لماذا لم يهدم الصحابة رضوان الله عليهم صنم ( أبو الهول ) عندما افتتحوا مصر ؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد، فقد مرّ على خاطري سؤال :
لماذا لم يهدم الصحابة رضوان الله عليهم صنم ( أبو الهول ) عندما افتتحوا مصر ؟
هل لصعوبة تهديمه أم لأمرٍ آخر ؟
فراسلني الأخ عمر بن عبد الهادي حفظه الله بالمقالة التالية، جزاه الله خيراً :
قال الكاتب خالد الغليقة :
الحجة الأخرى لمن يرى ترك التماثيل والأصنام في هذا الزمن: أن الصحابة رضي الله عنهم دخلوا مصر زمن عمر بن الخطاب ولا يعرف عنهم هدم الأصنام وتكسير الأوثان الفرعونية.
الجواب على هذه الشبهة:
أولاً: لا يعارض صريح القرآن وظاهر السنة بعمل صحابي ولو كان أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما للصحابة عندما اعترضوا عليه بقول أبي بكر وعمر قال: (توشك أن تقع عليكم حجارة من السماء، أقول قال الله وقال الرسول، وتقولون قال أبو بكر وعمر).
ثانيًا: أن هذا الكلام من الناحية التاريخية فيه عدة أخطاء وملاحظات وهي كالتالي:
1 ـ لم يثبت من الناحية التاريخية أن الصحابة رضي الله عنهم تركوا هدم هذه التماثيل وليس هناك دليل على الترك، فالأصل أنهم مؤتمرون بأمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في كسر الأوثان وهدم الأصنام هذا هو الأصل فيهم، ومما يدل على أن هذا الأصل فيهم وصية كبار الصحابة لأتباعهم بذلك كما في وصية علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي، فهذا هو الأصل والناقل عنه يحتاج إلى دليل.
2 ـ أن هذه التماثيل الفرعونية الموجودة الآن بمراجعة ما كتب عنها وما كتب عن تاريخ اكتشافها يتبين أنها لم تكن موجودة في وقتهم قطعًا بل إن تسعة وتسعين بالمائة منها لم يعثر عليه ولم يكتشف إلا على أيدي الرحالة الغربيين وفرق التنقيب والاستكشافات منذ قرنين فقط؛ يتضح هذا بمراجعة كتب الآثار الفرعونية وكتب تاريخ مصر القديم فعلى كل تمثال تاريخ استكشافه. وهذا واضح جدًّا جدًّا.
ولهذا لما سئل المؤرخ الزركلي: هل رأى الصحابة الأهرامات وأبا الهول عندما دخلوا مصر قال: (كان أكثرها مغمورًا بالرمال ولا سيما أبا الهول).
أما النسبة المتبقية من التسعة والتسعين بالمائة لا نستطيع الجزم بنفيه نفيًا قاطعًا وهو وجود رأس أبو الهول فهناك احتمال أنه كان ظاهرًا زمن الفتح الإسلامي؛ فممن ذكره المؤرخ التجيبي السبتي المتوفى سنة (730هـ) في كتابه (مستفاد الرحلة والاغتراب) فقد قال تحت عنوان «أبو الهول»: (وبمقربة من هذه الأهرام الثلاثة رأس صورة من حجر جعله هائل المنظر على صورة رأس الإنسان، غير أنه غاية في الكبر قد قام كالصومعة العظيمة...) .
وممن ذكره من المؤرخين ابن فضل العمري المتوفى سنة (749هـ) في كتابه (مسالك الأبصار) قال: (أما أبو الهول فهو صنم بقرب الهرم الكبير في وهدة منخفضة وعنقه أشبه برأس راهب حبشي) .
وممن ذكره كذلك المؤرخ المقريزي المتوفى سنة (845 هـ) .
والرد على وجود رأس أبو الهول زمن دخول الصحابة رضي الله عنهم مصر من ثلاثة وجوه:
أولاً: ليس هناك دليل قاطع يدل على أنهم رأوه وتركوه وكما سبق الأصل فيهم الاقتداء والاتباع والاستجابة لمطلب الشريعة؛ فالظن بهم أنهم لو رأوه لما تركوه، فمن خالف هذا الأصل فهو مطالب بالدليل. والقول بأنهم رأوه وتركوه احتمال؛ لأنه لم يثبت تاريخيًّا ويقابله احتمال آخر بأنهم لم يروه.. وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال، فضلاً عن مخالفته للأصل في الصحابة وهو الاستجابة والإتباع لأمر الشارع بالهدم والكسر.
ثانيًا: تنزلاً مع القول بهذا الاحتمال أنهم (رأوا هذه التماثيل وتركوها) أنه لا يلزم من هذه الرؤية أنهم كانوا يستطيعون تكسيرها أو هدمها، فعدم الاستطاعة مانع، والأحكام الشرعية منوطة بالاستطاعة كما قال سبحانــه: « فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ »، فعدم الاستطاعة مانع فإذا كانت حركة طالبان لم تستطع هدم تمثالي (بوذا) بسهولة ويسر في هذا العصر عصر التقنية المتطورة، فمن ألف وأربعمائة سنة من باب أولى وأولى بالعجز وعدم القدرة.. ودليل ذلك أن الخليفة هارون الرشيد لم يستطع هدم (إيوان كسرى) وكذلك الخليفة المأمون لم يستطع هدم (الأهرام) مع أن أدوات الهدم والتكسير في عهدهما أكثر تطورًا واستطاعة.
ثالثًا: بما أن القول بأن (رأس أبو الهول) كان ظاهرًا زمن الفتح احتمال يقابله احتمال بعدم ظهوره وهذا الاحتمال أقوى وأرجح تاريخيًّا؛ ودليل ذلك أن المؤرخ (هيرودت المتوفى سنة 430 قبل الميلاد لم يذكر (أبا الهول) في رحلته الشهيرة ألبتة، بل ذكر (الأهرام) في الجيزة ووصفها ووصف المنطقة، وحلل كثيرًا مما شاهده ولم يذكر (أبو الهول) ورحلته عمدة في دراسة المنطقة، فهذا يدل على أنه كان مطمورًا بالرمال في زمنه ويدل على هذا ويقويه أن كثيرًا ممن تكلم عن المنطقة التي يقع فيها (أبو الهول) وصفوها بأن رمالها متحركة جدًّا وبين زمن المؤرخ (هيرودوت) 430 قبل الميلاد وزمن الفتح الإسلامي لمصر سنة 636 ـ 642م ما يقارب ألف سنة، فمعنى هذا أن رأس (أبو الهول) قد يظهر في زمن ويختفي في زمن آخر بسبب الرمال المتحركة، فيحتمل أنه في زمن الفتح الإسلامي كان مغطى بالرمال أيضًا؛ ولهذا لما ظهر ذكره المؤرخون المسلمون وجاء من يرى في رأس (أبو الهول) أنه منكر يجب إزالته فقد ذكر المقريزي: (ففي زمننا ـ القرن التاسع ـ كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء قام نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات وسار إلى الأهرام وشوه وجه (أبي الهول) وشعثه فهو على ذلك إلى اليوم ومن حينه غلب الرمل على أراضٍ كثيرة من الجيزة وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه (أبي الهول) ولله عاقبة الأمور).
وهذا الاعتقاد من أهل تلك النواحي من الشرك الأصغر والتي قامت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على النهي عنه والتحذير منه فقال «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد أو حياته» ونهى عن القول (مطرنا بنوء كذا وكذا بل مطرنا بفضل الله ورحمته) لكن يستفاد من هذه الحكاية أن رمال المنطقة متحركة، ويستفاد أيضًا أن أهل تلك المنطقة لم يكونوا على عقيدة راسخة تعرف أن دين الأنبياء وخاصة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم قائم على محاربة وسائل الشرك والتي منها التماثيل والأصنام. بل هذه العقيدة المخالفة ليست مقتصرة على أهل تلك المنطقة، بل هناك من شابههم في العالم الإسلامي لم يكونوا بدرجة واعية تجاه هذه التماثيل الموجودة.. ودليل ذلك انتشار الأضرحة والعقائد الشركية فهذه الأزمان بهذه الانحرافات ليست حجة، وعدم الوعي العقدي عند بعض المسلمين ليس دليلاً شرعيًّا نعارض به قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: « وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » [الأنعــام: 74] وقولـه تعالى « وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ » [الأنبياء: 57] وقوله تعالى: « فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ » [الصافات: 91-95] وقولـه تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام في قصته مع السامري: « قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا» [طه: 97] وكيف يعارض احتمال أن الصحابة رأوا هذه التماثيل وتركوها بالأمر اليقين من قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبرًا إلا سويته» وقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن عبسة حين سأله بأي شيء أرسلك الله؟ قال: «بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيئًا» .
وقولـه عليه الصلاة والسلام: «إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأمرني ربي عز وجل بمحق الأوثان».
بل لو ثبت يقينًا أن عمرو بن العاص ومن معه من الصحابة الذين دخلوا مصر تركوا كسر الأوثان والأصنام فلا يعارض هذا بتكسير الرسول صلى الله عليه وسلم التماثيل عندما دخل مكة ولا يعارض وصيته بذلك.
فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم،
فقال سبحانه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»[الأحـزاب: 21]،
وقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » [الحشر: 7] والله سبحانه وتعالى لن يسأل الناس عن استجابتهم لأحد يوم القيامة غير الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: « مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ » [القصص: 65].
المزيد هنا :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق