عدد الزوار

تزوير المنتدى الصوفي القبوري: الحوار الإسلامي
للستر على فضيحتهم وطعنهم بشيخهم عبدالله الحداد / صور
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞ -][
فضيحة منتدى الحوار الإسلامي الصوفي
يتهمون شيخهم عبدالله الحداد بشرك الإلوهية وانه ضال مضل / صور
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞ -][
عبد الله بن علوي الحداد
وهابي يقر بتقسيم التوحيد صفعة في وجوه صوفية حضرموت
][- ۞۩۞ -][ (( أضغط هنا )) ][- ۞۩۞

الاثنين، 19 أكتوبر 2009

بيان بعض أخطاء المفسرين - رد على التوسل بالضعيف

بيان بعض أخطاء المفسرين
 
د. رياض المسيميري

إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا , ومن سيِّئاتِ أعمالِنا , منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يضلل فلا هاديَ له .

وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (آل عمران:102) .(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) (النساء:1) . ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) (الأحزاب:70-71) .

أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .

أما بعدُ أيها المسلمون :

فإنَّ الناظر في تاريخِ هذه الأمةِ, وفي عصورِها المتقدمةِ على وجهِ الخصوص ، يلحظُ بوضوحٍ ما بذله أسلافُنا من علماءِ الأمةِ وباحثيها، من الجهود المذهلة ، والإبداعاتِ الخارقة في إذكاءِ الحركةِ العلميةِ في ديارِ الإسلام شرقاً وغرباً, كالمدينةِ والبصرةِ والشام وأرض خرا سان وما ورائها، وبلاد المغربِ العربي ‍.

فقد نشطتْ حركةُ التأليفِ بشكلٍ غيرِ عادي، فأثمرتْ ثمرات يانعة ونتاجاً فكرياً خارقاً للعادة, وتُراثاً ضخماً من الكتبِ والمصنفات, وعرفتْ الأمةُ فحولاً جهابذة ، وشيوخاً عباقرة لا تزال الأمةُ تترحمُ عليهم وتذكرُهم بخير كلَّما لاح ذكرُهم, أو طافَ بالأذهانِ خيالُهم، وكان ممَّا اعتنى به أولئك الأفذاذ, تعليماً وتصنيفاً، كتابَ اللهِ جلَّ جلاله وتقدستْ أسماؤُه, فقد أولَوه عنايةً خاصة واهتماماً مميزاً, فتصدى جماعةٌ منهم إلى إقرائه وتدريسِه في حلقهِم ومساجدهم, واتجه آخرون إلى وضعِ مصنفاتٍ ضخمة في تفسيرِ الكتابِ العزيز، كان من هؤلاءِ النوادر، الإمامُ ابنُ جريرٍ الطبري، والإمامُ البغوي، والإمامُ ابن كثير، قدَّس الله أرواحَهم وأنزلَ عليهم شآبيبَ رحمتِه وكريمَ فضلِه وإحسانه، وقد نالَ هؤلاء الأئمةُ على وجهِ الخصوص ثقةَ الأمةِ بهم، واعتنتْ بمصنفاتِهم التي لا تزالُ مراجعَ معتمدة، ومصادرَ أصيلة تنهلُ من معينِها الأجيال, إلاَّ أنه مع جلالةِ هؤلاءِ العلماءِ الأفاضل، ورسوخِ أقدامِهم في العلمِ والفقه، فقد وقعوا في هفواتٍ لا يُقرَّون عليها وضمَّنوا مصنفا تِهم في التفسيرِ خاصة ما لا ينبغي السكوتُ عنه طرفةَ عين، نصحاً لكتابِ الله جلَّ جلاله، فإنَّ من تمامِ النصحِ لكتابِ الله التنبيهَ إلى أخطاءِ المفسرين وشطحا تِهم، لا سيما مشاهير هم وكبار ُهم، خشيةً من اغترارِ الناس بها، ومن ثمَّ انزلاقُهم إلى مفاهيم خطرة خصوصاً وهي تتعلقُ بأبواب العقيدة، وكونها ذاتَ صلةٍ مباشرة بما يجبُ اعتقاده تُجاهَ مقامِ الأنبياءِ وعصمتهم .

وعلى كلِّ حال فالتماسُ العذرِ لهم شيءٌ, وبيانُ كونِهم أخطئوا شيءٌ آخر، وكفى بالمرءِ شرفاً أنْ تعدَّ معا يبه, وهاك أخي المسلم أمثلةً ونماذج لأخطاءِ أولئك المفسرين من العمالقة حتى لا تغترَّ بها, فتزلَّ قدمٌ بعد ثبوتها .

أولاً : فعند تفسير قوله تعالى : ((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)) (الأحزاب37) .

هذه الآيةُ العظيمةُ من سورةِ الأحزاب ، كَتَبَ ابنُ جريرٍ سامحه اللهُ في تفسيرِها ما مُلخصُه، أنَّ زينبَ بنتَ جحش رآها رسولُ اللهِ r فأعجبته, وهي في عصمةِ مولاه زيدِ بن حارثة، فأُلقي في نفسِ زيدٍ كراهيتُها لِما علمَ اللهُ ممَّا وقع في نفس نبيه, يعني ما وقع في نفس نبيه من محبتها, فأراد زيدُ فراقَها، فذكرَ ذلك لرسولِ اللهِ r ، فقال له رسولُ الله أمسكْ عليك زوجكَ، مع أنَّه عليه السلام كانَ في حقيقةِ الأمر يُحب أنْ يفارقَها زيدٌ لينكحَها. (( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ)) (الأحزاب37).

وتُخفي يا محمد في نفسِك محبةَ فراقِ زيدٍ لزينب لتتزوجَها بعده، وتخشى الناس واللهُ أحقُّ أن تخشاه, تخافُ أن يقولَ الناس أمرَ رجلاً بطلاقِ امرأتِه ونكحهَا حين طلَّقها، واللهُ أحقُّ أن تخشاه، ثم ساق سامحهُ اللهُ رواياتٍ مُنكرة, منها ما رواه عن عبد الرحمن بن زيد , كان النبيُ عليه السلام قد زوَّج زيدَ بنَ حارثة، زينبَ بنتَ جحش ابنةَ عمته ، فخرجَ رسولُ الله r إلى بيتِ زيدٍ يبحثُ عنه، وعلى باب البيت سترٌ من شعر، فرفعت الريحُ السترَ فانكشفَ البيتُ وزينبُ في حجرتِها حاسرة، فوقعَ إعجابُها في قلبِ النبيِ r .

وأما الإمامُ البغوي : فيقولُ بشأنِ هذه القضية، إنَّ رسولَ اللهِ r أتى زيداً ذاتَ يومٍ لحاجة، فأبصَر زينبَ قائمةً في درعٍ وخمار وكانتْ بيضاءَ جميلة، ذاتَ خَلْقٍ من أتمِ نساءِ قريش، فوقعتْ في نفسِه وأعجبهُ حسنُها، فقالَ سبحان الله مقلبَ القلوب، وانصرف .

سامحَ اللهُ الإمامين الفاضلين: يوم ساقا تلكَ الرواياتِ الهالكة التي تقدحُ في مقامِ سيدِ الخلقِ وأشرفهِم، وأعفهِم وأطهرِهم، إذ أنَّ مقتضى تلكَ الروايات أنَّ رسولَ اللهِ r يُجيزُ لنفسِه إطلاقَ بصره يتأملُ جمالَ زينبَ وحسنَها، ثم يقعُ حبُها في قلبِه وهي في عصمةِ رجل, ثم يغالط نفسَه ويُظهر ما لا يُبطن .

فيأمرُ زيداً بإمساكِها مع تمنيهِ أن يفارقَها في قرارةِ نفسِه, عجيبٌ أن يجترئَ الإمامان الفاضلان على ذكرِ تلكَ الأقاويلِ الساقطة، والرواياتِ الهابطة، أما كانَ يَسَعْهُما ما وَسِعَ ابنَ كثير الذي أعرضَ عن ذكرِ تلك الروايات .

وقال رحمه اللهُ أحببنا أن نضربَ عنها صفحاً لعدمِ صحتِها, إنَّ نبي اللهِ r لم يكن جاهلاً بجمالِ ابنةِ عمته زينب, فقد كان يعرفها حقَّ المعرفة سيما قبلَ نزولِ الحجاب، ولو كان يريدُها لخطبَها لنفسِه ولم يزوجْها لزيدٍ مولاه، الذي كان يعاملُه كولدِه، وحاشاه عليه السلام أنْ يقعَ في نفسِه الشريفة حبُ زوجةِ مولاه، وإذا كان الآباءُ يأنفونَ من ذلك  فكيفَ يصحُ نسبتَه ذلكَ إلى النبيِ المعصوم r .

وأما التفسير الصحيح للآية , فهو :

أنَّ الله تعالى قد أطلعَ نبيَه الكريمَ عليه السلام أنَّ زيداً سيطلقُ زينب، وأنها ستكونُ له زوجةٌ من بعدِ زيد, فلما أخبرهُ زيدٌ بأنهَّ سيُطلقها وعظهُ رسولُ الله، وقال أمسكْ عليك زوجك مع علمهِ بأنَّ الطلاقَ واقعٌ لا محالة، ولكنَّه عليه السلام خشيَ من حديثِ الناس أن يقولوا تزوجَ مُطلقة ابنه, فهذا هو الذي كان يخشاه رسولُ اللهِ r  فوعظه ربُه بقولهِ وتخشى النَّاس واللهُ أحقَّ أن تخشاه، فهذا هو المعنى الصحيح في تفسيرِ الآية،  فتمسكْ به أخي المسلم، وعضَّ عليه بالنواجذ، أحذر أن تعتقدَ في نبيِك ما لا يَليق فتزلَّ قدمٌ بعد ثبوتها, والمعصومُ من عصمه الله.

ثانياً : ممَّا وقعَ فيه المفسرون من أخطاء، فهو عند تفسيرهم للآيةِ الشهيرةِ التي ذكرها البارئ جلَّ جلاله في مَعْرِضِ قصةِ يوسفَ عليه السلام ، وهي قوله :(( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) (يوسف:24) .

فقد ساقَ ابنُ جريرٍ والبغوي آثاراً ورواياتٍ لا تقلُ شناعةً عن سابقتِها, فعند ابنِ جرير رواياتٌ مسندةٌ عن ابنِ عباس وغيرِه، أنَّ نبيَّ اللهِ يوسفَ عليه السلام، جلسَ بين رجلَيها مجلسَ الخاتن، وحلَّ هيُما نَه وثيابَه، وذكر البغوي نحوَ ذلك ممَّا يقدحُ بنبيٍ عظيمٍ كريمٍ من سلالةِ أنبياءَ عُظماء، فهو النبيُ ابنُ النبي ابنِ النبيِ ابنِ النبي ، عليه وعليهم أفضلُ الصلاة والتسليم .

واسمعْ رعاك الله ! إلى قولِ شيخِ الإسلام ابنِ تيميه – رحمهُ الله – وهو يُفنِّدُ تلكَ الأقاويل ويحكمُ ببطلانِها، وهو الإمامُ المشهودُ له برسوخ ِ العلم وسعةِ الإطلاع، وقوةِ الملكةِ والتحقيق .

قال رحمه الله : وأما ما يُنقل من أنَّه حلَّ ثيابَه وجلس منها مجلسَ الرجلِ من المرأة ، وأنَّه رأى صورةَ أبيهِ يعقوب عاضاً على يده، وأمثالُ ذلك فكلهُ ممَّا لم يخبرِ اللهُ بهِ, ولا رسولُه ، وما لمْ يكنْ كذلك فإنَّما هو مأخوذٌ عن اليهود الذي همْ من أعظمِ الناسِ كذباً على الأنبياء، وقدحاً فيهم ، لمْ ينقلْ أحدٌ عن نبينا r حرفاً واحداً .

وأمَّا الشنقيطي رحمهُ الله . فله كلامٌ نفيسٌ في تصحيحِ ما زلتْ به أقلامُ المفسرين, فقد كتبَ في أضواءِ البيان ما نصُه, ظاهرُ هذهِ الآيةِ الكريمة قد يُفهمُ منه ، أنَّ يوسفَ عليه السلام همَّ بأنْ يفعلَ مع المرأة مثلَ ما همتْ هي بهِ منهُ ، ولكنَّ القرآنَ الكريم بيَّن براءتَه عليه الصلاةُ السلام من الوقوعِ فيما لا ينبغي، حيثُ بيَّن شهادةَ كلِّ من لـه تعلقٌ بالمسألةِ ببراءتِه وشهادةُ اللهِ لـه بذلك، واعترافُ إبليس به, أما الذين لهم تعلقٌ بتلكَ الواقعة فهم : يوسفُ, والمرأةُ, وزوجُها, والنسوةُ, والشهود .

أما جزمُ يوسف بأنَّه برئٌ من تلكَ المعصيةِ فهو قولُه : ((هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي)) (يوسف : 26) .

وقوله : (( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه )) (يوسف : 33) .

وأما اعترافُ المرأة بذلك فهو قولُها : (( وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ )) (يوسف : 32) .

وقولها : (( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ )) (يوسف : 51) .

وأما اعترافُ زوجِ المرأةِ ببراءتِه, فهو قولُه : (( قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ )) ( يوسف : 29,28) .

وأما اعترافُ الشهودِ ببراءتهِ ، فهو قولُ أحدهم : (( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ )) ( يوسف : 26) .فهكذا كان .

وأما شهادةُ اللهِ لـه بالبراءة ، فهو قولُه : (( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) (يوسف : 24) .

ثم قال رحمه الله -أعني الشنقيطي - فإنْ تكونوا قد بينتم دلالةَ القرآنِ على براءتِه عليهِ السلام ، ممَّا لا ينبغي في الآياتِ المتقدمة، ولكنْ ماذا تقولونَ في قوله (( وَهَمَّ بِهَا)) فالجوابُ من وجهين :

الوجه الأول : أنَّ المرادَ بهمِ يوسف ، خاطرٌ قلبي مجردُ خاطر، صرفه عنه وازعُ التقوى، وهذا الميلُ والخاطر طبيعيٌ لا مؤاخذة فيه ، كميلِ الصائمِ للماءِ البارد مع أنَّ تقواهُ تمنعهُ عن الشرب  .

الوجه الثاني : فإنَّه لم يقع من يوسفَ عليه السلام همٌ أصلاً, بل هو منفيٌ عنه لوجود البرهان, فالآية تقول: (( َهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)) (يوسف : 24) .

أي لولا أن رأى برهانَ ربِّه لهمَّ بها  إلى أنْ قال وبهذا تَعلم أنَّه لا ينبغي التجرؤ على القولِ في نبيِ اللهِ يوسفَ اعتماداً على مثلِ تلكَ الروايات .

فأحذرْ أخي الكريم , أن تعتقدَ أن لنبيَ الله يوسفَ وغيره ما لا يحلُّ لك وإن وقعَ في ذلك كبارُ الأئمةِ وأعلامهم , فالمعصوم من عصمه الله .

ثالثا: ممَّا وقع فيه المفسرون من أخطاءٍ وتجاوزات، ما كتبوهُ عند تفسيرِهم لقوله تعالى : (( َهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ* قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ)) (ص:21-23).

فقد ذكر ابنُ جريرٍ الطبري وكذلك البغوي وغيرُهما, رواياتٍ غريبة كلُّها قدحٌ في مقامِ نبوةِ داودَ عليه السلام .

لقد أوردوا رواياتٍ مضمونُها، أنَّ داودَ عليه السلام قد نظرَ إلى امرأةٍ جميلةٍ حسناء وهي تغتسلُ فوقَ سَطح بيتها فأعجبَ بها, وسأل عنها فقيل هي زوجةٌ لأحد جنودك واسمُه فلان، فوضعَ خطةً ماكرة للتخلص من زوجِها، فقد أرسلهُ إلى الجهادِ في سبيلِ الله، وأمرَ قائدَ الجندِ أن يجعَله في مقدمةِ الجنود حتى يُعرِّضَهُ للقتل ، ولمْ يزلْ بهِ من معركةٍ لأُخرى ومن موقعةٍ لموقعة، حتى قُتل وتخلص منه، ثم خطبَ امرأتَه وتزوجها, سبحانك هذا بهتانٌ عظيم, إنَّه كلامٌ يُدمي القلوب ويَقضُ المضاجع، أيمكنُ أن يجترئ على هذا الضيعِ اللئيمِ، إلا ميتُ الضمير عديمُ الإحساس، غليظُ القلب, كيف يُظنُ بنبيٍ كريم اصطفاه اللهُ من بين الخلائق مثل هذا, كيف يمكنُ أن يقعَ منه هذا الأمرُ المهول مكرٌ وخداع، وعشقٌ وغرام,إنها روايات ساقطة، وتأويلات هابطة، وكلامٌ فارغ ولولا أنَّ الذي كتبَ ذلك أئمةٌ كبار نعتزُ ونفتخرُ بهم، لما أضَعنا الجهدَ في تصويبِ أخطائهم، ولكنْ لما لهم من المكانةِ العظمى والمنزلةِ الكبرى في نفوس علماءِ الأمة, وطلبةِ العلم كان واجباً التنبيهُ إليها خشيةَ الاغترارِ بها، والانخداعِ بالأسماءِ اللامعةِ لمن كتبها .

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم،  واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .



الخطبة الثانية

الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين . أمَّا بعدُ:

وأما ابن كثير رحمه الله فقد أورد عند تفسيره لقوله تعالى: (( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً )) (النساء:64) .

أورد عند تفسيرها حكايةً غريبةً عن رجلٍ يقالُ لـه العُتبي، قال : كنتُ جالساً عند قبرِ النبيِ r فجاء أعرابيٌ فقال السلامُ عليك يا رسول الله، سمعتُ الله يقول : (( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) (النساء : 64) .

وقد جئتُك مستغفراً لذنبي ، مستشفعاً بكَ إلى ربِّي, ثم أنشأ يقول :

يا خيرَ من دُفنتْ بالقاعِ أعظمُه   نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنهُ

فطابَ من طيبهن القاعُ والأكمُ   فيه العفافُ وفيهِ الجودُ والكرمُ

قال العُتبي, ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني فرأيتُ النبيَّ عليه السلام  في النوم، فقال: يا عُتبي الحقْ الأعرابي فبشِّره أنَّ اللهَ قد غفَر له.

أيها الأحبةُ في الله : أوردَ ابنُ كثيرٍ هذه القصةِ الباطلة، ولم يعلقْ عليها بشيء ومضمونُها جوازُ التوسلِ بالنبيِ عليه السلام بعد موتِه، وهذا شركٌ خطيرٌ مخرجٌ من الملة، ومع ذلك أوردهُ ابنُ كثيرٍ في كتابه الذي قرأه ويقرأُه الملايين، دون أنْ يتعقبَ تلك القصةَ ببيانِ بطلانِها, وبطلانِ ما دلت عليه .

وقد طار بها القبوريونَ فرحاً، وقالوا : هذا إمامُكم ابنُ كثير أورد القصةَ وسكت عنها .

أيها المسلمون: اعلم إن هناك من يقول ، أنَّ تعقيبَ ابنِ كثير سقطَ من بعضِ النسخِ المخطوطة، وقد سبقتْ الإشارةُ إلى أنَّ الاعتذارَ عن ابنِ كثيرٍ وغيرِه من أئمتِنا شيءٌ,  والتنبيهَ إلى أخطائِهم شيءٌ آخر، ثم لا ينبغي أن تطغى عواطُفنا ومحبتُنا لأئمتِنا على صيانةِ عقائدنا، وتصويبِ مفاهيمنا .

اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ،  وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،

اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.

وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي

اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون .

المصدر: من هنا

هناك تعليق واحد:

  1. ابيات العتبي كأنها أبيات معاصرة ليس فيها روح الشعر العربي القديم والله اعلم.

    ينبغي البحث عن نقد ابيات العتبي من أهل الاختصاص في الشعر

    ردحذف