بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد
إن من صفات ربنا الجليل أنه سميع ؛ يسمع جميع الأصوات فلا يختلط عليه صوت بصوت ، يسمع دبيب النملة السوادء على الصخرة الملساء في الليلة السوداء .
قال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه : (( الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها فكان يخفى علي كلامها فأنزل الله عز وجل : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } )) رواه النسائي ، والبخاري تعليقا .
فهذا نعت ربنا ، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء قال الله تعالى : (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) [النمل : 62]
فيا من تستغيث بالجيلاني والعيدوس والبدوي وغيرهم من المخلوقين في تفريج الكرب وكشف الشدة ، والنجاء من ظلمات البحر إذا اشتد وأيقن الهلاك وما شابهها من كرب ؛ هل مَنْ تستغيث بهم من المخلوقين وسع سمعهم الأصوات ، وهل هم من يجيب المضطر إذا دعاهم ويكشفون السوء عنه إذا نادهم ؟؟
فإن قلت : نعم ، فراجع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتعلم حقيقة الرب وحقيقة العبد .
وإن قلت : لا ، فلماذا تلجأ إلى من لا يسمعك ولا يجيبك إذا اضطررت ، ولا يكشف السوء عنك ؟؟؟
فإن قلت : ادعوهم من دون الله لأنهم يشفعون لي عند الله عز وجل فأنا العبد المذنب .
قيل لك ، الله عز وجل الذي وسع سمعه الأصوات يقول : (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) [غافر : 60] ، فإذن دعوته ضمن لك الاجابة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء
)) رواه الترمذي وحسنه الألباني .
فالله عز وجل على جلالته وعزته وعظمته يقول لك ادعوني ، وانت تستكبر ، فالمشركون كانوا يعتذرون بنفس هذا العذر قال الله تعالى : (( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) [يونس : 18] ، وقال تعالى : (( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )) [الزمر : 3]
ومع ذلك جعلهم الله تعالى من المستكبرين عليه قال تعالى : (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) [غافر : 60]
فلا تكن ممن يستكبر على الله عز وجل فهو الذي وسع سمعه جميع الأصوات دون استثناء ، وهو الذي جيب المضظر إذا دعاه ، والذي امر بأن يدعى ، ومن لا يدعوه عرض نفسه لغضب الله عز وجل كما جاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال : (( من لم يدع الله سبحانه غضب عليه )) وراه ابن ماجه وحسنه الألباني .
فيا أيها المشتغيث بالمخلوقين لماذا تترك التوجه إلى الله تعالى وتتوجه إلى خلقه وقد أمرك بدعائه ؟؟!!
تأمل وراجع نفسك وقارن بين بالتوجه إلى الله عز وجل والتوجه إلى المخلوقين .
فشتان بين الخالق والمخلوق .
ثم تأمل فالاستغاثة ؛ التوجه للمخلوقين أقل ما يقال فيها أنها مسألة خلافية بين الشرك والايمان ، والتوجه إلى الله عز وجل ليس فيه خالف بين المسلمين بل هو الأصل وهو الذي دلت عليه نصوص الشريعة الصريحة .
وتأمل التوجيه النبوة في هذه المسألة التي إذا اتبعت نجوت من الشبهات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )) رواه مسلم
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم آمين آمين آمين
===============
رسالة خرج من أخ مشفق ناصح
أبو عثمان
وفيه مناقشة وردود طيبة
(( يا أخي الله يكشف السوء و يجيب المضطر حقيقة بذاته و قدرته الذاتية التي لا تحدها قدرة و لا قوة، و المخلوق يكشف السوء و يجيب المضطر لكن بإذن الله تعالى و بقدرة الله التي أقدرته و لو شاء الله ما كشف المخلوق سوء و لا قدر على شيء ))
أولا الاحتجاج بالمشيئة هي نفس حجة المشركين في عبادة الاصنام قال الله تعالى : (( وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )) [الزخرف : 20] ، وجعل الله تعالى هذا من تخرصهم فلذلك قال تعالى : (( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) [الأحقاف : 4]
وايضا:
(( التوجه الى الخلق جائز بالإجماع ..و لا يكون شركا إلا إذا اعتقد المتوجه في المطلوب الاستقلال بالفعل و النفع و الضر من غير مشيئة الله تعالى ))
الدليل على ما تقول بارك الله فيك في تحديد أن لا يكون شركا إلا اذا عتقد الاستقلالية بالفعل .. الخ ؟؟
المشركون كانوا يعتقدون ان الله تعالى هو الضار والنافع والمستقل بالفعل ولكنهم كانوا يعبدون معه غيره قال الله تعالى : (( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ )) [الزمر : 38]
ولما كان المشركون يعتقدون انه لا يقع أمر إلا بمشيئة الله تعالى احتجوا بهذا على جواز فعلهم من عبادة الاوثان قال الله تعالى : (( وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )) [الزخرف : 20]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق