من كتاب كشف الشبهات
كشف الشبهة الثالثة: وهي أنهم مقرون بأن الله هو النافع الضار وإنما يسألونهم الشفاعة
كشف الشبهة الثالثة: وهي أنهم مقرون بأن الله هو النافع الضار وإنما يسألونهم الشفاعة
فَإِنْ قَالَ:
الكُفَّارُ يُريدُونَ مِنْهُمُ النَّفْعَ والضُّرَّ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ المُدَبِّرُ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ، وَالصَّالِحُون لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم أَرْجُو من اللهِ شَفَاعَتَهُم.
فَالجَوابُ:
أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18].
وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها.
فَالجَوابُ:
أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18].
وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها.
الشروح
شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (11) (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ) الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ؛ أَبُو جَهْلٍ وأَضْرَابُهُ: (يُرِيدُونَ مِنْهُمْ) يُرِيدُونَ مِن الآلِهَةِ الَّتِي يَدْعُونَ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ أَبْوابُ حَوَائِجِهم إِلَى اللهِ؛ فَهُم يُبَاشِرُونَهُم بالعِبَادَاتِ (وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ هو النَّافِعُ الضَّارُّ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ، والصَّالِحُونَ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم أَرْجُو مِنَ اللهِ شَفَاعَتَهُم) والمَالِكُ لَهُمْ والمطْلُوبُ هو اللهُ وَأَقْصِدُهُم ليَطْلُبُوا لي مِن اللهِ الشَّفَاعَةَ.
إِذَا انْتَقَلَ بَعْدَ كَشْفِ الشُّبْهَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وشَبَّهَ بِهَذِه الشُّبْهَةِ.
(12) (فالجَوَابُ) عَن هَذِه الشُّبْهَةِ (أَنَّ هَذَا قَوْلُ الكُفَّارِ) بِعَيْنِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ (سَوَاءً بِسَوَاءٍ) مَا وُجِدَ شَيْءٌ مُخَفَّفٌ بَلْ وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْهُم؛ فَإِنَّهُم مُقِرُّونَ بالرُّبُوبِيَّةِ؛ أَنَّ اللهَ هو المُدَبِّرُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَت الإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَوَّلَ الكِتَابِ، اقْرَأْ عَلَيْهِ الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى إِقْرَارِهِم بالرُّبُوبِيَّةِ المُتَقَدِّمَةِ، (وَاقْرَأْ عَلَيْهِ) الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُم مَا أَرَادُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ، مِنْهَا (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}) فَإِنَّ في هَذِه الآيَةِ حَصْرَ مَطْلُوبِهِم وهو شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ يَقُولُونَ: لَيْسَ لَنَا صَلاَحِيَةُ السُّؤَالِ مِن اللهِ فنَطْلُبَ مِنْهُم وَهُمْ يَطْلُبُونَ لَنَا مِن اللهِ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى.
(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}) فَفِي هَذِه الآيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُم قَصْدٌ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ وهو طَلَبُ الشَّفَاعَةِ إِلَى رَبِّ الجَمِيعِ.
(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}) فَفِي هَذِه الآيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُم قَصْدٌ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ وهو طَلَبُ الشَّفَاعَةِ إِلَى رَبِّ الجَمِيعِ.
(13) (واعْلَمْ أَنَّ هَذِه الشُّبَهَ الثَّلاَثَ هي أَكْبَرُ مَا عِنْدَهُم) هَذِه، والشُّبْهَتَانِ قَبْلَهَا: شُبْهَةُ انْتِفَاءِ الشِّرْكِ مَعَ الإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَشُبْهَةُ حَصْرِ الشِّرْكِ في عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وشُبْهَةُ أَنَّ الكُفَّارَ يُرِيدُونَ مِنْهُم وَأَنَّهُ لاَ يُرِيدُ مِنْهُم إِلاَّ الشَّفَاعَةَ (فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَهَا فِي كِتَابِهِ وفَهِمْتَهَا فَهْمًا جَيِّدًا فَمَا بَعْدَهَا أَيْسَرُ مِنْهَا) يَعْنِي: إِذَا صَارَ هَذِه سُهُولَةَ رَدِّ أَعْظَمِ شُبَهِهِم فَغَيْرُهَا بِطَرِيقِ الأَوْلَى أَسْهَلُ وأَسْهَلُ؛ تَجِدُ في النُّصُوصِ أَسْهَلَ شَيْءٍ الرَّدَّ عَلَيْهِم.
شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(10) قولُهُ: (فإن قالَ) يَعْنِي: هذا المشركُ: الكُفَّارُ يُرِيدونَ مِنهم؛ أيْ: يُرِيدونَ أنْ يَنْفَعوهم أوْ يَضُرُّوهم، وأنا لا أُرِيدُ إلاَّ مِن اللهِ، والصَّالِحونَ ليسَ لهم مِن الأمْرِ شيءٌ، وأنا لا أَعْتَقِدُ فيهم، ولكنْ أتَقَرَّبُ بهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لِيَكونوا شُفعاءَ.
فقُلْ لهُ: وكذلكَ المشرِكونَ الَّذين بُعِثَ فيهم رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، هم لا يَعْبُدونَ هؤلاءِ الأصنامَ لاعْتِقادِهم أنَّها تَنْفَعُ وتَضُرُّ، ولكنَّهم يَعْبُدونها لِتُقَرِّبَهم إلى اللهِ زُلْفَى، كما قالَ تعالى عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}، وقالَ: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفُعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}، فتَكونُ حالُهُ كِحالِ هؤلاءِ المشرِكينَ سَوَاءً بسَوَاءٍ.(11) قولُهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (هذهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ).
الشُّبْهةُ الأُولَى: قولُهم: (إنَّنا لا نَعْبُدُ الأصنامَ، إنَّما نَعْبُدُ الأولياءَ).
الشُّبْهةُ الثَّانيةُ: قولُهم: (إنَّنا ما قَصَدْناهُم، وإنَّما قَصَدْنا اللهَ عزَّ وجلَّ في العبادةِ).
الشُّبْهةُ الثَّالثةُ: قولُهم: (إنَّنا ما عَبَدْناهُم لِيَنْفَعونا أوْ يَضُرُّونا؛ فإنَّ النَّفعَ والضَّرَرَ بِيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولكنْ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى، فنحنُ قَصَدْنا شَفاعتَهم بذلكَ، يَعْنِي: فنحنُ لا نُشْرِكُ باللهِ سُبحانَهُ وتعالى)(4). فإذا تَبَيَّنَ لكَ انْكِشافُ هذهِ الشُّبَهِ، فانكشافُ ما بعدَها مِن الشُّبَهِ أَهْوَنُ وأَيْسَرُ؛ لأَِنَّ هذهِ مِنْ أقْوَى الشُّبَهِ الَّتي يُلَبِّسونَ بها.
الشُّبْهةُ الثَّالثةُ: قولُهم: (إنَّنا ما عَبَدْناهُم لِيَنْفَعونا أوْ يَضُرُّونا؛ فإنَّ النَّفعَ والضَّرَرَ بِيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولكنْ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى، فنحنُ قَصَدْنا شَفاعتَهم بذلكَ، يَعْنِي: فنحنُ لا نُشْرِكُ باللهِ سُبحانَهُ وتعالى)(4). فإذا تَبَيَّنَ لكَ انْكِشافُ هذهِ الشُّبَهِ، فانكشافُ ما بعدَها مِن الشُّبَهِ أَهْوَنُ وأَيْسَرُ؛ لأَِنَّ هذهِ مِنْ أقْوَى الشُّبَهِ الَّتي يُلَبِّسونَ بها.
حاشية الشيخ صالح العصيمي
(4) والأولى: تتعلق بالمعبود.
والثانية: تتعلق بكيفية العبادة.
والثالثة: تتعلق بالمقصود منها.
والثانية: تتعلق بكيفية العبادة.
والثالثة: تتعلق بالمقصود منها.
شرح فضيلة الشيخ صالح الفوزان
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا سَلَّمَ بأنَّ الدُّعاءَ لغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ، ولَكِنَّه قَالَ: أَنَا لاَ أَدْعُو النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ولاَ غَيْرَه، وهَذَا الَّذي أَفْعَلُهُ لَيْسَ دُعَاءً وإِنَّما هو طَلَبٌ لِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهل تُنْكِرُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-؟!
فإنَّك حينَئذٍ تَدْخُلُ مَعَهُ في خُصُومَةٍ أُخْرَى، وشُبْهَةٍ أُخْرَى وهي: أَنَّه سَمَّى دُعَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- والاسْتِغَاثَةَ بِهِ طَلَبًا للشَّفاعَةِ، ولَمْ يُسَمِّهِ دُعَاءً، ويَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ فَأَنَا أَطْلُبُ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ.
فتَقُولُ لَهُ: أَنَا لاَ أُنْكِرُ الشَّفَاعَةَ، وأُقِرُّ أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- حَقٌّ، وأَنَّه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، أَنَا لاَ أُنْكِرُ هَذَا، ولكنَّ الشَّفَاعَةَ لاَ تُطْلَبُ مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهو ميِّتٌ، وإنَّما تُطْلَبُ مِن اللهِ؛ لأَِنَّ الشَّفَاعَةَ مُلْكٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}فَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الشَّفَاعَةِ مُلْكٌ للهِ، ومَادَامَتْ مُلْكًا للهِ فَإِنَّها لاَ تُطْلَبُ إلاَّ مِمَّن يَمْلِكُهَا وهو اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى.
والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ ولاَ أَحَدٌ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ إلاَّ بإِذْنِ اللهِ، وإنَّما هي مُلْكٌ للهِ عَزَّ وجَلَّ، وأَيْضًا الشَّفَاعَةُ لاَ تَنْفَعُ كُلَّ أَحَدٍ وإنَّما تَنْفَعُ أَهْلَ التَّوْحِيدِ، وأَنْتَ لَسْتَ مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ؛ لأَِنَّك تَدْعُو غَيْرَ اللهِ.
فالشَّفَاعَةُ لَهَا شَرْطَانِ:
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَشْفُوعُ فيه مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ، لاَ مِن أَهْلِ الشِّرْكِ والكُفْرِ.
والدَّلِيلُ عَلَى الشَّرْطِ الأَوَّلِ: قَوْلُه: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ} لاَ المَلاَئِكَةُ ولاَ الرُّسُلُ ولاَ الأَوْلِيَاءُ ولاَ الصَّالِحُونَ، لاَ أَحَدَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
ودَلِيلُ الشَّرْطِ الثَّانِي: قَوْلُه تَعَالَى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}وهو لاَ يَرْضَى إلاَّ عن أَهْلِ التَّوْحيدِ.
فَلاَ تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ مِن المَخْلُوقِ، وإِنَّمَا تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ مِن اللهِ، فَتَقُولُ: اللهُمَّ شَفِّعْ فِيَّ نَبِيَّكَ، لاَ تَطْلُبْهَا مِن الأَمْوَاتِ.
وهذا الَّذي تَقُولُ: إنَّه طَلَبٌ للشَّفَاعَةِ هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ المُشْرِكِينَ، فإنَّ المُشْرِكِينَ حِينَمَا لَجَؤُوا إلى الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ، وإِلَى المَلاَئِكَةِ وإلى الأَنْبِيَاءِ، حِينَمَا لَجَؤُوا إلى هَؤُلاَءِ وطَلَبُوا منهم الشَّفَاعَةَ كَفَّرَهُمُ اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} فَهَذَا الَّذِي تَقُولُه هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ المُشْرِكِينَ، وهو عِبَادَةُ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ طَلَبًا لشَفَاعَتِهِم.
فتَقُولُ لَهُ: أَنَا لاَ أُنْكِرُ الشَّفَاعَةَ، وأُقِرُّ أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- حَقٌّ، وأَنَّه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، أَنَا لاَ أُنْكِرُ هَذَا، ولكنَّ الشَّفَاعَةَ لاَ تُطْلَبُ مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهو ميِّتٌ، وإنَّما تُطْلَبُ مِن اللهِ؛ لأَِنَّ الشَّفَاعَةَ مُلْكٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}فَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الشَّفَاعَةِ مُلْكٌ للهِ، ومَادَامَتْ مُلْكًا للهِ فَإِنَّها لاَ تُطْلَبُ إلاَّ مِمَّن يَمْلِكُهَا وهو اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى.
والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ ولاَ أَحَدٌ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ إلاَّ بإِذْنِ اللهِ، وإنَّما هي مُلْكٌ للهِ عَزَّ وجَلَّ، وأَيْضًا الشَّفَاعَةُ لاَ تَنْفَعُ كُلَّ أَحَدٍ وإنَّما تَنْفَعُ أَهْلَ التَّوْحِيدِ، وأَنْتَ لَسْتَ مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ؛ لأَِنَّك تَدْعُو غَيْرَ اللهِ.
فالشَّفَاعَةُ لَهَا شَرْطَانِ:
الشَّرْطُ الأَوَّلُ: أَنْ تُطْلَبَ مِن اللهِ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- ولاَ تُطْلَبَ مِن غَيْرِه.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَشْفُوعُ فيه مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ، لاَ مِن أَهْلِ الشِّرْكِ والكُفْرِ.
والدَّلِيلُ عَلَى الشَّرْطِ الأَوَّلِ: قَوْلُه: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ} لاَ المَلاَئِكَةُ ولاَ الرُّسُلُ ولاَ الأَوْلِيَاءُ ولاَ الصَّالِحُونَ، لاَ أَحَدَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
ودَلِيلُ الشَّرْطِ الثَّانِي: قَوْلُه تَعَالَى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}وهو لاَ يَرْضَى إلاَّ عن أَهْلِ التَّوْحيدِ.
فَلاَ تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ مِن المَخْلُوقِ، وإِنَّمَا تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ مِن اللهِ، فَتَقُولُ: اللهُمَّ شَفِّعْ فِيَّ نَبِيَّكَ، لاَ تَطْلُبْهَا مِن الأَمْوَاتِ.
وهذا الَّذي تَقُولُ: إنَّه طَلَبٌ للشَّفَاعَةِ هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ المُشْرِكِينَ، فإنَّ المُشْرِكِينَ حِينَمَا لَجَؤُوا إلى الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ، وإِلَى المَلاَئِكَةِ وإلى الأَنْبِيَاءِ، حِينَمَا لَجَؤُوا إلى هَؤُلاَءِ وطَلَبُوا منهم الشَّفَاعَةَ كَفَّرَهُمُ اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} فَهَذَا الَّذِي تَقُولُه هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ المُشْرِكِينَ، وهو عِبَادَةُ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ طَلَبًا لشَفَاعَتِهِم.
شرح الشيخ المحقق: صالح آل الشيخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق