بسم الله والصلاة و السلام على رسول الله و من والاه
كنت أبحث عن شئ بخصوص الصلاة في حجرة فيها قبر فعثرت على هذا المقال فألفيته نافعا بالجملة على اختصاره وفيه اجابات لشبه قد طرحت عليّ في السابق.
كنت أبحث عن شئ بخصوص الصلاة في حجرة فيها قبر فعثرت على هذا المقال فألفيته نافعا بالجملة على اختصاره وفيه اجابات لشبه قد طرحت عليّ في السابق.
شبهة القول بجواز بناء المشاهد والأضرحة على القبور
كرَّم الإسلام المسلم ميتاً كما كرمه حياً، وجعل له من الحرمة والمكانة ما يليق به، فأوجب تغسيله، وتطييبه، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين.
ولم ينته الأمر عند هذا الشأن بل أوجب حماية قبره من كل امتهان، فحرم المشي والقعود عليه، والاستناد إليه، وحث على زيارته، والسلام عليه، والدعاء له، في دلالة على أن الموت لا يقطع صلة الأحياء بالأموات .
إلا أن الناس لم يقفوا عند حدود الشرع في التعامل مع قبور موتاهم، مما أدى إلى بروز مظاهر الغلو والانحراف، فمنهم من أصبح القبر قبلة صلاته، وموطن سجوده، ومكان طوافه، وملجأه في شدته وكربته، وموضع نذره وذبحه، في منكرات متعددة حاربها العلماء وبينوا بطلانها، وليس آخر قائمة الغلو في تعظيم القبور بناؤها وتشييدها حتى نافس بنيانها كثيراً من بيوت الأحياء، بل ومنازل الأمراء، فزخرفت جدرانها، ورفعت سقوفها، الأمر الذي يناقض تماماً ما جاء به الشرع وحث عليه .
حيث قصد الشارع أن تكون القبور سبباً للعبرة وموطناً للذكرى، لا يقطع زائرها شيء عن التفكر في الموت والدار الآخرة، فلا يصده قبر مزخرف، ولا بناء مزين، وإنما ينظر إلى القبور فيراها متساوية في كل شيء، لا فرق بين قبر أمير ولا حقير، ولا قبر غني ولا فقير فالكل في هذه الدار سواء، ولا يفرق بينهم إلا أعمالهم .
ولتحقيق هذه الغاية حرم الإسلام البناء على القبور وتلوينها وزخرفتها، وحرّم رفع القبر فوق مقدار شبر، والكتابة عليه، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، أو يكتب عليه ) رواه ابن ماجة ، ولم يكتف – صلى الله عليه وسلم – بهذا النهي، وإنما أمر بتسوية ما علا من القبور، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) رواه مسلم . وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه – أن النبي – عليه الصلاة والسلام – ( أمر بتسوية القبور ) رواه مسلم .
وعلى هذا مضى عهد السلف الصالح فلم يكونوا يرفعون قبورهم سوى مقدار شبر حتى تعرف، ولم يكونوا يبنون حولها المشاهد والأضرحة، أو يزينونها بأنواع الزخارف والستور .
ومع جلاء هذا الأمر ووضوحه إلا أن طوائف ممن غلت في القبور خالفت هذا النهج عملياً، وراحت تستدل له نظرياً بأدلة من الكتاب والسنة، فذكروا أن رفع القبور والبناء عليها قد شهد له القرآن وأقرّه، وذلك في قصة أصحاب الكهف حين اختلف الناس فيما يفعلون بهم بعد موتهم، فمنهم من قال: ابنوا عليهم بنياناً، ومنهم من قال: لنتخذن عليهم مسجداً، مما يدل على أن مطلق البناء غير ممنوع، قال تعالى: { إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا }(الكهف: 21) .
وذكروا أن المسلمين عندما فتحوا البلاد وجدوا الأبنية على قبور الأنبياء فلم يهدموها، ولم يسووها بالأرض، بل تركوها كما كانت، ولو كان البناء على القبور عملا محرَّماً في الإسلام، لكان الفاتحون أول من هدم تلك الأبنية .
وقالوا: وإذا كان هذا حال المسلمين الأوائل في التعامل مع المشاهد فإن حال المتأخرين منهم لا يختلف كثيرا في إقرار تلك الأبنية وتشييدها، ومما يدل عليه قول السمهودي ( المتوفّى 911هـ ) في كتابه "وفاء الوفاء" وهو يصف بقيع الغرقد: " قد ابتنى عليها مشاهد، منها المشهد المنسوب لعقيل بن أبي طالب ، وأُمّهات الموَمنين، تحوي العباس والحسن بن علي .. وعليهم قبة شامخة في الهواء، قال ابن النجار: .. وهي كبيرة عالية، قديمة البناء "
ومما ذكروه في الاستدلال على جواز تشييد الأبنية على القبور ، أن ذلك كان من هدي الصحابة – رضوان الله عليهم -، فقد جاء في كتاب أنساب الأشراف: " أنّه لما ماتت زينب بنت جحش - رضي الله عنها - سنة عشرين صلّى عليها عمر – رضي الله عنه -، وكان دفنها في يوم صائف، فضرب عمر على قبرها فسطاطاً.
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عمران بن أبي عطاء قال: شهدت وفاة ابن عباس فوليه ابن الحنفية فبنى عليه بناء ثلاثة أيام .
الرد على من أجاز البناء على القبور
وقد ردَّ العلماء على ما أورده أنصار بناء الأضرحة والمشاهد على القبور بأن الاستدلال بقصة أصحاب الكهف لا يجوز أن ترد به النصوص النبوية الصريحة في منع البناء، لأن غاية ما يمكن أن يقال – لو صح الاستدلال بقصة أصحاب الكهف – أنه شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه، وقد أتى شرعنا بتحريم البناء على القبور واتخاذها مساجد، فوجب تقديم شرعنا على شرع من قبلنا .
أما قولهم: إن المسلمين فتحوا كثيرا من البلاد ووجدوا قبور الأنبياء مبنية، ولم يصدر عنهم أي ردّ فعل سلبي تجاهها، فقول باطل، ومحض افتراء على الصحابة والفاتحين، ولدينا من الشواهد التاريخية ما يناقض الذي ذكروه، حيث ذكربعض المؤرخين أن الصحابة عندما وجدوا قبر دانيال بالسوس – بلدة بإقليم الأهواز بإيران - وكان الناس يستسقون به، كتبوا إلى الخليفة عمر - رضي الله عنه - بذلك فأمرهم أن يدفنوه ويخفوا قبره ففعلوا . وذلك خشية أن يفتتن الناس به .
وأما القبر المنسوب إلى إبراهيم - عليه السلام - في الخليل من مدن فلسطين فلم يكن مبنياً زمن الفتح الإسلامي، وإنما كان موجوداً في مغارة مسدودة بلا باب، فتركه الصحابة على حاله، حتى إذا استولى النصارى على فلسطين في أواخر المائة الخامسة، بنوا عليه بناء واتخذوه كنيسة، ثم لما استنقذ المسلمون منهم تلك الأرض اتخذه من اتخذه من المسلمين مسجداً .
أما احتجاجهم على صحة البناء على القبور بما حدث في العصور المتأخرة من البناء عليها وتشييدها فهو استدلال بموضع النزاع، إذ أن هذا هو ما ننكره ونراه خروجا عن الشرع، فكيف يحتج به على الجواز، وكان الأولى بهم أن يرجعوا إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد الصحابة حيث لم يكن على عهدهم مشهد مبني على قبر نبي، ولا قبر غيره . ولم يزد ارتفاع قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – عن مقدار شبر، فعن غنيم بن بسطام قال: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في إمارة عمر بن عبد العزيز ، فرأيته مرتفعاً نحوا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه " رواه الآجري في كتابه "صفة قبر النبي ".
وأما القول: بأن هذه المشاهد والأضرحة لم ينكرها العلماء، فهو مردود بنصوص العلماء أنفسهم الدالة على عدم جواز رفع القبر زيادة على مقدار شبر، ولا البناء عليه، ولم يقل أحد منهم بإباحته فضلاً عن استحبابه. يقول العلامة الشوكاني : " والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك ، ومِنْ رْفعِ القبور الداخلِ تحت الحديث دخولاً أولياً القبب والمشاهد المعمورة على القبور". وقد ذكر الإمام الشافعي في كتابه "الأم" : أنه رأى الأئمة بمكة يهدمون ما بني من القبور . فكيف يقال بعد هذا أن أئمة الإسلام قد أقروا تلك الأبنية والأضرحة والمشاهد؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
أما الاستدلال بما روي عن بعض الصحابة من فعل ذلك، فمردود بأن ما ذكروه عن الصحابة – لو صح عنهم - هو ضرب فساطيط - وهي بيوت من الشعر - لغرض الاستظلال بها عند الدفن والزيارة، كما هو مبين في أثر دفن زينب بنت جحش ، وكما يدل عليه توقيت الفسطاط الذي ضربه محمد بن الحنفية على قبر ابن عباس – رضي الله عنه - .
ومع ذلك فقد خالف في ضرب الفساطيط على القبور عدد من الصحابة منهم أبو هريرة و أبو سعيد الخدري ، ورأى فيها محمد بن كعب بدعة محدثة ، كما روى ذلك ابن أبي شيبة .
فظهر بهذا أن البناء على القبور لا يجوز، وأنه من المحدثات التي ينبغي إزالتها عند القدرة، لمخالفتها لأمر الشارع ومقصوده، فضلاً عما فيها من إضاعة المال فيما لا يعود نفعه على حي ولا ميت.
المصدر و التاريخ: الاحد 02/07/2006 (الشبكة الإسلامية)
أما قولهم: إن المسلمين فتحوا كثيرا من البلاد ووجدوا قبور الأنبياء مبنية، ولم يصدر عنهم أي ردّ فعل سلبي تجاهها، فقول باطل، ومحض افتراء على الصحابة والفاتحين، ولدينا من الشواهد التاريخية ما يناقض الذي ذكروه، حيث ذكربعض المؤرخين أن الصحابة عندما وجدوا قبر دانيال بالسوس – بلدة بإقليم الأهواز بإيران - وكان الناس يستسقون به، كتبوا إلى الخليفة عمر - رضي الله عنه - بذلك فأمرهم أن يدفنوه ويخفوا قبره ففعلوا . وذلك خشية أن يفتتن الناس به .
وأما القبر المنسوب إلى إبراهيم - عليه السلام - في الخليل من مدن فلسطين فلم يكن مبنياً زمن الفتح الإسلامي، وإنما كان موجوداً في مغارة مسدودة بلا باب، فتركه الصحابة على حاله، حتى إذا استولى النصارى على فلسطين في أواخر المائة الخامسة، بنوا عليه بناء واتخذوه كنيسة، ثم لما استنقذ المسلمون منهم تلك الأرض اتخذه من اتخذه من المسلمين مسجداً .
أما احتجاجهم على صحة البناء على القبور بما حدث في العصور المتأخرة من البناء عليها وتشييدها فهو استدلال بموضع النزاع، إذ أن هذا هو ما ننكره ونراه خروجا عن الشرع، فكيف يحتج به على الجواز، وكان الأولى بهم أن يرجعوا إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد الصحابة حيث لم يكن على عهدهم مشهد مبني على قبر نبي، ولا قبر غيره . ولم يزد ارتفاع قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – عن مقدار شبر، فعن غنيم بن بسطام قال: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في إمارة عمر بن عبد العزيز ، فرأيته مرتفعاً نحوا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه " رواه الآجري في كتابه "صفة قبر النبي ".
وأما القول: بأن هذه المشاهد والأضرحة لم ينكرها العلماء، فهو مردود بنصوص العلماء أنفسهم الدالة على عدم جواز رفع القبر زيادة على مقدار شبر، ولا البناء عليه، ولم يقل أحد منهم بإباحته فضلاً عن استحبابه. يقول العلامة الشوكاني : " والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك ، ومِنْ رْفعِ القبور الداخلِ تحت الحديث دخولاً أولياً القبب والمشاهد المعمورة على القبور". وقد ذكر الإمام الشافعي في كتابه "الأم" : أنه رأى الأئمة بمكة يهدمون ما بني من القبور . فكيف يقال بعد هذا أن أئمة الإسلام قد أقروا تلك الأبنية والأضرحة والمشاهد؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
أما الاستدلال بما روي عن بعض الصحابة من فعل ذلك، فمردود بأن ما ذكروه عن الصحابة – لو صح عنهم - هو ضرب فساطيط - وهي بيوت من الشعر - لغرض الاستظلال بها عند الدفن والزيارة، كما هو مبين في أثر دفن زينب بنت جحش ، وكما يدل عليه توقيت الفسطاط الذي ضربه محمد بن الحنفية على قبر ابن عباس – رضي الله عنه - .
ومع ذلك فقد خالف في ضرب الفساطيط على القبور عدد من الصحابة منهم أبو هريرة و أبو سعيد الخدري ، ورأى فيها محمد بن كعب بدعة محدثة ، كما روى ذلك ابن أبي شيبة .
فظهر بهذا أن البناء على القبور لا يجوز، وأنه من المحدثات التي ينبغي إزالتها عند القدرة، لمخالفتها لأمر الشارع ومقصوده، فضلاً عما فيها من إضاعة المال فيما لا يعود نفعه على حي ولا ميت.
المصدر و التاريخ: الاحد 02/07/2006 (الشبكة الإسلامية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق