بسم الله الرحمن الرحيم
حوار قبورية حضرموت
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله ، وبعد :
تقدم إلينا بعض الناس في حضرموت للجلوس مع الصوفية للمناقشة فرحبت بذلك وأخبرتهم بعدم الممانعة من التناظر في المسائل المختلف فيها ، وقدمت لهم أصولاً للمناظرة متعارف عليها بين العلماء . وقبل أن يوافقوا على للمناظرة طلبوا منا أولاً الإجابة عن مجموعة من الأسئلة .
وبعد إجابتنا لهم عدلوا عن التناظر . وهذه أسئلتهم وإجاباتنا لهم :
س/1 : اذكر ثلاثة أدلة من الحديث الصحيح تحرم التوسل بالأموات ؟
ج/1 : التوسل عبادة كما قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (35) سورة المائدة ، والعبادة توقيفية بمعنى أن الشارع يوقفنا على أصلها وصفتها وعددها ومكانها وزمانها ، وما كانت مطلقة كالذكر يعمل بها بإطلاق لكن إن حددنا لها صفة من عندنا ومكانا وزمانا ، حتى يصبح ذلك شعارا ، لو تركه تارك لقالوا : ترك السنة وجاء بدين جديد ، هنا ندخل في البدعة ، ولأن ذلك يستلزم في الغالب اعتقاد فضيلة ذاك الزمان أو ذاك المكان أوتلك الصفة فحينئذ إثبات الفضيلة لما ذكر لا بد له من توقيف ، وإلا كنا ممن تقول على الله بلا علم وقد قال تعالى : ({قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (33) سورة الأعراف . فلا يعبد الله إلا بما شرع وهذا محل إجماع ، والأدلة على ذلك ليست ثلاثة ولا عشرة ولا مئة بل هي أكثر من ذلك ، فمن هذه الأدلة قوله تعالى : ({أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ } (21) سورة الشورى ، فعلم من الآية أن التشريع توقيفي لا بد أن يكون بإذن الله . فمن قال التوسل بالأموات جائز فهو الذي يأتي بالدليل على التجويز لأن الآية ظاهرة الدلالة على تحريم الابتداع إلا فيما شرعه سبحانه ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ( من عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) من حديث عائشة رضي الله عنها وفي الصحيحين نحوه ، فالحديث دل على ما دلت عليه الآية وهو أن الأصل في العبادات المنع إلا ما كان من أمره وشأنه صلى الله عليه وسلم .فمجوز التوسل بالأموات إما أن يثبته من سنته صلى الله عليه وسلم وإلا فهو مردود عليه ، لأن التوسل عبادة ، ومنها حديث العرباض بن سارية : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا .. إلى أن قال : ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضو ا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
فنظرنا في التوسل بالأموات فوجدنا هذه العبادة ليست من سنته ولا من سنة الخلفاء الراشدين ، بل هي من محدثات الأمور ، وإلا فعلى مجوز التوسل بالأموات إثبات أنها من سنته أو من سنة الخلفاء الراشدين ، ومنها حديث جابر عند مسلم قال : ( كان رسول الله عليه وسلم إذ خطب احمرت عيناه وعلا صوته إلى أن قال : ( ويقول : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ...) فنظرنا إلى خير الحديث كتاب الله ، وفي خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيه التوسل بالأموات ، فكان من لم يتوسل بالأموات أكمل دينا ممن توسل بهم لإتباعه خير الحديث وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا أظن السائل يقصد بسؤاله دليلا خاصا ينص على تحريم التوسل بعينه ، لأن هذا جهالة محضة ، وضلالات الناس وبدعهم في المشرق والمغرب لا عد لها وغير متناهية فكيف يراد لكل ضلالة من تلك الضلالات دليل خاص يدل عليها ، بخصوصها وباسمها ، وما مثل من يطلب ذلك إلا كمن يطلب دليل على تحريم القات بخصوصه وباسمه ، أو تحريم السينما بخصوصها وباسمها ، أو تحريم الدخان والتنباك - عند من يقول بتحريمهما - بخصوصهما وباسمهما ، أو تحريم العادات السيئة كل عادة باسمها و خصوصها فعلى السائل أن يتذكر أن الأصل في العبادات الحظر والمنع كما دلت عليه الأدلة المتواترة كتابا وسنة ، وأجمعت عليه الأمة ، وأن الأصل في العادات الإباحة وفيه تفصيل ليس هذا موضعه ؛؛ والله أعلم ؛؛ .
س/2 : ما هو التوسل ، وهل يصدق التوسل على الشرك ، وما حكم من توسل بنبي مثلا ً من الأنبياء ، هل يكون مشركا ًَ خارجا ً عن دين الإسلام أم لا ؟
ج/2 : اعلم أن للتوسل معنيين : أحدهما لغوي ، والآخر شرعي ، فالتوسل لغة : يعني التقرب ، والتوسل والوسيلة بمعنى واحد ، قال الجوهري في صحاحه : ( الوسيلة ما يتقرب بها إلى الغير والجمع الوسيل والوسائل ، والتوسيل والتوسل واحدة ، ووسل فلان إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب بعمل ) راجع مختار الصحاح صـ721 .
وجاء في المصباح المنير للفيومي : ( الوسيلة وهي ما يتقرب بها إلى الشيء والجمع الوسائل والوسيل : وقيل لغة فيها وتوسل إلى ربه بوسيلة تقرب إليه بعمل ) راجع المصباح المنير صـ353 .
وقال صاحب اللسان : ( والوسيلة القربة ووسل فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملا ً تقرب به إلى الله ) ، إذن التوسل لغة هو التقرب إلى الغير بعمل ، أما شرعا ً : فهو التقرب إلى الله تعالى بوسيلة شرعها الله ورسوله ، لأن العبادة مبناها على التوقف وعليه فلا يتقرب إلى الله إلا بوسيلة مشروعة , وممن فسر الوسيلة بمعنى القربة ، بن عباس ومجاهد وعطاء والفراء وقتادة . راجع زاد الميسر لابن الجوزي 2/348 .
وقال العماد بن كثير عند تفسير قوله تعالى : ({ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } (35) سورة المائدة
قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن بن عباس : أي القربة ، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وبن زيد ، وقال قتادة : أي تقربوا بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ بن زيد : ({أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } (57) سورة الإسراء
وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلا ف بين المفسرين فيه وأنشد عليه بن جرير قول الشاعر :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل)
ابن كثير صـ2/88، طـ دار إحياء التراث.
فقوله لا خلاف بين المفسرين فيه أي : في معنى الوسيلة إلى الله وهي التوسل أيضاً كما قدمناه من كلام أهل اللغة لا خلاف بينهم أن معناه التقرب لا غير ويؤيد ذلك ما ذكره العلامة محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره فقال : ( التحقيق أن معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم) أضواء البيان صــ2/92 .
فالتوسل إذن هو التقرب إلى الله تعالى بكل عمل شرعه الله ورسوله. وأما قوله في الفرع الثاني من السؤال : وهل يصدق التوسل على الشرك ؟
الجواب : قد عرفنا التوسل في اللغة والشرع ، وعرفنا أنه عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى بما شرعه من الأعمال ، وعلى هذا فالتوسل من أجل العبادات وأعظمها وحقيقته - أي التوسل - تخالف الشرك لأنه فيه تحقيق لعبودية الله تعالى ، ولهذا فقول القائل : هل يصدق التوسل على الشرك سؤال لا معنى له لأن التوسل إخلاص لله في عبادته والشرك يضاده ويخالفه .
ولكن يجب التنبيه إلى شيء آخر وهو أن التوسل يكون عبادة صحيحة مقبولة إذا كان بالمعنى الذي أوضحناه في الجزء الأول من السؤال وهي التقرب إلى الله بعمل شرعه الله ورسوله ، أما إذا لُفِظ التوسل وتضمن معنى غير المعنى الذي وضع له فإن الحكم يكون بحسب المعنى المضمن . فلو سمى المشركون استغاثتهم بأصنامهم توسلا ً فإن الحكم يكون على الاستغاثة لا على التوسل لأنه ثمة فرق بين التوسل والاستغاثة فالتوسل بدعاء الرجل الصالح الحي ليس فيه طلب غوث من الصالح وغاية ما فيه أن يدعو الله لك والله هو الذي يغيث .
أما الاستغاثة ففيها طلب غوث مباشرة من المغيث ولهذا لا يجوز الخلط بين الألفاظ المختلفة المعاني ، وعليه فلا يجوز تسمية التبرك والاستغاثة توسلا ً وإلا لادعى المشركون أن ما يفعلونه مع أصنامهم هو توسل لا غير ، وحتى لو سموا ذلك توسلا فإنه غير مشروع لأن المشروع ما دل عليه الكتاب والسنة ، ولذلك يقول الألوسي في مثل هذا : ( إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء والأحياء منهم والأموات وغيرهم مثل يا سيدي فلان أغثني وليس ذلك من التوسل المباح في شيء ، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لا يحوم حول حماه ) فالخلط بين الألفاظ والمعاني تلبيس قبيح ، وتسمية الاستغاثة توسلا إنما هو من تسمية الشيء بغير اسمه ، وهو شبيه بتسمية الخمر مشروباً روحياً ، وتسمية الكفر ديمقراطية ، ونحو ذلك ؛؛ وبناء على ذلك فالتوسل إذا كان على معناه الموضوع له والمحدد له في اللغة والشرع لم يكن ذلك من الشرك في شيء بل هو من العبادات التي نتقرب بها إلى الله تعالى ؛؛
وأما إذا ضمن معنى آخر نظرنا في ما ضمن فإن كان شركا حكمنا عليه بالشرك وإلا فلا.
س/3 : إذا قلنا أن التوسل بالحي جائز فلم لا نجوز التوسل بالميت لأن المتوسل به هي روحه والروح حية بالإجماع ومرضية عند الله ( خصوصا أرواح الأنبياء والشهداء ) ؟
ج/3 : قولك أننا إذا قلنا: ( إن التوسل بالحي جائز ) كلام فيه نظر ، فقولك ( قلنا ) إن كنت تقصد بها نفسك قد يكون الأمر كما قلت ، وإن كنت تقصد بقولك :( قلنا ) قاصدا التحدث بلساننا فإننا لا نقول بأن التوسل بالحي جائز على إطلاقه ، إذ أننا نعتقد أن التوسل الجائز بالحي هو التوسل بدعائه لا غير ، وقولنا بهذا ليس اعتباطا أو نزوة لإتباع الهوى وإنما سلفنا في ذلك ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته من ذلك الكثير الكثير الذي لا مطعن فيه ، وأما قولك لم لانجوز التوسل بالميت لأن المتوسل به هي روحه ؟
فالجواب : لا يقول بمثل هذا القول عالم ، فإنه لا يجوز لأحد أن يجوز أو يمنع أو يحرم أو يحلل شيئا إلا بدليل ومن استحسن فقد شرع ، والتوسل عبادة مبناها على التوقيف ، وعليه لا يجوز أن نتوسل إلى الله بوسيلة لم يشرع التقرب إلى الله بها ، ولكن نظن بقولك : ( لم لا نجوز ) تريد أن تستدل بالقياس ونحن لا ننكر القياس الصحيح ولكن للقياس شروطا منها : أن لا يكون في العبادات المحضة ومنها وجود علة لأصل في الفرع ، أما قياس الشبه فهو من أضعف أنواع القياس ، ومع ذلك له ضوابطه ، وهذا القياس المذكور يقدح فيه قوادح معروفة عند الأصوليين منها : وجود الفارق فغن القياس عالم البرزخ على الشهادة خلط فإنه قياس مع الفارق ، فلو كان قياس تعلق الروح بالبدن في الدنيا على تعلقها بها في البرزخ صحيحا لما كان هناك معنى من تقسيم ميراث الميت ولا كان معنى لأن تعتد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد وفاته ،ولا معنى لأن يبايع أبو بكر . هذا ومرت بالمسلمين أزمات عظام كحروب الردة وعام الرمادة والفتن بين الصحابة رضي الله عنهم جميعا وغير ذلك ، فلم يكونوا يستغيثون أو يتوسلون بالأموات ، وتحضر معضلات عمر فيجمع لها الأشياخ من أهل بدر ولا يتوسل بروحه صلى الله عليه وسلم ، وهذا الأمر معلوم بالضرورة الشرعية والعقلية ، ولما حدث جدب زمن عمر جمع الصحابة وطلب من العباس أن يدعو فقال : ( اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك وإنا اليوم نتوسل بعم نبيك ، أدع يا عباس ) .والمسألة التي معنا الأصل فيها التوسل بدعاء الرجل الحي والفرع هو التوسل بذات الروح فأين المشرق من المغرب فقد اختلف الفعلان ، كما أن القياس لا يكون إلا لضرورة كما قال الشافعي ، وأين الضرورة لهذا القياس هنا ؟! وأما قولك : ( إن المتوسل به هي روحه ) اعلم أننا سنقول بذلك مثلك ولكن بشرط ثبوت التوسل بروح الميت فإننا لا نتعبد الله إلا بدليل فإن العمل شرطه أن يكون صحيحا وصوابا مخلصا ، ونحن لا نعلم دليلا يثبت دعوة التوسل بروح الميت من نبي أو شهيد حتى نجوز لأنفسنا العمل به .
وأما قولكم : ( إن الروح مرضية عند الله خصوصا أرواح الأنبياء والشهداء ) عبارة تحتاج إلى إيضاح نعم أرواح الأنبياء مرضية بلا شك أما روح الشهيد إن ثبتت شهادته قلنا نعم قد تكون مرضية وقد لا تكون ، لأن الشهيد ربما حبست روحه بدين لم يقضه ، ثم إن الجزم بشهادة فلان أو علان تحتاج إلى دليل قطعي ، نعم نحكم عليه ظاهرا أما روحه فلا نعلم كيف هي لأنه قد يقاتل رياء وسمعة فلا يجزى على ذلك عند الله أبدا ، ثم إنكم عللتم التوسل بالأموات من الأنبياء والشهداء كون أرواحهم مرضية قلنا إن مذهبكم لا يقول بالتوسل بالأنبياء والشهداء فقط .. بل تجوزون التوسل بأناس غير الأنبياء والشهداء ، وبأناس لاتدرون أهم في روضة من رياض الجنة أم في حفرة من حفر النيران ، ومن قال إن كل الأرواح مرضية ؟! وأما الفرع الثاني من السؤال وهو قولكم : ( ما حكم من توسل بنبي مثلا من الأنبياء هل يكون مشركا ؟ )
فالجواب : قولك: ما حكم من توسل بنبي مثلا من الأنبياء ؟ فنحن لا ننكر التوسل بالنبي مطلقا ، فقد ثبت أن الصحابة كانوا يتوسلون بدعائه وحبه وطاعته فقول بنبي من الأنبياء كلام فيه حذف مضاف بعد الباء ، ولا شك في أنكم تقرون بهذا الحذف مثلما نقر نحن ، وإنما اختلفنا في تقدير هذا المضاف المحذوف ، فالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون توسلا بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه ، وإما أن يكون بدعائه وحبه وطاعته فإن كان التقدير بالمعنى الأخير قلنا نعم ، هذا صحيح ، لأنه قد ثبت أن الصحابة كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى اله عليه وسلم في حياته ، وأما التوسل بحبه وطاعته فهذا مشروع لأن طاعته وحبه من أجل العبادات وأعظمها مما يتقرب به إلى الله تعالى ، وإن كان المعنى على التقدير الأول وهو بذاته أو جاهه قلنا هذا التقدير لا نعلم بأنه قد صح أن تُوسل به حتى نقدر هذا المعنى ، وإن كان لديكم دليل صحيح صريح بالتوسل بالذات أو الجاه استمعنا إليكم واتبعناكم عليه .
مع أننا لا نرى أن يقول الرجل إني أتوسل إليك بالنبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة بعد موته حتى ولو كان بالمعنى الذي نعتقد أنه صحيح من التوسل بحبه وطاعته صلى الله عليه وسلم لأن لفظ أتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لفظ موهم مشترك بين ما يجوز وما لا يجوز ، والله قد نهانا عن التلفظ بما يكون موهما لما لا يجوز ولو كان قصد المتكلم صحيحا ، قال تعالى : ( لا تقولوا راعنا ) كما حرر ذلك الطبري وغيره . ومع ذلك فقول القائل : ( أتوسل إليك بنبيك ، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يقصد التوسل بذات النبي وجاهه ليس بشرك ، بل غاية ما نرى فيه أنه توسل مبتدع غير مشروع لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع أن بعض العلماء الأجلاء المشهود لهم بالخير والصلاح قد ذهب إلى هذا ولكن كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
س/4: إذا قال مسلم يشهد أن لا إله إلا لله وأن محمد رسول الله ، اللهم إني أسألك بعبدك محمد صلى الله عليه وسلم أن تغفر لي ، هل هذا الشخص دعا الله تعالى أم دعا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يكون بهذا اللفظ مشركا خارجا عن دين الإسلام أم لا ؟
ج/4: أما قولك : ( إذا قال المسلم : اللهم إني أسألك بعبدك محمد صلى الله عليه وسلم ، أن تغفر لي ) ، فإن هذا الشخص قد دعا الله وحده ولم يدع غيره من نبي ولا ولي ، لأن غاية ما فعله هذا أن سأل الله تعالى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم ، مع أن سؤاله بعبده بهذا اللفظ شبيه بما قد قدمناه في الإجابة عن السؤال الثاني عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن سأل الله بعبده محمد صلى الله عليه وسلم أي بحبه له وطاعته كان ذلك توسلا مشروعا وإن كان توسلا بذاته أو جاهه كان ذلك مبتدعا " والله أعلم "
س/5: مسلم قال : لا إله إلا الله وقال " اللهم بحق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، أن تقضي لي حاجة كذا وكذا ومات فما حكمه ؟ هل مات مشركا أم مسلما ؟
ج/5 : اعلم أن المسلم إذا قال : اللهم بحق نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أن تقضي لي حاجة كذا وكذا ومات ، فحكمه أنه مسلم وهذا ما نعتقده ، وهو ما عليه علماء أهل السنة والجماعة ، فإن القائل بهذا لم يدع غير الله تعالى وإن كان قد سأله بحق نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولفظة بحق نبيك شبيهة بحديث اللهم أسألك بحق السائلين عليك إلى آخر الحديث . ورغم أ، هذا الحديث ضعيف سواء من طريق عطية العوفي أو من طريق الوازع بن نافع إلا أنه لو قاله إنسان لم يعد شركا ولا كفرا ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في حديث أسألك بحق السائلين أنه لو صح لما كان فيه توسلا بذات أو بجاه بل يمكن تخريجه من وجهين : أحدهما : أن فيه السؤال لله تعالى بحق السائلين وبحق الماشين في طاعته وحق السائلين أن يجيبهم وحق الماشين أن يثيبهم وهذا حق أوجبه الله تعالى والوجه الآخر الدعاء له سبحانه وتعالى والعمل له سبب لحصول مقصود العبد فهو كالتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، والصالحين من أمته وقد تقدم أن الدعاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والعبد الصالح إما أن يكون إقساما به أو سببا به . فإن كان قوله بحق السائلين عليك إقساما فلا يقسم على الله إلا به ، وإن كان سببا بما جعله هو سبحانه سببا وهو دعاؤه وعبادته ) راجع القاعدة صــ146-148 .
وعلى هذا فلا يكون القائل :أسألك بحق نبيك من باب الشرك ولو قصد المتكلم التوسل بذات النبي أو جاهه فغاية ما يقال فيه أنه توسل مبتدع وعليه لا يكون قائله مشركا ولا خارجا عن دين الإسلام .
وهنا تنبيه: أن إطلاق الشارع لفظة كفر أو شرك أوبدعة على قول أو فعل لا يعني موجبه في حق المعين إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع ، بمعنى أنه ليس كل من وقع في شرك فهو مشرك ولا من وقع في بدعة فهو مبتدع ، بل قد يكون جاهلا معذورا بجهله ، وقد يكون صاحب شبهة معذورا بشبهته ، كما قد يكون مقصرا في تبين الحق والأخذ به فيؤاخذ بذلك والله وحده هو عالم السر وأخفى ،، وقد يكون مكرها فيعذر بذلك .
هذا ما أمكن تحريره مختصرا بحسب الوقت
عصر يوم الأحد بتأريخ 4/2/1416هـ
بمدينة الشحر حرسها الله
كتبه / عبد الله بن فيصل الأهدل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق