بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد
تأملت مشاركاتي في المنتديات التي تهتم بالتصوف فوجدها ربت على 13000 مشاركة غالبها في التصوف والصوفية فسألتني نفسي هذا السؤال : هل الخلاف مع الصوفية يستحق أن تقضي هذا الوقت الثمين من عمرك في نقاش التصوف والصوفية على صفحات الانترنت ؟؟
فأجبتها وقلت : إن خلافنا مع الصوفية هو أعظم الخلاف بل قد يكون خلاف أديان وليس مذاهب !! يا نفس هذه أقوالنا وهذه أقوالهم فاحكمي يا نفس هل الكتابة عن التصوف والصوفية تستحق كل هذا الوقت أم لا ، وهل تكفي الكتابة على صفحات الانترنت أم لا ؟؟!!
قلنا وقالوا وأنت الحكم
قلنا : إن الله عز وجل خالق كل شيء والدليل قوله تعالى : (( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )) [الأنعام : 102] .
قالوا والعياذ بالله : (( الله عين كل شيء )) كما قال الشيخ الأكبر والكبريب الأحمر ابن عربي : (( فإن العارف مَنْ يرى الحق في كل شيء ، بل يراه عين كل شيء )) [ فصوص الحكم ص 192 ط دار الكتاب العربي تحقيق أبو العلا عفيفي ] ، وكما قال العارف بالله عبد الكريم الجيلي : (( ( لا إله ) يعبد ويقصد في السماوات والأرض ( إلا هو ) لأنه عين كل شيء )) [ الإسفار عن رسالة الأنوار ص 51 ، ط 1 دار الكتب العلمية 2004 تحقيق د. عاصم إبراهيم الكيالي ]
ونظم ابن عربي :
الحق عين الخلق إن كنــت ذا عين والخلق عين الحق إن كنت ذا عقل
وإن كنت ذا عين وعقل فمـا ترى سوى عين شيء واحد فيه بالكـل
[ المعرفة ص 87 ط دار التكوين 2003 تحقيق محمد أمين أبو جوهر ]
قلنا : إن الله تعالى في السماء مستو على العرش كما قال تعالى : (( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ )) [الملك : 16] وقوله : (( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً )) [الفرقان : 59]
قالوا : إن الله في كل مكان كما قال العارف بالله عبد الغني النابلسي قال : (( ... ولكن موجود في كل مكان )) [ رسالة مسائل في التوحيد والتصوف ص 80 ، ط 1 دار الافاق العربية 2003 تحقيق سعيد عبد الفتاح ]
قلنا : أن الله تعالى إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون وهذه من خصائصه كما قال تعالى : (( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) [النحل : 40] ، وقوله : (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) [يس : 82]
قالوا : إن الولي يقول للشيء كن فيكون ، كما حكي ذلك عن ممشاد الدينوري قال : (( تركت قولي للشيء كن فيكون منذ عشرين سنة أدباً مع الله عز وجل )) [ طبقات الشعراني ص 147 ، دار الكتب العلمية ط 1 ، 1418 – 1997 ، تحقيق خليل منصور ] ، وكما قال علي ابن الاستاذ الأعظم قال : (( وأقول للشيء كن فيكون )) [ المشرع الروي ص 211 / 2 ، المطبعة العامرة ط 2 ، سنة 1319 ] ، وكما جاء في الغوثية المنسوبة إلى عبد القادر الجيلاني أن الله عز وجل قال له : (( الفقير له أمر في كل شيء إذا قال لشيء كن فيكون )) [ الفيوضات الربانية ص 6 ، المكتبة الأزهرية للتراث ط 1 ، 1420 – 2000 ]
قلنا : إن العلوم الخمسة لا يعلمها إلا الله عز وجل لقوله : (( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) [لقمان : 34] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم أحد ما يكون في غد ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت وما يدري أحد متى يجيء المطر )) [ رواه البخاري ح 992 ]
قالوا : إن هذه العلوم لم يختص بها الله عز وجل وحده بل الأنبياء والأقطاب والغوث يعلمونها كم قال العارف بالله عبد العزيز الدباغ قال ابن المبارك تلميذ الدباغ : (( فيلزم أن يعلم أرباب هذا الكشف بالساعة ومتى تقوم وقد قال تعالى : { إن الله عند علم الساعة وينزل الغيث } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( في خمس لا يعلمنهن إلا الله تعالى )) .
فقال رضي الله عنه : إنما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ظهر له في الوقت وإلا هو صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه شيء من الخمس المذكورة في الآية الشريفة ، وكيف يخفى عليه ذلك والقطاب السبعة من أمته الشريفة يعلمونها ، وهم دون الغوث ، فكيف بالغوث ، فكيف بسيد الأولين والآخرين الذي هو سبب كل شيء ومنه كل شيء ؟؟ )) [ الابريز ص 534 ، المكتبة الوقفية ]
قلنا : إن الذي ينجينا في ظلمات البر والبحر هو الله عز وجل قوله تعالى : (( قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64) )) [ الأنعام ] ، وقال تعالى : (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) [النمل : 62]
قالوا : إن الولي ينجي في ظلمات البر والبحر كما قال يوسف النبهاني في ترجمة الشيخ غياث : (( ... ومن كراماته أنه كانت تجار اليمن وغيرهم يستغيثون في شداد البحر ، ومضايق البر ، فيجدون بركة الاستغاثة به ، وينذرون له أشياء يرسلون بها إليه إذا تم غرضهم )) [ جامع كرامات الأولياء ص 357 / 2 ، دار الكتب العلمية – بيروت ط 1 ، سنة 1417 – 1996 ، تحقيق الشيخ عبد الوارث محمد علي ] .
قلنا : الولي هو كل مؤمن تقي لقوله تعالى : (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) )) [ سورة يونس ]
قالوا : الولي عندي قد يكون يتشوش من قول المؤذن الله أكبر : كما فعل الشعراني عندما جعل إبراهيم بن عصيفير ضمن الأولياء في كتابه الطبقات وقال : (( وكان يتشوش من قول المؤذن الله أكبر فيرجمه، ويقول: عليك يا كلب نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا علينا )) وقال أيضا : (( كان أكثر نومه في الكنيسة، ويقول النصارى لا يسرقون النعال في الكنيسة بخلاف المسلمين، وكان رضي الله عنه يقول: أنا ما عندي من يصوم حقيقة إلا من لا يأكل اللحم الضاني أيام الصوم كالنصارى، وأما المسلمون الذين يأكلون اللحم الضاني، والدجاج أيام الصوم فصومهم عندي باطل )) [ ص 476 ، دار الكتب العلمية – بيروت ط 1 ، سنة 1418 – 1997 ، تحقيق خليل المنصور ] .
قلنا : الساحر لا يفلح حيث أتى لقوله تعالى : (( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى )) [طه : 69] ، وذم الله تعالى السحر حيث قال : (( وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ )) [البقرة : 102]
قالوا : السحر من علوم الأولياء كما قال الشيخ الأكبر ابن عربي في كتابه الشهير الفتوحات قال : (( ومنهم الساحرون السحر بالإطلاق صفة مذمومة وحظ الأولياء منها ما أطلعهم الله عليه من علم الحروف وهو علم الأولياء فيتعلمون ما أودع الله في الحروف والأسماء من الخواص العجيبة التي تنفعل عنها الأشياء لهم في عالم الحقيقة والخيال فهو وان كان مذموماً بالإطلاق فهو محمود بالتقييد وهو من باب الكرامات وهو عين السحر عند العلماء فقد كانت سحرة موسى مازال عنهم علم السحر مع كونهم آمنوا برب موسى وهرون ودخلوا في دين الله وآثروا الآخرة على الدنيا ورضوا بعذاب الله على يد فرعون مع كونهم يعلمون السحر ويسمى عندنا علم السيمياء مشتق من السمة وهي العلامة أي علم العلامات التي نصبت على ما تعطيه من الانفعالات من جمع حروف وتركيب أسماء وكلمات .... الخ )) [ ص 201 – 202 / 3 ، دار الكتبة العلمية – بيروت ط 2 ، سنة 1427 – 2006 ، تحقيق أحمد شمس الدين ]
فبعد هذا الخلاف يا نفس تلومينني على وقتي الذي قضيته في التصوف والصوفية ؟؟!!
أيها القارئ الكريم قلنا وقالوا فاحكم بيننا هل خلافنا يستحق الخلاف أم لا ، وهل خلفنا مع الصوفية خلاف تنوع أم خلاف تضاد ، وهل عقائدهم التي اختلفنا معهم بها توافق الاسلام والفطرة أو تهدمها ؟؟!!
قلنا وقالوا وأنت الحكم
هذا والله تعالى أعلا وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
=============
أبو عثمان