بسم الله
س: شبهة الكسب والتسبب أو ما يُسمى بالمجاز العقلي يدندن حولها كثير من القبوريين اليوم في تبرير شركياتهم فما حقيقة هذه الشبهة ؟ ، وأود من المشايخ وطلبة العلم الفضلاء بيان تهافتها أو إحالتنا على مراجع في ذلك، كما أود معرفة أول من قال بها ، وجزاكم الله خيرا.
ج:
س: شبهة الكسب والتسبب أو ما يُسمى بالمجاز العقلي يدندن حولها كثير من القبوريين اليوم في تبرير شركياتهم فما حقيقة هذه الشبهة ؟ ، وأود من المشايخ وطلبة العلم الفضلاء بيان تهافتها أو إحالتنا على مراجع في ذلك، كما أود معرفة أول من قال بها ، وجزاكم الله خيرا.
ج:
المراد بالمجاز العقلي هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس لـه غير ما هو لـه ([1]) ، ومُرادهم أنّ النّاس إذا توسلوا بالنبي ح أو بغيره من الأنبياء والصالحين لم يعبدوهم ، ولا أخرجهم ذلك عن توحيدهم لله تعالى ، وأنه هو المنفرد بالنفع والضرر ، وأنّه يجوز قول القائل : أسأل الله تعالى برسوله ؛ لأنه سائل لله تعالى لا لغيره([2]) ، ولاشك أنّ هذا الكلام باطل ومردود ! ، وقد جرَّت هذه الشبهة القبوريين إلى القول بجواز صرف بعض العبادات لغير الله ، وأنّ ذلك من قبيل الأخذ بالأسباب وليس من باب الشرك بالله ، ولا يعدّ ذلك عبادة لغير الله تعالى ، والفاعل لذلك مسلمٌ موحد ! فطلب الغوث والدعاء والاستعانة بالأنبياء والصالحين على سبيل الكسب والتسبب ، ومن الله تعالى على سبيل الخلق والإيجاد.
والذي يظهر لي أنّ أول من قرر شبهة المجاز العقلي في صرف بعض العبادات لغير الله هو أبو الحسن علي بن عبدالكافي السبكي في كتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، ولا شك أنّ ما تشبث به السبكي ومقلّدوه في هذه الشبهة باطلٌ ومردود.
إذ أنّ من المعلوم بالدين بالضرورة أن العبادة لا يجوز صرفها لغير الله ؛ وهذا محل اتفاق لا نزاع فيه؛ بل هذه الشبهة هي نظير ما قاله المشركون الأولون ! عن أوليائهم الذين عبدوهم من دون الله، وقد حكى الله U ذلك في كتابه الكريم على لسانهم فقالI:{ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [سورة الزمر:3]، ويقول I :{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[سورة يونس:18]، فسمّاهم الله U مشركين ، وهم يعتقدون أنّ هؤلاء الأولياء مجرد وسائط بينهم وبين الله U في قضاء حوائجهم ، فدعاء الأحياء للأموات فيما لا يقدر عليه إلا الله ليس هو من باب التسبب ، وإنما الذي جعله ذلك هم عباد الأصنام([3]) .
وقد ادّعى القبوريون : أنّ الاستغاثة : طلب الغوث من الخالق وهو الله تعالى ، وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه على سبيل الكسب ، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي r، وفي هذين القسمين تعدى الفعل تارة بنفسه كقوله تعالى :{ﭑ ﭒ ﭓ}، { ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ }[سورة القصص:15]، وتارة بحرف الجر كما في كلام النحاة في المستغاث به ، وفي كتاب سيبويه : " فاستغاث بهم لينشروا له كليباً " ... ، واستغيث بالله بمعنى طلب خلق الغوث منه ؛ فالله تعالى مستغاث فالغوث منه خلقاً وإيـجاداً ، والنبي r مستغاث والغوث منه تسبباً وكسباً .
ولاشك أنّ هذا الكلام باطلٌ من وجوه :
(1) الأدلة التي استدلوا بها على تسويغ طلب الإغاثة ! حجة عليهم لا لهم ؛ فالاستغاثة الجائزة إنما تكون من الأحياء فيما يقدرون عليه، كما حصل أن استغاث الإسرائيلي موسى -u- ليُخلصه من عدوه القبطي ، فالاستغاثة بالأحياء لدفع الشدائد التي يقدرون على دفعها جائز ، بخلاف الاستغاثة بالأموات فلا تجوز بحال([4]).
(2) لقد كان الصحابة –رضي الله عنهم- يُبْتلون بأنواع البلاء، ولم يكن أحد منهم يأتي قبر الرسول r أو قبر غيره من الأنبياء لطلب الدعاء والتوسل به، فهذا مما عُلِم بالاضطرار من دين الإسلام وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أنه غير مشروع([5]) .
(3) أن ثمة فرق بين الباء في ( استغثت به ) والتي يكون المضاف بها مستغاثاً مَدْعُوَاً مسؤولاً مطلوباً منه، وبالاستغاثة المحضة من الإغاثة التي يكون المضاف بها مطلوباً به لا مطلوباً منه ؛ فلفظ الاستغاثة في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما هو مستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به ، وقول القائل استغث به بمعنى طلبت منه الإغاثة لا بمعنى توسلت به فلا يجوز للإنسان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله([6]) .
(4) كون العبد له قدرة كسبية على بعض الأمور فذلك لا يخرجه عن مشيئة الله تعالى ، فلا يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله كالإحياء والإماتة والرزق وغير ذلك من العبادات التي يُعدُّ صرفها لغير الله شرك([7]) .
(5) القول بأن الاستغاثة وما شابهها من الأفعال الشركية على سبيل المجاز لا الحقيقة، قولٌ مردود إذ أنّه وعلى التسليم بوقوع المجاز([8]) فإنّ حد المجاز العقلي لا ينطبق على دعاء الأموات ، وندائهم ، والاستغاثة بهم ، إذا اعتبرنا حال الداعين واعتقادهم؛ فالإسناد الواقع في كلامهم إسناد حقيقي، ولا ينطبق عليه حد المجاز العقلي ، ومن المرجحات لذلك اعتقادهم التأثير والتصرف المطلق في الكون فيمن يدعونهم من دون الله([9]).
وبما سبق يتضح بطلان شبهتي المجاز العقلي والكسب والتسبب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) انظر : التعريفات (ص203) ، التعاريف للمناوي (ص637) .
([2]) انظر : شفاء السقام (ص 254)
([3]) انظر : منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص290-294 ، 272-274) ، البيان المبدي لشناعة القول المجدي للشيخ سليمان بن سحمان (ص 95)
([4]) انظر : تلخيص كتاب الاستغاثة والمعروف بالرد على البكري لابن تيمية ( ص 90 ، 92 ، 124) ، غاية الأماني في الرد على النبهاني للألوسي (1/330) .
([5]) انظر : قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 27)
([6]) انظر : المصدر السابق (ص82-83)
([7]) انظر : غاية الأماني في الرد على النبهاني للألوسي (1/330) .
([8]) اختلف العلماء في وقوع المجاز في اللغة وعدمه، وهذا الخلاف جارٍ في المجاز العقلي ، فقال قوم : بعدم وقوعه مطلقاً ، وقال آخرون : بوقوعه مطلقاً ، وفرق قوم فقالوا : بوقوعه في اللغة دون القرآن ، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية ’ عدم وقوع المجاز مطلقاً لا في القرآن ولا في اللغة وانتصر لـه العلامة ابن القيم ’ بأكثر من خمسين وجهاً .
انظر : الإحكام للآمدي (1/72-79)، الإبهاج شرح المنهاج (1/296-299) ، البرهان للزركشي (1/541) ، والإحكام لابن حزم (4/437)، المسودة في أصول الفقه (ص147) ، الإيمان لابن تيمية (ص81) ، الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض لأبي الحسن السبكي "مخطوط " ، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (ص271)، إرشاد الفحول في علم الأصول (ص51)، المدخل لابن بدران (ص183)، وللاستزادة : منع جواز المجاز في المنـزل للتعبد والإعجاز للشنقيطي .
([9]) انظر : الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب لقزويني (ص27) ، الواسطة بين الله وخلقه عند أهل السنة ومخالفيهم للمرابط الشنقيطي (ص566)
المجاز العقلي : عجلان بن محمد العجلان
المهم :
طهروا بيوت الله من جثث الصوفية
صوفية الشيخ الشعراوي: من دعاء الموتى و ذبح العجول الى زيارة السيدة نفيسة والبدوي وابن الفارض مع الردود / مجموعة فيديوهات
طهروا بيوت الله من جثث الصوفية
صوفية الشيخ الشعراوي: من دعاء الموتى و ذبح العجول الى زيارة السيدة نفيسة والبدوي وابن الفارض مع الردود / مجموعة فيديوهات
طهروا بيوت الله من جثث الصوفية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق