلبيس والزيغ عن الحق التى ندلل عليها من نصوص الكتاب والسنة ثم بعد ذلك يظهر من هو صاحب الحق ومن هو صاحب الباطل . وذلك لما يعرفه كل أحد أن الإنسان لابد وأن يدافع عن نفسه وينتصر لرأيه ولابد أن يكون معه إما أدلة صحيحة أو شبهات وقل من يعترف بالحق لخصمه من تلقاء نفسه ، كما قال الله تعالى : ( .. وَإِنّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مّا هُمْ .. ) [ ص : 24] ولا أحد يستطيع أن يزكي نفسه ويجعلها من هؤلاء القلة وإنما يعرف ذلك من خلال الدليل الصحيح الواضح . وهاك بعض هذه الصفات وأدلتها :
* الصفة الأولى *
اتباع المتشابه وترك الواضح
قال تعالى: ( هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مّحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمّا الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ... ) [ آل عمران : 7] قال بن كثير (آيَاتٌ مّحْكَمَاتٌ) أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس – أ هـ ص 344 .
* طريقة أهل الحق :
فأهل الحق يفسرون المتشابه بالمحكم الواضح أي يأخذون اعتقادهم ومعاملاتهم وعباداتهم من المحكم الواضح . كما قال بن كثير : ( فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم محكمة على متشابهة فقد اهتدى ) أ . هـ ص 344 .
* طريقة أهل الباطـل :
وأما أهل الباطل فيأخذون الأمر بالعكس أي يتركون الواضح ويتعلقون بنصوص لا تقصد موضوع النقاش مباشرة ، وهذا واضح حتى في الخصومات الدنياوية .
فإن صاحب الحق يركز في دعواه على الأدلة الواضحة التى تقصد لب الموضوع وأما صاحب الباطل فإنه يتجنب الأدلة الواضحة ويضيع الوقت في سرد وقائع ليس لها علاقة بالنزاع .
تحذيـــر نـــــبوي
وقد روى البخاري عن عائشة أن رسول الله قال : ( فإذا رأيتم الذي يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )
( نماذج من استدلالات أهل الزيغ )
1- أدلة النصارى في تأليه المسيح
قال ابن كثير : فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ : أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة – كما لو احتج النصارى بأن القرآن نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ( ) – ويتركون قوله قال : ( إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ..) [ الزخرف : 59]
2 - شبهة الجهمية في كلام الله
عندما تناقش الإمام أحمد مع رؤساء الجهمية استدل الجهمي بأن كلام الله مخلوق وأن القرآن الكريم قال عن عيسى عليه السلام - ( َكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ ) فيكون كلام الله مخلوقاً لأن عيسى مخلوق !! فقال الإمام أحمد رحمه الله : أن عيسى عليه السلام خلقه الله بكلمة ( كن ) فكان عيسى بكلمة ( كن ) وليس عيسى هو ( كن ) ( ) فبهت الجهمي .
فانظروا إلى إيراد الشبه التى تلبس الحق بالباطل لولا أن رحم الله الأمة بأهل السنة والجماعة !!
* الصفة الثانية *
القياس مع النص
وهذه طريقة إبليس وجنوده من الجن والإنس فعندما أمره الله بالسجود لآدم ترك أمر الله المباشر واستعمل القياس قال تعالى: (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [ ص : 76] وأما طريقة أهل الحق فإنهم لا يستعملون القياس والاجتهاد إلا عند عدم وجود نص من الكتاب العزيز أو السنة المطهرة فإذ وجد نص في المسألة أخذوا به والتزموه .
مع العلم أن القياس لا يستعمل في أمور العقيدة والعبادات وإنما يستعمل في العادات والمعاملات الدنياوية – كقياس حوادث الدواب مثلاً فيما سبق على حوادث السيارات في العصر الحديث .
* الصفة الثالثة *
معارضة الأدلة العامة بالأدلة الخاصة أو تخصيص الأدلة العامة بلا مخصص
ومثال الأول : ما جاء في قوله تعالى: ( وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَآءُ وَلاَ الأمْوَاتُ إِنّ اللّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مّن فِي الْقُبُورِ) [ فاطر : 22] وقوله تعالى : ( إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ .. ) [ النمل : 80] وهذا دليل عام ولكن من باب المعجزات فقد كلم رسول الله قتلى القليب من المشركين وهي حالة خاصة لا يصح تعميمها على غير جمعاً بين الآيات والحديث ( ) ، ولكن يردون أدلة القرآن العامة بحديث قتلى القليب الخاص بالنبي !!
ومثال الثاني : ما أخبر الله تعالى عن تحريم دعاء الأموات وزعم المالكي وأسلافه أن هذا لا يكون شركاً إلا مع اعتقاد الخلق والإيجاد من غير دليل يوجب هذا التقييد كما سنوضح بإذن الله .
والخلاصـــة
فقد تصفحت كتاب المالكي المسمى ( بالمفاهيم ) فما وجدته استدل بنص إلا وهو إما لا يخلو من مقال من سنده وإما لا يخرج عن هذه الصفات الثلاثة التى ذكرناها ولولا ضيق المقام ومخافة ملل القارئ من التطويل لنقلت جميع فقراته كلها ولأمكنني بفضل الله أن أثبت صحة ما قلته .
تحــــدي
وها أنا أسوق قليلاً من الأدلة الواضحة على تحريم دعاء الأموات وادعى دعوى عريضة أن المالكي وأسلافه لا يملكون دليلاً صحيحاً وصريحاً يردون به هذه النصوص وأن كل ما عندهم لا يخرج عما ذكرنا آنفاً .
الفصـــل الثالث
نصوص واضحة
في تحريم دعاء المخلوقين
وإجابة المالكي عنها
* النصوص الواضحة في تحريم دعاء الأموات *
قال تعالى: ( وَمَنْ أَضَلّ مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَن لاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ، وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) [الأحقاف 5 ، 6]
قال صاحب فتح المجيد ( ) ( والآية تعم كل من يدعي من دون الله – كما أخبر سبحانه أن هذا المدعو لا يستجيب وأنه غافل عن داعيه – قلت : وأخبر أن دعاء الأموات من دون الله يعتبر عبادة لمن دعوهم – لأنه ختم الآيات بقوله تعالى (وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ )
وقد روى ابن جرير عن مجاهد أن الذين نزلت فيهم هذه الآية ونظائرها هم [ عيسى ابن مريم وأمه ، وعزير ] ومن المعلوم أن هؤلاء أنبياء مثل عيسى عليه السلام والصالحون – مثل مريم والعزير – وكذلك – هم غائبون – مثل عيسى الذي رفع إلى السماء وموتى مثل : مريم والعزير ، وقد سمى الله دعائهم شركاً من دون الله وسمى من دعوهم ( مشركين ) وعندنا نصوص قرآنية في هذا المعنى تنوء عن الحصر ولولا ضيق المقام لسردنا نصوصاً قرآنية أخرى . ويكفينا من السنة قول النبي :
( الدعاء هو العبادة ) ( ) ، وقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( أفضل العبادة الدعاء ) ( ) ومعنى ذلك أن من صرف الدعاء لله فقد عبد الله ومن صرفه لغيره فقد عبد غيره وصار مشركاً في العبادة حتى لو أقر أن الله خلقه ورزقه . فما هو جواب المالكي وأسلافه عن هذه النصوص الواضحة ؟!
* إجابة المالكي عن هذه النصوص *
قال المالكي : إننا نعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه أن الأصل في الاستعانة والاستغاثة والنداء هو أن يكون لله وحده فهو المعين والمغيث يقول الله تعالى: ( وَقَالَ رَبّكُـمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ .. ) [ غافر : 60] فمن استغاث بمخلوق سواءً كان حياً أو ميتاً معتقداً أنه ينفع أو يضر بنفسه استقلالاً ( ) من دون الله فقد أشرك لكن الله أجاز للخلق أن يستعين بعضهم ببعض ( ) والأحاديث في هذا كثيرة وساق أحاديث على أن الصحابة كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم ( ) وغير ذلك .
* التحدي ما زال قائماً *
فلعلك أيها القارئ دققت في الإجابة جيداً . والمطلوب دليل ينسخ الآيات السابقة التى وضحت أن دعاء الأموات شرك ولو كانوا صالحين وأنبياء وهذه الدندنة التى ذكرها لم يذكر فيها دليلاً صريحاً فهو اعترف أن دعاء المخلوق شرك ولكن
جانبه الصواب في الأتي :
1- خصص الأدلة العامة بلا دليل – لأنه أقر أن دعاء المخلوق شرك بشرط أن يعتقد الضر والنفع استقلالاً من دون الله وهذا الشرط غير موجود في الآيات ولا في الأحاديث بل كل من دعا ميتاً أو غائباً من دون الله فقد أشرك لأن الدعاء عبادة وعبادة المخلوق شرك .
2- قاس الطلب من الحي الحاضر كطلب الصحابة من رسول الله لفك الكربات وشفاء المرضى ونحوها على الطلب من الميت وهذا قياس مع وجود نص يحرم دعاء الأموات والغائبين فالله سبحانه وتعالى هو الذي يشرع لعباده فيحرم ما يشاء ويحل ما يشاء وله في ذلك الحكمة البالغة وهو سبحانه أجاز الطلب من الحي والاستغاثة به فيما يقدر عليه وأجاز أن يدعوا الأحياء بعضهم لبعض ويستعين بعضهم ببعض وأما دعاء الأموات – مثل مريم والعزير وغيرهما من عباد الله – فقد جعل ذلك كفراً وشركاً ونحن نقول سمعاً وطاعة لله ورسوله ولا نقيس ولا نجتهد وعندنا نصوص واضحة حتى لا نقع فيما وقع فيه إبليس وحزبه .
الفصـــل الرابع
مفاهيم يجب أن تصحح
* مفاهيم يجب أن تصحح *
الحقيقة أن المالكي وضع لكتابه هذا العنوان والصحيح الذي ندين لله به يوم نلقاه يجب أن يكون العكس أي يجب أن يصحح هو هذه المفاهيم التى لا مستند لها إلا الشبهات والروايات الضعيفة بل والموضوعة وها نحن نناقش معه هذه المفاهيم .
* مفاهيم الفقرة الأولى *
قال المالكي : من جملة الدعاوي الباطلة !! التى يتمسك هؤلاء المكفرون لمن يتوسل بالنبي هو قولهم : إن الناس يطلبون من الأنبياء والصالحين مالا يقدر عليه إلا الله وذلك الطلب شرك .
التوسل بالنبي
مع احترامي لك يا مالكي : إن هذه الدعوى لا تستطيع أنت ولا أنصارك كما لا يستطيع أحد من أسلافك أن يثبت على علماء المملكة ولا على أحد غيرهم من علماء الدعوة السلفية أنه كفر من توسل بالنبي ولكنهم يقولون : ( أن التوسل إنما يكون بدعائه وأما بعد أن لحق بالرفيق الأعلى فلم يصح في ذلك حديث صريح وهذا كثير جداً في كتبهم ( ) لأن التوسل بالموتى والجاه يعتبر ابتداعاً في كيفية الدعاء ولا يعتبر دعاءً لغير الله وأنت يا مالكي أدري من باقي إخوانك ومؤيديك خارج المملكة الذين قرظوا كتابك لأنك قرأت ردود علماء المملكة وقرأت لشيخ الإسلام بن تيمية وللشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب وأكثر من هذا أنت تعيش في وسط علماء المملكة فمن هو الذي ادعى هذه الدعوى الباطلة ؟! وأسلوب التعميم والبناء للمجهول لا يجوز في هذا الباب لأن المطلوب هو الدليل والبرهان واسم الكتاب ورقم الصفحة . وإلا فصحح مفاهيمك يا مالكي في أن التوسل ليس كفراً ولا شركاً وإنما هو ذريعة للوقوع في الشرك لأن أكثر المسلمين لا يفرق بين التوسل بالميت إلى الله وبين دعاء الميت بنفسه .
الطلب من الموتى
قول المالكي : ( لمن يتوسل بالنبي أو يطلب منه ) كأنه لا يفرق بين التوسل والطلب أما التوسل فقد ذكرنا قول علماء المملكة فيه وأما الطلب من الأنبياء أو غيرهم بعد مماتهم كدعائهم والاستغاثة بهم فهذه ليست دعوى باطلة بل الذي يجيز ذلك هو الذي دعواه باطلة وكيف تكون دعوى باطلة وهي مؤيدة بصريح القرآن كالآيات التى ذكرناها والتى نزلت في دعاء عيسى وأمه والعزير وهم أنبياء أو صالحون ولهم حياة برزخية أفضل من حياة الشهداء وقد حكم الله على من دعاهم بالشرك فكيف يكون دعاء القريشيين للأنبياء شركاً ويكون لأمة محمد حلالاً ؟! ( أَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزّبُرِ ) [ القمر : 43] يقول شيخ الإسلام بن تيمية : فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم وخطاب تماثيلهم هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين ( ) أ هـ - فهذا كلام بن تيمية الواضح ( ) في هذا الموضوع مؤيداً بالدليل الواضح وما عليك إلا أن تصحح مفاهيمك يا مالكي .
تسبب الأموات
قال المالكي : ( فإن الناس إنما يطلبون منهم أن يتسببوا عند ربهم في قضاء حوائجهم من الله بسبب تشفعهم ودعائهم كما صح في قصة الضرير وغيره ولم يقل النبي لواحد منهم أشركت أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد من رسول الله ؟ هذا ما لا يتصوره جاهل فضلاً عن عالم – أ هـ .
تصحيح المفاهيم في تسبب الأموات
نعم ذلك الطلب من الموتى شرك وعلى القارئ مراجعة الأدلة فيما سبق وهذا هو الذي عليه المسلمون من الصحابة والتابعين لأنهم لا يخالفون القرآن والسنة وأما قصد الأموات بالدعاء والاستغاثة بقصد التشفع فهذا هو موضوع التحدي إذ لم ولن يثبت به دليل ولو كان دعاء الأموات بهذا القصد جائزاً وسبباً صحيحاً لما كفر الله به أهل الجاهلية وقد كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم !! كما أخبر عنهم القرآن الكريم أنهم قالوا : ( مَا سَمِعْنَا بِهَـَذَا فِى الْمِلّةِ الاَخِرَةِ إِنْ هَـَذَا إِلاّ اخْتِلاَقٌ ) [ ص : 7]
وما قصدوا الصالحين – مثل مريم والعزيز أو الأنبياء مثل عيسى – إلا لهذا الغرض وقد نقلنا قول بن تيمية في هذا الموضوع وهذا قول بن القيم – قال رحمه الله – ( ومن أنواع الشرك طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل شرك العالم فإن الميت قد انقطع عمله ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ) أ هـ - من إغاثة اللهفان – وقد نقلنا رأي بن تيمية وكذلك رأي بن القيم في مسألة دعاء الأموات لأن المالكي اعتمد على أقوال منهما في غير محلها ليلبس على أصحاب النوايا الطيبة من أهل السنة وإنما هو في حقيقته على مذهب مخالفتيهم فإن قيل : هذه النقولات في إطلاق الشرك على دعاء الموتى من الصالحين ابتدعها ابن تيمية ومقلدوه – نقول : العمدة في ذلك ليس قول ابن تيمية ولا غيره وإنما العمدة هي آيات القرآن الواضحة التى نزلت .
فمن يدعو الأموات من الأنبياء والصالحين فهذا دليل قطعي الثبوت لأنه من كتاب الله ( لاّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [ فصلت : 42] وقطعي الدلالة لأنه نزل في نفس الموضوع .
الفصـــل الخامس
لماذا لا تذكر
عبادة القبور في عقائد السلف ؟
* لماذا لا تذكر عبادة القبور في عقائد السلف ؟ *
حقيقة الناظر في كتب العقائد عند الأولين مثل – الأئمة الأربعة والبخاري ومسلم وغيرهم من أهل السنة لا يجد ذكر شرك القبور فيها وإنما يجد الرد على الفرق الضالة في توحيد الصفات وفي أفعال العباد وغيرها وذلك لأن بناء القبور والأضرحة على المساجد محرم بنص الأحاديث الصحيحة وإنما انتشرت لما ملك العبيديون اليهود ديار المسلمين باسم الانتساب لآل البيت ( ).
وذلك لم يحدث إلا عام 361 هـ وكان أول قبر بنوه عام 540 هـ وقد قال عنهم ابن كثير رحمه الله : ( إن الفاطميين الأدعياء كانوا أنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر الفساد وقل العلماء والعباد وما خرجوا من مصر إلا عام 660 هـ - البداية والنهائية ج11 ص 345 .
* طول الأمد يقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً *
قلت : إن العبيديين اليهود الذين تسموا زوراً وبهتاناً بالفاطميين حكموا بلدان المسلمين ثلاثمائة عام ، فهذه المدة الطويلة تربت فيها أجيال وهلكت وقد اعتادت على عبادة القبور دون نكير وأي عادة سواء كانت حسنة أو سيئة تطول مدتها تتحصن وتصبح مقدسة لدى الأجيال اللاحقة ويألفها العالم والجاهل – إلا من رحم ربي وذلك مثل المبادئ الأوربية التى وفدت على بلاد المسلمين – كالديمقراطية التى تجعل السيادة والحاكمية للشعوب من دون الله وكالعلمانية التى تفصل الدين عن حكم الدولة وكالموآخاة بين الأديان التى تجعل المسلمين كالكفار سواء بسواء وهذه الأمور لا تحتاج إلى إيضاح من ناحية الدليل لكن لما اعتنقها الحكام وطالت مدتها ألفها الناس ثم ما لبثت أن ارتدت جلباب المشروعية وصار علماء السوء يحسنونها للناس بشتى التأويلات والاستدلالات البعيدة ثم ما لبثت أن صار ينادى بها حتى قادة بعض الجماعات التى تنادي بتحكيم الاسلام وهذه المبادئ لم يمر عليها أكثر من مائة عام فكيف بثلثمائة عام والناس يسمعون من الحكام وعلماء السوء أن دعاء القبور وبناء المساجد من أعظم الوسائل التى تقربهم إلى الله زلفى !! .
وبهذا لا يستغرب إذا ظهر مجدد مثل شيخ الاسلام بن تيمية أو شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب فيتلوا عليهم نصوص القرآن الواضحة النقية .
ولا يجدون رداً عليهم إلا أنهم خالفوا ما عليه غالبية الناس !! فيصبح الدليل هو فعل الناس وليس القرآن والسنة !! وصدق رسول الله إذ يقول ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ !! ) رواه مسلم .
الفصـــل السادس
الفرق بين
توحيد الأشاعرة
وتوحيد أهل السنة والجماعة
* من الذي أخلف الفاطميين في حكم مجتمعات المسلمين ؟ *
وقد أحسن الأيوبيون في طرد هؤلاء الزنادقة من ديار المسلمين لكن الأيوبيين انخدعوا بمذهب الأشاعرة الذين تأثروا بالفلسفة فجهلوا التوحيد الذي نزل به القرآن وأخذوا عقائدهم من كتب الفلاسفة ولا ذكر عندهم لتوحيد العبادة إنما كلامهم في التوحيد أكثره نفي كقولهم عن الله تعالى ( لا داخل العالم ولا خارجه ) لأجل هذا كان الكلام في كتب العقائد على شرك القبور قليل وإنما بعد خروج الفاطميين كثر الكلام عليه لا سيما عند الحنابلة ( ). الذين كانوا أكثر الفقهاء تمسكاً بمذهب أهل السنة والجماعة حتى في أيام الفاطميين إذ تجد الكلام على شرك القبور مذكوراً في كتاب الفنون – لابن عقيل – وهو مولود 413 هـ ومتوفي 515 هـ يقول فيه ( لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم القبور وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولى افعل بي كذا وكذا أو إلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى قال : وهم عندي كفار – أ هـ نقلاً عن الفوائد الجليلة – للغباشي ص 33 .
قلت : وابن عقيل – اسمه / على بن محمد بن عقيل ولد عام 413 هـ وتوفى 515 هـ ومعنى ذلك أنه رحمه الله سبق ابن تيمية بوقت طويل في إنكار عبادة القبور بل وتكفير القبوريين وأنه رحمه الله قد صدع بالنكير على الشرك وأهله أثناء حكم الفاطميين لأن وفاته 515 هـ والفاطميون الأدعياء خرجوا 660 هـ وفي هذا أبلغ رد على من يقول : إن إنكار عبادة القبور ابتدعه ابن تيمية ولم يسبقه عليه أحد مع العلم أن ابن تيمية مولود 661 هـ رحمه الله رحمة واسعة .
الفصـــل السابع
المغالطات والقياس الفاسد
* المغالطات والقياس الفاسد *
نقلنا عن المالكي في الفقرة السابقة – أنه استدل بأن الصحابة كانوا يسألون رسول الله أن يدعوا لهم مثل الضرير الذي طلب منه الدعاء وتوسل به وكان الصحابة يعين بعضهم بعضاً ثم قال المالكي : أن النبي لم يقل لواحد منهم أشركت .
ثم قال المالكي موجهاً كلامه لعلماء المملكة : ( هل هم أعلم بالتوحيد من رسول الله وأصحابه ؟!! )
* تصحيح المفاهيم في الطلب من الأحياء *
قال العلامة الشيخ / محمد الأمين السويدي الشافعي رحمه الله : ( أن كلامنا فيمن يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وأما فيما عدا ذلك مما يجري فيه التعاون والتعاضد بين الناس وإغاثة بعضهم بعضاً فهذا شيء لا ننكره كما قال الله تعالى :
( .. فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ .. ) [ القصص : 15] بل نعد منعه جنوناً كما نعد إباحة ما لا يقدر عليه إلا الله شركاً وضلالاً – أ هـ - من كتاب العقد الثمين في بيان مسائل الدين – للسويدي واسمه / أبو المعالي على بن محمد بن سعيد ابن أبي البركات السويدي البغدادي – من كبار علماء الحديث في عصره توفى رحمه الله عام 1237 هـ .
* أسئلة ساخرة والإجابة عليها *
وأما قول المالكي : أن النبي لم يقل لواحد من الصحابة الذين طلبوا منه الدعاء ( أشركت ) – وقوله هل هم أعلم بالتوحيد من رسول الله والصحابة – فهذه أسئلة ساخرة تدل على الافلاس من الأدلة الشرعية وليس فيها شيء من العلم النافع ولا الدليل الصحيح – لأن المالكي يعلم جيداً أن موضوع الخلاف ليس على طلب الدعاء من الأحياء ولا مساعدة الناس بعضهم بعضا فيما يقدون عليه – كما أجاب عن ذلك العلامة السويدي وغيره .
وإنما الخلاف في دعاء الأموات والإستغاثة بهم في الشدائد فنحن نقول إن إجابة المضطر في هذه الحالات من اختصاص المولى عز وجل كما قال تعالى : ( أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوَءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الأرْضِ أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّهِ قَلِيلاً مّا تَذَكّرُونَ ) [ النمل : 62] هذا هو دليلنا .
والمالكي يترك النصوص الواضحة بل ويترك موضوع الخلاف لأنه لم ولن يجد دليلاً يسعفه في ذلك ويتهرب إلى مسائل ليس فيها خلاف كدعاء الأحياء بعضهم لبعض والتعاون فيما بينهم ثم يأتي بالسؤال العجيب وهو أن النبي لم يقل لمن طلب منه الدعاء أشركت !! وهل من المعقول أن رسول الله لا يفرق في الحكم بين من يقول – ادع الله لي – ومن يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ؟ وأين الشرك يا مالكي فيمن يطلب الدعاء من أخيه المسلم الحي – حتى يقال له أشركت ؟؟ وأما قوله ساخراً ( هل هم أعلم بالتوحيد من رسول الله وأصحابه ؟ ) فيمكن الإجابة عنه بنفس السؤال ولكن بالدليل الواضح وسؤالنا أن يقال لهم ؟
* هل أنتم أعلم بالتوحيد والشرك من الله ورسوله *
فيقال للمالكي وأنصاره : لقد كان أهل مكة يقرون بأن الله تعالى : (.. بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ .. ) [المؤمنون : 88] وأنه تعالى : ( .. يُدَبّرُ الأمْرَ .. ) [ يونس : 31] ولكنهم كانوا يدعون الأنبياء والصالحين – مثل – عيسى بن مريم – والعزير ومريم عليها السلام – على أساس أنهم لا يملكون لهم النفع والضر ولكنهم يشفعون لهم عند الله في الحياة البرزخية – ومن المعلوم أن مريم – مثلاً – ميتة ولكن لها حياة برزخية عند ربها لأنها مقطوع بصلاحها بنص القرآن الكريم وعيسى عليه السلام نبي من أنبياء الله ولكنه غائب – لا يسمع من يدعوه .
ومع هذه الاعتبارات – فقد حكم الله عز وجل على أهل مكة بالشرك لأجل دعاء هؤلاء الصالحين – وأنتم تعلمون ذلك من القرآن الكريم ومع هذا تقولون – أن دعاء الأنبياء والصالحين بقصد الشفاعة والوساطة ليس فيه شيء من الشرك ولا يخالف التوحيد وتتركون النصوص الواردة في ذلك – وتذهبون إلى القياس على طلب الدعاء من الأحياء وإلى صرف الأدلة إلى المجاز ( ) فهل أنتم أعلم بمعنى التوحيد والشرك من الله ورسوله ؟ !!
* ما حكم دعاء من لا ينفع ولا يضر !! *
هذا السؤال أجاب عنه القرآن الكريم إجابة في غاية الوضوح بقوله تعالى : ( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنّكَ إِذاً مّنَ الظّالِمِينَ ) [ يونس : 106] والمشركون القدماء وكذلك علماء الروافض والمتصوفة يقرون بلا جدال أن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى ومع هذا يدعون أصحاب القبور في الشدائد ولهذا خاطبهم الله تعالى في شخص النبي فقال ( ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن خلعت فإنك إذاً من الظالمين – يعني من المشركين ) لأن الله تعالى يقول : ( إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [ لقمان: 13]
وأزيدك إيضاحاً أن الخليل عليه السلام عندما وجه هذا السؤال لقومه ( قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ، أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرّونَ ) [الشعراء 72 ، 73] لم يقولوا نعم يسمعون الدعاء وينفعون ويضرون وإنما احتجوا فقط بالتقليد فقالوا : ( بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) [ الشعراء : 74]
* الفائــدة *
إن هذا الاقرار الذي يقربه الروافض والشيعة والأشاعرة بأن النافع والضار هو الله ويجعلونه هو التوحيد المطلوب وهو في الحقيقة ما هو إلا زيادة في إقامة الحجة عليهم لأنه إذا أقر العبد أن النافع والضار هو الله وحده ثم التجأ إلى غيره في الشدائد تحت أي بند من البنود مثل التشفع والتوسل ما زاد عن عقيدة المشركين القدماء منذ عهد نوح حتى عهد محمد .
الفصـــل الثامن
شبهات المالكي في الشفاعة
والرد عليه
* شبهات المالكي في الشفاعة *
في ص 165 قال المالكي : زعم بعضهم أنه لا يجوز طلب الشفاعة من رسول الله في الدنيا بل ذهب البعض الآخر إلى أن ذلك شرك وضلال ويستدلون بقوله تعالى : ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً .. ) [ الزمر : 44] وهذا الإستدلال باطل يدل على فهمهم الفاسد وذلك من وجهتين :
أولاً : لم يرد نص لا في الكتاب ولا في السنة ينهى عن طلب الشفاعة من رسول الله في الدنيا .
ثانياً : أن هذه الآية لا تدل على ذلك شأنها شأن غيرها من الآيات التى جاءت لبيان اختصاص الله بما هو ملكه دون غيره وهذا لا ينفي أن يعطيه من يشاء إذا أراد – مثال ذلك قوله تعالى: (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) [ التغابن : 1] مع قوله تعالى (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ) [ آل عمران : 26] وقوله : (فَلِلّهِ الْعِزّةُ جَمِيعاً) [ فاطر : 10] مع قوله تعالى: (وَلِلّهِ الْعِزّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [ المنافقون : 8] ، وكذلك الشفاعة ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) [الزمر: 44] مع قوله تعالى: ( لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمَـَنِ عَهْداً ) [ مريم : 87] حتى قال ( كذلك الشفاعة كلها له سبحانه وقد أعطاها للأنبياء وعباده الصالحين ) أ هـ .
* تصحيح المفاهيم في الشفاعة *
قال تعالى ( وَأَنذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوَاْ إِلَىَ رَبّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٌ لّعَلّهُمْ يَتّقُونَ) [الأنعام : 51] قال بن عباس : (الّذِينَ يَخَافُونَ) هم المؤمنون وقال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) أي هو مالكها فليس لمن تطلب منه شيء منها وإنما تطلب ممن يملكها دون من سواه لأن ذلك عبادة وتأليه لا يصلح إلا لله قال البيضاوي في قوله ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) لعله رد لما عسى أن يجيبوا به وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون ( أ هـ فتح المجيد ص 234 )
قلت : وما أورده المالكي في هذا الباب كله تلبيس للحق بالباطل وبيانه كالأتي :
قوله : لم يرد في الكتاب ولا في السنة دليل ينهى عن طلب الشفاعة من النبي في الدنيا ، نقول : قد ورد كثير من الآيات التى تصف المشركين بالشرك لأنهم طلبوا الشفاعة من الملائكة ومن عيسى بن مريم ومن العزير وغيرهم – كقوله تعالى: (وَكَمْ مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىَ) [ النجم : 26] وقوله تعالى ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) وهذا كله إجابة لقولهم : أنهم عباد مقربون – وأن الله أعطاهم الشفاعة ونحن نطلب منهم ما أعطاه الله لهم - تماماً مثل ما قال المالكي .
وفعلاً الله سبحانه وتعالى جعل للملائكة شفاعة وجعل لعيسى بن مريم شفاعة وكذلك للصالحين من أمة محمد شفاعة ولرسوله محمد الشفاعة الكبرى – وإنما أخطأ المشركون وجهال أمة محمد في كيفية طلبها .
* ما غاب عن أذهان المالكي وأنصاره في الشفاعة *
لكن الأمر الذي جهله المالكي أو تجاهله أن خلافنا معه ليس في أن الله تعالى أعطى الشفاعة للأنبياء أو الصالحين ولو كان كذلك لما أنكر على المشركين فإنهم طلبوها من عباده المقربين – ملائكة وأنبياء – وعندهم شفاعة فعلاً ولكن الأمر يتعلق بالمشفوع فيه – هل الله يأذن له في شفاعة الأنبياء والصالحين أم لا ؟ - وهذا هو اختصاص الله وحده – أن الأمر الذي يملكه الله وحده هو الإذن في طالب الشفاعة – وليس فيمن أعطاهم الله الشفاعة – فإن هذا الإذن لا يملكه ملك مقرب ولا نبي مرسل – ( مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ ) [ البقرة : 255] (وَكَمْ مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىَ) [ النجم : 26]
ومن ثم فإن المطلوب من المسلم أن يتوجه إلى الله بالدعاء في أن يشفع فيه – الأنبياء والصالحين – وأما أهل الشرك وجهال المسلمين فإنهم يتوجهون مباشرة إلى الموتى والغائبين يطلبون منهم الشفاعة فهذا التوجه هو الذي أنكره الله عليهم – وأما في الدنيا في أثناء حياة رسول الله فهذا جائز لأن رسول الله يدعو وطالب الشفاعة يؤمن .
* قياسات المالكي *
أما قياساته التى يعتمد عليها عندما تحاصره الأدلة فهي بعيدة كل البعد – وإنما ينطلي مثل هذا التلبيس على أنصاره من أصحاب الاتجاه الصوفي ( ) كقوله ( كما أن العزة لله جميعاً – فقد أعطاها لرسوله والمؤمنين ... إلخ ) أ . هـ والــرد :
فإن الله فعلاً أعطى العزة لرسوله وللمؤمنين – أي تكون لهم هيبة في قلوب الكفار كما قال تعالى: ( أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ المائدة : 54] – ونفس السؤال لازال قائماً – الكلام ليس في أن الله أعطى العزة لعباده المؤمنين – ولكن – هل يصح أن تطلب العزة من غير الله لا سيما من الأموات ؟!
هل يصح أن يطلب المسلم من أصحاب القبور أن يمنحوه الهيبة في قلوب الكفار ، أم تطلب من الله الذي قال : ( إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ الّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُواْ الرّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ) [ الأنفال : 12] وكيف يملك أصحاب القبور السيطرة على قلوب الكفار أو إدخال العزة في قلوب المؤمنين ؟!! ومثلها الصفات الأخرى – فإن الله أعطى للمؤمنين – الإيمان والتقوى والشجاعة – لكن لا تطلب إلا من الله – فاتقى الله يا مالكي في هذا التلبيس – هذا بالإضافة إلى أن طلب الشفاعة عبادة والعبادة مبنية على التوقف ( ) وقد شرع لنا رسول الله كيفية الحصول على الشفاعة بالدعاء له بالوسيلة بعد الآذان وأخبر أن من فعل ذلك – حلت له شفاعتي – والصحابة أعلم الناس بشفاعة رسول الله ولم يثبت عنهم أنهم طلبوها منه بعد وفاته – والذي يطالب بالدليل هو الذي يفعل وليس الذي يمتنع حتى يأتيه الدليل .
الفصـــل التاسع
تصحيح المفاهيم
في الحياة البرزخيــة
* النبي يدبر أمور الأمة بعد وفاته !! *
ثم قال المالكي : فإنه حي في الدارين دائم العناية بأمته متصرف ( ) بإذن الله في شئونها !! خبير بأحوالها تعرض عليه صلوات المصلين من أمته ويبلغه سلامهم أ هـ ص 178
* عود لتصحيح المفاهيم في الحياة البرزخية *
أما قوله حي في الدارين فهذا لا اختلاف فيه لكنه قد مر بمرحلة الموت مثل باقي البشر كما في قوله تعالى: ( إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ) [ الزمر : 30]
وخطب الصديق أمام خيار الصحابة فقال : ( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) ( ) وأما كونه يبلغه السلام من أمته عن طريق الملائكة المخصصة لذلك فهذا أيضاً لا خلاف فيه وأما تصرفه في أمور الأمة بعد وفاته فإن كان يقصد أنه يستغاث به ويجيب دعوة المضطر . فدليل القرآن الذي يجعل ذلك شركاً لن يفارقنا وسيبقى إلى يوم القيامة ولن يجد المالكي إلا هذه الدندنة البعيدة عن لب الموضوع وإن كان يقصد أنه يحكم الأمة كحكمه في دار الدنيا بحيث يرد على فتاوى السائلين في الأحكام الشرعية ويفصل بين المتخاصمين كما كان يفعل في الدنيا فهذا جهل عظيم وعندنا من الأدلة على رد هذا الإدعاء من كلام النبي ومن سنة الصحابة العملية ما لا يمكن المكابرة فيه وخذ إليك تقرير ذلك .
* إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك *
روى البخاري وغيره عن ابن عباس عن النبي أنه قال : ( يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدم فأقول كما قال العبد الصالح ( ) : (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) [ المائدة : 117] .
* الـــمستفاد *
قوله ( يقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) دليل واضح في أنه لا يعلم أحوال الأمة بعد موته ويؤكد ذلك قوله : ( فأقول كما قال العبد الصالح (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) [ المائدة : 117] فهذا واضح في أنه مثل المسيح تماماً يكون شهيداً على تصرفاتهم أثناء حياته الدنياوية وأما بعد الوفاة فيكون الرقيب عليهم هو الله وحده وفي هذا رد واضح على المالكي واضرابه الذين يقولون : لا فرق بين حالة في الحياة الدنيا وحالة بعد الموت ( أهم يعرفون الحياة البرزخية أكثر من الأنبياء ؟!! )
* ماذا تفعل الأمة عند خروج الدجــال ؟ *
روى مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان أن النبي قال عن الدجال : ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه ( ) دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم )
* الـــمستفاد *
هذه فتنة الدجال من أشد الفتن على الأمة في دينها وأحوج ما تكون الأمة إلى رسول الله ليحاججه ويظهر دجلة ولو كان يملك لها شيئاً بعد مماته كما يملكه في حال حياته الدنيا لبادر إلى فعله وهو الرؤوف الرحيم بالأمة الحريص على إيصال النفع والخير لها في دنياها وأخراها ولو كانت الإستغاثة به والمجيء إلى قبره بعد وفاته مشروعة لدل أمته عليها .
ولكننا نرى رسول الله يفرق تفريقاً واضحاً بين تصرفه في الحياة الدنيا وبين ما يجب أن تفعله الأمة بعد وفاته . إذ دلهم على الإستعانة بالله والإستعاذة به سبحانه في كل صلاة أن يقيهم الله شر هذه الفتنة وأن على المسلم أن يتعلم العقيدة الصحيحة ويعرف صفات الدجال حتى يستطيع المحاجة عن نفسه .
وبعد : أما آن الأوان للمالكي ولأنصاره أن يصححوا مفاهيمهم على ضوء الكتاب والسنة وعقيدة خيار الأمة ويدعوا ما شربوه من مفاهيم خاطئة عن طريق أهل التصوف مرجعه إلى ما يسمونه ( بالعلم اللدني ) ( ) والكشوفات والمواجيد التى تسببت في إضلال الأمة المحمدية وأوقعتهم في عبادة القبور نسأل الله لهم الهداية .
* سنة الصحابة العملية *
وأما سنة الصحابة العملية فهي من أعظم الأدلة على التفريق بين الطلب من رسول الله في الدنيا وبين حالة بعد وفاته : وقد جرت حوادث عظيمة فلم يذهبوا إليه ليسألوه عن حكمها وقد كانوا في الدنيا لا يفعلون كبيرة ولا صغيرة حتى يسألوه عنها ومن أمثلة ذلك :
1- جاء في صحيح البخاري أن الصحابة أصابهم قحط في عهد عمر رضي الله عنه فخرجوا لصلاة الإستسقاء وقدموا العباس بن عبد المطلب ، وقالوا في دعائهم اللهم إنا كنا إذا أجدبنا استسقينا بنبيك واليوم نستسقي بعم نبيك ) فلوا كان التوسل يجوز بالنبي بعد وفاته ما عدلوا عنه أبداً خاصة وأنهم في شدة وكرب يدعوهم إلى التماس أقرب الوسائل الشرعية إلى الله تعالى ليجيب دعائهم وهذه الواقعة كانت بحضرة جميع الصحابة ولا يمكن ردها بوقائع فردية مروية من طرق ضعيفة .
2- فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد اختلف الصحابة في كيفية التعامل معها حتى وصلوا إلى القتال في موقعة – صفين والجمل – وغيرها التى راح ضحيتها آلاف الأرواح الذكية وكلهم يطلب الحق – فلو كانوا يعتقدون أن رسول الله يدبر أحوال الأمة بعد موته كما كان في الدنيا لسارعوا إليه وعرفوا منه الحق ووفروا هذه الدماء الطاهرة والأموال الطائلة .
3- وقل مثل هذه في مسألة جمع القرآن وجمع الأحاديث الذي استغرق مئات السنين بسبب تفرق الصحابة في مشارق الأرض ومغاربها وكان أصحاب الحديث يسافرون سنين عديدة في شأن هذا المطلب ولو كان الأمر كما يقول المالكي لما وجودا أسهل من الذهاب إليه في قبره وسؤاله عن صحة الحديث ولما كان هناك داعياً لقواعد علم الحديث الذي يعمل به سائر علماء الأمة . ولنا سؤال اخير فى هذا الباب وهو غايه فى الأهميه نطرحه على الصوفيه وحلفائهم –الرافضه – اذاكانوا يعتقدون فعلا انه لافرق بين الحى والميت وان النبى ص يدبر امور الامة بعد موته كما كان يدبرها فى حال حياته: فلماذا يعتقدون بأنه ص اوصى بالخلافة لعلى رضى الله عنه ؟ ولماذا يوصى على لأبنائه؟ اماكان الأولى ان يبقى النبى هو الحاكم للمسلمين الى يوم القيامة؟
فمن أين لك هذه المفاهيم يا مالكي التى لمّ يعرفها الصحابة ولا التابعون ولا خيرة علماء الأمة ؟!!
* الإبدال في أمة محمد *
في ص 99 من كتاب المفاهيم – ساق المالكي هذا الحديث – ليستدل به على جواز التوسل بالأموات وأنه لا فرق بين الحي والميت – عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( لن تخلوا الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن بهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه أخر ) – قال المالكي رواه الطبراني وإسناده حسن .
* التعليق *
من الحكم المأثور عن شيخ الإسلام بن تيمية قوله ( ما استدل مبتدع بدليل صحيح إلا وفي دليله رد عليه )
قلت : رحم الله شيخ الإسلام لقد أصاب كبد الحقيقة ، ويكفينا من الأدلة على صدق هذه الحكمة – استدلال صاحبنا – المالكي – فإن المسكين اضطرته الحاجة الملحة للرد على علماء المملكة فأتي بهذا الحديث ولم يفطن إلى أخره وهو قوله : ( ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه أخر ) فلعله أعجب بقوله ( فبهم تسقون وبهم تنصرون ) ونسى أن المراد ( بدعائهم تسقون وتنصرون ) – وهذا لا خلاف فيه – ولكن لو كان لا يوجد فرق بين الأحياء والأموات من هؤلاء الصالحين – لما كان هناك حاجة للتبديل وإحلال الحي مكان الميت !! وقد صدق من قال ( ولن يصح في الأهان شيء إذا احتاج ضوء الشمس إلى دليل )
ومثله أيضاً – حديث جابر ( إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته حوله ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم – أورده المالكي أيضاً ص 98 – واحتج به على التوسل بالأموات مع أن المقصود الرجل الصالح الحي الذي يصلح أهله بالدعاء لهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما دام فيهم – أي ما دام حياً وإلا لما كان هناك حاجة إلى قوله : (ما دام فيهم )
* الفقرة الثالثة *
* أفعـــال العبــاد *
في ص 109 قال المالكي : ( لأن الاعتقاد الصحيح اعتقاد أن الله تعالى هو الخالق للعباد وأفعالهم ( ) لا تأثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت فهذا الاعتقاد هو التوحيد )
* تصحيح المفاهيم في خلق أفعال العباد *
* هذا توحيد الجبرية *
قال الحكماء : ما زاد عن حده انقلب إلى ضده – وهي حكمة صائبة تنطبق تمام الانطباق على المالكي وأضرابه : إذ لما أعياهم وجود الدليل الواضح من القرآن والسنة وأغاظهم علماء التوحيد بالبراهين الواضحة على تحريم دعاء الأموات والغائبين والأدلة الواضحة على التفريق بين تصرفات العبد في حياته وما يجب نحوه بعد موته لجأوا إلى مسألة خلق أفعال العباد – وهي بعيدة عن هذا الموضوع ثم غالوا فيها حتى وقعوا في مذهب الجبرية المبتدعة ! وهي إحدى فرق الضلال التى تجرد العبد من المشيئة والإختيار .
* مقصد المالكي من هذه الدندنة *
ومقصود المالكي : أنه إذا أثبت أن الحي ليس له مشيئة ولا اختيار فيكون مثل الميت – ثم يصل إلى مرغوبه الذي يصبوا إليه ليصح له القياس الفاسد الذي يدندن حوله من أول الكتاب إلى آخره وهو أنه ما دام لا فرق بين الحي والميت إذن يجوز الإستغاثة بالميت واللجوء إليه قياساً على الحي ولكن مهما دندن ومهما أرهق نفسه في التأويلات والقياسات واللجوء إلى مذاهب الفرق الضالة فالتحدي ما زال قائماً – إذ لا اجتهاد ولا قياس مع وجود النص الصريح الذي نزل في الذين يدعون عيسى ومريم والعزير .
( وَمَنْ أَضَلّ مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَن لاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ، وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [ الأحقاف : 5 ، 6]
الفصـــل العاشر
تصحيح المفاهيم
في التوحـــيد الـــصحيح
* تصحيح المفاهيم في التوحيد الصحيح *
لا يمكن لأحد أن يفهم التوحيد الصحيح حتى يفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد العبادة واسمه توحيد الألوهية – بغير هذا التفريق لا يمكن فهم التوحيد فهماً صحيحاً ( ).
* توحيد الربوبية *
فيرسمون سهماً نازلاً من أعلى إلى الأسفل هكذا ويقولون : هذه أفعال الرب كالرزق والخلق والإيجاد وتدبير أمور الخليقة وإنزال المطر ونحوها .
* توحيد الربوبية *
* هو حجة الرسل على توحيد العبادة أو الألوهية *
لقد كان الرسل عليهم السلام يتخذون من إقرار المشركين بأن الله هو الخالق والرازق ومدبر الأمور حجة على المشركين في توحيد العبادة – أي – يقولون لهم ما دمتم أقررتم بأن الله هو الذي بيده كل شيء وهو صاحب الرزق والنعمة فلماذا تدعون غيره وتعبدون غيره ؟ فليجأ المشركون إلى الاحتجاج بالوساطة والشفاعة .كمثل قوله تعالى:
- (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [لقمان : 25]
- ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلْ أَفَرَأيْتُم مّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللّهُ بِضُرّ هَلْ هُنّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكّـلُ الْمُتَوَكّلُونَ) [الزمر : 38]
- ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ أَمّن يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَن يُدَبّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ ، فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمُ الْحَقّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلاّ الضّلاَلُ فَأَنّىَ تُصْرَفُونَ ) [يونس: 31 ، 32]
قال بن كثير رحمه الله : يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانية وربوبيته على وحدانية إلاهيته وساق الآيات المذكورة من سورة يونس ثم قال : لذلك ( يقولون الله ) – أي – وهم يعلمون ويعترفون به : ( فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ) أي أفلا تخافون منه أن تعبدون معه غيره بأرائكم وجهلكم أ هـ ح ص 416 وهكذا كان الأنبياء يقيمون عليهم الحجة بهذا الاعتراف بالربوبية على وجوب توحيده الألوهية والعبادة .
* توحيد العبادة حق لتوحيد الربوبية *
وأما توحيد العبادة فيرسمون له سهماً صاعداً هكذا تعبر عن أفعال العباد الصاعدة لأعلى وأن توحيد العبادة هو حق الله على عباده واستحقه سبحانه بأفعاله التى أسداها لهم فهو خلقهم ورزقهم وسخر لهم ما في السماوات والأرض فكان من حقه عليهم أن يوحدوه بأفعالهم وهو ثمرة الاعتراف بالربوبية وأما مجرد الاعتراف بأنه وحده الخالق والموجد من العدم وصاحب الرزق ومالك النفع والضر ومع هذا الاعتراف يدعى غيره ويرجى سواه ممن لم يفعلوا لهم شيئاً ولا يملكون لهم شيئاً فهذا هو سبب ضلال المشركين – وبين الله تعالى هذه المعاني بقوله تعالى: ( يَاأَيّهَا النّاسُ اعْبُدُواْ رَبّكُمُ ) هذا الجزء هو توحيد العبادة ثم يبين سبحانه سبب استحقاقه للعبادة وحده – فيقول : (الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ) [البقرة : 21] ثم يعدد سبحانه أفعاله الربوبية التى استحق بها العبادة على خلقه فيقول : (الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [ البقرة : 22] ثم نهاهم عن إعطاء حق الله لغيره واتخاذ أنداداً له يدعونهم كما يدعوه ويخافون منهم كما يخافون منه سبحانه ويحبونهم كما يحبوه ويعظمونهم كما يعظموه فقال سبحانه : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .
قال ابن كثير رحمه الله : ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ولهذا قال : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال : قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ) ثم ساق رواية محمد بن اسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قال : أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التى لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره [ أ هـ ح 2 57 ]
الفصـــل الحادي عشر
يعرفون نعمة الله
ثم ينكرونها
* يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها *
قال تعالى: ( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) [ النحل : 83] قال ابن كثير رحمه الله : ( أي يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره . [ أ هـ ح ص – قلت : فدلت هذه الآية وغيرها على أن المشركين كانوا يعترفون أن الخلق والرزق والتدبير وإنزال المطر وإغاثة المضطر كل هذا من الله – وهذا هو الإقرار بالربوبية .
وهو ما يسمى توحيد الله بأفعاله أي الإقرار والاعتراف أنه فعل ذلك وحده وأما ثمرة هذا الإقرار وحق هذه النعم وهو أفعال العبادة من صلاة وسجود ودعاء وتضرع وذكر وشكر ونذور وقرابين والتحكيم فيما شجر بينهم فإنهم لا يوحدون الله فيها – وهذا النوع من التوحيد الذي أنكره الله على المشركين هو التوحيد الذي يدافع به الأشاعرة والصوفية عن عباد القبور وعندهم أن اعتراف الناس بأن صاحب النعم والإيجاد هو الله يشفع لهم في توجيه الدعاء والإستغاثة والنذور إلى الأنبياء والصالحين على سبيل الوساطة والشفاعة !! – كقول زيني الدحلاني : إذ قال العامي نفعني رسول الله أو أغاثني إنما يريد الاسناد المجازي والقرينة أنه مسلم موحد لا يعتقد التأثير إلا لله !! أ هـ الدرر السنية ص 51 ، وقال المالكي : ( والخلاصة أنه لا لا يكفر المستغيث إلا إذا اعتقد الخلق والإيجاد لغير الله ) ص 193
وينقلون حكاية عن الشيخ محمد عبده والشيخ الظواهري وخلاصتها أن الأول أنكر على الثاني أفعال العوام عند ضريح البدوي فاحتج عليه الظواهري بأنهم يعرفون أن الخالق والرازق هو الله ولكن هؤلاء وسطاء وشفعاء
* توحيد الخميني *
سبحانك ربي ما وجدت بدعة شركية أو كفرية إلا ويتفق فيها الصوفية مع الروافض ويحتجون بنفس الشبهات التى يحتج بها الروافض – اللهم إلا مسألة تكفير الصحابة وخاصة الشيخين أبو بكر وعمر فانظر إلى زنديق الروافض – الخميني في تعريفه للتوحيد والشرك إذ يقول : ( إن الشرك هو طلب الحاجة من غير الله مع الاعتقاد أن هذا الغير هو إله ورب وأما طلب الحاجة من الغير من غير هذا الاعتقاد فذلك ليس شرك ولا فرق في هذا المعنى بين الحي والميت ) !! كشف الأسرار – للخميني ص 30 ونحن نقول :
* بشري لأبي جهل وإخوانه !! *
قد تقدم إقرار المشركين بأن صاحب الخلق والرزق وتدبير الأمور وإنزال المطر وإغاثة المضطر هو الله وحده فإذا كان مثل هذا الإقرار يعتبر توحيداً أو قرينة على التوحيد مهما استغاث صاحبها بالمخلوقين فبشرى لأبي جهل وإخوانه بتوحيد الأشاعرة والصوفية المبتدع ولماذا لا يعتذرون لهم ( )وخاصة إن المالكي جزم بأن المستغيث لا يكفر إلا إذا اعتقد الخلق والإيجاد لغير الله !!
* شبهة الإسناد المجازي *
أما قول الدحلاني والمالكي : أنهم يريدون الإسناد المجازي : فهذا تلبيس ذميم لأنه لم يثبت في اللغة ولا في الشرع صحة الإسناد المجازي - عند القائلين به – إلا بوجود دور لمن يسند إليه الفعل – كما في قول فرعون : ( وَقَالَ فَرْعَوْنُ يَهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لّعَـلّيَ أَبْلُغُ الأسْبَابَ) [ غافر : 36] ومن المعلوم أن هامان وزير لا يبني بنفسه ولكن دوره دور الآمر فيسند له الفعل بهذا الدور –
ولما قال بعض الصحابة ( مطرنا بنوء كذا ) وهم يعلمون جيداً أن منزل المطر هو الله وحده ولكنهم يقصدون التوقيت – فقال الله تعالى ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ، أما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال – مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) وذلك لأن الكوكب ليس له أي دور إلا التوقيت – ولم يكن الصحابة استغاثوا بالكوكب ولا دعوه فإذا عرفت هذا – فإذا سقطت طائرة مثلاً – بإنسان أو غرقت سفينة في الماء واستغاث بالبدوي أو عبد القادر أو غيره فأي دور لمثل هؤلاء في مثل هذه الحالات حتى نسند إليهم النجاة على سبيل المجاز ؟ ولهذا من استغاث بمخلوق في هذه الحالات مع اعتقاده أن الذي أنجاه هو الله يكون مثل الذين :( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا ) لأن ثمرة هذا الإقرار بهذه النعمة يكون قد أخذها المخلوق فخشوع القلب وتوجه الوجه وذكر اللسان ورفع أكف الضراعة كل هذه الجوارح اتجهت نحو المخلوق الذي لا يملك نفعاً ولا ضراً وليس لله أي شيء في توحيدهم المبتدع إلا المعرفة العقيمة التى لا ثمرة لها – لذلك كان القرآن الكريم ينكر على المشركين فقط نسبة هذه الأفعال التى تفوق قدرة المخلوق وتنقطع فيها الأسباب العادية إلى المخلوقين – كقوله تعالى: ( قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـَذِهِ لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ ، قُلِ اللّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) [ الأنعام – 63 ، 64] ولم يرد في القرآن ولا في الحديث أن الله تعالى أنكر على أحد خلقه التسبب العادي بل هذا جائز بلا خلاف .
الفصـــل الثاني عشر
معنى الإله
في اللغة وفي الشرع
* معنى الإله في اللغة وفي الشرع *
قال الزمخشري :( الإله من أسماء الأجناس كالرجل والفرس - يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق )
وقال شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله - : ( الإله المعبود المطاع وهو الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه – أ هـ باختصار ( فتح المجيد ) ص 42
* الإلوهية بين الحق والباطل *
الذي ذكره الزمخشري – هو التعريف اللغوي للإله ولذلك لما عبد المشركون الأصنام والقبور وقصدوها بالدعاء والسجود والنذور صارت تسمى ( آلهة ) لأن قلوبهم ولهت بحبها والخوف منها وتوجهت إليها جوارحهم بالعبادات فألهت وأخذت اسم آلهة من الناحية اللغوية كما قال تعالى : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـَكِن ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لّمّا جَآءَ أَمْرُ رَبّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) [ هود : 101]
وأما الإله الحق فلا يصدق إلا على من يتصف بأفعال الربوبية كالقدرة على الخلق من العدم والرزق وتدبير الأمور وإنزال المطر ونحوها – وهذا لا يكون إلا لله وحده – لذلك فهو سبحانه وحده الذي يستحق العبادة – ومن هنا فالألوهية الحقيقية تتضمن الربوبية – كما جاء في سؤال الملكين ( من ربك ؟) يعنيان من خالقك ومعبودك ؟ وكما في آية الميثاق (وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـَذَا غَافِلِينَ ) [ الأعراف : 172] أما الألوهية الباطلة فلا تتضمن الربوبية لأن من صرفت له العبادات وتأله بالباطل لا يفعل شيئاً من أفعال الرب الحقيقي ولذلك بكتهم القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مّن قَبْلِ هَـَذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [ الأحقاف: 4]
* العبرة عند الله بالحقائق لا بالمسميات *
الكثير ممن يدافع عن عباد القبور يقولون : إن المشركين الأوائل كانوا يعبدون الأصنام والقبور ويسمونها ( آلهة ) أما عوام المسلمين اليوم فلا يعبدون إلا الله ولا يقولون عن أصحاب القبور أنهم آلهة فكيف تسمونهم عباد قبور وتتهمونهم بتأليه البشر ؟
نقول : قد سبق تعريف معنى الإله بأن كل من قصده الناس بالدعاء أو النذور أو أي نوع من العبادات وسبق تعريف معنى العبادة وأن الدعاء من أفضل العبادات . هذا أولاً ، وثانياً العبرة في الشرع بالحقائق وليس بالمسميات .
* التبرك بالشجر أو الحجر *
مثال ذلك – حديث أبي وافد الليثي – وفيه أن بعض مسلمي الفتح رأوا المشركين يعلقون أسلحتهم على شجرة يقال لها ذات أنواط ويزعمون أن ذلك يجلب لهم النصر فقال المسلمون : يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط – فقال رسول الله قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اجْعَلْ لّنَآ إِلَـَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) .
ووجه الاستدلال بهذه القصة – أن الصحابة لم يقولوا اجعل لنا إلهاً ولكن – قالوا اجعل لنا ذات أنواط – أي شجرة نعلق عليها أسلحتنا لكن لما كانت حقيقة طلبهم هو التبرك بهذه الشجرة ومظنة حصول النصر منها – سمى رسول الله فعلهم طلب إله من دون الله وإن لم يصرحوا بذلك .
* عبادة الأحبار والرهبان *
ومثله حديث عدي ابن حاتم وفيه أن النصارى كانوا يطيعون الأحبار والرهبان في تحليل الحرام وتحريم الحرام – ولا يظنون أن هذه الطاعة تعتبر عبادة لهؤلاء العلماء فأنزل الله تعالى قوله : (اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُوَاْ إِلَـَهاً وَاحِداً لاّ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) [ التوبة : 31] .
ولما قال عدي : يا رسول الله : لسنا نعبدهم ؟! فقال رسول الله أليسوا يحرمون عليكم الحلال ويحلون لكم الحرام فتطيعونهم ؟ قال بلى قال : فتلك عبادتكم لهم ) ولا شك أن الذي يدعو غير الله أو ينذر له كذلك يعتبر عبده من دون الله واتخذه إلهاً وإن لم يسمى فعله عبادة أو معبودة إلهاً .
* هل فعل واحد من أفعال الشرك يهدم الإسلام *
وقد يسأل سائل ويقول : فعلاً الدعاء – مثلاً – عبادة – وصرفه لغيره الله شرك ولكن الذين يفعلون ذلك ينطقون الشهادتين ويصلون ويصومون ويؤمنون باليوم الآخر والأنبياء والكتب كلها فهل صدور فعل واحد ممكن يهدم هذا كله ويجعل فاعله مشركاً وما هو الدليل على ذلك ؟ نقول نعم فعل واحد من أفعال الشرك إذا فعله المسلم يهدم إسلامه ويجعله مشركاً ولكن بشرط أن تكون الحجة مقامة عليه بأن هذا الفعل شرك ثم يصر على فعل الشرك ( ) – والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى .
والله سبحانه قد خاطب المسلمين في شخص رسوله محمد فقال: ( وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [الزمر : 65] وقال عن الأنبياء : (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 88] والأوضح من هذا أنه عندما نزل قوله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنّهُ لَفِسْقٌ ) [ الأنعام: 121] أورد المشركون شبهة على بعض الصحابة فقالوا لهم : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله فما قتل الله لا تأكلونه وما ذبحتم أنتم تأكلونه ؟ فوقع في أنفس بعض المسلمين شيء من هذه الشبهة فأنزل الله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنّهُ لَفِسْقٌ وَإِنّ الشّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىَ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) [الأنعام : 121] قال بن كثير رحمه الله أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتموه عليه فهذا الشرك كقوله تعالى (اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ ) [ التوبة : 31] أ هـ ج - 2 ص – 171 .
قلت : وفي هذا أبلغ رد على من يقول : أن المسلم لا يصير مشركاً بفعل واحد – لأن هؤلاء المسلمين الذين وقعت عندهم هذه الشبهة كانوا يؤمنون بالله وكتبه ورسله ويؤدون الفرائض التى فرضت عليهم في وقتها بل كانوا وقتها في مكة والذين أسلموا بمكة لا يوجد فيهم منافق لأن النفاق ظهر في المدينة بعد الهجرة – ومع هذا لما ترددوا لأجل هذه الشبهة أنزل الله تعالى( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) ومثل هؤلاء الذين يطيعون الفرنجة في تحكيم القوانين الوضعية التى يحلون بها الحرام ويحرمون الحلال وكذلك الذين يطيعون رؤساء القبائل والعشائر في تقديم العادات والتقاليد على الشرع المنزل وفيه رد على الأشاعرة الذين يزعمون أن الشرك هو فقط اعتقاد التأثير استقلالاً من دون الله – فإن هؤلاء الصحابة لم يكن عندهم شيء من هذا وكذلك زعم الأشاعرة أن الشرك هو قول القائل : السكين تقطع !! والماء يروي !! والأكل يشبع ...... إلخ هذه السفسطة التى لم ينزلها الله سبحانه في كتبه ولا عرفها أحد من رسله وما زالت البشرية كلها تقول ذلك من لدن آدم حتى عهد رسول الله محمد وما سمعنا ولا قرأنا عن رسول من الرسل ولا في كتاب من الكتب المنزلة من عند الله أنهم قالوا لأقوامهم إذا قلتم – السكينة تقطع أو الأكل يشبع أشركتم !! ( ) والغرابة أن الأشاعرة مع هذه السفسطة التى يرون أنها شرك - لا ينكرون حتى شرك الربوبية – كدعواهم أن الأولياء يتصرفون في الكون فضلاً عن شرك العبادة كدعاء الأموات والغائبين !! .
* منهج الخوارج في تفسير القرآن *
وقد يقول قائل : لقد ورد في البخاري عن ابن عمر أنه قال عن الخوارج : أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في المشركين وأهل الكتاب فجعلوها في المسلمين . فما هو الرد على هذه الشبهة عند السلفيين ؟
* رد السلفيين *
إن ابن عمر رضي الله عنه أنكر عليهم لأنهم أنزلوا الآيات في غير موضعها وقصدوا بها تكفير أمير المؤمنين على رضي الله عنه لأنه لم يطاوعهم في معاملة أهل الشام معاملة المشركين في الحرب مثل سبي النساء وغنم الأموال وغيرها فجعلوا يسوقون له الآيات التى نزلت في أحكام قتال المشركين مع النبي وقد جادلهم ابن عباس رضي الله عنه وكان ضمن رده عليهم أن قال لهم : ( أيكم يرضى أن تكون عائشة من نصيبه ؟ فرجع الكثير منهم وبعضهم لم يرجع والحاصل أن الخوارج كانوا جهلة لا يفرقون بين أحكام قتال المسلمين البغاة وقتال الكفار الأصليين فكانوا ينزلون آيات القرآن التى نزلت في قتال المشركين وأهل الكتاب على قتال البغاة ولا يعني ذلك أن المسلم إذا فعل فعل المشركين أو أهل الكتاب لا يرد عليه بالنصوص التى نزلت في الكفار فعلى سبيل المثال :
لو وجدنا مسلماً أكل ميراث النساء وإذا أنكرنا عليه سأل عن الدليل فنقول له قال الله تعالى: ( وَتَأْكُلُونَ التّرَاثَ أَكْلاً لّمّاً ) [الفجر : 19] فهل يصوغ لقائل أن يقول هذه نزلت في المشركين ومن استدل بها صار مثل الخوارج ؟!
ومثلها إذا قتل مسلماً بنته مخافة النفقة أو لأنه يكره الإنثى واستدل من نصحه بقول الله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [ التكوير – 8 ، 9] هل يكون هذا الناصح مثل الخوارج ؟!
ويكفينا أن النبي قال لأصحاب ذات أنواط : قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اجْعَلْ لّنَآ إِلَـَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) [ الأعراف : 138] وهي نزلت في أهل الكتاب فهل يكون النبي على مذهب الخوارج ؟!! حاشا رسول الله وإنما هي أهواء وشبهات يرددونها للتشويش على دعاة الحق .. ولله الأمر من قبل ومن بعد .
* هل الصوفية ينكرون تكفير المسلمين *
المطلع على كتابات ودروس شيوخ ومنظري الصوفية لا يجد لديهم شغلاً يشغلهم إلا تحذير المسلمين ممن يسمونهم بالوهابية لا سيما رجال الطريقة العزمية ويعللون هذه الكراهية وهذه الحملات المعادية للسلفيين بأن الوهابية يكفرون المسلمين !! مع أن علماء السلف من اشد الناس نهياً عن تكفير المسلمين حتى لو فعلوا أفعالاًَ شركية راجع مثلاً – الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج3 ص229 وراجع روضة ابن غنام ج1 ص179 وهو يحكي قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب – لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر الجيلاني والبدوي لأجل جهلهم ) وإنما كل ما في الأمر أنهم – علماء السلف – يحذرون الناس من دعاء غير الله تماماً مثل ما جاء في الكتاب والسنة والظاهر أن التصريح بالانكار على دعاء القبور وبنائها والنذر لها يتسبب لزعماء الصوفية في قطع الأتاوات التى يدفعها الجهال في صناديق النذور وهي تدر عليهم ربحاً طائلاً هذا بالاضافة إلى المنزلة العالية التى يكنها لهم الجهال من تقبيل الأيدي والأرجل والتبجيل والتعظيم – هذه العوامل من شهوات النفوس التى تجعل هؤلاء الزعماء يتمادون في غيهم كما قال تعالى عن أهل الكتاب : ( يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّ كَثِيراً مّنَ الأحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) [ التوبة : 34] قال ابن كثير : وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس – كما كان لأحبار اليهود غير المشركين شرف ولهم عندهم خراج وهدايا وضرائب تجيء إليهم فلما بعث رسول الله استمروا في ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعاً منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات فأطفأها الله بنور الإسلام ... وعوضهم الذل والصغار ) تفسير ابن كثير ج2 ص 350
ونحن وإن كنا لا نكفر هؤلاء الزعماء لمظنة الجهل إلا أننا نرى منهم مواقفاً مع أخرين يصرحون بتكفير المسلمين بل حتى خيار الصحابة ولا نجد لهؤلاء الزعماء أي إنكار لا في دروسهم ولا في كتبهم .
فنجد مثلاً أهم مراجع الشيعة هو كتاب الكافي – للكليني – وهو مثل البخاري عندنا – نجد فيه رواية تقول : كان الناس بعد رسول الله أهل ردة إلا ثلاثة – سلمان الفارسي – وأبو ذر الغفاري – والمقداد بن الأسود – روضة الكافي ج1 ص 246 وهذا أكبر مرجع عند الشيعة المسمى ( نعمة الله الجزائري ) يقول عن أهل السنة : أنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية – الأنوار النعمانية ص 206
ومع هذا نجد شيوخ وزعماء الطريقة العزمية يمدحونهم ويقولون عنهم أنهم علماء آل البيت وإن شئت راجع كتاب ( شبهات حول الشيعة ) إصدار الطريقة العزمية ستجد الحملة المسعورة على علماء السلفية حتى أنهم يسمون كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب باسم إنجيل الوهابية !! وتجد هذا على الغلاف الخارجي لكتابهم المسمى ( شهبات حول الشيعة ) وليس في كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا آيات القرآن وأحاديث النبي التى تحذر من دعاء غير الله !!
في الوقت الذي تجد فيه المدح والثناء على علماء الشيعة ووصفهم بأنهم أئمة آل البيت – مثل المجلسي والمفيد والجزائري – وكلهم يكفرون خيار أمة محمد .
فما هو السبب في هذه المواقف إن لم يكن الحرص على الزعامة والمناصب ولو على حساب الباطل ؟!!
* الخاتمة *
هذا ما أمكن جمعه في هذه العجالة فإن كان صواباً فمن الله وحده وله الحمد والمنة وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان وأسأل الله المغفرة والعفو وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وعلى صحبه أجمعين .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
عثمان القطعاني
أما قول الدحلاني والمالكي : أنهم يريدون الإسناد المجازي : فهذا تلبيس ذميم لأنه لم يثبت في اللغة ولا في الشرع صحة الإسناد المجازي - عند القائلين به – إلا بوجود دور لمن يسند إليه الفعل – كما في قول فرعون : ( وَقَالَ فَرْعَوْنُ يَهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لّعَـلّيَ أَبْلُغُ الأسْبَابَ) [ غافر : 36] فيسند له الفعل بهذا الدور – ولما رمى رسول الله الكفار بالحصباء وأوصلها إلى الله وجوههم نفى الله إسناد الفعل إلى رسوله لأن دوره كان ضعيفاً : ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ رَمَىَ) [الأنفال : 17] ومثله عندما قاتل الملائكة في غزوة بدر وقتلوا بعض الكفار نفى الله قتلهم عن الصحابة : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ رَمَىَ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلآءً حَسَناً إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ولما قال بعض الصحابة ( مطرنا بنوء كذا ) وهم يعلمون جيداً أن منزل المطر هو الله وحده ولكنهم يقصدون التوقيت – فقال الله تعالى ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ، أما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال – مطرنا بنوء كذا فذلك كافر في مؤمن بالكوكب ) وذلك لأن الكوكب ليس له أي دور إلا التوقيت – ولم يكن الصحابة استغاثوا بالكوكب ولا دعوه فإن عرفت هذا – فإذا سقطت طائرة مثلاً – بإنسان أو غرقت سفينة في الماء واستغاث بالبدوي أو عبد القادر أو غيره فأي دور لمثل هؤلاء في مثل هذه الحالات حتى نسند إليهم النجاة على سبيل المجاز ؟ ولهذا من استغاث بمخلوق في هذه الحالات مع اعتقاده أن الذي أنجاه هو الله يكون مثل الذين :( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا ) لأن ثمرة هذا الإقرار بهذه النعمة يكون قد أخذها المخلوق فخشوع القلب وتوجه الوجه وذكر اللسان ورفع أكف الضراعة كل هذه الجوارح اتجهت نحو المخلوق الذي لا يملك نفعاً ولا ضراً وليس لله أي شيء في توحيدهم المبتدع إلا المعرفة العقيمة التى لا ثمرة لها – لذلك كان القرآن الكريم ينكر على المشركين فقط نسبة هذه الأفعال التى تفوق قدرة المخلوق وتنقطع فيها الأسباب العادية إلى المخلوقين – كقوله تعالى: ( قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـَذِهِ لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ ، قُلِ اللّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) [ الأنعام – 63 ، 64] ولم يرد في القرآن ولا في الحديث أن الله تعالى أنكر على أحد خلقه التسبب العادي بل هذا جائز بلا خلاف كقوله تعالى : ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىَ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـَذَا مِنْ عَدُوّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىَ فَقَضَىَ عَلَيْهِ قَالَ هَـَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَدُوّ مّضِلّ مّبِينٌ) [ القصص : 15]
2- صفات اهل الباطل وتعلقهم بالمتشابه
3- نصوص فىتحريم دعاء المخلوقين واجابة المالكى عنها
4- لماذا لم تذكرعبادة القبور فى عقائد السلف ؟
5- معنى التوحيدبين الاشاعرة واهل السنة
6-تصحيح المفاههيم فى قياس الطلب من الاحياء على الطلب من الاموات
7-شبهات المالكى فى الشفاعة
8-تصحيح المفاهيم فى الحياة البرزخية
9- ماهى سنن الصحابة العملية بعدوفاة النبى – ص-؟ و سؤال للشيعة والصوفية اذا كان لافرق بين الحى والميت عندهم:فلماذايعتقدون بوجوب الوصية من بعد النبى –ص-؟ الم يكن من الاولى ان يكون النبى هو حاكم المسلمين الى يوم القيامة؟
10- تصحيح المفاهيم فى التوحيد الصحيح
11- بشرى لأبى جهل بتوحيد الصوفية والاشاعرة! –معنى الشرك والتوحيد عند – الخمينى-
12-شبهة اسناد الفعل للمخلوق على سبيل المجاز اللغوى
13-معنى الاله فى اللغة والشرع
14-منهج الخوارج فى تطبيق الايات التى نزلت فى المشركين وانزالها على المسلمين
15-هل الصوفية فعلا ينكرون تكفير المسلمين؟
المقدمة
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ... وبعــد ،،
فقد أهدى إلى أحد الأخوة الأفاضل كتاباً بعنوان ( مفاهيم يجب أن تصحح ) تأليف شيخ سعودي يدعى ( محمد بن علوي المالكي ) وبعد الاطلاع على هذا المؤلف ظهر لي بجلاء أن المفاهيم التى يرى أنها مخالفة ويجب تصحيحها هي نفس المفاهيم التى يدعو إليها علماء الإسلام وكنت قد سميت هذا الرد ( فتح العزيز العليم في الرد على كتاب المفاهيم ) ولكن نزولاعلى نصيحة احد الفضلاء قررت تغييره باسم – جلاء العينين فى حكم دعاء الانبياء والصالحين-
وأنا لا أنكر أن كتاب المالكي قد نال إعجاب مجموعة من المشهورين بالعلم في كثير من الدول العربية والإسلامية في الوقت الذي لم يحظ بمباركة أو تأييد أي عالم من علماء أهل السنة والجماعة لا داخل المملكة ولا خارجها ومن حق المسلم أن يطلع على ما عند المالكي وأنصاره وما نقلناه عن علماء السلف ثم يختار لنفسه ما يقابل به ربه عز وجل وليعلم القارئ أن موقفه من هذا الخلاف ليس موقف متفرج على مباراة رياضية لينتهي دوره عند التصفيق للفريق الفائز ولكنه يقارن بين الحق والباطل فإذا عرف الباطل كرهه ومقته وأبغضه وابتعد عنه وحذر الناس منه وإذا عرف الحق نصره وأحبه ونصر أنصاره وأحبهم ودعا الناس إليه وإلى العمل به .
ومن المعروف والمألوف جداً أن كل صاحب اتجاه يزعم أنه على الحق المبين فلا تعجب إذا وجدت ذلك أثناء عرض أقوال المالكي وأنصاره أو الردود التى نرد بها ، وقد أعجبني ما كتبه الشيخ / عبد الرحمن الوكيل – رحمه الله – في كتابه المسمى ( هذه هي الصوفية ) حيث قال [ إنك لا تستطيع أن تمنع إنساناً يريد أن يدعي ما يشاء ولكن تستطيع أن تبتلي دعواه وتزنها بميزان الحق من الكتاب والسنة ) أ هـ ص 149 .
فاللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم . ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
عثمان القطعاني
الفصـــل الأول
فقرات من أقوال المالكي
الفقرة الأولى
جاء في ص 181 – من كتاب ( مفاهيم يجب أن تصحح ) قال المالكي :
من جملة الدعاوي الباطلة التى يتمسك بها هؤلاء المكفرون لمن يتوسل بالنبي أو يطلب منه هو قولهم : ( إن الناس يطلبون من الأنبياء والصالحين الميتين ما لا يقدر عليه إلا الله وذلك الطلب شرك . وجوابه أن هذا سوء فهم لما عليه المسلمون في قديم الدهر وحديثه فإن الناس إنما يطلبون منهم أن يتسببوا عند ربهم في قضاء حوائجهم من الله بسبب تشفعهم ودعائهم وتوجههم كما صح في حديث الضرير وغيره ممن جاء طالباً مستغيثاً بالنبي متوسلاً إلى الله وقد أجابهم إلى طلبهم وحقق مرادهم بإذن الله ولم يقل لواحد منهم : أشركت أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد وبما يخرج عن التوحيد من رسول الله وأصحابه !! هذا ما لا يتصوره جاهل فضلاً عن عالم ) – أ هـ باختصار قليل .
الفقرة الثانية
وفي ص 178 قال المالكي :
( إن الاستغاثة والتوسل إن كان المصحح لطلبها هو الحياة – كما يقولون – فالأنبياء أحياء في قبورهم وغيرهم من عباد الله المرضيين .
ولو لم يكن للفقيه من دليل على صحة التوسل والاستغاثة به بعد وفاته إلا قياسه على التوسل والاستغاثة به في حياته الدنيا لكفى فإنه حي في الدارين دائم العناية بأمته ويبلغه سلامهم على كثرتهم – أ هـ .)
الفقرة الثالثة
وقال في ص 190 :
( لأن الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أن الله تعالى هو الخالق للعباد وأفعالهم لا تاثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت فهذا الاعتقاد هو التوحيد )
وقال في ص 193 :
( لا يكفر المستغيث إلا إذا اعتقد الخلق والايجاد لغير الله والتفرقة بين الأحياء والأموات لا معنى لها -1- لأن من اعتقد الايجاد لغير الله كفر على خلاف للمعتزلة في خلق أفعال العباد أ هـ )
1-اذا كانت التفرقه بين الاحياء والاموات لامعنى لها فمامعنى قوله تعالى –وما يستوى الاحياء ولا الأموات-؟ فاطر-22-
الفصـــل الثاني
بعض صفات أهل الباطل
بعض صفات أهل الباطل
وقبل الشروع في الرد على ما جاء في هذه الفقرات التى اختصرناها لضيق المقام رأينا من المهم لطالب الحق أن يعرف بعض صفات أهل التلبيس والزيغ عن الحق التى ندلل عليها من نصوص الكتاب والسنة ثم بعد ذلك يظهر من هو صاحب الحق ومن هو صاحب الباطل . وذلك لما يعرفه كل أحد أن الإنسان لابد وأن يدافع عن نفسه وينتصر لرأيه ولابد أن يكون معه إما أدلة صحيحة أو شبهات وقل من يعترف بالحق لخصمه من تلقاء نفسه ، كما قال الله تعالى : ( .. وَإِنّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مّا هُمْ .. ) [ ص : 24] ولا أحد يستطيع أن يزكي نفسه ويجعلها من هؤلاء القلة وإنما يعرف ذلك من خلال الدليل الصحيح الواضح . وهاك بعض هذه الصفات وأدلتها :
* الصفة الأولى *
اتباع المتشابه وترك الواضح
قال تعالى: ( هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مّحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمّا الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ... ) [ آل عمران : 7] قال بن كثير (آيَاتٌ مّحْكَمَاتٌ) أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس – أ هـ ص 344 .
* طريقة أهل الحق :
فأهل الحق يفسرون المتشابه بالمحكم الواضح أي يأخذون اعتقادهم ومعاملاتهم وعباداتهم من المحكم الواضح . كما قال بن كثير : ( فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم محكمة على متشابهة فقد اهتدى ) أ . هـ ص 344 .
* طريقة أهل الباطـل :
وأما أهل الباطل فيأخذون الأمر بالعكس أي يتركون الواضح ويتعلقون بنصوص لا تقصد موضوع النقاش مباشرة ، وهذا واضح حتى في الخصومات الدنياوية .
فإن صاحب الحق يركز في دعواه على الأدلة الواضحة التى تقصد لب الموضوع وأما صاحب الباطل فإنه يتجنب الأدلة الواضحة ويضيع الوقت في سرد وقائع ليس لها علاقة بالنزاع .
تحذيـــر نـــــبوي
وقد روى البخاري عن عائشة أن رسول الله قال : ( فإذا رأيتم الذي يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )
( نماذج من استدلالات أهل الزيغ )
1- أدلة النصارى في تأليه المسيح
قال ابن كثير : فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ : أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة – كما لو احتج النصارى بأن القرآن نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ( ) – ويتركون قوله قال : ( إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ..) [ الزخرف : 59]
2 - شبهة الجهمية في كلام الله
عندما تناقش الإمام أحمد مع رؤساء الجهمية استدل الجهمي بأن كلام الله مخلوق وأن القرآن الكريم قال عن عيسى عليه السلام - ( َكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ ) فيكون كلام الله مخلوقاً لأن عيسى مخلوق !! فقال الإمام أحمد رحمه الله : أن عيسى عليه السلام خلقه الله بكلمة ( كن ) فكان عيسى بكلمة ( كن ) وليس عيسى هو ( كن ) ( ) فبهت الجهمي .
فانظروا إلى إيراد الشبه التى تلبس الحق بالباطل لولا أن رحم الله الأمة بأهل السنة والجماعة !!
* الصفة الثانية *
القياس مع النص
وهذه طريقة إبليس وجنوده من الجن والإنس فعندما أمره الله بالسجود لآدم ترك أمر الله المباشر واستعمل القياس قال تعالى: (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [ ص : 76] وأما طريقة أهل الحق فإنهم لا يستعملون القياس والاجتهاد إلا عند عدم وجود نص من الكتاب العزيز أو السنة المطهرة فإذ وجد نص في المسألة أخذوا به والتزموه .
مع العلم أن القياس لا يستعمل في أمور العقيدة والعبادات وإنما يستعمل في العادات والمعاملات الدنياوية – كقياس حوادث الدواب مثلاً فيما سبق على حوادث السيارات في العصر الحديث .
* الصفة الثالثة *
معارضة الأدلة العامة بالأدلة الخاصة أو تخصيص الأدلة العامة بلا مخصص
ومثال الأول : ما جاء في قوله تعالى: ( وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَآءُ وَلاَ الأمْوَاتُ إِنّ اللّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مّن فِي الْقُبُورِ) [ فاطر : 22] وقوله تعالى : ( إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ .. ) [ النمل : 80] وهذا دليل عام ولكن من باب المعجزات فقد كلم رسول الله قتلى القليب من المشركين وهي حالة خاصة لا يصح تعميمها على غير جمعاً بين الآيات والحديث ( ) ، ولكن يردون أدلة القرآن العامة بحديث قتلى القليب الخاص بالنبي !!
ومثال الثاني : ما أخبر الله تعالى عن تحريم دعاء الأموات وزعم المالكي وأسلافه أن هذا لا يكون شركاً إلا مع اعتقاد الخلق والإيجاد من غير دليل يوجب هذا التقييد كما سنوضح بإذن الله .
والخلاصـــة
فقد تصفحت كتاب المالكي المسمى ( بالمفاهيم ) فما وجدته استدل بنص إلا وهو إما لا يخلو من مقال من سنده وإما لا يخرج عن هذه الصفات الثلاثة التى ذكرناها ولولا ضيق المقام ومخافة ملل القارئ من التطويل لنقلت جميع فقراته كلها ولأمكنني بفضل الله أن أثبت صحة ما قلته .
تحــــدي
وها أنا أسوق قليلاً من الأدلة الواضحة على تحريم دعاء الأموات وادعى دعوى عريضة أن المالكي وأسلافه لا يملكون دليلاً صحيحاً وصريحاً يردون به هذه النصوص وأن كل ما عندهم لا يخرج عما ذكرنا آنفاً .
الفصـــل الثالث
نصوص واضحة
في تحريم دعاء المخلوقين
وإجابة المالكي عنها
* النصوص الواضحة في تحريم دعاء الأموات *
قال تعالى: ( وَمَنْ أَضَلّ مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَن لاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ، وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) [الأحقاف 5 ، 6]
قال صاحب فتح المجيد ( ) ( والآية تعم كل من يدعي من دون الله – كما أخبر سبحانه أن هذا المدعو لا يستجيب وأنه غافل عن داعيه – قلت : وأخبر أن دعاء الأموات من دون الله يعتبر عبادة لمن دعوهم – لأنه ختم الآيات بقوله تعالى (وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ )
وقد روى ابن جرير عن مجاهد أن الذين نزلت فيهم هذه الآية ونظائرها هم [ عيسى ابن مريم وأمه ، وعزير ] ومن المعلوم أن هؤلاء أنبياء مثل عيسى عليه السلام والصالحون – مثل مريم والعزير – وكذلك – هم غائبون – مثل عيسى الذي رفع إلى السماء وموتى مثل : مريم والعزير ، وقد سمى الله دعائهم شركاً من دون الله وسمى من دعوهم ( مشركين ) وعندنا نصوص قرآنية في هذا المعنى تنوء عن الحصر ولولا ضيق المقام لسردنا نصوصاً قرآنية أخرى . ويكفينا من السنة قول النبي :
( الدعاء هو العبادة ) ( ) ، وقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( أفضل العبادة الدعاء ) ( ) ومعنى ذلك أن من صرف الدعاء لله فقد عبد الله ومن صرفه لغيره فقد عبد غيره وصار مشركاً في العبادة حتى لو أقر أن الله خلقه ورزقه . فما هو جواب المالكي وأسلافه عن هذه النصوص الواضحة ؟!
* إجابة المالكي عن هذه النصوص *
قال المالكي : إننا نعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه أن الأصل في الاستعانة والاستغاثة والنداء هو أن يكون لله وحده فهو المعين والمغيث يقول الله تعالى: ( وَقَالَ رَبّكُـمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ .. ) [ غافر : 60] فمن استغاث بمخلوق سواءً كان حياً أو ميتاً معتقداً أنه ينفع أو يضر بنفسه استقلالاً ( ) من دون الله فقد أشرك لكن الله أجاز للخلق أن يستعين بعضهم ببعض ( ) والأحاديث في هذا كثيرة وساق أحاديث على أن الصحابة كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم ( ) وغير ذلك .
* التحدي ما زال قائماً *
فلعلك أيها القارئ دققت في الإجابة جيداً . والمطلوب دليل ينسخ الآيات السابقة التى وضحت أن دعاء الأموات شرك ولو كانوا صالحين وأنبياء وهذه الدندنة التى ذكرها لم يذكر فيها دليلاً صريحاً فهو اعترف أن دعاء المخلوق شرك ولكن
جانبه الصواب في الأتي :
1- خصص الأدلة العامة بلا دليل – لأنه أقر أن دعاء المخلوق شرك بشرط أن يعتقد الضر والنفع استقلالاً من دون الله وهذا الشرط غير موجود في الآيات ولا في الأحاديث بل كل من دعا ميتاً أو غائباً من دون الله فقد أشرك لأن الدعاء عبادة وعبادة المخلوق شرك .
2- قاس الطلب من الحي الحاضر كطلب الصحابة من رسول الله لفك الكربات وشفاء المرضى ونحوها على الطلب من الميت وهذا قياس مع وجود نص يحرم دعاء الأموات والغائبين فالله سبحانه وتعالى هو الذي يشرع لعباده فيحرم ما يشاء ويحل ما يشاء وله في ذلك الحكمة البالغة وهو سبحانه أجاز الطلب من الحي والاستغاثة به فيما يقدر عليه وأجاز أن يدعوا الأحياء بعضهم لبعض ويستعين بعضهم ببعض وأما دعاء الأموات – مثل مريم والعزير وغيرهما من عباد الله – فقد جعل ذلك كفراً وشركاً ونحن نقول سمعاً وطاعة لله ورسوله ولا نقيس ولا نجتهد وعندنا نصوص واضحة حتى لا نقع فيما وقع فيه إبليس وحزبه .
الفصـــل الرابع
مفاهيم يجب أن تصحح
* مفاهيم يجب أن تصحح *
الحقيقة أن المالكي وضع لكتابه هذا العنوان والصحيح الذي ندين لله به يوم نلقاه يجب أن يكون العكس أي يجب أن يصحح هو هذه المفاهيم التى لا مستند لها إلا الشبهات والروايات الضعيفة بل والموضوعة وها نحن نناقش معه هذه المفاهيم .
* مفاهيم الفقرة الأولى *
قال المالكي : من جملة الدعاوي الباطلة !! التى يتمسك هؤلاء المكفرون لمن يتوسل بالنبي هو قولهم : إن الناس يطلبون من الأنبياء والصالحين مالا يقدر عليه إلا الله وذلك الطلب شرك .
التوسل بالنبي
مع احترامي لك يا مالكي : إن هذه الدعوى لا تستطيع أنت ولا أنصارك كما لا يستطيع أحد من أسلافك أن يثبت على علماء المملكة ولا على أحد غيرهم من علماء الدعوة السلفية أنه كفر من توسل بالنبي ولكنهم يقولون : ( أن التوسل إنما يكون بدعائه وأما بعد أن لحق بالرفيق الأعلى فلم يصح في ذلك حديث صريح وهذا كثير جداً في كتبهم ( ) لأن التوسل بالموتى والجاه يعتبر ابتداعاً في كيفية الدعاء ولا يعتبر دعاءً لغير الله وأنت يا مالكي أدري من باقي إخوانك ومؤيديك خارج المملكة الذين قرظوا كتابك لأنك قرأت ردود علماء المملكة وقرأت لشيخ الإسلام بن تيمية وللشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب وأكثر من هذا أنت تعيش في وسط علماء المملكة فمن هو الذي ادعى هذه الدعوى الباطلة ؟! وأسلوب التعميم والبناء للمجهول لا يجوز في هذا الباب لأن المطلوب هو الدليل والبرهان واسم الكتاب ورقم الصفحة . وإلا فصحح مفاهيمك يا مالكي في أن التوسل ليس كفراً ولا شركاً وإنما هو ذريعة للوقوع في الشرك لأن أكثر المسلمين لا يفرق بين التوسل بالميت إلى الله وبين دعاء الميت بنفسه .
الطلب من الموتى
قول المالكي : ( لمن يتوسل بالنبي أو يطلب منه ) كأنه لا يفرق بين التوسل والطلب أما التوسل فقد ذكرنا قول علماء المملكة فيه وأما الطلب من الأنبياء أو غيرهم بعد مماتهم كدعائهم والاستغاثة بهم فهذه ليست دعوى باطلة بل الذي يجيز ذلك هو الذي دعواه باطلة وكيف تكون دعوى باطلة وهي مؤيدة بصريح القرآن كالآيات التى ذكرناها والتى نزلت في دعاء عيسى وأمه والعزير وهم أنبياء أو صالحون ولهم حياة برزخية أفضل من حياة الشهداء وقد حكم الله على من دعاهم بالشرك فكيف يكون دعاء القريشيين للأنبياء شركاً ويكون لأمة محمد حلالاً ؟! ( أَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزّبُرِ ) [ القمر : 43] يقول شيخ الإسلام بن تيمية : فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم وخطاب تماثيلهم هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين ( ) أ هـ - فهذا كلام بن تيمية الواضح ( ) في هذا الموضوع مؤيداً بالدليل الواضح وما عليك إلا أن تصحح مفاهيمك يا مالكي .
تسبب الأموات
قال المالكي : ( فإن الناس إنما يطلبون منهم أن يتسببوا عند ربهم في قضاء حوائجهم من الله بسبب تشفعهم ودعائهم كما صح في قصة الضرير وغيره ولم يقل النبي لواحد منهم أشركت أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد من رسول الله ؟ هذا ما لا يتصوره جاهل فضلاً عن عالم – أ هـ .
تصحيح المفاهيم في تسبب الأموات
نعم ذلك الطلب من الموتى شرك وعلى القارئ مراجعة الأدلة فيما سبق وهذا هو الذي عليه المسلمون من الصحابة والتابعين لأنهم لا يخالفون القرآن والسنة وأما قصد الأموات بالدعاء والاستغاثة بقصد التشفع فهذا هو موضوع التحدي إذ لم ولن يثبت به دليل ولو كان دعاء الأموات بهذا القصد جائزاً وسبباً صحيحاً لما كفر الله به أهل الجاهلية وقد كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم !! كما أخبر عنهم القرآن الكريم أنهم قالوا : ( مَا سَمِعْنَا بِهَـَذَا فِى الْمِلّةِ الاَخِرَةِ إِنْ هَـَذَا إِلاّ اخْتِلاَقٌ ) [ ص : 7]
وما قصدوا الصالحين – مثل مريم والعزيز أو الأنبياء مثل عيسى – إلا لهذا الغرض وقد نقلنا قول بن تيمية في هذا الموضوع وهذا قول بن القيم – قال رحمه الله – ( ومن أنواع الشرك طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل شرك العالم فإن الميت قد انقطع عمله ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ) أ هـ - من إغاثة اللهفان – وقد نقلنا رأي بن تيمية وكذلك رأي بن القيم في مسألة دعاء الأموات لأن المالكي اعتمد على أقوال منهما في غير محلها ليلبس على أصحاب النوايا الطيبة من أهل السنة وإنما هو في حقيقته على مذهب مخالفتيهم فإن قيل : هذه النقولات في إطلاق الشرك على دعاء الموتى من الصالحين ابتدعها ابن تيمية ومقلدوه – نقول : العمدة في ذلك ليس قول ابن تيمية ولا غيره وإنما العمدة هي آيات القرآن الواضحة التى نزلت .
فمن يدعو الأموات من الأنبياء والصالحين فهذا دليل قطعي الثبوت لأنه من كتاب الله ( لاّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [ فصلت : 42] وقطعي الدلالة لأنه نزل في نفس الموضوع .
الفصـــل الخامس
لماذا لا تذكر
عبادة القبور في عقائد السلف ؟
* لماذا لا تذكر عبادة القبور في عقائد السلف ؟ *
حقيقة الناظر في كتب العقائد عند الأولين مثل – الأئمة الأربعة والبخاري ومسلم وغيرهم من أهل السنة لا يجد ذكر شرك القبور فيها وإنما يجد الرد على الفرق الضالة في توحيد الصفات وفي أفعال العباد وغيرها وذلك لأن بناء القبور والأضرحة على المساجد محرم بنص الأحاديث الصحيحة وإنما انتشرت لما ملك العبيديون اليهود ديار المسلمين باسم الانتساب لآل البيت ( ).
وذلك لم يحدث إلا عام 361 هـ وكان أول قبر بنوه عام 540 هـ وقد قال عنهم ابن كثير رحمه الله : ( إن الفاطميين الأدعياء كانوا أنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر الفساد وقل العلماء والعباد وما خرجوا من مصر إلا عام 660 هـ - البداية والنهائية ج11 ص 345 .
* طول الأمد يقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً *
قلت : إن العبيديين اليهود الذين تسموا زوراً وبهتاناً بالفاطميين حكموا بلدان المسلمين ثلاثمائة عام ، فهذه المدة الطويلة تربت فيها أجيال وهلكت وقد اعتادت على عبادة القبور دون نكير وأي عادة سواء كانت حسنة أو سيئة تطول مدتها تتحصن وتصبح مقدسة لدى الأجيال اللاحقة ويألفها العالم والجاهل – إلا من رحم ربي وذلك مثل المبادئ الأوربية التى وفدت على بلاد المسلمين – كالديمقراطية التى تجعل السيادة والحاكمية للشعوب من دون الله وكالعلمانية التى تفصل الدين عن حكم الدولة وكالموآخاة بين الأديان التى تجعل المسلمين كالكفار سواء بسواء وهذه الأمور لا تحتاج إلى إيضاح من ناحية الدليل لكن لما اعتنقها الحكام وطالت مدتها ألفها الناس ثم ما لبثت أن ارتدت جلباب المشروعية وصار علماء السوء يحسنونها للناس بشتى التأويلات والاستدلالات البعيدة ثم ما لبثت أن صار ينادى بها حتى قادة بعض الجماعات التى تنادي بتحكيم الاسلام وهذه المبادئ لم يمر عليها أكثر من مائة عام فكيف بثلثمائة عام والناس يسمعون من الحكام وعلماء السوء أن دعاء القبور وبناء المساجد من أعظم الوسائل التى تقربهم إلى الله زلفى !! .
وبهذا لا يستغرب إذا ظهر مجدد مثل شيخ الاسلام بن تيمية أو شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب فيتلوا عليهم نصوص القرآن الواضحة النقية .
ولا يجدون رداً عليهم إلا أنهم خالفوا ما عليه غالبية الناس !! فيصبح الدليل هو فعل الناس وليس القرآن والسنة !! وصدق رسول الله إذ يقول ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ !! ) رواه مسلم .
الفصـــل السادس
الفرق بين
توحيد الأشاعرة
وتوحيد أهل السنة والجماعة
* من الذي أخلف الفاطميين في حكم مجتمعات المسلمين ؟ *
وقد أحسن الأيوبيون في طرد هؤلاء الزنادقة من ديار المسلمين لكن الأيوبيين انخدعوا بمذهب الأشاعرة الذين تأثروا بالفلسفة فجهلوا التوحيد الذي نزل به القرآن وأخذوا عقائدهم من كتب الفلاسفة ولا ذكر عندهم لتوحيد العبادة إنما كلامهم في التوحيد أكثره نفي كقولهم عن الله تعالى ( لا داخل العالم ولا خارجه ) لأجل هذا كان الكلام في كتب العقائد على شرك القبور قليل وإنما بعد خروج الفاطميين كثر الكلام عليه لا سيما عند الحنابلة ( ). الذين كانوا أكثر الفقهاء تمسكاً بمذهب أهل السنة والجماعة حتى في أيام الفاطميين إذ تجد الكلام على شرك القبور مذكوراً في كتاب الفنون – لابن عقيل – وهو مولود 413 هـ ومتوفي 515 هـ يقول فيه ( لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم القبور وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولى افعل بي كذا وكذا أو إلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى قال : وهم عندي كفار – أ هـ نقلاً عن الفوائد الجليلة – للغباشي ص 33 .
قلت : وابن عقيل – اسمه / على بن محمد بن عقيل ولد عام 413 هـ وتوفى 515 هـ ومعنى ذلك أنه رحمه الله سبق ابن تيمية بوقت طويل في إنكار عبادة القبور بل وتكفير القبوريين وأنه رحمه الله قد صدع بالنكير على الشرك وأهله أثناء حكم الفاطميين لأن وفاته 515 هـ والفاطميون الأدعياء خرجوا 660 هـ وفي هذا أبلغ رد على من يقول : إن إنكار عبادة القبور ابتدعه ابن تيمية ولم يسبقه عليه أحد مع العلم أن ابن تيمية مولود 661 هـ رحمه الله رحمة واسعة .
الفصـــل السابع
المغالطات والقياس الفاسد
* المغالطات والقياس الفاسد *
نقلنا عن المالكي في الفقرة السابقة – أنه استدل بأن الصحابة كانوا يسألون رسول الله أن يدعوا لهم مثل الضرير الذي طلب منه الدعاء وتوسل به وكان الصحابة يعين بعضهم بعضاً ثم قال المالكي : أن النبي لم يقل لواحد منهم أشركت .
ثم قال المالكي موجهاً كلامه لعلماء المملكة : ( هل هم أعلم بالتوحيد من رسول الله وأصحابه ؟!! )
* تصحيح المفاهيم في الطلب من الأحياء *
قال العلامة الشيخ / محمد الأمين السويدي الشافعي رحمه الله : ( أن كلامنا فيمن يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وأما فيما عدا ذلك مما يجري فيه التعاون والتعاضد بين الناس وإغاثة بعضهم بعضاً فهذا شيء لا ننكره كما قال الله تعالى :
( .. فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ .. ) [ القصص : 15] بل نعد منعه جنوناً كما نعد إباحة ما لا يقدر عليه إلا الله شركاً وضلالاً – أ هـ - من كتاب العقد الثمين في بيان مسائل الدين – للسويدي واسمه / أبو المعالي على بن محمد بن سعيد ابن أبي البركات السويدي البغدادي – من كبار علماء الحديث في عصره توفى رحمه الله عام 1237 هـ .
* أسئلة ساخرة والإجابة عليها *
وأما قول المالكي : أن النبي لم يقل لواحد من الصحابة الذين طلبوا منه الدعاء ( أشركت ) – وقوله هل هم أعلم بالتوحيد من رسول الله والصحابة – فهذه أسئلة ساخرة تدل على الافلاس من الأدلة الشرعية وليس فيها شيء من العلم النافع ولا الدليل الصحيح – لأن المالكي يعلم جيداً أن موضوع الخلاف ليس على طلب الدعاء من الأحياء ولا مساعدة الناس بعضهم بعضا فيما يقدون عليه – كما أجاب عن ذلك العلامة السويدي وغيره .
وإنما الخلاف في دعاء الأموات والإستغاثة بهم في الشدائد فنحن نقول إن إجابة المضطر في هذه الحالات من اختصاص المولى عز وجل كما قال تعالى : ( أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوَءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الأرْضِ أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّهِ قَلِيلاً مّا تَذَكّرُونَ ) [ النمل : 62] هذا هو دليلنا .
والمالكي يترك النصوص الواضحة بل ويترك موضوع الخلاف لأنه لم ولن يجد دليلاً يسعفه في ذلك ويتهرب إلى مسائل ليس فيها خلاف كدعاء الأحياء بعضهم لبعض والتعاون فيما بينهم ثم يأتي بالسؤال العجيب وهو أن النبي لم يقل لمن طلب منه الدعاء أشركت !! وهل من المعقول أن رسول الله لا يفرق في الحكم بين من يقول – ادع الله لي – ومن يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ؟ وأين الشرك يا مالكي فيمن يطلب الدعاء من أخيه المسلم الحي – حتى يقال له أشركت ؟؟ وأما قوله ساخراً ( هل هم أعلم بالتوحيد من رسول الله وأصحابه ؟ ) فيمكن الإجابة عنه بنفس السؤال ولكن بالدليل الواضح وسؤالنا أن يقال لهم ؟
* هل أنتم أعلم بالتوحيد والشرك من الله ورسوله *
فيقال للمالكي وأنصاره : لقد كان أهل مكة يقرون بأن الله تعالى : (.. بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ .. ) [المؤمنون : 88] وأنه تعالى : ( .. يُدَبّرُ الأمْرَ .. ) [ يونس : 31] ولكنهم كانوا يدعون الأنبياء والصالحين – مثل – عيسى بن مريم – والعزير ومريم عليها السلام – على أساس أنهم لا يملكون لهم النفع والضر ولكنهم يشفعون لهم عند الله في الحياة البرزخية – ومن المعلوم أن مريم – مثلاً – ميتة ولكن لها حياة برزخية عند ربها لأنها مقطوع بصلاحها بنص القرآن الكريم وعيسى عليه السلام نبي من أنبياء الله ولكنه غائب – لا يسمع من يدعوه .
ومع هذه الاعتبارات – فقد حكم الله عز وجل على أهل مكة بالشرك لأجل دعاء هؤلاء الصالحين – وأنتم تعلمون ذلك من القرآن الكريم ومع هذا تقولون – أن دعاء الأنبياء والصالحين بقصد الشفاعة والوساطة ليس فيه شيء من الشرك ولا يخالف التوحيد وتتركون النصوص الواردة في ذلك – وتذهبون إلى القياس على طلب الدعاء من الأحياء وإلى صرف الأدلة إلى المجاز ( ) فهل أنتم أعلم بمعنى التوحيد والشرك من الله ورسوله ؟ !!
* ما حكم دعاء من لا ينفع ولا يضر !! *
هذا السؤال أجاب عنه القرآن الكريم إجابة في غاية الوضوح بقوله تعالى : ( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنّكَ إِذاً مّنَ الظّالِمِينَ ) [ يونس : 106] والمشركون القدماء وكذلك علماء الروافض والمتصوفة يقرون بلا جدال أن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى ومع هذا يدعون أصحاب القبور في الشدائد ولهذا خاطبهم الله تعالى في شخص النبي فقال ( ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن خلعت فإنك إذاً من الظالمين – يعني من المشركين ) لأن الله تعالى يقول : ( إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [ لقمان: 13]
وأزيدك إيضاحاً أن الخليل عليه السلام عندما وجه هذا السؤال لقومه ( قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ، أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرّونَ ) [الشعراء 72 ، 73] لم يقولوا نعم يسمعون الدعاء وينفعون ويضرون وإنما احتجوا فقط بالتقليد فقالوا : ( بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) [ الشعراء : 74]
* الفائــدة *
إن هذا الاقرار الذي يقربه الروافض والشيعة والأشاعرة بأن النافع والضار هو الله ويجعلونه هو التوحيد المطلوب وهو في الحقيقة ما هو إلا زيادة في إقامة الحجة عليهم لأنه إذا أقر العبد أن النافع والضار هو الله وحده ثم التجأ إلى غيره في الشدائد تحت أي بند من البنود مثل التشفع والتوسل ما زاد عن عقيدة المشركين القدماء منذ عهد نوح حتى عهد محمد .
الفصـــل الثامن
شبهات المالكي في الشفاعة
والرد عليه
* شبهات المالكي في الشفاعة *
في ص 165 قال المالكي : زعم بعضهم أنه لا يجوز طلب الشفاعة من رسول الله في الدنيا بل ذهب البعض الآخر إلى أن ذلك شرك وضلال ويستدلون بقوله تعالى : ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً .. ) [ الزمر : 44] وهذا الإستدلال باطل يدل على فهمهم الفاسد وذلك من وجهتين :
أولاً : لم يرد نص لا في الكتاب ولا في السنة ينهى عن طلب الشفاعة من رسول الله في الدنيا .
ثانياً : أن هذه الآية لا تدل على ذلك شأنها شأن غيرها من الآيات التى جاءت لبيان اختصاص الله بما هو ملكه دون غيره وهذا لا ينفي أن يعطيه من يشاء إذا أراد – مثال ذلك قوله تعالى: (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) [ التغابن : 1] مع قوله تعالى (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ) [ آل عمران : 26] وقوله : (فَلِلّهِ الْعِزّةُ جَمِيعاً) [ فاطر : 10] مع قوله تعالى: (وَلِلّهِ الْعِزّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [ المنافقون : 8] ، وكذلك الشفاعة ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) [الزمر: 44] مع قوله تعالى: ( لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمَـَنِ عَهْداً ) [ مريم : 87] حتى قال ( كذلك الشفاعة كلها له سبحانه وقد أعطاها للأنبياء وعباده الصالحين ) أ هـ .
* تصحيح المفاهيم في الشفاعة *
قال تعالى ( وَأَنذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوَاْ إِلَىَ رَبّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٌ لّعَلّهُمْ يَتّقُونَ) [الأنعام : 51] قال بن عباس : (الّذِينَ يَخَافُونَ) هم المؤمنون وقال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) أي هو مالكها فليس لمن تطلب منه شيء منها وإنما تطلب ممن يملكها دون من سواه لأن ذلك عبادة وتأليه لا يصلح إلا لله قال البيضاوي في قوله ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) لعله رد لما عسى أن يجيبوا به وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون ( أ هـ فتح المجيد ص 234 )
قلت : وما أورده المالكي في هذا الباب كله تلبيس للحق بالباطل وبيانه كالأتي :
قوله : لم يرد في الكتاب ولا في السنة دليل ينهى عن طلب الشفاعة من النبي في الدنيا ، نقول : قد ورد كثير من الآيات التى تصف المشركين بالشرك لأنهم طلبوا الشفاعة من الملائكة ومن عيسى بن مريم ومن العزير وغيرهم – كقوله تعالى: (وَكَمْ مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىَ) [ النجم : 26] وقوله تعالى ( قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً ) وهذا كله إجابة لقولهم : أنهم عباد مقربون – وأن الله أعطاهم الشفاعة ونحن نطلب منهم ما أعطاه الله لهم - تماماً مثل ما قال المالكي .
وفعلاً الله سبحانه وتعالى جعل للملائكة شفاعة وجعل لعيسى بن مريم شفاعة وكذلك للصالحين من أمة محمد شفاعة ولرسوله محمد الشفاعة الكبرى – وإنما أخطأ المشركون وجهال أمة محمد في كيفية طلبها .
* ما غاب عن أذهان المالكي وأنصاره في الشفاعة *
لكن الأمر الذي جهله المالكي أو تجاهله أن خلافنا معه ليس في أن الله تعالى أعطى الشفاعة للأنبياء أو الصالحين ولو كان كذلك لما أنكر على المشركين فإنهم طلبوها من عباده المقربين – ملائكة وأنبياء – وعندهم شفاعة فعلاً ولكن الأمر يتعلق بالمشفوع فيه – هل الله يأذن له في شفاعة الأنبياء والصالحين أم لا ؟ - وهذا هو اختصاص الله وحده – أن الأمر الذي يملكه الله وحده هو الإذن في طالب الشفاعة – وليس فيمن أعطاهم الله الشفاعة – فإن هذا الإذن لا يملكه ملك مقرب ولا نبي مرسل – ( مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ ) [ البقرة : 255] (وَكَمْ مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىَ) [ النجم : 26]
ومن ثم فإن المطلوب من المسلم أن يتوجه إلى الله بالدعاء في أن يشفع فيه – الأنبياء والصالحين – وأما أهل الشرك وجهال المسلمين فإنهم يتوجهون مباشرة إلى الموتى والغائبين يطلبون منهم الشفاعة فهذا التوجه هو الذي أنكره الله عليهم – وأما في الدنيا في أثناء حياة رسول الله فهذا جائز لأن رسول الله يدعو وطالب الشفاعة يؤمن .
* قياسات المالكي *
أما قياساته التى يعتمد عليها عندما تحاصره الأدلة فهي بعيدة كل البعد – وإنما ينطلي مثل هذا التلبيس على أنصاره من أصحاب الاتجاه الصوفي ( ) كقوله ( كما أن العزة لله جميعاً – فقد أعطاها لرسوله والمؤمنين ... إلخ ) أ . هـ والــرد :
فإن الله فعلاً أعطى العزة لرسوله وللمؤمنين – أي تكون لهم هيبة في قلوب الكفار كما قال تعالى: ( أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ المائدة : 54] – ونفس السؤال لازال قائماً – الكلام ليس في أن الله أعطى العزة لعباده المؤمنين – ولكن – هل يصح أن تطلب العزة من غير الله لا سيما من الأموات ؟!
هل يصح أن يطلب المسلم من أصحاب القبور أن يمنحوه الهيبة في قلوب الكفار ، أم تطلب من الله الذي قال : ( إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ الّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُواْ الرّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ) [ الأنفال : 12] وكيف يملك أصحاب القبور السيطرة على قلوب الكفار أو إدخال العزة في قلوب المؤمنين ؟!! ومثلها الصفات الأخرى – فإن الله أعطى للمؤمنين – الإيمان والتقوى والشجاعة – لكن لا تطلب إلا من الله – فاتقى الله يا مالكي في هذا التلبيس – هذا بالإضافة إلى أن طلب الشفاعة عبادة والعبادة مبنية على التوقف ( ) وقد شرع لنا رسول الله كيفية الحصول على الشفاعة بالدعاء له بالوسيلة بعد الآذان وأخبر أن من فعل ذلك – حلت له شفاعتي – والصحابة أعلم الناس بشفاعة رسول الله ولم يثبت عنهم أنهم طلبوها منه بعد وفاته – والذي يطالب بالدليل هو الذي يفعل وليس الذي يمتنع حتى يأتيه الدليل .
الفصـــل التاسع
تصحيح المفاهيم
في الحياة البرزخيــة
* النبي يدبر أمور الأمة بعد وفاته !! *
ثم قال المالكي : فإنه حي في الدارين دائم العناية بأمته متصرف ( ) بإذن الله في شئونها !! خبير بأحوالها تعرض عليه صلوات المصلين من أمته ويبلغه سلامهم أ هـ ص 178
* عود لتصحيح المفاهيم في الحياة البرزخية *
أما قوله حي في الدارين فهذا لا اختلاف فيه لكنه قد مر بمرحلة الموت مثل باقي البشر كما في قوله تعالى: ( إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ) [ الزمر : 30]
وخطب الصديق أمام خيار الصحابة فقال : ( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) ( ) وأما كونه يبلغه السلام من أمته عن طريق الملائكة المخصصة لذلك فهذا أيضاً لا خلاف فيه وأما تصرفه في أمور الأمة بعد وفاته فإن كان يقصد أنه يستغاث به ويجيب دعوة المضطر . فدليل القرآن الذي يجعل ذلك شركاً لن يفارقنا وسيبقى إلى يوم القيامة ولن يجد المالكي إلا هذه الدندنة البعيدة عن لب الموضوع وإن كان يقصد أنه يحكم الأمة كحكمه في دار الدنيا بحيث يرد على فتاوى السائلين في الأحكام الشرعية ويفصل بين المتخاصمين كما كان يفعل في الدنيا فهذا جهل عظيم وعندنا من الأدلة على رد هذا الإدعاء من كلام النبي ومن سنة الصحابة العملية ما لا يمكن المكابرة فيه وخذ إليك تقرير ذلك .
* إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك *
روى البخاري وغيره عن ابن عباس عن النبي أنه قال : ( يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدم فأقول كما قال العبد الصالح ( ) : (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) [ المائدة : 117] .
* الـــمستفاد *
قوله ( يقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) دليل واضح في أنه لا يعلم أحوال الأمة بعد موته ويؤكد ذلك قوله : ( فأقول كما قال العبد الصالح (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) [ المائدة : 117] فهذا واضح في أنه مثل المسيح تماماً يكون شهيداً على تصرفاتهم أثناء حياته الدنياوية وأما بعد الوفاة فيكون الرقيب عليهم هو الله وحده وفي هذا رد واضح على المالكي واضرابه الذين يقولون : لا فرق بين حالة في الحياة الدنيا وحالة بعد الموت ( أهم يعرفون الحياة البرزخية أكثر من الأنبياء ؟!! )
* ماذا تفعل الأمة عند خروج الدجــال ؟ *
روى مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان أن النبي قال عن الدجال : ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه ( ) دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم )
* الـــمستفاد *
هذه فتنة الدجال من أشد الفتن على الأمة في دينها وأحوج ما تكون الأمة إلى رسول الله ليحاججه ويظهر دجلة ولو كان يملك لها شيئاً بعد مماته كما يملكه في حال حياته الدنيا لبادر إلى فعله وهو الرؤوف الرحيم بالأمة الحريص على إيصال النفع والخير لها في دنياها وأخراها ولو كانت الإستغاثة به والمجيء إلى قبره بعد وفاته مشروعة لدل أمته عليها .
ولكننا نرى رسول الله يفرق تفريقاً واضحاً بين تصرفه في الحياة الدنيا وبين ما يجب أن تفعله الأمة بعد وفاته . إذ دلهم على الإستعانة بالله والإستعاذة به سبحانه في كل صلاة أن يقيهم الله شر هذه الفتنة وأن على المسلم أن يتعلم العقيدة الصحيحة ويعرف صفات الدجال حتى يستطيع المحاجة عن نفسه .
وبعد : أما آن الأوان للمالكي ولأنصاره أن يصححوا مفاهيمهم على ضوء الكتاب والسنة وعقيدة خيار الأمة ويدعوا ما شربوه من مفاهيم خاطئة عن طريق أهل التصوف مرجعه إلى ما يسمونه ( بالعلم اللدني ) ( ) والكشوفات والمواجيد التى تسببت في إضلال الأمة المحمدية وأوقعتهم في عبادة القبور نسأل الله لهم الهداية .
* سنة الصحابة العملية *
وأما سنة الصحابة العملية فهي من أعظم الأدلة على التفريق بين الطلب من رسول الله في الدنيا وبين حالة بعد وفاته : وقد جرت حوادث عظيمة فلم يذهبوا إليه ليسألوه عن حكمها وقد كانوا في الدنيا لا يفعلون كبيرة ولا صغيرة حتى يسألوه عنها ومن أمثلة ذلك :
1- جاء في صحيح البخاري أن الصحابة أصابهم قحط في عهد عمر رضي الله عنه فخرجوا لصلاة الإستسقاء وقدموا العباس بن عبد المطلب ، وقالوا في دعائهم اللهم إنا كنا إذا أجدبنا استسقينا بنبيك واليوم نستسقي بعم نبيك ) فلوا كان التوسل يجوز بالنبي بعد وفاته ما عدلوا عنه أبداً خاصة وأنهم في شدة وكرب يدعوهم إلى التماس أقرب الوسائل الشرعية إلى الله تعالى ليجيب دعائهم وهذه الواقعة كانت بحضرة جميع الصحابة ولا يمكن ردها بوقائع فردية مروية من طرق ضعيفة .
2- فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد اختلف الصحابة في كيفية التعامل معها حتى وصلوا إلى القتال في موقعة – صفين والجمل – وغيرها التى راح ضحيتها آلاف الأرواح الذكية وكلهم يطلب الحق – فلو كانوا يعتقدون أن رسول الله يدبر أحوال الأمة بعد موته كما كان في الدنيا لسارعوا إليه وعرفوا منه الحق ووفروا هذه الدماء الطاهرة والأموال الطائلة .
3- وقل مثل هذه في مسألة جمع القرآن وجمع الأحاديث الذي استغرق مئات السنين بسبب تفرق الصحابة في مشارق الأرض ومغاربها وكان أصحاب الحديث يسافرون سنين عديدة في شأن هذا المطلب ولو كان الأمر كما يقول المالكي لما وجودا أسهل من الذهاب إليه في قبره وسؤاله عن صحة الحديث ولما كان هناك داعياً لقواعد علم الحديث الذي يعمل به سائر علماء الأمة . ولنا سؤال اخير فى هذا الباب وهو غايه فى الأهميه نطرحه على الصوفيه وحلفائهم –الرافضه – اذاكانوا يعتقدون فعلا انه لافرق بين الحى والميت وان النبى ص يدبر امور الامة بعد موته كما كان يدبرها فى حال حياته: فلماذا يعتقدون بأنه ص اوصى بالخلافة لعلى رضى الله عنه ؟ ولماذا يوصى على لأبنائه؟ اماكان الأولى ان يبقى النبى هو الحاكم للمسلمين الى يوم القيامة؟
فمن أين لك هذه المفاهيم يا مالكي التى لمّ يعرفها الصحابة ولا التابعون ولا خيرة علماء الأمة ؟!!
* الإبدال في أمة محمد *
في ص 99 من كتاب المفاهيم – ساق المالكي هذا الحديث – ليستدل به على جواز التوسل بالأموات وأنه لا فرق بين الحي والميت – عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( لن تخلوا الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن بهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه أخر ) – قال المالكي رواه الطبراني وإسناده حسن .
* التعليق *
من الحكم المأثور عن شيخ الإسلام بن تيمية قوله ( ما استدل مبتدع بدليل صحيح إلا وفي دليله رد عليه )
قلت : رحم الله شيخ الإسلام لقد أصاب كبد الحقيقة ، ويكفينا من الأدلة على صدق هذه الحكمة – استدلال صاحبنا – المالكي – فإن المسكين اضطرته الحاجة الملحة للرد على علماء المملكة فأتي بهذا الحديث ولم يفطن إلى أخره وهو قوله : ( ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه أخر ) فلعله أعجب بقوله ( فبهم تسقون وبهم تنصرون ) ونسى أن المراد ( بدعائهم تسقون وتنصرون ) – وهذا لا خلاف فيه – ولكن لو كان لا يوجد فرق بين الأحياء والأموات من هؤلاء الصالحين – لما كان هناك حاجة للتبديل وإحلال الحي مكان الميت !! وقد صدق من قال ( ولن يصح في الأهان شيء إذا احتاج ضوء الشمس إلى دليل )
ومثله أيضاً – حديث جابر ( إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته حوله ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم – أورده المالكي أيضاً ص 98 – واحتج به على التوسل بالأموات مع أن المقصود الرجل الصالح الحي الذي يصلح أهله بالدعاء لهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما دام فيهم – أي ما دام حياً وإلا لما كان هناك حاجة إلى قوله : (ما دام فيهم )
* الفقرة الثالثة *
* أفعـــال العبــاد *
في ص 109 قال المالكي : ( لأن الاعتقاد الصحيح اعتقاد أن الله تعالى هو الخالق للعباد وأفعالهم ( ) لا تأثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت فهذا الاعتقاد هو التوحيد )
* تصحيح المفاهيم في خلق أفعال العباد *
* هذا توحيد الجبرية *
قال الحكماء : ما زاد عن حده انقلب إلى ضده – وهي حكمة صائبة تنطبق تمام الانطباق على المالكي وأضرابه : إذ لما أعياهم وجود الدليل الواضح من القرآن والسنة وأغاظهم علماء التوحيد بالبراهين الواضحة على تحريم دعاء الأموات والغائبين والأدلة الواضحة على التفريق بين تصرفات العبد في حياته وما يجب نحوه بعد موته لجأوا إلى مسألة خلق أفعال العباد – وهي بعيدة عن هذا الموضوع ثم غالوا فيها حتى وقعوا في مذهب الجبرية المبتدعة ! وهي إحدى فرق الضلال التى تجرد العبد من المشيئة والإختيار .
* مقصد المالكي من هذه الدندنة *
ومقصود المالكي : أنه إذا أثبت أن الحي ليس له مشيئة ولا اختيار فيكون مثل الميت – ثم يصل إلى مرغوبه الذي يصبوا إليه ليصح له القياس الفاسد الذي يدندن حوله من أول الكتاب إلى آخره وهو أنه ما دام لا فرق بين الحي والميت إذن يجوز الإستغاثة بالميت واللجوء إليه قياساً على الحي ولكن مهما دندن ومهما أرهق نفسه في التأويلات والقياسات واللجوء إلى مذاهب الفرق الضالة فالتحدي ما زال قائماً – إذ لا اجتهاد ولا قياس مع وجود النص الصريح الذي نزل في الذين يدعون عيسى ومريم والعزير .
( وَمَنْ أَضَلّ مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَن لاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ، وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [ الأحقاف : 5 ، 6]
الفصـــل العاشر
تصحيح المفاهيم
في التوحـــيد الـــصحيح
* تصحيح المفاهيم في التوحيد الصحيح *
لا يمكن لأحد أن يفهم التوحيد الصحيح حتى يفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد العبادة واسمه توحيد الألوهية – بغير هذا التفريق لا يمكن فهم التوحيد فهماً صحيحاً ( ).
* توحيد الربوبية *
فيرسمون سهماً نازلاً من أعلى إلى الأسفل هكذا ويقولون : هذه أفعال الرب كالرزق والخلق والإيجاد وتدبير أمور الخليقة وإنزال المطر ونحوها .
* توحيد الربوبية *
* هو حجة الرسل على توحيد العبادة أو الألوهية *
لقد كان الرسل عليهم السلام يتخذون من إقرار المشركين بأن الله هو الخالق والرازق ومدبر الأمور حجة على المشركين في توحيد العبادة – أي – يقولون لهم ما دمتم أقررتم بأن الله هو الذي بيده كل شيء وهو صاحب الرزق والنعمة فلماذا تدعون غيره وتعبدون غيره ؟ فليجأ المشركون إلى الاحتجاج بالوساطة والشفاعة .كمثل قوله تعالى:
- (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [لقمان : 25]
- ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلْ أَفَرَأيْتُم مّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللّهُ بِضُرّ هَلْ هُنّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكّـلُ الْمُتَوَكّلُونَ) [الزمر : 38]
- ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ أَمّن يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَن يُدَبّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ ، فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمُ الْحَقّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلاّ الضّلاَلُ فَأَنّىَ تُصْرَفُونَ ) [يونس: 31 ، 32]
قال بن كثير رحمه الله : يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانية وربوبيته على وحدانية إلاهيته وساق الآيات المذكورة من سورة يونس ثم قال : لذلك ( يقولون الله ) – أي – وهم يعلمون ويعترفون به : ( فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ) أي أفلا تخافون منه أن تعبدون معه غيره بأرائكم وجهلكم أ هـ ح ص 416 وهكذا كان الأنبياء يقيمون عليهم الحجة بهذا الاعتراف بالربوبية على وجوب توحيده الألوهية والعبادة .
* توحيد العبادة حق لتوحيد الربوبية *
وأما توحيد العبادة فيرسمون له سهماً صاعداً هكذا تعبر عن أفعال العباد الصاعدة لأعلى وأن توحيد العبادة هو حق الله على عباده واستحقه سبحانه بأفعاله التى أسداها لهم فهو خلقهم ورزقهم وسخر لهم ما في السماوات والأرض فكان من حقه عليهم أن يوحدوه بأفعالهم وهو ثمرة الاعتراف بالربوبية وأما مجرد الاعتراف بأنه وحده الخالق والموجد من العدم وصاحب الرزق ومالك النفع والضر ومع هذا الاعتراف يدعى غيره ويرجى سواه ممن لم يفعلوا لهم شيئاً ولا يملكون لهم شيئاً فهذا هو سبب ضلال المشركين – وبين الله تعالى هذه المعاني بقوله تعالى: ( يَاأَيّهَا النّاسُ اعْبُدُواْ رَبّكُمُ ) هذا الجزء هو توحيد العبادة ثم يبين سبحانه سبب استحقاقه للعبادة وحده – فيقول : (الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ) [البقرة : 21] ثم يعدد سبحانه أفعاله الربوبية التى استحق بها العبادة على خلقه فيقول : (الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [ البقرة : 22] ثم نهاهم عن إعطاء حق الله لغيره واتخاذ أنداداً له يدعونهم كما يدعوه ويخافون منهم كما يخافون منه سبحانه ويحبونهم كما يحبوه ويعظمونهم كما يعظموه فقال سبحانه : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .
قال ابن كثير رحمه الله : ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ولهذا قال : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال : قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ) ثم ساق رواية محمد بن اسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قال : أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التى لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره [ أ هـ ح 2 57 ]
الفصـــل الحادي عشر
يعرفون نعمة الله
ثم ينكرونها
* يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها *
قال تعالى: ( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) [ النحل : 83] قال ابن كثير رحمه الله : ( أي يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره . [ أ هـ ح ص – قلت : فدلت هذه الآية وغيرها على أن المشركين كانوا يعترفون أن الخلق والرزق والتدبير وإنزال المطر وإغاثة المضطر كل هذا من الله – وهذا هو الإقرار بالربوبية .
وهو ما يسمى توحيد الله بأفعاله أي الإقرار والاعتراف أنه فعل ذلك وحده وأما ثمرة هذا الإقرار وحق هذه النعم وهو أفعال العبادة من صلاة وسجود ودعاء وتضرع وذكر وشكر ونذور وقرابين والتحكيم فيما شجر بينهم فإنهم لا يوحدون الله فيها – وهذا النوع من التوحيد الذي أنكره الله على المشركين هو التوحيد الذي يدافع به الأشاعرة والصوفية عن عباد القبور وعندهم أن اعتراف الناس بأن صاحب النعم والإيجاد هو الله يشفع لهم في توجيه الدعاء والإستغاثة والنذور إلى الأنبياء والصالحين على سبيل الوساطة والشفاعة !! – كقول زيني الدحلاني : إذ قال العامي نفعني رسول الله أو أغاثني إنما يريد الاسناد المجازي والقرينة أنه مسلم موحد لا يعتقد التأثير إلا لله !! أ هـ الدرر السنية ص 51 ، وقال المالكي : ( والخلاصة أنه لا لا يكفر المستغيث إلا إذا اعتقد الخلق والإيجاد لغير الله ) ص 193
وينقلون حكاية عن الشيخ محمد عبده والشيخ الظواهري وخلاصتها أن الأول أنكر على الثاني أفعال العوام عند ضريح البدوي فاحتج عليه الظواهري بأنهم يعرفون أن الخالق والرازق هو الله ولكن هؤلاء وسطاء وشفعاء
* توحيد الخميني *
سبحانك ربي ما وجدت بدعة شركية أو كفرية إلا ويتفق فيها الصوفية مع الروافض ويحتجون بنفس الشبهات التى يحتج بها الروافض – اللهم إلا مسألة تكفير الصحابة وخاصة الشيخين أبو بكر وعمر فانظر إلى زنديق الروافض – الخميني في تعريفه للتوحيد والشرك إذ يقول : ( إن الشرك هو طلب الحاجة من غير الله مع الاعتقاد أن هذا الغير هو إله ورب وأما طلب الحاجة من الغير من غير هذا الاعتقاد فذلك ليس شرك ولا فرق في هذا المعنى بين الحي والميت ) !! كشف الأسرار – للخميني ص 30 ونحن نقول :
* بشري لأبي جهل وإخوانه !! *
قد تقدم إقرار المشركين بأن صاحب الخلق والرزق وتدبير الأمور وإنزال المطر وإغاثة المضطر هو الله وحده فإذا كان مثل هذا الإقرار يعتبر توحيداً أو قرينة على التوحيد مهما استغاث صاحبها بالمخلوقين فبشرى لأبي جهل وإخوانه بتوحيد الأشاعرة والصوفية المبتدع ولماذا لا يعتذرون لهم ( )وخاصة إن المالكي جزم بأن المستغيث لا يكفر إلا إذا اعتقد الخلق والإيجاد لغير الله !!
* شبهة الإسناد المجازي *
أما قول الدحلاني والمالكي : أنهم يريدون الإسناد المجازي : فهذا تلبيس ذميم لأنه لم يثبت في اللغة ولا في الشرع صحة الإسناد المجازي - عند القائلين به – إلا بوجود دور لمن يسند إليه الفعل – كما في قول فرعون : ( وَقَالَ فَرْعَوْنُ يَهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لّعَـلّيَ أَبْلُغُ الأسْبَابَ) [ غافر : 36] ومن المعلوم أن هامان وزير لا يبني بنفسه ولكن دوره دور الآمر فيسند له الفعل بهذا الدور –
ولما قال بعض الصحابة ( مطرنا بنوء كذا ) وهم يعلمون جيداً أن منزل المطر هو الله وحده ولكنهم يقصدون التوقيت – فقال الله تعالى ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ، أما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال – مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) وذلك لأن الكوكب ليس له أي دور إلا التوقيت – ولم يكن الصحابة استغاثوا بالكوكب ولا دعوه فإذا عرفت هذا – فإذا سقطت طائرة مثلاً – بإنسان أو غرقت سفينة في الماء واستغاث بالبدوي أو عبد القادر أو غيره فأي دور لمثل هؤلاء في مثل هذه الحالات حتى نسند إليهم النجاة على سبيل المجاز ؟ ولهذا من استغاث بمخلوق في هذه الحالات مع اعتقاده أن الذي أنجاه هو الله يكون مثل الذين :( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا ) لأن ثمرة هذا الإقرار بهذه النعمة يكون قد أخذها المخلوق فخشوع القلب وتوجه الوجه وذكر اللسان ورفع أكف الضراعة كل هذه الجوارح اتجهت نحو المخلوق الذي لا يملك نفعاً ولا ضراً وليس لله أي شيء في توحيدهم المبتدع إلا المعرفة العقيمة التى لا ثمرة لها – لذلك كان القرآن الكريم ينكر على المشركين فقط نسبة هذه الأفعال التى تفوق قدرة المخلوق وتنقطع فيها الأسباب العادية إلى المخلوقين – كقوله تعالى: ( قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـَذِهِ لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ ، قُلِ اللّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) [ الأنعام – 63 ، 64] ولم يرد في القرآن ولا في الحديث أن الله تعالى أنكر على أحد خلقه التسبب العادي بل هذا جائز بلا خلاف .
الفصـــل الثاني عشر
معنى الإله
في اللغة وفي الشرع
* معنى الإله في اللغة وفي الشرع *
قال الزمخشري :( الإله من أسماء الأجناس كالرجل والفرس - يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق )
وقال شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله - : ( الإله المعبود المطاع وهو الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه – أ هـ باختصار ( فتح المجيد ) ص 42
* الإلوهية بين الحق والباطل *
الذي ذكره الزمخشري – هو التعريف اللغوي للإله ولذلك لما عبد المشركون الأصنام والقبور وقصدوها بالدعاء والسجود والنذور صارت تسمى ( آلهة ) لأن قلوبهم ولهت بحبها والخوف منها وتوجهت إليها جوارحهم بالعبادات فألهت وأخذت اسم آلهة من الناحية اللغوية كما قال تعالى : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـَكِن ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لّمّا جَآءَ أَمْرُ رَبّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) [ هود : 101]
وأما الإله الحق فلا يصدق إلا على من يتصف بأفعال الربوبية كالقدرة على الخلق من العدم والرزق وتدبير الأمور وإنزال المطر ونحوها – وهذا لا يكون إلا لله وحده – لذلك فهو سبحانه وحده الذي يستحق العبادة – ومن هنا فالألوهية الحقيقية تتضمن الربوبية – كما جاء في سؤال الملكين ( من ربك ؟) يعنيان من خالقك ومعبودك ؟ وكما في آية الميثاق (وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـَذَا غَافِلِينَ ) [ الأعراف : 172] أما الألوهية الباطلة فلا تتضمن الربوبية لأن من صرفت له العبادات وتأله بالباطل لا يفعل شيئاً من أفعال الرب الحقيقي ولذلك بكتهم القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مّن قَبْلِ هَـَذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [ الأحقاف: 4]
* العبرة عند الله بالحقائق لا بالمسميات *
الكثير ممن يدافع عن عباد القبور يقولون : إن المشركين الأوائل كانوا يعبدون الأصنام والقبور ويسمونها ( آلهة ) أما عوام المسلمين اليوم فلا يعبدون إلا الله ولا يقولون عن أصحاب القبور أنهم آلهة فكيف تسمونهم عباد قبور وتتهمونهم بتأليه البشر ؟
نقول : قد سبق تعريف معنى الإله بأن كل من قصده الناس بالدعاء أو النذور أو أي نوع من العبادات وسبق تعريف معنى العبادة وأن الدعاء من أفضل العبادات . هذا أولاً ، وثانياً العبرة في الشرع بالحقائق وليس بالمسميات .
* التبرك بالشجر أو الحجر *
مثال ذلك – حديث أبي وافد الليثي – وفيه أن بعض مسلمي الفتح رأوا المشركين يعلقون أسلحتهم على شجرة يقال لها ذات أنواط ويزعمون أن ذلك يجلب لهم النصر فقال المسلمون : يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط – فقال رسول الله قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اجْعَلْ لّنَآ إِلَـَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) .
ووجه الاستدلال بهذه القصة – أن الصحابة لم يقولوا اجعل لنا إلهاً ولكن – قالوا اجعل لنا ذات أنواط – أي شجرة نعلق عليها أسلحتنا لكن لما كانت حقيقة طلبهم هو التبرك بهذه الشجرة ومظنة حصول النصر منها – سمى رسول الله فعلهم طلب إله من دون الله وإن لم يصرحوا بذلك .
* عبادة الأحبار والرهبان *
ومثله حديث عدي ابن حاتم وفيه أن النصارى كانوا يطيعون الأحبار والرهبان في تحليل الحرام وتحريم الحرام – ولا يظنون أن هذه الطاعة تعتبر عبادة لهؤلاء العلماء فأنزل الله تعالى قوله : (اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُوَاْ إِلَـَهاً وَاحِداً لاّ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) [ التوبة : 31] .
ولما قال عدي : يا رسول الله : لسنا نعبدهم ؟! فقال رسول الله أليسوا يحرمون عليكم الحلال ويحلون لكم الحرام فتطيعونهم ؟ قال بلى قال : فتلك عبادتكم لهم ) ولا شك أن الذي يدعو غير الله أو ينذر له كذلك يعتبر عبده من دون الله واتخذه إلهاً وإن لم يسمى فعله عبادة أو معبودة إلهاً .
* هل فعل واحد من أفعال الشرك يهدم الإسلام *
وقد يسأل سائل ويقول : فعلاً الدعاء – مثلاً – عبادة – وصرفه لغيره الله شرك ولكن الذين يفعلون ذلك ينطقون الشهادتين ويصلون ويصومون ويؤمنون باليوم الآخر والأنبياء والكتب كلها فهل صدور فعل واحد ممكن يهدم هذا كله ويجعل فاعله مشركاً وما هو الدليل على ذلك ؟ نقول نعم فعل واحد من أفعال الشرك إذا فعله المسلم يهدم إسلامه ويجعله مشركاً ولكن بشرط أن تكون الحجة مقامة عليه بأن هذا الفعل شرك ثم يصر على فعل الشرك ( ) – والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى .
والله سبحانه قد خاطب المسلمين في شخص رسوله محمد فقال: ( وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [الزمر : 65] وقال عن الأنبياء : (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 88] والأوضح من هذا أنه عندما نزل قوله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنّهُ لَفِسْقٌ ) [ الأنعام: 121] أورد المشركون شبهة على بعض الصحابة فقالوا لهم : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله فما قتل الله لا تأكلونه وما ذبحتم أنتم تأكلونه ؟ فوقع في أنفس بعض المسلمين شيء من هذه الشبهة فأنزل الله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنّهُ لَفِسْقٌ وَإِنّ الشّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىَ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) [الأنعام : 121] قال بن كثير رحمه الله أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتموه عليه فهذا الشرك كقوله تعالى (اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ ) [ التوبة : 31] أ هـ ج - 2 ص – 171 .
قلت : وفي هذا أبلغ رد على من يقول : أن المسلم لا يصير مشركاً بفعل واحد – لأن هؤلاء المسلمين الذين وقعت عندهم هذه الشبهة كانوا يؤمنون بالله وكتبه ورسله ويؤدون الفرائض التى فرضت عليهم في وقتها بل كانوا وقتها في مكة والذين أسلموا بمكة لا يوجد فيهم منافق لأن النفاق ظهر في المدينة بعد الهجرة – ومع هذا لما ترددوا لأجل هذه الشبهة أنزل الله تعالى( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) ومثل هؤلاء الذين يطيعون الفرنجة في تحكيم القوانين الوضعية التى يحلون بها الحرام ويحرمون الحلال وكذلك الذين يطيعون رؤساء القبائل والعشائر في تقديم العادات والتقاليد على الشرع المنزل وفيه رد على الأشاعرة الذين يزعمون أن الشرك هو فقط اعتقاد التأثير استقلالاً من دون الله – فإن هؤلاء الصحابة لم يكن عندهم شيء من هذا وكذلك زعم الأشاعرة أن الشرك هو قول القائل : السكين تقطع !! والماء يروي !! والأكل يشبع ...... إلخ هذه السفسطة التى لم ينزلها الله سبحانه في كتبه ولا عرفها أحد من رسله وما زالت البشرية كلها تقول ذلك من لدن آدم حتى عهد رسول الله محمد وما سمعنا ولا قرأنا عن رسول من الرسل ولا في كتاب من الكتب المنزلة من عند الله أنهم قالوا لأقوامهم إذا قلتم – السكينة تقطع أو الأكل يشبع أشركتم !! ( ) والغرابة أن الأشاعرة مع هذه السفسطة التى يرون أنها شرك - لا ينكرون حتى شرك الربوبية – كدعواهم أن الأولياء يتصرفون في الكون فضلاً عن شرك العبادة كدعاء الأموات والغائبين !! .
* منهج الخوارج في تفسير القرآن *
وقد يقول قائل : لقد ورد في البخاري عن ابن عمر أنه قال عن الخوارج : أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في المشركين وأهل الكتاب فجعلوها في المسلمين . فما هو الرد على هذه الشبهة عند السلفيين ؟
* رد السلفيين *
إن ابن عمر رضي الله عنه أنكر عليهم لأنهم أنزلوا الآيات في غير موضعها وقصدوا بها تكفير أمير المؤمنين على رضي الله عنه لأنه لم يطاوعهم في معاملة أهل الشام معاملة المشركين في الحرب مثل سبي النساء وغنم الأموال وغيرها فجعلوا يسوقون له الآيات التى نزلت في أحكام قتال المشركين مع النبي وقد جادلهم ابن عباس رضي الله عنه وكان ضمن رده عليهم أن قال لهم : ( أيكم يرضى أن تكون عائشة من نصيبه ؟ فرجع الكثير منهم وبعضهم لم يرجع والحاصل أن الخوارج كانوا جهلة لا يفرقون بين أحكام قتال المسلمين البغاة وقتال الكفار الأصليين فكانوا ينزلون آيات القرآن التى نزلت في قتال المشركين وأهل الكتاب على قتال البغاة ولا يعني ذلك أن المسلم إذا فعل فعل المشركين أو أهل الكتاب لا يرد عليه بالنصوص التى نزلت في الكفار فعلى سبيل المثال :
لو وجدنا مسلماً أكل ميراث النساء وإذا أنكرنا عليه سأل عن الدليل فنقول له قال الله تعالى: ( وَتَأْكُلُونَ التّرَاثَ أَكْلاً لّمّاً ) [الفجر : 19] فهل يصوغ لقائل أن يقول هذه نزلت في المشركين ومن استدل بها صار مثل الخوارج ؟!
ومثلها إذا قتل مسلماً بنته مخافة النفقة أو لأنه يكره الإنثى واستدل من نصحه بقول الله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [ التكوير – 8 ، 9] هل يكون هذا الناصح مثل الخوارج ؟!
ويكفينا أن النبي قال لأصحاب ذات أنواط : قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اجْعَلْ لّنَآ إِلَـَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) [ الأعراف : 138] وهي نزلت في أهل الكتاب فهل يكون النبي على مذهب الخوارج ؟!! حاشا رسول الله وإنما هي أهواء وشبهات يرددونها للتشويش على دعاة الحق .. ولله الأمر من قبل ومن بعد .
* هل الصوفية ينكرون تكفير المسلمين *
المطلع على كتابات ودروس شيوخ ومنظري الصوفية لا يجد لديهم شغلاً يشغلهم إلا تحذير المسلمين ممن يسمونهم بالوهابية لا سيما رجال الطريقة العزمية ويعللون هذه الكراهية وهذه الحملات المعادية للسلفيين بأن الوهابية يكفرون المسلمين !! مع أن علماء السلف من اشد الناس نهياً عن تكفير المسلمين حتى لو فعلوا أفعالاًَ شركية راجع مثلاً – الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج3 ص229 وراجع روضة ابن غنام ج1 ص179 وهو يحكي قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب – لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر الجيلاني والبدوي لأجل جهلهم ) وإنما كل ما في الأمر أنهم – علماء السلف – يحذرون الناس من دعاء غير الله تماماً مثل ما جاء في الكتاب والسنة والظاهر أن التصريح بالانكار على دعاء القبور وبنائها والنذر لها يتسبب لزعماء الصوفية في قطع الأتاوات التى يدفعها الجهال في صناديق النذور وهي تدر عليهم ربحاً طائلاً هذا بالاضافة إلى المنزلة العالية التى يكنها لهم الجهال من تقبيل الأيدي والأرجل والتبجيل والتعظيم – هذه العوامل من شهوات النفوس التى تجعل هؤلاء الزعماء يتمادون في غيهم كما قال تعالى عن أهل الكتاب : ( يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّ كَثِيراً مّنَ الأحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) [ التوبة : 34] قال ابن كثير : وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس – كما كان لأحبار اليهود غير المشركين شرف ولهم عندهم خراج وهدايا وضرائب تجيء إليهم فلما بعث رسول الله استمروا في ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعاً منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات فأطفأها الله بنور الإسلام ... وعوضهم الذل والصغار ) تفسير ابن كثير ج2 ص 350
ونحن وإن كنا لا نكفر هؤلاء الزعماء لمظنة الجهل إلا أننا نرى منهم مواقفاً مع أخرين يصرحون بتكفير المسلمين بل حتى خيار الصحابة ولا نجد لهؤلاء الزعماء أي إنكار لا في دروسهم ولا في كتبهم .
فنجد مثلاً أهم مراجع الشيعة هو كتاب الكافي – للكليني – وهو مثل البخاري عندنا – نجد فيه رواية تقول : كان الناس بعد رسول الله أهل ردة إلا ثلاثة – سلمان الفارسي – وأبو ذر الغفاري – والمقداد بن الأسود – روضة الكافي ج1 ص 246 وهذا أكبر مرجع عند الشيعة المسمى ( نعمة الله الجزائري ) يقول عن أهل السنة : أنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية – الأنوار النعمانية ص 206
ومع هذا نجد شيوخ وزعماء الطريقة العزمية يمدحونهم ويقولون عنهم أنهم علماء آل البيت وإن شئت راجع كتاب ( شبهات حول الشيعة ) إصدار الطريقة العزمية ستجد الحملة المسعورة على علماء السلفية حتى أنهم يسمون كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب باسم إنجيل الوهابية !! وتجد هذا على الغلاف الخارجي لكتابهم المسمى ( شهبات حول الشيعة ) وليس في كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا آيات القرآن وأحاديث النبي التى تحذر من دعاء غير الله !!
في الوقت الذي تجد فيه المدح والثناء على علماء الشيعة ووصفهم بأنهم أئمة آل البيت – مثل المجلسي والمفيد والجزائري – وكلهم يكفرون خيار أمة محمد .
فما هو السبب في هذه المواقف إن لم يكن الحرص على الزعامة والمناصب ولو على حساب الباطل ؟!!
* الخاتمة *
هذا ما أمكن جمعه في هذه العجالة فإن كان صواباً فمن الله وحده وله الحمد والمنة وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان وأسأل الله المغفرة والعفو وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وعلى صحبه أجمعين .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
عثمان القطعاني
أما قول الدحلاني والمالكي : أنهم يريدون الإسناد المجازي : فهذا تلبيس ذميم لأنه لم يثبت في اللغة ولا في الشرع صحة الإسناد المجازي - عند القائلين به – إلا بوجود دور لمن يسند إليه الفعل – كما في قول فرعون : ( وَقَالَ فَرْعَوْنُ يَهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لّعَـلّيَ أَبْلُغُ الأسْبَابَ) [ غافر : 36] فيسند له الفعل بهذا الدور – ولما رمى رسول الله الكفار بالحصباء وأوصلها إلى الله وجوههم نفى الله إسناد الفعل إلى رسوله لأن دوره كان ضعيفاً : ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ رَمَىَ) [الأنفال : 17] ومثله عندما قاتل الملائكة في غزوة بدر وقتلوا بعض الكفار نفى الله قتلهم عن الصحابة : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ رَمَىَ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلآءً حَسَناً إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ولما قال بعض الصحابة ( مطرنا بنوء كذا ) وهم يعلمون جيداً أن منزل المطر هو الله وحده ولكنهم يقصدون التوقيت – فقال الله تعالى ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ، أما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال – مطرنا بنوء كذا فذلك كافر في مؤمن بالكوكب ) وذلك لأن الكوكب ليس له أي دور إلا التوقيت – ولم يكن الصحابة استغاثوا بالكوكب ولا دعوه فإن عرفت هذا – فإذا سقطت طائرة مثلاً – بإنسان أو غرقت سفينة في الماء واستغاث بالبدوي أو عبد القادر أو غيره فأي دور لمثل هؤلاء في مثل هذه الحالات حتى نسند إليهم النجاة على سبيل المجاز ؟ ولهذا من استغاث بمخلوق في هذه الحالات مع اعتقاده أن الذي أنجاه هو الله يكون مثل الذين :( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا ) لأن ثمرة هذا الإقرار بهذه النعمة يكون قد أخذها المخلوق فخشوع القلب وتوجه الوجه وذكر اللسان ورفع أكف الضراعة كل هذه الجوارح اتجهت نحو المخلوق الذي لا يملك نفعاً ولا ضراً وليس لله أي شيء في توحيدهم المبتدع إلا المعرفة العقيمة التى لا ثمرة لها – لذلك كان القرآن الكريم ينكر على المشركين فقط نسبة هذه الأفعال التى تفوق قدرة المخلوق وتنقطع فيها الأسباب العادية إلى المخلوقين – كقوله تعالى: ( قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـَذِهِ لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ ، قُلِ اللّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) [ الأنعام – 63 ، 64] ولم يرد في القرآن ولا في الحديث أن الله تعالى أنكر على أحد خلقه التسبب العادي بل هذا جائز بلا خلاف كقوله تعالى : ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىَ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـَذَا مِنْ عَدُوّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىَ فَقَضَىَ عَلَيْهِ قَالَ هَـَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَدُوّ مّضِلّ مّبِينٌ) [ القصص : 15]
نصوص لا نسمعها من
أصحاب العمائم السوداء
1- على يمدح الفاروق
جاء في نهج البلاغة أن أمير المؤمنين رضي الله عنه قال : ( لله بلاء – فلان – يريد الفاروق – قوم الأمد وداوي العمد ترك الفتنة وأقام السنة ذهب نقى الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه ) نهج البلاغة ص404 طبعة الشروق الدولية – القاهرة
** تعليق **
1- على كثرة مشاهدتي لعمائم الروافض وهم يخاطبون جماهيرهم ما سمعت يوماً ولا أتصور أن أسمع عمامة من هؤلاء يتفوه بهذا الكلام الأبيض الناصع اللائق بموقف أمير المؤمنين من صحابة رسول الله المؤيد بنصوص القرآن الكريم لأن أفواههم قد تنجست بروايات السبئية الأشرار فلا يستطيعون النطق بهذه الروايات الطاهرة لا يستطيعون النطق بأن على ابن أبي طالب يقول عن عمر ابن الخطاب (ذهب نقي الثوب قليل العيب خلف الفتنة وأصاب السنة أصاب خيرها وسبق شرها ) لا يستطيع أحد منهم أن يذكر هذه الممادح وقد شحن قلوبهم بالكراهية والغيظ بالروايات السبئية بأن عمر حرق بيت فاطمة وأسقط جنينها وكسر ضلعها حتى ماتت متأثرة من ضرباته الموجعة .
لا يستطيع أحد منهم ذكر هذه الممادح وإلا قد يقال لهم : كيف يقول أمير المؤمنين عن عمر بأنه أصاب السنة وأنه نقي الثوب قليل العيب وفي نفس الوقت حرق بيت بنت النبي وكسر ضلعها وأسقط جنينها حتى ماتت متأثرة بضرباته الموجعة .
موقف العمائم من مدح أمير المؤمنين لأخيه الفاروق
أما في الخطب العلنية على منابر الحسينيات أو شاشات الفضائيات فلا يبوح أصحاب العمائم بمثل هذه المدائح أبداً وأما في بطون الكتب إذا اضطروا إلى الوقوع في مثل هذه النصوص فإنهم إما يفسرونها تفسيراً متعسفاً لا يستقيم مع مفهوم اللغة العربية ولا مع تصرفات آل البيت العملية – مثل المصاهرة فيما بينهم وبين الصحابة أو تولى المناصب في حكوماتهم أو تسيمة أولادهم بأسماء الخلفاء فإذا لم يمكنهم التفلت منها حملوها على التقية وإن لم يمكنهم ذلك طعنوا في صحة هذه النصوص ولو كانت في أوثق مصادرهم !! ... وخذ إليك هذه النماذج
1- ميثم البحراني المتوفي 679 هـ
قال : أعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤلاً فقالوا : إن هذه الممادح التى ذكرها أمير المؤمنين في حق أحد الرجلين أبو بكر أو عمر تنافى ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة فإما أن يكون هذا الكلام ليس من كلام أمير المؤمنين وإما أن يكون إجماعنا خطأ ؟! ومنهم من حمل هذا الكلام على التقية وإنما أراد به استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين .. شرح نهج البلاغة ج4 ص 58
** التعليق **
هكذا فعلت قاعدة ابن سبأ فيهم حتى النص الواضح لابد من تأويله بما يتفق مع هذه القاعدة الخبيثة حتى أنهم شككوا في كتاب نهج البلاغة الذي اتفقت على صحته سائر فرقهم لكن عندما ينسف مذهب ابن سبأ هناك تأتي الحيرة والشك ويقولون : إما أن يكون هذا الكلام ليس كلام على أو إجماعهم خطأ .
ونحن نقول : وما المانع أن يكون إجماعكم خطأ ؟ لأنه مخالف للقرآن ومخالف للسنة ومخالف لمصادر الشيعة نفسها .
وكيف يحمل على التقية وقد قال هذا الكلام وهو متربع على عرش السلطة وكيف يريد به إصلاح من يعتقد في صحة خلافة الشيخين وعندهم أن هذه العقيدة كفر ؟ كيف يكون إقرار الكفر إصلاحاً !! وسيأتي أن علياً رضى الله عنه لا يعمل بالتقية أبداً .
أم كلثوم جنية !!
ومن أبرز علامات المودة والمحبة بين عمر وعلى رضي الله عنهما أن علياً زوج بنته أم كلثوم لعمر رضي الله عنه لكن طائفة ابن سبأ ضاقت بهم السبل إذ لو اقروا بذلك لزمهم أن أمير المؤمنين على زوج بنته لمرتد – في نظرهم – وخالف صريح القرآن الكريم : (.... وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتّىَ يُؤْمِنُواْ ... ) [ البقرة : 221] ففكروا وقدروا وقتل كيف قدروا ثم نظروا ثم عبسوا وبصروا ثم قالوا : هذا فرج غصبناه أي ان عمر اغتصب بنت على بالقوة أو أن على كان يداهن عمر مع اغتصابه لابنته ! ونسبوا هذا العار إلى كلام جعفر الصادق – فروع الكافي ج2 ص10 ..... ثم عرفوا أن هذا الرد فضيحة مكشوفة فاخترع النعمان الجزائري رداً خرافياً فقال : إنما زوجة جنية في صورة أم كلثوم !! الأنوار النعمانية ج1 ص 83
** التعليق **
أرأيت كيف يتفلتون من كل دليل يجمع بين الصحابة وآل البيت لتستمر الفتنة والتفرقة بين المسلمين تبعاً لإمامهم الأعلى عبد الله ابن سبأ الذي أوقد نار الفتنة التى قتل فيها عثمان ثم كان يؤججها كلما خمدت بين أصحاب على وأصحاب معاوية قاتله الله ولعنه ولعن من يسير على منواله إلى يوم الدين .
2- ابن ابي الحديد
اسمه / عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد ولد بالمدائن عام 586 هـ وكان حظياً عند الوزير ابن العلقمي وفوض إليه أمر خزائن الكتب وكان شيعياً إمامياً لكنه يثبت الإمامه وأصولها على طريقة المعتزلة وكان يمدح علياً قائلاً
ورأيت دين الاعتزال وأنني أهوى من أجلك كل من تشيع
يراجع كتاب – المناظرات في الإمامية – لـ عبد الله ابن الحسن – باب مناظرة ابن ابي الحديد مع النقيب العلوي ، ومع تعصب ابن أبي الحديد إلا أنه من أكثرهم إنصافاً والحق يقال .
يقول ابن أبي الحديد – في شرحه لقول أمير المؤمنين ( لله بلاء فلان ) قال فلان المكني عنه هو عمر ابن الخطاب وقد وجدت النسخة التى بخط الرضا أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان – مكتوب – عمر – وقد سألت عنه النقيب أبا جعفر بن أبي زيد العلوي فقال : هو عمر فقلت له :أ أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال : نعم .. نهج البلاغة ج12 ص3
وقال ابن أبي الحديد : إذا اعترف أمير المؤمنين بأن عمر اقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون المدح .. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص4
** التعليق **
وقد أورد المدعو / عبد الله بن الحسن في كتابه المناظرات في الإمامية مناظرة بين ابن أبي الحديد والنقيب العلوي ولم يأت بهذا الكلام لأن هذا الكلام ينسف مذهب ابن سبأ وشيعته .
السجاد يتولى الصحابة
جاء في الصحيفة السجادية – من دعاء على بن الحسين – الذي تسميه الشيعة بالسجاد وهو الإمام الرابع عندهم – وتسمية السنة ( زين العابدين ) قال في دعائه للصحابة :
اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة والذي أبلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوا وسابقوا إلى دعوته .. وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأباء في تثبيت نبوته ... والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته ... وأشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه .. اللهم وأوصل التابعين لهم بإحسان ااذين يقولون : ( .. رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم .. يدينون بدينهم ويهتدون بهديهم .. اللهم وصل على التابعين لهم من يومنا هذا إلى يوم الدين ) انتهى باختصار الصحيفة السجادية ص47 : 49 مؤسسة الأعلمي – بيروت – لبنان .
** التعليق **
الروافض يقولون كل الصحابة ارتدوا بعد السقيفة إلا ثلاثة وأما السجاد فإنه عقد باباً في صحيفته هذه بعنوان – ذكر آل محمد ودعا لهم ثم حتى لا يقال أنه يقصد شيعة على وآل بيته عقد باباً مستقلاً للدعاء للصحابة والتابعين وأثبت فيه هذا الدعاء للصحابة والمهاجرين والتابعين حتى يوم الدين الذين تمسكوا بهديهم وساروا على نهجهم ويأتي الأشرار اليوم ويتقربون إلى الله بلعن الخلفاء الراشدين وهم خيرة المهاجرين الذي أثنى عليهم القرآن الكريم وأئمة آل البيت ثم يقولون للناس – أنهم أتباع آل البيت .!
توضيح أكثر
ثم ينقل الشيخ الامامي – أبوا لفتح الأربلي أن نفراً من أهل العراق تكلموا في حق الخلفاء أمام السجاد فقال لهم : ألا تخبروني : أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ؟ قالوا : لا قال فأنتم ( .. َالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ... ) [ الحشر : 9] قالوا لا . قال : أما وقد تبرأتم أن تكونوا من هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم : ( وَالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لّلّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَآ إِنّكَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ ) [ الحشر: 10] ثم قال لهم اخرجوا عني فعل الله بكم – كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص78 طبعةتبريز – إيران للشيخ الإمامي / على بن عيسى الأربلي المتوفي في القرن السابع الهجري
** التعليق **
لما وقعت هذه الفئة في الخلفاء الراشدين الثلاثة في حضرة الإمام السجاد – رضي الله عنه – تلى عليهم الآيات التى نزلت في مدحهم ثم بعد أن قررهم أنهم ليسوا من هؤلاء – بل يسبونهم – اطمأن أنهم ليس من ( َالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ... ) [ الحشر: 10] لأجل هذا طردهم من مجلسه وشتمهم فثبت أن دعاءه في الصحيفة السجادية يريد به الخلفاء الراشدين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وأما هؤلاء الروافض فليس لهم عنده إلا الطرد واللعن كما فعل بأسلافهم .
لأجل هذا لا نسمع منهم هذه الروايات أبداً ويكون من التجني على آل البيت أن ننسب هؤلاء ا إلى مذهبهم وهذا ولله الحمد واضح وضوح الشمس وقد رأينا مذهب الروافض في الصحابة عامة والخلفاء الراشدين خاصة وما أوردنا هذا الدعاء إلا رداً على قول التيجاني ( وكأن أهل السنة لم يقرءوا كتب التاريخ واكتفوا فقط بما يسمعونه من أسلافهم من مديح وإعجاب بعامة الصحابة والخلفاء الراشدين خاصة ولو فتحوا أبصارهم وقلوبهم طلباً للحق لغيروا عقيدتهم ليس فقط في الصحابة ولكن في كثير من الأحكام التى يعتبرونها صحيحة ) وقد تقدم ذكر المصدر .
وكان ردنا عليه : قرأنا والله كتبنا وكتبكم وما وجدنا أحداً يسب الصحابة إلا ابن سبأ وطائفته وأنت لحقت بهم يا تيجاني وأما آل البيت فهذه عقيدتهم في الصحابة وهذا هو مذهبهم – ولا تقية ولا تورية في دعاء العبد لربه .. فأين تذهبون ؟
الصادق يأمر بتولي الشيخين
جاء في روضة الكافي ج6 ص101 عن أبي بصير أن امرأة جاءت إلى أبي عبد الله – جعفر الصادق – تسأله عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال الصادق : توليهما فقالت : فأقول لربي إذا لقيته أمرتني بولايتهما ؟ قال الصادق : نعم )
** التعليق **
جعفر الصادق هو الإمام السادس عند الروافض
ولكن هذه النصوص النيرة الساطعة لا يمكن أن يسمعها عوام الشيعة المساكين في الخطب العلنية لأنها تنسف مذهب ابن سبأ اليهودي وأما في الكتب فلا مخرج عندهم منها إلا ( التقية ) ولو كانت الظروف المحيطة بها لا تليق بالتقية أبداً .
فهذه امرأة ضعيفة لا حول لها ولا قوة وفي نفس الوقت هي من شيعة آل البيت وإلا لو كانت من غيرهم ما وثقت فيهم ولا سألتهم فالعلماء من غيرهم كثيرون فما الداعي أن يخدعها الإمام الصادق ويكذب عليها وهي مسكينة جاءت تريد عقيدة تقابل بها ربها . فكيف يتعمد الصادق الكذب علي هذه المسكينة ويغشها في دينها وعقيدتها ؟! وهي تحذره بأنها ستقول لربها ما افتاها به فأصر الإمام الصادق بكل صراحة وبدون تورية على فتواه ! وأين قول التيجاني – الذي يقول أن أهل السنة لا يعرفون عقيدة الولاء والبراء لأنهم يحبون آل البيت ويحبون صحابة رسول الله الذي يسميهم بأعداء آل البيت !! فهل التيجاني وطائفته أعلم بعقيدة الولاء والبراء من أئمة آل البيت ؟!!
الباقر والصديق
جاء في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة لأبي الفتح الأربلي ج2 ص260 ما يلي :
عن عروة بن عبد الله قال : سألت أبا جعفر محمد بن على بن الحسين عليهم السلام عن حلية السيوف فقال : لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه فقلت : فتقول الصديق ؟!! قال عروة : فوثب أبو جعفر وثبة واستقبل القبلة ، وقال : نعم الصديق – نعم الصديق . نعم الصديق – قالها ثلاثاً – ثم قال : فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا ولا في الأخرة )
** التعليق **
ابوجعفر هذا هو الإمام الخامس عند الروافض وهووالدالامام – الصادق – وكل هؤلاء عندهم معصومين لا ينطقون عن الهوى غير أن كلامهم عندما يوافق القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين وسبيل المؤمنين فإنهم لا يرضونه أبداً . وأول خطوة في التعامل معه هو التعتيم عليه في مواجهة جماهيرهم وخصومهم وثاني خطوة محاولة الهروب منه بأي وسيلة من وسائل التحريف وثالث خطوة هو القول بالتقية وأنه يحمل على غير ظاهره ! وكأنهم يعلمون ما في قلوب أئمة آل البيت ورابع خطوة الطعن فيه ولو كان في أثبت مصادرهم! .
يقول الشيخ / شاه عبد العزيز الدهلوي : مرتبة الصديقية بعد مرتبة النبوة وإذا قالها المعصوم – عندهم – في رجل ارتفع عنه احتمال الظلم والجور والغصب وإلا لزم الكذب وهو محال في حق المعصوم- عندهم فكيف يعتقد فيه غصب الإمامة وتضييع حق الأمة؟ ) التحف الاثنى عشرية ص234 .
أصحاب العمائم السوداء يقلبون المدح إلى ذم !!
1- عن أمير المؤمنين على رضي الله عنه أنه دخل على الفاروق بعد وفاته وهو مسجي بثوب – أي مغطى بثوب – فقال على رضي الله عنه : لوددت أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجي وفي رواية رجوت الله أن القاه بصحيفة هذا المسجى ... معاني الأخبار للصدوق ص412 الفصول المختارة للمفيد ص85
قال ابن بابويه – الملقب بالصدوق – عن مفضل بن عمر سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى قول أمير المؤمنين لما نظر إلى الثاني – يعني عمر بن الخطاب – وهو مسجى بثوبه : ما أحد أحب إلىّ أن القى الله بصحيفة هذا المسجى – قال أبو عبد الله : عنى بها الصحيفة التى كتبت بالكعبة ..
تفسير أصحاب العمائم
( المجلسي )
قال المجلسي في تفسيره – هذا مما عده الجمهور من مناقب عمر زعماً منهم أنه – عليه السلام أراد بالصحيفة كتاب أعماله .. فبين عليه السلام – يعني – أبا عبد الله – أنه أراد بالصحيفة العهد الذي كتبوه رداً على الله ورسوله في خلافة – أمير المؤمنين أراد ألا يمكنوه منها وأراد بملاقاة الله بها مخاصمة أصحابها عند الله .. بحار الأنوار ج28 ص104
** التعليق **
يزعمون أن هذه الصحيفة كتبها الصديق والفاروق وأبو عبيده بن الجراح رضي الله عنهم في الكعبة وأنفقوا فيها على منع الخلافة عن على ولا يملكون مثقال ذرة من دليل صحيح على هذه الصحيفة المفتراه ولكن الهدف من اختراع هذه الصحيفة ليصرفوا بها مقصود أمير المؤمنين على رضي الله عنه بقوله ( لوددت أن ألقى الله بصحيفة هذه المسجى ) حيث يقصد صحيفة أعمال الفاروق لأنه قالها عند موته فاخترعوا هذه الصحيفة السبئية التى لا أصل لها للتفلت من هذا المدح ويفسر هذا روايات كثيرة لا يمكنهم صرفها مثل قوله عن عمر ( ذهب نقي الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها أدى لله طاعته وأتقاه بحقه ) نهج البلاغة ص404 .
هذه المناقب الطيبة هي التى قصدها أمير المؤمنين وأراد أن يلقى ربه بها وهو أهل لها بالفعل مثل صاحبة الفاروق رضي الله عنهما جميعاً وستبقى هذه المدائح غصة في حلوقهم ومعولاً لهدم مذهبهم إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين .
2- قال أمير المؤمنين على رضى الله عنه : لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى
الفصول المختارة للمفيد ص127 ووردت في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد ابن حنبل ج2 ص564
تفسير المفيد
المفيد هذا شأنه عند الروافض عظيم . اسمه عبد الله بن محمد النعمان العكبري . وجده الأعلى هو سعيد بن جبير رحمه الله ذلك التابعي الجليل ولكن كما يقولون ( النار تترك الرماد ) ويلقبونه ( بحجة الإسلام وآية الملك العلام ) ولد عام 336 هـ بعكبرا – مدينة تقع شمال بغداد وتوفي 413 هـ .
يقول المفيد في تفسير هذه الممدحة في حق الشيخين : إنما وجب عليه حد المفترى لأن المفاضلة لا تكون إلا بين متقاربين في الفضل وكان الرجلان بجحدهما النص – النص على الخلافة – قد خرجا عن الإيمان وبطل أن يكون لهما من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين – العيون والمحاسن ج2 ص122 للمرتضى العلوي وهو اختصار لكتاب المفيد المسمى – الفصول المختارة .
** التعليق **
هل رأيتم أيها المنصفون هذا العلم الكبير عند الروافض كيف قلب المدح إلى ذم بناء على فرضية باطلة وهو قوله عن الشيخين أنهما ارتدا عن الإسلام بجحدهما للنص ومن ثم بنى على هذه المقدمة الباطلة أنه لا يجوز المفاضلة بين مرتد وأمير المؤمنين فيكون المقصود في نظره أن من فعل هذا أي فضل علياً رضي الله عنه على الشيخين استحق الجلد بحد المفترى .. ونحن نقول :
ثبت العرش ثم انقش
من أين لك يا مفيد الروافض أن أمير المؤمنين كان يكفر أبا بكر وعمر ؟ أما والله لم يكن أمير المؤمنين يكفر حتى مقاتليه من أهل الشام والخوارج وسيأتي بيان ذلك – إن شاء الله – فكيف تقولون أنه كان يكفر الشيخين رضي الله عنهما وأين تذهب بقوله عن عمر رضي الله عنه أنه ( ذهب نقي الثوب قليل العيب أدى لله طاعته وأتقاه بحقه – فهل يقول هذا الكلام في مرتد أم تقولون أنه قال ذلك ( تقية ) فوالله ما كان يتعامل بها أبداً لفرط شجاعته بل كان يحلف على ذلك قائلاً : والله ما كتمت وشمه ولا كذبت كذبة ) نهج البلاغة ص140
ومعنى ما كتمت – وشمه – أي ما كتمت كلمة وسيأتي المزيد في باب - التقية – ونحن والله نشهد أن أمير المؤمنين على رضي الله عنه كان صادقاً بارا بقسمه وأن أتباع ابن سبأ هم الكاذبون الفجار وأنه فعلاً كان يقول على منبره وهو بالكوفة لأوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى – هي على ظاهرها وموافقة مع قوله لعمر ( أدى لله طاعته واتقاه بحقه ) ونقول : لمقيد الروافض ثبت العرش ثم انقش لأنك افترضت افتراضاً لا وجود له إلا في مذهبك المنقول عن ابن سبأ .
على رضي الله عنه يثني على بيعة الراشدين الثلاثة
قال رضي الله عنه بعد أن بايعه المسلمون للخلافة
( بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان حتى قال : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى ) نهج البلاغة 418
** التعليق **
1- هذا الكلام قاله أمير المؤمنين وهو متربع على عرش الخلافة والسلطة – مما يدفع مظنة التقية والتورية التى دائماً يلجأ إليها الروافض مع أنه رضي الله عنه لا يعمل بها أبداً وقد أقسم بالله أنه ما كتم كلمة ولا كذب كذبة حتى وهو في حالة ضعف فكيف وهو صاحب سلطة ؟
2- قوله ( إذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى ) فيه أعظم حجة وأعظم شهادة من أمير المؤمنين على أن بيعة الخلفاء الراشدين كانت مرضية لوجه الله وفيها أكبر رد على السبئية الذين جعلوا دينهم كله في ما يسمونه بغصب الخلافة وكفروا الخلفاء الراشدين وكفروا أهل السنة جميعاً لأجلها .
3- في هذا أكبر دليل على أن المفيد وطائفته لهم مذهب غير مذهب آل البيت في بيعة الخلفاء الراشدين و في سائر عقائدهم وأن مذهب آل البيت هو مذهب أهل السنة والجماعة والحمد لله رب العالمين .
الشريف المرتضى والتصدي لمناقب الصديق
الشريف المرتضى – اسمه / على بن الحسين الموسوي وكنيته / أبو القاسم ، ويلقب عند الشيعة – بعلم الهدى – توفى 436 هـ شقيقه هو الشريف الرضي واسمه / محمد بن الحسين الموسوي – وينسب إليه جمع كتاب – نهج البلاغة – قال فيه الذهبي : ( رافضي جلد ) ميزان الاعتدال ج3 ص523 نقلاً عن أصول الشيعة – للقفاري ص260 .
والآن إليكم طريقته الذميمة في لي أعناق النصوص حتى يقلب كل مدح في الصديق إلى ذم على منوال شيخه المفيد – ولننتقل من كتابه المسمى – الشافي تحقيق وتعليق : عبد الزهراء الحسيني الجزء الرابع .
( صحبة الغار )
قال تعالى: ( إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا ... ) [ التوبة : 40] قال المرتضى : قوله (ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) ليس فيها أكثر من إخبار عن عدد وقد يكون ثانياً لغيره من لا يشركه في إيمان ولا فضل – ثم قال (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) فليس بالتسمية بالصحبة فضل لأنها قد تحصل من الصديق ومن العدو والمؤمن والكافر قال تعالى مخبراً عن مؤمن وكافر : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ........ ) [ الكهف : 37] ، وأما قوله تعالى (لاَ تَحْزَنْ) فقد نهاه عن الاستمرار في الحزن وظاهر نهيه عليه السلام يدل على قبح الفعل وإنما يحمل النهي في بعض الأحوال على التشجيع والتسكين بدلالة توجب العدول عن الظاهر وهذا يدل على وقوع المعصية من الرجل في الحال ، وأما قوله (إِنّ اللّهَ مَعَنَا) فمعناه أنه عالم بحالنا كما قال تعالى:
( .... مَا يَكُونُ مِن نّجْوَىَ ثَلاَثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ .......... ) [المجادلة: 7] فليس في ذلك أيضاً فضل – الشافي في الإمامةج4 ص 26 .
** التعليق **
لا أظن أن هذا التلبيس المفضوح بل التحريف يخفى على القارئ مهما كانت ثقافته إذ أن الآيات من أولها جاءت في سياق المدح فهي تتحدث عن رسول الله وصاحبه عندما خرجا في ليلة الهجرة التى أعز الله بها الإسلام وكانت أكبر نقطة تحول في تاريخ الإسلام حتى صارت من عظمها ومكانتها في الإسلام بداية للتاريخ الإسلامي وهي تضحية من الصديق رضي الله عنه بنفسه وماله في نصرة رسول الله ولم يكن له في حينها أي غرض دنيوي فالنبي كان عبارة عن رجل مستضعف منبوذ من جانب أهل مكة والطائف مطلوب القبض عليه حياً أو ميتاً وبالفعل وصل المشركون إلى الغار ووقفوا فوق رأس النبي وصاحبه حتى قال الصديق للنبي لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا . فقال له تسكيناً له ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما .
ونزلت هذه الآية لبيان هذه المنقبة العظيمة والنصر العظيم ( إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ..... إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا ... ) وبالطبع الصحبة إما صحبة خير أو صحبة شر أو صحبة مباحة وكل واحدة يدل عليها السياق الظاهر حسب الحال فصحبة الشر مثل قوله تعالى عن قوم ثمود : (فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىَ فَعَقَرَ) [ القمر : 29] فاتضح من سياق الآية أنهم نادوه ليعقر ناقة الله فالشر فيها واضح وأما صحبة الخير فمثل صحبة الصديق للنبي فإنه صحبه ليهاجر معه وجهز له الراحلة والزاد وخاطر بنفسه وتحمل مشقة الطريق لمسافة تقارب خمسمائة كيلو في حر الجزيرة فكيف يمكن قلب هذا العمل الذي لا يعدله عمل في الإسلام مهما عظم كيف يمكن قلبه إلى شر وإلى معصية ؟!!
وأما قوله (لاَ تَحْزَنْ) فلا شك أنها لتسكين نفس الصديق وتشجيعه لأنه كان يخاف على رسول الله أكثر من نفسه كما صح عنه ذلك ولأن هذه اللفظة قيلت للصديق رداً على قوله ( لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا )
[ تحدي إلى يوم القيامــة ]
بالنسبة لصاحب كتاب الشافي فقد أفضى إلى ما قدم وترك هذه الإساءة في حق الصديق والله حسيبه وبالنسبة إلى مقلديه فهذا كتاب الله يقضى بيننا انظروا في قصصه وأخباره في أي السور وفي أي الآيات ذكر النهي عن الخوف أو الحزن أو عليهما معاً يدلان على قبح الفعل ؟ فإن لم تجدوا ولن تجدوا فهاكم من كتاب الله ما يدل على أن جواب النهي عن الخوف والخزن دائماً تشجيع وتسكين وتطمين فقد جاء النهي عنهما معاً في حق أم موسى: ( ... وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيَ إِنّا رَآدّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) [ القصص: 7] وقوله تعالى: ( ....... أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنّكَ مِنَ الاَمِنِينَ ) [ القصص 31] وقال لموسى وهارون : ( قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىَ ) [ طه : 46] وقال الملاك لمريم : ( ..... أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ، وَهُزّىَ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْناً .... ) [ مريم 24: 26] وعن موسى أيضاً : ( قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنّكَ أَنتَ الأعْلَىَ ) [ طه: 68] وهكذا في كل سور وآيات القرآن لم يأت جواب النهي عن الخوف والحزن إلا للتسكين والتطمين فلماذا يتغير الحكم فقط عندما يتعلق بالصديق ويقلب إلى معصية وإلى فعل قبيح ؟!
أم يريد الرافضي المرتضى أن يجعل قاموساً له خاصاً به يصرف به كلام الله ورسوله في مدح الصحابة الكرام إلى ما يريد هو وطائفته ؟ فإن كان يريد ذلك فليستعملوا قاموسهم بعيداً عن كتاب الله وسنة رسوله ومذهب آل البيت الأطهار وأما في كتاب الله فنتحداهم أن يأتوا بدليل إلى يوم القيامة .
معية الإحاطة والمراقبة ومعية النصر والتأييد
قال المرتضى في رده على منقبة المعية التى شرف الله بها الصديق مع النبي في قوله (لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا) قال : معناه : أنه عالم بحالنا كما قال تعالى ( .... مَا يَكُونُ مِن نّجْوَىَ ثَلاَثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7]
** التعليق **
لا أظن أن المرتضى مقتنع بهذا الكلام وقد قلنا فيما سبق أن جواب النهي عن الخوف والحزن لم يأت في كتاب الله إلا للتطمين والتسكين وسردنا جملة من الآيات الدالة على ذلك وهذه الآية ولا شك مثل الآيات الأخرى فقد نهى النبي صاحبه عن الحزن وقال جواباً عن هذا النهي ( إن الله معنا ) أي سيحمينا وينجينا ومن المعلوم أن معية الله سبحانه وتعالى تأتي على قسمين معية عامة : تشمل الخلائق كلهم مؤمنهم وكافرهم ومعناها مراقبة عبادة والإحاطة بهم وأنه لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأقوالهم وسرهم وعلانيتهم وغالباً ما تكون في تخويف أصحاب المعاصي والكفار والآية التى استدل بها المرتضى كانت تقصد أهل النجوى الذين يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول لذلك قال تعالى : ( .... مَا يَكُونُ مِن نّجْوَىَ ثَلاَثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ .. حتى قال .. إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ .. واختتمها بقولة ( .. إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هذه المعية العامة .
وأما المعية الخاصة فهي خاصة بأنبيائه وأوليائه الصالحين كما قال تعالى : ( إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَواْ وّالّذِينَ هُم مّحْسِنُونَ) [النحل: 128] وهذه المعية الخاصة لا شك هي التى عناها رسول الله في قوله لصاحبه (لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا) فلا يمكن أن تكون معية التخويق لأنها شملت رسول الله فهي ولا شك معية ( ... .الّذِينَ اتّقَواْ وّالّذِينَ هُم مّحْسِنُونَ) [النحل: 128] فإذا لم يكن رسول الله منهم فمن يستحقها أفضل منه؟!صل الله عليه وسلم ، وإذا كان الصديق مع رسول الله والله معهما فما الذي يعزل الصديق عن رفيقه ؟! إلا الحقد الأسود الذي زرعه ابن سبأ في نفوس زمرته .
إنزال السكينة
وفي قوله تعالى: ( ... فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَرَوْهَا ... ) [ التوبة: 40] قال المرتضى وإنزال السكينة إنما كان على النبي بدلالة قوله (وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَرَوْهَا) وبدلالة الآية من أولها إلى أخرها كناية عن النبي ولم ينزل على النبي السكينة في غير هذا المقام إلا عمت من كان معه من المؤمنين مثل قوله تعالى – يوم حنين – ( ثُمّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ .... ) [ التوبة 26] وفي اختصاص الرسول في الغار بالسكينة دون من كان معه ما فيه .
** الــــرد **
1- سبق وأن قلنا إن المقام مدح وثناء من أول الآية إلى أخرها فلا يجوز حمل شيء منها على الذم إلا بدلالة واضحة ولا يوجد دلالة على هذا المحمل .
2- إن قوله : ( .... إِنّ اللّهَ مَعَنَا .... ) شملت الصديق وهي المعية الخاصة – بالأنبياء والصالحين كما سبق بيانه ومن ثم فكل منقبة تأتي في هذا السياق يكون الصديق فيها مع النبي .
3- إن المعني بقوله تعالى: ( إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ .... ) هو رسول وبالتالي لابد وأن يكون ضمير المفرد مستمر مع سياق الآيات ولا يمنع دخول الصديق فيه وهذا جائز في الخطاب القرآني وإعجاز لغوي من إعجازه في علم النحو والصرف وإلا لو كانت للقرآن الكريم قاعدة واحدة في الإعراب لما كان معجزاً ولما تحدى بلغاء وفصحاء العرب .
وقد تكلم علماء اللغة في إفراد الضمير في قوله تعالى (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فقال أبو حيان النحوي في تفسيره : يحتمل رجوع الضمير إليهما وأنه أفردهما لتلازمهما وذكر ابن الجوزي عن الأنباري مثالاً لذلك في كتاب الله وهو قوله تعالى ( ..... وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) [ التوبة : 62]
قلت : ومثله قوله تعالى عن فرعون وجنوده : (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ) [ الذاريات : 40] فكلهم نبذوا في اليم وكلهم أخذوا وكلهم ملومون ولكن الله عبر عنهم بضمير المفرد للتلازم كما قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ)
[ دفع منقبة الفقراء المهاجرين عن الصديق ]
قال تعالى: ( لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ) [ الحشر: 8] في كتاب الغنية احتج القاضي عبد الجبار بهذه الآية على أفضلية الصديق لأنه من أوائل المهاجرين بل هو رفيق رسول الله في الهجرة ولأن المهاجرين تركوا أموالهم في مكة وهاجروا خفية كما بينت الآية (الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) يعني لهم أموال وكانوا أغنياء لكنهم تركوها في مكة فصاروا فقراء .
** رد المرتضى **
قال المرتضى : وأما قوله (لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ) فأول ما فيها يجب أن يخرج أبو بكر من الآية على أصول مخالفينا لأنه على أصولهم كان موسراً غنياً كثير المال ) ج4 ص19 .
إنفاق أبي بكر في سبيل الإسلام
وقد احتج القاضي عبد الجبار بما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال : أن من أمنّ الناس علىّ في صحبته وماله أبا بكر .
** رد المرتضى **
قال المرتضى : قد بين أصحابنا أن أبا بكر كان غير موسر ودللوا على ذلك بأنه كان يعلم الناس ويأخذ الأجر على تعليمه وليس هذا صنيع الموسر وأنه كان يخيط الثياب ويبيعها ) ج4 ص21
لا يمكن الجمع بين النقيضين
أما أهل الحق فليس عندهم أي إشكال فيما استدلوا به من الدليلين فقد كان الصديق وهو بمكة موسراً كثير النفقة وواسى رسول الله بنفسه وماله وكان أمن أهل الإسلام على رسول الله كما جاء في الحديث الصحيح ثم لما هاجر مع رسول الله سراً وترك أهله وداره وماله – صار في بداية الهجرة من الفقراء فأنزل الله فيه وفي أمثاله الآية (لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ..... ) .
أما صاحبنا فالمهم عنده دفع المنقبة عند الصديق سواءً أصح الدليل أو لم يصح أو كان متناقضاً فلما احتج عليه الخصم بآية الفقراء قال : هو موسر على أصولكم ومن ثم يخرج من الآية ولما احتج عليه الخصم بمنقبة الانفاق في نصرة الإسلام قال:هو فقير كان خياطاً وكان وكان !!
ومن البديهيات عند العقلاء أنه لا يمكن الجمع بين النقيضين فالصديق رضى الله عنه إن كان غنياً سواء على أصولنا أو غيرها استحق مدح النبي بالنفقة وإن كان فقيراً استحق مدح القرآن بأنه من المهاجرين الذي خرجوا من ديارهم وأموالهم ولا خيار للخصم بين الحالتين فهو يستحق المدح على كل حال بل هو صاحب المدح في الحالتين كما سبق بيانه فرضى الله عنه وارضاه ولعن مبغضيه وأخزاهم إلى يوم القيامة .
دفع الإجماع على خلافة الصديق
وحيث احتج عليه الخصم بإجماع المسلمين على خلافة الصديق تطبيقاً للآية الكريمة : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَىَ وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّىَ وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً) [ النساء : 115]
** رد المرتضى **
فقال المرتضى : وأما ما اعتمد عليه من دعوى الإجماع على إمامته فقد سلف الكلام على بطلان هذه الدعوى وبينا أن الإجماع لم يثبت قط على إمامته ج4 ص10 .
تناقض المرتضى
ولما احتج عليه الخصم بأن أبا بكر لم يكن من القوة التى تجعل علياً يخافه ويستعمل التقية .
قال المرتضى : وأي قوة تزيد على من اجتمع عليه أكثر المسلمين وانقادوا له من الأولين والآخرين وسموه خليفة رسول الله وأنزلوه منزلته وأطاعوه طاعته ج3 ص258
** التعليق **
أولاً : لماذا انقاد له الأولون والآخرون من المهاجرين والأنصار وهو لا يملك في ذاك الوقت ما يجبرهم على هذه الطاعة والأنقياد ؟ لا جواب : إلا الإقرار بفضله عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين ، والمؤمنون الذين بايعوه هم الذين قال الله عنهم : ( وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [ التوبة : 100] فكيف يجتمع هؤلاء على ضلال ورده وقد رضى الله عنهم وأعد لهم جنات خالدين فيها ووعد الله لا يخلف ؟ .
ثانياً : الذي احتج به القاضي عبد الجبار على المرتضى من بيعة المهاجرين والأنصار وأن من خرج عليهم خرج عن سبيل المؤمنين هو بعينه الذي احتج به على رضي الله عنه على معاوية بعد مبايعة المهاجرين والأنصار له واعتبره إجماعاً حتى مع مخالفة أصحاب معاوية له ، هذا مع العلم أن أصحاب معاوية كانوا عشرات الألوف بالإضافة إلى الخوارج الذين كان عددهم يزيد عن ثمانية آلاف وكان الإمام يعتبرهم مسلمين خارجين على طاعته .
وأما الذين تأخروا عن بيعة أبي بكر فكانوا أفراداً معدودين يعدون على الأصابع حتى أن غلاة الشيعة ومنهم المرتضى يروون في كتبهم أن الناس بعد وفاة النبي كانوا أهل رده إلا ثلاثة – سلمان والمقداد وأبو ذر – روضة الكافي ج8 ص 246 ومع هذا كله كان الإمام على يحتج بهذه البيعة ويعتبرها إجماعاً ويعتبر الخارجين عنها خارجين عن سبيل المؤمنين وهاك كلامه بالنص والحرف في نهج البلاغة الذي جمعه شقيق المرتضى – الشريف الرضا – وقيل أن المرتضى هو الذي جمعه – من خطب ومواعظ الإمام على رضى الله عنه قال في كتابه إلى معاوية ( إنه بايعني القوم الذي بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ) نهج البلاغة ص418 فانظر أيها القارئ يا طالب الحق .
كيف يقر المرتضى بأن الصديق اجتمع عليه أكثر المسلمين الأولين والآخرين وسموه خليفة رسول الله وانقادوا له وأطاعوه ثم هو يعلم أن الإمام على احتج بهذه البيعة وأنه قال : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار وإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان لله رضا ) ومع هذا كله يكابر ويغالط ويطعن في بيعة الصديق ويعتبر من بايعه أو اعتقد صحة بيعته كافراً مرتداً !!
وهذا كله ليعلم القارئ أن القاضي عبد الجبار ليس من أهل السنة والجماعة إنما وهو رأس من رؤوس المعتزلة – مذهبه في التوحيد والصفات هو مذهب المرتضى ولكنه في موضوع الإمامة نطق بالحق .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
أصحاب العمائم السوداء
1- على يمدح الفاروق
جاء في نهج البلاغة أن أمير المؤمنين رضي الله عنه قال : ( لله بلاء – فلان – يريد الفاروق – قوم الأمد وداوي العمد ترك الفتنة وأقام السنة ذهب نقى الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه ) نهج البلاغة ص404 طبعة الشروق الدولية – القاهرة
** تعليق **
1- على كثرة مشاهدتي لعمائم الروافض وهم يخاطبون جماهيرهم ما سمعت يوماً ولا أتصور أن أسمع عمامة من هؤلاء يتفوه بهذا الكلام الأبيض الناصع اللائق بموقف أمير المؤمنين من صحابة رسول الله المؤيد بنصوص القرآن الكريم لأن أفواههم قد تنجست بروايات السبئية الأشرار فلا يستطيعون النطق بهذه الروايات الطاهرة لا يستطيعون النطق بأن على ابن أبي طالب يقول عن عمر ابن الخطاب (ذهب نقي الثوب قليل العيب خلف الفتنة وأصاب السنة أصاب خيرها وسبق شرها ) لا يستطيع أحد منهم أن يذكر هذه الممادح وقد شحن قلوبهم بالكراهية والغيظ بالروايات السبئية بأن عمر حرق بيت فاطمة وأسقط جنينها وكسر ضلعها حتى ماتت متأثرة من ضرباته الموجعة .
لا يستطيع أحد منهم ذكر هذه الممادح وإلا قد يقال لهم : كيف يقول أمير المؤمنين عن عمر بأنه أصاب السنة وأنه نقي الثوب قليل العيب وفي نفس الوقت حرق بيت بنت النبي وكسر ضلعها وأسقط جنينها حتى ماتت متأثرة بضرباته الموجعة .
موقف العمائم من مدح أمير المؤمنين لأخيه الفاروق
أما في الخطب العلنية على منابر الحسينيات أو شاشات الفضائيات فلا يبوح أصحاب العمائم بمثل هذه المدائح أبداً وأما في بطون الكتب إذا اضطروا إلى الوقوع في مثل هذه النصوص فإنهم إما يفسرونها تفسيراً متعسفاً لا يستقيم مع مفهوم اللغة العربية ولا مع تصرفات آل البيت العملية – مثل المصاهرة فيما بينهم وبين الصحابة أو تولى المناصب في حكوماتهم أو تسيمة أولادهم بأسماء الخلفاء فإذا لم يمكنهم التفلت منها حملوها على التقية وإن لم يمكنهم ذلك طعنوا في صحة هذه النصوص ولو كانت في أوثق مصادرهم !! ... وخذ إليك هذه النماذج
1- ميثم البحراني المتوفي 679 هـ
قال : أعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤلاً فقالوا : إن هذه الممادح التى ذكرها أمير المؤمنين في حق أحد الرجلين أبو بكر أو عمر تنافى ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة فإما أن يكون هذا الكلام ليس من كلام أمير المؤمنين وإما أن يكون إجماعنا خطأ ؟! ومنهم من حمل هذا الكلام على التقية وإنما أراد به استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين .. شرح نهج البلاغة ج4 ص 58
** التعليق **
هكذا فعلت قاعدة ابن سبأ فيهم حتى النص الواضح لابد من تأويله بما يتفق مع هذه القاعدة الخبيثة حتى أنهم شككوا في كتاب نهج البلاغة الذي اتفقت على صحته سائر فرقهم لكن عندما ينسف مذهب ابن سبأ هناك تأتي الحيرة والشك ويقولون : إما أن يكون هذا الكلام ليس كلام على أو إجماعهم خطأ .
ونحن نقول : وما المانع أن يكون إجماعكم خطأ ؟ لأنه مخالف للقرآن ومخالف للسنة ومخالف لمصادر الشيعة نفسها .
وكيف يحمل على التقية وقد قال هذا الكلام وهو متربع على عرش السلطة وكيف يريد به إصلاح من يعتقد في صحة خلافة الشيخين وعندهم أن هذه العقيدة كفر ؟ كيف يكون إقرار الكفر إصلاحاً !! وسيأتي أن علياً رضى الله عنه لا يعمل بالتقية أبداً .
أم كلثوم جنية !!
ومن أبرز علامات المودة والمحبة بين عمر وعلى رضي الله عنهما أن علياً زوج بنته أم كلثوم لعمر رضي الله عنه لكن طائفة ابن سبأ ضاقت بهم السبل إذ لو اقروا بذلك لزمهم أن أمير المؤمنين على زوج بنته لمرتد – في نظرهم – وخالف صريح القرآن الكريم : (.... وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتّىَ يُؤْمِنُواْ ... ) [ البقرة : 221] ففكروا وقدروا وقتل كيف قدروا ثم نظروا ثم عبسوا وبصروا ثم قالوا : هذا فرج غصبناه أي ان عمر اغتصب بنت على بالقوة أو أن على كان يداهن عمر مع اغتصابه لابنته ! ونسبوا هذا العار إلى كلام جعفر الصادق – فروع الكافي ج2 ص10 ..... ثم عرفوا أن هذا الرد فضيحة مكشوفة فاخترع النعمان الجزائري رداً خرافياً فقال : إنما زوجة جنية في صورة أم كلثوم !! الأنوار النعمانية ج1 ص 83
** التعليق **
أرأيت كيف يتفلتون من كل دليل يجمع بين الصحابة وآل البيت لتستمر الفتنة والتفرقة بين المسلمين تبعاً لإمامهم الأعلى عبد الله ابن سبأ الذي أوقد نار الفتنة التى قتل فيها عثمان ثم كان يؤججها كلما خمدت بين أصحاب على وأصحاب معاوية قاتله الله ولعنه ولعن من يسير على منواله إلى يوم الدين .
2- ابن ابي الحديد
اسمه / عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد ولد بالمدائن عام 586 هـ وكان حظياً عند الوزير ابن العلقمي وفوض إليه أمر خزائن الكتب وكان شيعياً إمامياً لكنه يثبت الإمامه وأصولها على طريقة المعتزلة وكان يمدح علياً قائلاً
ورأيت دين الاعتزال وأنني أهوى من أجلك كل من تشيع
يراجع كتاب – المناظرات في الإمامية – لـ عبد الله ابن الحسن – باب مناظرة ابن ابي الحديد مع النقيب العلوي ، ومع تعصب ابن أبي الحديد إلا أنه من أكثرهم إنصافاً والحق يقال .
يقول ابن أبي الحديد – في شرحه لقول أمير المؤمنين ( لله بلاء فلان ) قال فلان المكني عنه هو عمر ابن الخطاب وقد وجدت النسخة التى بخط الرضا أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان – مكتوب – عمر – وقد سألت عنه النقيب أبا جعفر بن أبي زيد العلوي فقال : هو عمر فقلت له :أ أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال : نعم .. نهج البلاغة ج12 ص3
وقال ابن أبي الحديد : إذا اعترف أمير المؤمنين بأن عمر اقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون المدح .. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص4
** التعليق **
وقد أورد المدعو / عبد الله بن الحسن في كتابه المناظرات في الإمامية مناظرة بين ابن أبي الحديد والنقيب العلوي ولم يأت بهذا الكلام لأن هذا الكلام ينسف مذهب ابن سبأ وشيعته .
السجاد يتولى الصحابة
جاء في الصحيفة السجادية – من دعاء على بن الحسين – الذي تسميه الشيعة بالسجاد وهو الإمام الرابع عندهم – وتسمية السنة ( زين العابدين ) قال في دعائه للصحابة :
اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة والذي أبلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوا وسابقوا إلى دعوته .. وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأباء في تثبيت نبوته ... والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته ... وأشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه .. اللهم وأوصل التابعين لهم بإحسان ااذين يقولون : ( .. رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم .. يدينون بدينهم ويهتدون بهديهم .. اللهم وصل على التابعين لهم من يومنا هذا إلى يوم الدين ) انتهى باختصار الصحيفة السجادية ص47 : 49 مؤسسة الأعلمي – بيروت – لبنان .
** التعليق **
الروافض يقولون كل الصحابة ارتدوا بعد السقيفة إلا ثلاثة وأما السجاد فإنه عقد باباً في صحيفته هذه بعنوان – ذكر آل محمد ودعا لهم ثم حتى لا يقال أنه يقصد شيعة على وآل بيته عقد باباً مستقلاً للدعاء للصحابة والتابعين وأثبت فيه هذا الدعاء للصحابة والمهاجرين والتابعين حتى يوم الدين الذين تمسكوا بهديهم وساروا على نهجهم ويأتي الأشرار اليوم ويتقربون إلى الله بلعن الخلفاء الراشدين وهم خيرة المهاجرين الذي أثنى عليهم القرآن الكريم وأئمة آل البيت ثم يقولون للناس – أنهم أتباع آل البيت .!
توضيح أكثر
ثم ينقل الشيخ الامامي – أبوا لفتح الأربلي أن نفراً من أهل العراق تكلموا في حق الخلفاء أمام السجاد فقال لهم : ألا تخبروني : أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ؟ قالوا : لا قال فأنتم ( .. َالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ... ) [ الحشر : 9] قالوا لا . قال : أما وقد تبرأتم أن تكونوا من هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم : ( وَالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لّلّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَآ إِنّكَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ ) [ الحشر: 10] ثم قال لهم اخرجوا عني فعل الله بكم – كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص78 طبعةتبريز – إيران للشيخ الإمامي / على بن عيسى الأربلي المتوفي في القرن السابع الهجري
** التعليق **
لما وقعت هذه الفئة في الخلفاء الراشدين الثلاثة في حضرة الإمام السجاد – رضي الله عنه – تلى عليهم الآيات التى نزلت في مدحهم ثم بعد أن قررهم أنهم ليسوا من هؤلاء – بل يسبونهم – اطمأن أنهم ليس من ( َالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ... ) [ الحشر: 10] لأجل هذا طردهم من مجلسه وشتمهم فثبت أن دعاءه في الصحيفة السجادية يريد به الخلفاء الراشدين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وأما هؤلاء الروافض فليس لهم عنده إلا الطرد واللعن كما فعل بأسلافهم .
لأجل هذا لا نسمع منهم هذه الروايات أبداً ويكون من التجني على آل البيت أن ننسب هؤلاء ا إلى مذهبهم وهذا ولله الحمد واضح وضوح الشمس وقد رأينا مذهب الروافض في الصحابة عامة والخلفاء الراشدين خاصة وما أوردنا هذا الدعاء إلا رداً على قول التيجاني ( وكأن أهل السنة لم يقرءوا كتب التاريخ واكتفوا فقط بما يسمعونه من أسلافهم من مديح وإعجاب بعامة الصحابة والخلفاء الراشدين خاصة ولو فتحوا أبصارهم وقلوبهم طلباً للحق لغيروا عقيدتهم ليس فقط في الصحابة ولكن في كثير من الأحكام التى يعتبرونها صحيحة ) وقد تقدم ذكر المصدر .
وكان ردنا عليه : قرأنا والله كتبنا وكتبكم وما وجدنا أحداً يسب الصحابة إلا ابن سبأ وطائفته وأنت لحقت بهم يا تيجاني وأما آل البيت فهذه عقيدتهم في الصحابة وهذا هو مذهبهم – ولا تقية ولا تورية في دعاء العبد لربه .. فأين تذهبون ؟
الصادق يأمر بتولي الشيخين
جاء في روضة الكافي ج6 ص101 عن أبي بصير أن امرأة جاءت إلى أبي عبد الله – جعفر الصادق – تسأله عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال الصادق : توليهما فقالت : فأقول لربي إذا لقيته أمرتني بولايتهما ؟ قال الصادق : نعم )
** التعليق **
جعفر الصادق هو الإمام السادس عند الروافض
ولكن هذه النصوص النيرة الساطعة لا يمكن أن يسمعها عوام الشيعة المساكين في الخطب العلنية لأنها تنسف مذهب ابن سبأ اليهودي وأما في الكتب فلا مخرج عندهم منها إلا ( التقية ) ولو كانت الظروف المحيطة بها لا تليق بالتقية أبداً .
فهذه امرأة ضعيفة لا حول لها ولا قوة وفي نفس الوقت هي من شيعة آل البيت وإلا لو كانت من غيرهم ما وثقت فيهم ولا سألتهم فالعلماء من غيرهم كثيرون فما الداعي أن يخدعها الإمام الصادق ويكذب عليها وهي مسكينة جاءت تريد عقيدة تقابل بها ربها . فكيف يتعمد الصادق الكذب علي هذه المسكينة ويغشها في دينها وعقيدتها ؟! وهي تحذره بأنها ستقول لربها ما افتاها به فأصر الإمام الصادق بكل صراحة وبدون تورية على فتواه ! وأين قول التيجاني – الذي يقول أن أهل السنة لا يعرفون عقيدة الولاء والبراء لأنهم يحبون آل البيت ويحبون صحابة رسول الله الذي يسميهم بأعداء آل البيت !! فهل التيجاني وطائفته أعلم بعقيدة الولاء والبراء من أئمة آل البيت ؟!!
الباقر والصديق
جاء في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة لأبي الفتح الأربلي ج2 ص260 ما يلي :
عن عروة بن عبد الله قال : سألت أبا جعفر محمد بن على بن الحسين عليهم السلام عن حلية السيوف فقال : لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه فقلت : فتقول الصديق ؟!! قال عروة : فوثب أبو جعفر وثبة واستقبل القبلة ، وقال : نعم الصديق – نعم الصديق . نعم الصديق – قالها ثلاثاً – ثم قال : فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا ولا في الأخرة )
** التعليق **
ابوجعفر هذا هو الإمام الخامس عند الروافض وهووالدالامام – الصادق – وكل هؤلاء عندهم معصومين لا ينطقون عن الهوى غير أن كلامهم عندما يوافق القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين وسبيل المؤمنين فإنهم لا يرضونه أبداً . وأول خطوة في التعامل معه هو التعتيم عليه في مواجهة جماهيرهم وخصومهم وثاني خطوة محاولة الهروب منه بأي وسيلة من وسائل التحريف وثالث خطوة هو القول بالتقية وأنه يحمل على غير ظاهره ! وكأنهم يعلمون ما في قلوب أئمة آل البيت ورابع خطوة الطعن فيه ولو كان في أثبت مصادرهم! .
يقول الشيخ / شاه عبد العزيز الدهلوي : مرتبة الصديقية بعد مرتبة النبوة وإذا قالها المعصوم – عندهم – في رجل ارتفع عنه احتمال الظلم والجور والغصب وإلا لزم الكذب وهو محال في حق المعصوم- عندهم فكيف يعتقد فيه غصب الإمامة وتضييع حق الأمة؟ ) التحف الاثنى عشرية ص234 .
أصحاب العمائم السوداء يقلبون المدح إلى ذم !!
1- عن أمير المؤمنين على رضي الله عنه أنه دخل على الفاروق بعد وفاته وهو مسجي بثوب – أي مغطى بثوب – فقال على رضي الله عنه : لوددت أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجي وفي رواية رجوت الله أن القاه بصحيفة هذا المسجى ... معاني الأخبار للصدوق ص412 الفصول المختارة للمفيد ص85
قال ابن بابويه – الملقب بالصدوق – عن مفضل بن عمر سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى قول أمير المؤمنين لما نظر إلى الثاني – يعني عمر بن الخطاب – وهو مسجى بثوبه : ما أحد أحب إلىّ أن القى الله بصحيفة هذا المسجى – قال أبو عبد الله : عنى بها الصحيفة التى كتبت بالكعبة ..
تفسير أصحاب العمائم
( المجلسي )
قال المجلسي في تفسيره – هذا مما عده الجمهور من مناقب عمر زعماً منهم أنه – عليه السلام أراد بالصحيفة كتاب أعماله .. فبين عليه السلام – يعني – أبا عبد الله – أنه أراد بالصحيفة العهد الذي كتبوه رداً على الله ورسوله في خلافة – أمير المؤمنين أراد ألا يمكنوه منها وأراد بملاقاة الله بها مخاصمة أصحابها عند الله .. بحار الأنوار ج28 ص104
** التعليق **
يزعمون أن هذه الصحيفة كتبها الصديق والفاروق وأبو عبيده بن الجراح رضي الله عنهم في الكعبة وأنفقوا فيها على منع الخلافة عن على ولا يملكون مثقال ذرة من دليل صحيح على هذه الصحيفة المفتراه ولكن الهدف من اختراع هذه الصحيفة ليصرفوا بها مقصود أمير المؤمنين على رضي الله عنه بقوله ( لوددت أن ألقى الله بصحيفة هذه المسجى ) حيث يقصد صحيفة أعمال الفاروق لأنه قالها عند موته فاخترعوا هذه الصحيفة السبئية التى لا أصل لها للتفلت من هذا المدح ويفسر هذا روايات كثيرة لا يمكنهم صرفها مثل قوله عن عمر ( ذهب نقي الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها أدى لله طاعته وأتقاه بحقه ) نهج البلاغة ص404 .
هذه المناقب الطيبة هي التى قصدها أمير المؤمنين وأراد أن يلقى ربه بها وهو أهل لها بالفعل مثل صاحبة الفاروق رضي الله عنهما جميعاً وستبقى هذه المدائح غصة في حلوقهم ومعولاً لهدم مذهبهم إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين .
2- قال أمير المؤمنين على رضى الله عنه : لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى
الفصول المختارة للمفيد ص127 ووردت في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد ابن حنبل ج2 ص564
تفسير المفيد
المفيد هذا شأنه عند الروافض عظيم . اسمه عبد الله بن محمد النعمان العكبري . وجده الأعلى هو سعيد بن جبير رحمه الله ذلك التابعي الجليل ولكن كما يقولون ( النار تترك الرماد ) ويلقبونه ( بحجة الإسلام وآية الملك العلام ) ولد عام 336 هـ بعكبرا – مدينة تقع شمال بغداد وتوفي 413 هـ .
يقول المفيد في تفسير هذه الممدحة في حق الشيخين : إنما وجب عليه حد المفترى لأن المفاضلة لا تكون إلا بين متقاربين في الفضل وكان الرجلان بجحدهما النص – النص على الخلافة – قد خرجا عن الإيمان وبطل أن يكون لهما من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين – العيون والمحاسن ج2 ص122 للمرتضى العلوي وهو اختصار لكتاب المفيد المسمى – الفصول المختارة .
** التعليق **
هل رأيتم أيها المنصفون هذا العلم الكبير عند الروافض كيف قلب المدح إلى ذم بناء على فرضية باطلة وهو قوله عن الشيخين أنهما ارتدا عن الإسلام بجحدهما للنص ومن ثم بنى على هذه المقدمة الباطلة أنه لا يجوز المفاضلة بين مرتد وأمير المؤمنين فيكون المقصود في نظره أن من فعل هذا أي فضل علياً رضي الله عنه على الشيخين استحق الجلد بحد المفترى .. ونحن نقول :
ثبت العرش ثم انقش
من أين لك يا مفيد الروافض أن أمير المؤمنين كان يكفر أبا بكر وعمر ؟ أما والله لم يكن أمير المؤمنين يكفر حتى مقاتليه من أهل الشام والخوارج وسيأتي بيان ذلك – إن شاء الله – فكيف تقولون أنه كان يكفر الشيخين رضي الله عنهما وأين تذهب بقوله عن عمر رضي الله عنه أنه ( ذهب نقي الثوب قليل العيب أدى لله طاعته وأتقاه بحقه – فهل يقول هذا الكلام في مرتد أم تقولون أنه قال ذلك ( تقية ) فوالله ما كان يتعامل بها أبداً لفرط شجاعته بل كان يحلف على ذلك قائلاً : والله ما كتمت وشمه ولا كذبت كذبة ) نهج البلاغة ص140
ومعنى ما كتمت – وشمه – أي ما كتمت كلمة وسيأتي المزيد في باب - التقية – ونحن والله نشهد أن أمير المؤمنين على رضي الله عنه كان صادقاً بارا بقسمه وأن أتباع ابن سبأ هم الكاذبون الفجار وأنه فعلاً كان يقول على منبره وهو بالكوفة لأوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى – هي على ظاهرها وموافقة مع قوله لعمر ( أدى لله طاعته واتقاه بحقه ) ونقول : لمقيد الروافض ثبت العرش ثم انقش لأنك افترضت افتراضاً لا وجود له إلا في مذهبك المنقول عن ابن سبأ .
على رضي الله عنه يثني على بيعة الراشدين الثلاثة
قال رضي الله عنه بعد أن بايعه المسلمون للخلافة
( بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان حتى قال : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى ) نهج البلاغة 418
** التعليق **
1- هذا الكلام قاله أمير المؤمنين وهو متربع على عرش الخلافة والسلطة – مما يدفع مظنة التقية والتورية التى دائماً يلجأ إليها الروافض مع أنه رضي الله عنه لا يعمل بها أبداً وقد أقسم بالله أنه ما كتم كلمة ولا كذب كذبة حتى وهو في حالة ضعف فكيف وهو صاحب سلطة ؟
2- قوله ( إذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى ) فيه أعظم حجة وأعظم شهادة من أمير المؤمنين على أن بيعة الخلفاء الراشدين كانت مرضية لوجه الله وفيها أكبر رد على السبئية الذين جعلوا دينهم كله في ما يسمونه بغصب الخلافة وكفروا الخلفاء الراشدين وكفروا أهل السنة جميعاً لأجلها .
3- في هذا أكبر دليل على أن المفيد وطائفته لهم مذهب غير مذهب آل البيت في بيعة الخلفاء الراشدين و في سائر عقائدهم وأن مذهب آل البيت هو مذهب أهل السنة والجماعة والحمد لله رب العالمين .
الشريف المرتضى والتصدي لمناقب الصديق
الشريف المرتضى – اسمه / على بن الحسين الموسوي وكنيته / أبو القاسم ، ويلقب عند الشيعة – بعلم الهدى – توفى 436 هـ شقيقه هو الشريف الرضي واسمه / محمد بن الحسين الموسوي – وينسب إليه جمع كتاب – نهج البلاغة – قال فيه الذهبي : ( رافضي جلد ) ميزان الاعتدال ج3 ص523 نقلاً عن أصول الشيعة – للقفاري ص260 .
والآن إليكم طريقته الذميمة في لي أعناق النصوص حتى يقلب كل مدح في الصديق إلى ذم على منوال شيخه المفيد – ولننتقل من كتابه المسمى – الشافي تحقيق وتعليق : عبد الزهراء الحسيني الجزء الرابع .
( صحبة الغار )
قال تعالى: ( إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا ... ) [ التوبة : 40] قال المرتضى : قوله (ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) ليس فيها أكثر من إخبار عن عدد وقد يكون ثانياً لغيره من لا يشركه في إيمان ولا فضل – ثم قال (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) فليس بالتسمية بالصحبة فضل لأنها قد تحصل من الصديق ومن العدو والمؤمن والكافر قال تعالى مخبراً عن مؤمن وكافر : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ........ ) [ الكهف : 37] ، وأما قوله تعالى (لاَ تَحْزَنْ) فقد نهاه عن الاستمرار في الحزن وظاهر نهيه عليه السلام يدل على قبح الفعل وإنما يحمل النهي في بعض الأحوال على التشجيع والتسكين بدلالة توجب العدول عن الظاهر وهذا يدل على وقوع المعصية من الرجل في الحال ، وأما قوله (إِنّ اللّهَ مَعَنَا) فمعناه أنه عالم بحالنا كما قال تعالى:
( .... مَا يَكُونُ مِن نّجْوَىَ ثَلاَثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ .......... ) [المجادلة: 7] فليس في ذلك أيضاً فضل – الشافي في الإمامةج4 ص 26 .
** التعليق **
لا أظن أن هذا التلبيس المفضوح بل التحريف يخفى على القارئ مهما كانت ثقافته إذ أن الآيات من أولها جاءت في سياق المدح فهي تتحدث عن رسول الله وصاحبه عندما خرجا في ليلة الهجرة التى أعز الله بها الإسلام وكانت أكبر نقطة تحول في تاريخ الإسلام حتى صارت من عظمها ومكانتها في الإسلام بداية للتاريخ الإسلامي وهي تضحية من الصديق رضي الله عنه بنفسه وماله في نصرة رسول الله ولم يكن له في حينها أي غرض دنيوي فالنبي كان عبارة عن رجل مستضعف منبوذ من جانب أهل مكة والطائف مطلوب القبض عليه حياً أو ميتاً وبالفعل وصل المشركون إلى الغار ووقفوا فوق رأس النبي وصاحبه حتى قال الصديق للنبي لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا . فقال له تسكيناً له ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما .
ونزلت هذه الآية لبيان هذه المنقبة العظيمة والنصر العظيم ( إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ..... إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا ... ) وبالطبع الصحبة إما صحبة خير أو صحبة شر أو صحبة مباحة وكل واحدة يدل عليها السياق الظاهر حسب الحال فصحبة الشر مثل قوله تعالى عن قوم ثمود : (فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىَ فَعَقَرَ) [ القمر : 29] فاتضح من سياق الآية أنهم نادوه ليعقر ناقة الله فالشر فيها واضح وأما صحبة الخير فمثل صحبة الصديق للنبي فإنه صحبه ليهاجر معه وجهز له الراحلة والزاد وخاطر بنفسه وتحمل مشقة الطريق لمسافة تقارب خمسمائة كيلو في حر الجزيرة فكيف يمكن قلب هذا العمل الذي لا يعدله عمل في الإسلام مهما عظم كيف يمكن قلبه إلى شر وإلى معصية ؟!!
وأما قوله (لاَ تَحْزَنْ) فلا شك أنها لتسكين نفس الصديق وتشجيعه لأنه كان يخاف على رسول الله أكثر من نفسه كما صح عنه ذلك ولأن هذه اللفظة قيلت للصديق رداً على قوله ( لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا )
[ تحدي إلى يوم القيامــة ]
بالنسبة لصاحب كتاب الشافي فقد أفضى إلى ما قدم وترك هذه الإساءة في حق الصديق والله حسيبه وبالنسبة إلى مقلديه فهذا كتاب الله يقضى بيننا انظروا في قصصه وأخباره في أي السور وفي أي الآيات ذكر النهي عن الخوف أو الحزن أو عليهما معاً يدلان على قبح الفعل ؟ فإن لم تجدوا ولن تجدوا فهاكم من كتاب الله ما يدل على أن جواب النهي عن الخوف والخزن دائماً تشجيع وتسكين وتطمين فقد جاء النهي عنهما معاً في حق أم موسى: ( ... وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيَ إِنّا رَآدّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) [ القصص: 7] وقوله تعالى: ( ....... أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنّكَ مِنَ الاَمِنِينَ ) [ القصص 31] وقال لموسى وهارون : ( قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىَ ) [ طه : 46] وقال الملاك لمريم : ( ..... أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ، وَهُزّىَ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْناً .... ) [ مريم 24: 26] وعن موسى أيضاً : ( قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنّكَ أَنتَ الأعْلَىَ ) [ طه: 68] وهكذا في كل سور وآيات القرآن لم يأت جواب النهي عن الخوف والحزن إلا للتسكين والتطمين فلماذا يتغير الحكم فقط عندما يتعلق بالصديق ويقلب إلى معصية وإلى فعل قبيح ؟!
أم يريد الرافضي المرتضى أن يجعل قاموساً له خاصاً به يصرف به كلام الله ورسوله في مدح الصحابة الكرام إلى ما يريد هو وطائفته ؟ فإن كان يريد ذلك فليستعملوا قاموسهم بعيداً عن كتاب الله وسنة رسوله ومذهب آل البيت الأطهار وأما في كتاب الله فنتحداهم أن يأتوا بدليل إلى يوم القيامة .
معية الإحاطة والمراقبة ومعية النصر والتأييد
قال المرتضى في رده على منقبة المعية التى شرف الله بها الصديق مع النبي في قوله (لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا) قال : معناه : أنه عالم بحالنا كما قال تعالى ( .... مَا يَكُونُ مِن نّجْوَىَ ثَلاَثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7]
** التعليق **
لا أظن أن المرتضى مقتنع بهذا الكلام وقد قلنا فيما سبق أن جواب النهي عن الخوف والحزن لم يأت في كتاب الله إلا للتطمين والتسكين وسردنا جملة من الآيات الدالة على ذلك وهذه الآية ولا شك مثل الآيات الأخرى فقد نهى النبي صاحبه عن الحزن وقال جواباً عن هذا النهي ( إن الله معنا ) أي سيحمينا وينجينا ومن المعلوم أن معية الله سبحانه وتعالى تأتي على قسمين معية عامة : تشمل الخلائق كلهم مؤمنهم وكافرهم ومعناها مراقبة عبادة والإحاطة بهم وأنه لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأقوالهم وسرهم وعلانيتهم وغالباً ما تكون في تخويف أصحاب المعاصي والكفار والآية التى استدل بها المرتضى كانت تقصد أهل النجوى الذين يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول لذلك قال تعالى : ( .... مَا يَكُونُ مِن نّجْوَىَ ثَلاَثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ .. حتى قال .. إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ .. واختتمها بقولة ( .. إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هذه المعية العامة .
وأما المعية الخاصة فهي خاصة بأنبيائه وأوليائه الصالحين كما قال تعالى : ( إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَواْ وّالّذِينَ هُم مّحْسِنُونَ) [النحل: 128] وهذه المعية الخاصة لا شك هي التى عناها رسول الله في قوله لصاحبه (لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ مَعَنَا) فلا يمكن أن تكون معية التخويق لأنها شملت رسول الله فهي ولا شك معية ( ... .الّذِينَ اتّقَواْ وّالّذِينَ هُم مّحْسِنُونَ) [النحل: 128] فإذا لم يكن رسول الله منهم فمن يستحقها أفضل منه؟!صل الله عليه وسلم ، وإذا كان الصديق مع رسول الله والله معهما فما الذي يعزل الصديق عن رفيقه ؟! إلا الحقد الأسود الذي زرعه ابن سبأ في نفوس زمرته .
إنزال السكينة
وفي قوله تعالى: ( ... فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَرَوْهَا ... ) [ التوبة: 40] قال المرتضى وإنزال السكينة إنما كان على النبي بدلالة قوله (وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَرَوْهَا) وبدلالة الآية من أولها إلى أخرها كناية عن النبي ولم ينزل على النبي السكينة في غير هذا المقام إلا عمت من كان معه من المؤمنين مثل قوله تعالى – يوم حنين – ( ثُمّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ .... ) [ التوبة 26] وفي اختصاص الرسول في الغار بالسكينة دون من كان معه ما فيه .
** الــــرد **
1- سبق وأن قلنا إن المقام مدح وثناء من أول الآية إلى أخرها فلا يجوز حمل شيء منها على الذم إلا بدلالة واضحة ولا يوجد دلالة على هذا المحمل .
2- إن قوله : ( .... إِنّ اللّهَ مَعَنَا .... ) شملت الصديق وهي المعية الخاصة – بالأنبياء والصالحين كما سبق بيانه ومن ثم فكل منقبة تأتي في هذا السياق يكون الصديق فيها مع النبي .
3- إن المعني بقوله تعالى: ( إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ .... ) هو رسول وبالتالي لابد وأن يكون ضمير المفرد مستمر مع سياق الآيات ولا يمنع دخول الصديق فيه وهذا جائز في الخطاب القرآني وإعجاز لغوي من إعجازه في علم النحو والصرف وإلا لو كانت للقرآن الكريم قاعدة واحدة في الإعراب لما كان معجزاً ولما تحدى بلغاء وفصحاء العرب .
وقد تكلم علماء اللغة في إفراد الضمير في قوله تعالى (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فقال أبو حيان النحوي في تفسيره : يحتمل رجوع الضمير إليهما وأنه أفردهما لتلازمهما وذكر ابن الجوزي عن الأنباري مثالاً لذلك في كتاب الله وهو قوله تعالى ( ..... وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) [ التوبة : 62]
قلت : ومثله قوله تعالى عن فرعون وجنوده : (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ) [ الذاريات : 40] فكلهم نبذوا في اليم وكلهم أخذوا وكلهم ملومون ولكن الله عبر عنهم بضمير المفرد للتلازم كما قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ)
[ دفع منقبة الفقراء المهاجرين عن الصديق ]
قال تعالى: ( لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ) [ الحشر: 8] في كتاب الغنية احتج القاضي عبد الجبار بهذه الآية على أفضلية الصديق لأنه من أوائل المهاجرين بل هو رفيق رسول الله في الهجرة ولأن المهاجرين تركوا أموالهم في مكة وهاجروا خفية كما بينت الآية (الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) يعني لهم أموال وكانوا أغنياء لكنهم تركوها في مكة فصاروا فقراء .
** رد المرتضى **
قال المرتضى : وأما قوله (لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ) فأول ما فيها يجب أن يخرج أبو بكر من الآية على أصول مخالفينا لأنه على أصولهم كان موسراً غنياً كثير المال ) ج4 ص19 .
إنفاق أبي بكر في سبيل الإسلام
وقد احتج القاضي عبد الجبار بما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال : أن من أمنّ الناس علىّ في صحبته وماله أبا بكر .
** رد المرتضى **
قال المرتضى : قد بين أصحابنا أن أبا بكر كان غير موسر ودللوا على ذلك بأنه كان يعلم الناس ويأخذ الأجر على تعليمه وليس هذا صنيع الموسر وأنه كان يخيط الثياب ويبيعها ) ج4 ص21
لا يمكن الجمع بين النقيضين
أما أهل الحق فليس عندهم أي إشكال فيما استدلوا به من الدليلين فقد كان الصديق وهو بمكة موسراً كثير النفقة وواسى رسول الله بنفسه وماله وكان أمن أهل الإسلام على رسول الله كما جاء في الحديث الصحيح ثم لما هاجر مع رسول الله سراً وترك أهله وداره وماله – صار في بداية الهجرة من الفقراء فأنزل الله فيه وفي أمثاله الآية (لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ..... ) .
أما صاحبنا فالمهم عنده دفع المنقبة عند الصديق سواءً أصح الدليل أو لم يصح أو كان متناقضاً فلما احتج عليه الخصم بآية الفقراء قال : هو موسر على أصولكم ومن ثم يخرج من الآية ولما احتج عليه الخصم بمنقبة الانفاق في نصرة الإسلام قال:هو فقير كان خياطاً وكان وكان !!
ومن البديهيات عند العقلاء أنه لا يمكن الجمع بين النقيضين فالصديق رضى الله عنه إن كان غنياً سواء على أصولنا أو غيرها استحق مدح النبي بالنفقة وإن كان فقيراً استحق مدح القرآن بأنه من المهاجرين الذي خرجوا من ديارهم وأموالهم ولا خيار للخصم بين الحالتين فهو يستحق المدح على كل حال بل هو صاحب المدح في الحالتين كما سبق بيانه فرضى الله عنه وارضاه ولعن مبغضيه وأخزاهم إلى يوم القيامة .
دفع الإجماع على خلافة الصديق
وحيث احتج عليه الخصم بإجماع المسلمين على خلافة الصديق تطبيقاً للآية الكريمة : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَىَ وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّىَ وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً) [ النساء : 115]
** رد المرتضى **
فقال المرتضى : وأما ما اعتمد عليه من دعوى الإجماع على إمامته فقد سلف الكلام على بطلان هذه الدعوى وبينا أن الإجماع لم يثبت قط على إمامته ج4 ص10 .
تناقض المرتضى
ولما احتج عليه الخصم بأن أبا بكر لم يكن من القوة التى تجعل علياً يخافه ويستعمل التقية .
قال المرتضى : وأي قوة تزيد على من اجتمع عليه أكثر المسلمين وانقادوا له من الأولين والآخرين وسموه خليفة رسول الله وأنزلوه منزلته وأطاعوه طاعته ج3 ص258
** التعليق **
أولاً : لماذا انقاد له الأولون والآخرون من المهاجرين والأنصار وهو لا يملك في ذاك الوقت ما يجبرهم على هذه الطاعة والأنقياد ؟ لا جواب : إلا الإقرار بفضله عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين ، والمؤمنون الذين بايعوه هم الذين قال الله عنهم : ( وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [ التوبة : 100] فكيف يجتمع هؤلاء على ضلال ورده وقد رضى الله عنهم وأعد لهم جنات خالدين فيها ووعد الله لا يخلف ؟ .
ثانياً : الذي احتج به القاضي عبد الجبار على المرتضى من بيعة المهاجرين والأنصار وأن من خرج عليهم خرج عن سبيل المؤمنين هو بعينه الذي احتج به على رضي الله عنه على معاوية بعد مبايعة المهاجرين والأنصار له واعتبره إجماعاً حتى مع مخالفة أصحاب معاوية له ، هذا مع العلم أن أصحاب معاوية كانوا عشرات الألوف بالإضافة إلى الخوارج الذين كان عددهم يزيد عن ثمانية آلاف وكان الإمام يعتبرهم مسلمين خارجين على طاعته .
وأما الذين تأخروا عن بيعة أبي بكر فكانوا أفراداً معدودين يعدون على الأصابع حتى أن غلاة الشيعة ومنهم المرتضى يروون في كتبهم أن الناس بعد وفاة النبي كانوا أهل رده إلا ثلاثة – سلمان والمقداد وأبو ذر – روضة الكافي ج8 ص 246 ومع هذا كله كان الإمام على يحتج بهذه البيعة ويعتبرها إجماعاً ويعتبر الخارجين عنها خارجين عن سبيل المؤمنين وهاك كلامه بالنص والحرف في نهج البلاغة الذي جمعه شقيق المرتضى – الشريف الرضا – وقيل أن المرتضى هو الذي جمعه – من خطب ومواعظ الإمام على رضى الله عنه قال في كتابه إلى معاوية ( إنه بايعني القوم الذي بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ) نهج البلاغة ص418 فانظر أيها القارئ يا طالب الحق .
كيف يقر المرتضى بأن الصديق اجتمع عليه أكثر المسلمين الأولين والآخرين وسموه خليفة رسول الله وانقادوا له وأطاعوه ثم هو يعلم أن الإمام على احتج بهذه البيعة وأنه قال : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار وإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان لله رضا ) ومع هذا كله يكابر ويغالط ويطعن في بيعة الصديق ويعتبر من بايعه أو اعتقد صحة بيعته كافراً مرتداً !!
وهذا كله ليعلم القارئ أن القاضي عبد الجبار ليس من أهل السنة والجماعة إنما وهو رأس من رؤوس المعتزلة – مذهبه في التوحيد والصفات هو مذهب المرتضى ولكنه في موضوع الإمامة نطق بالحق .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق