قال إبن القيم في كتابه (مدارك السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين ) ,ج2,ص(553) متحدثا عن شيخه إبن تيمية :
وقال مرة : يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورالا أذكرها لهم فقلت له أو غيري لو أخبرتهم فقال : أتريدون أن أكون معرفا كمعرف الولاة وقلت له يوما: لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح فقال : لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال : شهرا وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته والله أعلم )) .
تحياتي لكم .
وقال مرة : يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورالا أذكرها لهم فقلت له أو غيري لو أخبرتهم فقال : أتريدون أن أكون معرفا كمعرف الولاة وقلت له يوما: لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح فقال : لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال : شهرا وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته والله أعلم )) .
تحياتي لكم .
بسم الله الرحمن الرحيم
لما تبيّن لنا حقيقة غلاة المتصوفة من ادعائهم للغيب واطلاعهم على اللوح المحفوظ ومعرفتهم السعيد والشقي, لم يستطع هؤلاء إلا أن يقوموا ببعض تلبيساتهم لجعل الناس يظنون أن هذا موجود عند أهل السنة. وهذا عند التحقيق ليس سوى تدليس وتلبيس وإليك البيان.
اقتباس:
يقول ابن القيم في مدارج السالكين :
ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفرا ضخما أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام وأن كلب الجيش وحدته في الأموال : وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة . ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام : أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له : قل إن شاء الله فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .
وسمعته يقول ذلك قال : فلما أكثروا علي قلت : لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ : أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام قال : وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر . ولما طلب إلى الديار المصرية وأريد قتله بعد ما أنضجت له القدور وقلبت له الأمور : اجتمع أصحابه لوداعه وقالوا : قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك فقال : والله لا يصلون إلى ذلك أبدا قالوا : أفتحبس قال : نعم ويطول حبسي ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس سمعته يقول ذلك . ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك وقالوا : الآن بلغ مراده منك فسجد لله شكرا وأطال فقيل له : ما سبب هذه السجدة فقال : هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن وقرب زوال أمره فقيل له : متى هذا فقال : لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته فوقع الأمر مثل ما أخبر به سمعت ذلك منه . وقال مرة : يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورالا أذكرها لهم فقلت له أو غيري : لو أخبرتهم ، فقال : أتريدون أن أكون معرفا كمعرف الولاة . وقلت له يوما : لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح ، فقال : لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال : شهرا . وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته . انتهى
كل ما ذكره ابن القيم لا يسعف المتصوفة في ما يريدون ...
* فما أخبر به عن التتار ما هو إلا الوثوق بنصر الله لمّا تحقّقت شروط ودواعي استجلاب النصر كما نعرفه في الآيات:
ومنها قوله تعالى {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (173) سورة الصافات
ومنها قوله جلّ شأنه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39) سورة الحـج
وقوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} (14) سورة التوبة
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد
فهذه الآيات فيها وعد الله للمؤمنين بالنصر إن هم أخذوا بأسبابه, ومن سياق التاريخ في تلك الفترة فإن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ... أخذ على عاتقه رفع همم الناس وعمل عملا عظيما فأخذ يجمع الجموع ويخطب فيهم ويرفع هممهم وأخذ يثبت الناس ويدعوهم إلى الثبات وعدم ترك دمشق بعد أن قام أكثر علماء دمشق بالرحيل مع عائلاتهم من هذا الهجوم الخطير للمغول, ودخل على السلطان في دمشق وحرّضه على القتال وأخذ يشجعه ويذكّره بموعود الله, وكان يذهب غلى معسكرات ا لجند في المدينة ويخطب بهم ويرفع هممهم ويمكث عندهم ويقوم على تشجيعهم, ورفع من همة الناس حتى غدا كل بيت أهله مجاهدون في سبيل الله تعالى...
وبعد أن رأى رحمه الله الهمم قد ارتفعت وأن الإيمان في قلوب المسلمين قد ظهر وانتصب شامخا ورأى إقبالهم على الله وعلى الشهادة غير مدبرين.. وتم الاستعداد لذلك وعمل ما عليهم من استجلاب المساعدة من مصر, وبعد أن لجؤوا إلى الله بالدعاء...
كان رحمه الله منه ما قال حين قال:
اقتباس:
( أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له : قل إن شاء الله فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .)
فهذا إنما عرفه من الآيات ومن تحقق شروط النصر من الله عزّ وجل وكيف لا يقسم على الله بذلك ولأنه ذُكّر رحمه الله بأن يقول ( إن شاء الله ) تذكّر وأقرّ وقالها تحقيقا لا تعليقا.
وأما قوله
اقتباس:
( لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ : أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام )
فهنا شيخ الإسلام لم يدّع أبدا أنه اطلع على اللوح المحفوظ ولم يقل أبدا أني رأيته وقرأت ما فيه, كما يفعل ويدّعي غلاة المتصوفة...
وكل مافعله هو أنه لما فقه آيات الله وعلم وعد الله بالنصر ورأى شروطه قد تحققت بعد العناء والتعب والكدّ في تحقيقها, قال ذلك يقينا بالله تعالى وبوعده في القرآن..فأين ادعاء الغيب الذي يحاول المتصوفة الغلاة أن يلصقوه بشيخ الإسلام افتراءً وكذباً؟!!!
أما قوله
اقتباس:
( أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام )
فشيخ الإٍسلام ليس مجرّد عالم علامة فقيه بل هو رجل أمّة يسبر الأخبار ويترصّد أخبار التتار ويستقرئ الحال والمقال ويرى أوضاع الناس وهممهم بل إن له مراسلات لملك قبرص ولملوك ورؤساء فهو الخبير بسياسة الدول والسياسة الإسلامية وله كتاب السياسة الشرعية بين الراعي والرعية.. فمثل هذا لما خبر الأوضاع نظر وقال إن التتار سيدخلون الشام وهذا ما يقرؤه من الواقع فهذه هي الفراسة,
وابن القيم عندما قال أخبرنا بوقوع كذا وكذا... فهذا يقوله الإنسان عندما يكون في دراسة مع شيخه حول أوضاع المسلمين وينظرون في حالهم وأحوال العباد وما آلت إليه تحركات التتار في العراق.. فعرف شيخ الإسلام بأنهم قادمون .. فقال هم قادمون ومن الذي يشك في قدوم التتار إلى الشام بعد العراق؟! الحقيقة أن هذا يعلمه الناس بمجرد معرفة رغبة التتار في التوسع في الملك وحبهم للقتل,
وحين عرف شيخ الإسلام رحمه الله ركون أهل الشام وتحزبهم وكل مدينة دولة وتناحر بين هذه الدويلات الضعيفة المفككة والفرق الباطنية والنصارى الحاقدين وما إلى ذلك من حالٍ يُرثى لها, عرف أنهم سيكسرون وقال بهذا فراسة... فكل ما قاله شيخ الإسلام استقراء وفراسة.. وليس مجرد ادعاء غيب..
وأما قوله
اقتباس:
( وقلبت له الأمور : اجتمع أصحابه لوداعه وقالوا : قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك فقال : والله لا يصلون إلى ذلك أبدا قالوا : أفتحبس قال : نعم ويطول حبسي ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس سمعته يقول ذلك . ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك وقالوا : الآن بلغ مراده منك فسجد لله شكرا وأطال فقيل له : ما سبب هذه السجدة فقال : هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن وقرب زوال أمره فقيل له : متى هذا فقال : لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته فوقع الأمر مثل ما أخبر به سمعت ذلك منه )
فكل هذا يقين بنصر الله تعالى له لأنه عرف صدق سريرته بينه وبين الله, وعرف صدق دعوته إلى الله تعالى, وعرف صدق دفاعه عن العقيدة والدين, عرف كل ذلك من القرآن في تثبيت عباد الله الصالحين وأنه سبحانه حسبهم وناصرهم, فأقسم على الله وهذا من يقينه رحمه الله فقال
( والله لا يصلون إلى ذلك أبدا قالوا ) أي قتله, وهذ ثقة بالله وإقسام عليه, ومن عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه.
أما إخباره بأنه سوف يسجن فترة طويلة ومن ثم يخرج ويتحدث بالسنة على رؤوس الناس..فهذ ليس فيه ادعاء غيب بل فيه ثقة بنصر الله...
وهذا كشخص واثق وشجاع وقوي يُسجن وهو صاحب حق ورسالة فيقول بإيمان ويقين نعم سيسجنوني وسيطول سجني ولكن النصر في النهاية للحق وسوف أصدح بالحق بين الناس و و و .. فهل يُقال إن هذا ادعى علم الغيب؟! أو أنه قرأفي اللوح المحفوظ!!!
وأما اخبار ابن القيم ذلك على الصيغة التي قرأناها فلأنه رحمه الله عاينها ورآها تحققت فوصفها وذكرها في كتابه بعد تحققا على أنها من فراسة الشيخ...
كما يحصل في كثير من الأحيان عندما يتكلم أحد العلماء على أوضاع المسلمين ثم بعد ذلك يقول مثلا ( ووالله لو بقي الحال على هذا فلتدخلن جيوش الكفار إلى عقر دارنا ولسوف كذا وكذا )
فلما تحقق ذلك
قال أحد تلاميذه ( لقد أخبرنا شيخنا بأن هذا سيحصل وأقسم بالله على ذلك... ) فهل يقال في هذا أنه ادعاء علم غيب؟!! كما أصحاب الشطحات؟!!
وأما قوله
اقتباس:
( وقال مرة : يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورالا أذكرها لهم )
فهذه هي الفراسة... والتي ماعرف أمر أصحابه إلا بالنظر إلى وجوهمم... وهذا من خبرته بأمر وحال وأخبار أصحابه ومن ثم فراسته في نظرته إلى وجوههم.. فما علاقة هذا بالغيب وادعاء الغيب؟!!
ومن جنس هذا ما قاله ابن القيم
اقتباس:
( وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني)
فهي خبرته بتلميذه ومعرفة أحواله وأخباره عن طريق المجالسة وإسرار التلميذ لشيخه بأحواله وأوضاعه, ومن ثم فراسته بالنظر إلى وجهه ومعرفته وخبرته بطريقة تفكير تلميذه من دوام المجالسة, وتوجه أفعاله وكيفية تصرفه حيال ما يريد, فيعرف بفراسته رحمه الله ما يمكن أن يفكر فيه
فيكون الحوار بينهما وكأن شيخ الإسلام قال له.... لعلك تفعل كذا وكذا وتفكر بفعل كذا وكذا.. فيقول ابن القيم رحمه الله صدقت يا شيخ.. فهذه فراسة
ولكن لما رأى ذلك ابن القيم أخبر بذلك على بصيغة ( أخبرني )
ولعل قائل يفكر قائلا.. مالذي يجعلك تقول هذا وتجزم به...
أقول هو استقراء منهج ا لشيخين... فلم يستطع هؤلاء أن يأتوا من كتب الشيخ ما يفيد ادعاء علم الغيب فذهبوا إلى مثل هذه القصص التي لابد وأن يكون حالها هو على ما وصفت لكم لمعرفتنا بأسلوب وأصول وآراء شيخ الإسلام وابن القيم في هذه المسألة... __________________
لما تبيّن لنا حقيقة غلاة المتصوفة من ادعائهم للغيب واطلاعهم على اللوح المحفوظ ومعرفتهم السعيد والشقي, لم يستطع هؤلاء إلا أن يقوموا ببعض تلبيساتهم لجعل الناس يظنون أن هذا موجود عند أهل السنة. وهذا عند التحقيق ليس سوى تدليس وتلبيس وإليك البيان.
اقتباس:
يقول ابن القيم في مدارج السالكين :
ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفرا ضخما أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام وأن كلب الجيش وحدته في الأموال : وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة . ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام : أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له : قل إن شاء الله فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .
وسمعته يقول ذلك قال : فلما أكثروا علي قلت : لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ : أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام قال : وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر . ولما طلب إلى الديار المصرية وأريد قتله بعد ما أنضجت له القدور وقلبت له الأمور : اجتمع أصحابه لوداعه وقالوا : قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك فقال : والله لا يصلون إلى ذلك أبدا قالوا : أفتحبس قال : نعم ويطول حبسي ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس سمعته يقول ذلك . ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك وقالوا : الآن بلغ مراده منك فسجد لله شكرا وأطال فقيل له : ما سبب هذه السجدة فقال : هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن وقرب زوال أمره فقيل له : متى هذا فقال : لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته فوقع الأمر مثل ما أخبر به سمعت ذلك منه . وقال مرة : يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورالا أذكرها لهم فقلت له أو غيري : لو أخبرتهم ، فقال : أتريدون أن أكون معرفا كمعرف الولاة . وقلت له يوما : لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح ، فقال : لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال : شهرا . وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته . انتهى
كل ما ذكره ابن القيم لا يسعف المتصوفة في ما يريدون ...
* فما أخبر به عن التتار ما هو إلا الوثوق بنصر الله لمّا تحقّقت شروط ودواعي استجلاب النصر كما نعرفه في الآيات:
ومنها قوله تعالى {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (173) سورة الصافات
ومنها قوله جلّ شأنه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39) سورة الحـج
وقوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} (14) سورة التوبة
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد
فهذه الآيات فيها وعد الله للمؤمنين بالنصر إن هم أخذوا بأسبابه, ومن سياق التاريخ في تلك الفترة فإن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ... أخذ على عاتقه رفع همم الناس وعمل عملا عظيما فأخذ يجمع الجموع ويخطب فيهم ويرفع هممهم وأخذ يثبت الناس ويدعوهم إلى الثبات وعدم ترك دمشق بعد أن قام أكثر علماء دمشق بالرحيل مع عائلاتهم من هذا الهجوم الخطير للمغول, ودخل على السلطان في دمشق وحرّضه على القتال وأخذ يشجعه ويذكّره بموعود الله, وكان يذهب غلى معسكرات ا لجند في المدينة ويخطب بهم ويرفع هممهم ويمكث عندهم ويقوم على تشجيعهم, ورفع من همة الناس حتى غدا كل بيت أهله مجاهدون في سبيل الله تعالى...
وبعد أن رأى رحمه الله الهمم قد ارتفعت وأن الإيمان في قلوب المسلمين قد ظهر وانتصب شامخا ورأى إقبالهم على الله وعلى الشهادة غير مدبرين.. وتم الاستعداد لذلك وعمل ما عليهم من استجلاب المساعدة من مصر, وبعد أن لجؤوا إلى الله بالدعاء...
كان رحمه الله منه ما قال حين قال:
اقتباس:
( أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له : قل إن شاء الله فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .)
فهذا إنما عرفه من الآيات ومن تحقق شروط النصر من الله عزّ وجل وكيف لا يقسم على الله بذلك ولأنه ذُكّر رحمه الله بأن يقول ( إن شاء الله ) تذكّر وأقرّ وقالها تحقيقا لا تعليقا.
وأما قوله
اقتباس:
( لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ : أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام )
فهنا شيخ الإسلام لم يدّع أبدا أنه اطلع على اللوح المحفوظ ولم يقل أبدا أني رأيته وقرأت ما فيه, كما يفعل ويدّعي غلاة المتصوفة...
وكل مافعله هو أنه لما فقه آيات الله وعلم وعد الله بالنصر ورأى شروطه قد تحققت بعد العناء والتعب والكدّ في تحقيقها, قال ذلك يقينا بالله تعالى وبوعده في القرآن..فأين ادعاء الغيب الذي يحاول المتصوفة الغلاة أن يلصقوه بشيخ الإسلام افتراءً وكذباً؟!!!
أما قوله
اقتباس:
( أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام )
فشيخ الإٍسلام ليس مجرّد عالم علامة فقيه بل هو رجل أمّة يسبر الأخبار ويترصّد أخبار التتار ويستقرئ الحال والمقال ويرى أوضاع الناس وهممهم بل إن له مراسلات لملك قبرص ولملوك ورؤساء فهو الخبير بسياسة الدول والسياسة الإسلامية وله كتاب السياسة الشرعية بين الراعي والرعية.. فمثل هذا لما خبر الأوضاع نظر وقال إن التتار سيدخلون الشام وهذا ما يقرؤه من الواقع فهذه هي الفراسة,
وابن القيم عندما قال أخبرنا بوقوع كذا وكذا... فهذا يقوله الإنسان عندما يكون في دراسة مع شيخه حول أوضاع المسلمين وينظرون في حالهم وأحوال العباد وما آلت إليه تحركات التتار في العراق.. فعرف شيخ الإسلام بأنهم قادمون .. فقال هم قادمون ومن الذي يشك في قدوم التتار إلى الشام بعد العراق؟! الحقيقة أن هذا يعلمه الناس بمجرد معرفة رغبة التتار في التوسع في الملك وحبهم للقتل,
وحين عرف شيخ الإسلام رحمه الله ركون أهل الشام وتحزبهم وكل مدينة دولة وتناحر بين هذه الدويلات الضعيفة المفككة والفرق الباطنية والنصارى الحاقدين وما إلى ذلك من حالٍ يُرثى لها, عرف أنهم سيكسرون وقال بهذا فراسة... فكل ما قاله شيخ الإسلام استقراء وفراسة.. وليس مجرد ادعاء غيب..
وأما قوله
اقتباس:
( وقلبت له الأمور : اجتمع أصحابه لوداعه وقالوا : قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك فقال : والله لا يصلون إلى ذلك أبدا قالوا : أفتحبس قال : نعم ويطول حبسي ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس سمعته يقول ذلك . ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك وقالوا : الآن بلغ مراده منك فسجد لله شكرا وأطال فقيل له : ما سبب هذه السجدة فقال : هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن وقرب زوال أمره فقيل له : متى هذا فقال : لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته فوقع الأمر مثل ما أخبر به سمعت ذلك منه )
فكل هذا يقين بنصر الله تعالى له لأنه عرف صدق سريرته بينه وبين الله, وعرف صدق دعوته إلى الله تعالى, وعرف صدق دفاعه عن العقيدة والدين, عرف كل ذلك من القرآن في تثبيت عباد الله الصالحين وأنه سبحانه حسبهم وناصرهم, فأقسم على الله وهذا من يقينه رحمه الله فقال
( والله لا يصلون إلى ذلك أبدا قالوا ) أي قتله, وهذ ثقة بالله وإقسام عليه, ومن عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه.
أما إخباره بأنه سوف يسجن فترة طويلة ومن ثم يخرج ويتحدث بالسنة على رؤوس الناس..فهذ ليس فيه ادعاء غيب بل فيه ثقة بنصر الله...
وهذا كشخص واثق وشجاع وقوي يُسجن وهو صاحب حق ورسالة فيقول بإيمان ويقين نعم سيسجنوني وسيطول سجني ولكن النصر في النهاية للحق وسوف أصدح بالحق بين الناس و و و .. فهل يُقال إن هذا ادعى علم الغيب؟! أو أنه قرأفي اللوح المحفوظ!!!
وأما اخبار ابن القيم ذلك على الصيغة التي قرأناها فلأنه رحمه الله عاينها ورآها تحققت فوصفها وذكرها في كتابه بعد تحققا على أنها من فراسة الشيخ...
كما يحصل في كثير من الأحيان عندما يتكلم أحد العلماء على أوضاع المسلمين ثم بعد ذلك يقول مثلا ( ووالله لو بقي الحال على هذا فلتدخلن جيوش الكفار إلى عقر دارنا ولسوف كذا وكذا )
فلما تحقق ذلك
قال أحد تلاميذه ( لقد أخبرنا شيخنا بأن هذا سيحصل وأقسم بالله على ذلك... ) فهل يقال في هذا أنه ادعاء علم غيب؟!! كما أصحاب الشطحات؟!!
وأما قوله
اقتباس:
( وقال مرة : يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورالا أذكرها لهم )
فهذه هي الفراسة... والتي ماعرف أمر أصحابه إلا بالنظر إلى وجوهمم... وهذا من خبرته بأمر وحال وأخبار أصحابه ومن ثم فراسته في نظرته إلى وجوههم.. فما علاقة هذا بالغيب وادعاء الغيب؟!!
ومن جنس هذا ما قاله ابن القيم
اقتباس:
( وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني)
فهي خبرته بتلميذه ومعرفة أحواله وأخباره عن طريق المجالسة وإسرار التلميذ لشيخه بأحواله وأوضاعه, ومن ثم فراسته بالنظر إلى وجهه ومعرفته وخبرته بطريقة تفكير تلميذه من دوام المجالسة, وتوجه أفعاله وكيفية تصرفه حيال ما يريد, فيعرف بفراسته رحمه الله ما يمكن أن يفكر فيه
فيكون الحوار بينهما وكأن شيخ الإسلام قال له.... لعلك تفعل كذا وكذا وتفكر بفعل كذا وكذا.. فيقول ابن القيم رحمه الله صدقت يا شيخ.. فهذه فراسة
ولكن لما رأى ذلك ابن القيم أخبر بذلك على بصيغة ( أخبرني )
ولعل قائل يفكر قائلا.. مالذي يجعلك تقول هذا وتجزم به...
أقول هو استقراء منهج ا لشيخين... فلم يستطع هؤلاء أن يأتوا من كتب الشيخ ما يفيد ادعاء علم الغيب فذهبوا إلى مثل هذه القصص التي لابد وأن يكون حالها هو على ما وصفت لكم لمعرفتنا بأسلوب وأصول وآراء شيخ الإسلام وابن القيم في هذه المسألة... __________________
بالاضافة للفراسة أحببت أن أذكر بالرؤيا الحسنة للرجل الصالح. ونحسب شيخ الاسلام ابن تيمية رجلا صالحا بل وليا من أولياء الله والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا والله اعلم بعباده. فكثير من الامور العظام تأتي المبشرات بها في المنام.
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح
صحيح البخاري
الرؤيا الحسنة ، من الرجل الصالح ، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
صحيح البخاري
الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان ، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان ، إنها لا تضره ، وإن الشيطان لا يتراءى بي
صحيح البخاري
والله اعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق